بالخفاء وبآلاف الشواقل: المئات يفرّون من "إسرائيل" عبر البحر هربًا من الحرب

نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، تقريرًا يفصح عن توجه عددٍ كبير من الإسرائيليين إلى السفر في رحلات بحرية باهظة التكلفة إلى خارج "إسرائيل" هربًا من الحرب. إذ تحولت المارينا في مدينة "هرتسليا" خلال الأيام الأخيرة إلى ما يشبه محطة سفر مصغّرة؛ ففي ساعات الصباح، يصل إلى المكان أفراد وعائلات وهم يجرّون حقائبهم ويبحثون عن اليخت الذي من المفترض أن ينقلهم إلى قبرص، ومنها إلى أي مكان غير "إسرائيل".

هآرتس: المئات يريدون مغادرة إسرائيل عبر البحر هربًا من الهجمات الإيرانية

وتسرد الصحيفة في تقريرها أن هناك مجموعات فيسبوك "مخصصة لمغادرة البلاد عن طريق البحر". وعبر هذه الصفحات يتضح أن هناك مئات الأشخاص الذين يريدون مغادرة "إسرائيل" في رحلات بحرية، لاسيما في ظل الإعلان عن توجيهات حكومية جديدة صدرت لشركات الطيران الإسرائيلية، تقضي بعدم السماح للمواطنين الإسرائيليين بمغادرة البلاد، في حال تم تسيير رحلات لإجلاء الإسرائيليين العالقين في الخارج.

في هرتسليا، فإن أصحاب اليخوت الصغيرة في مارينات أخرى، مثل حيفا وأشكلون، ينظمون رحلات لعدد لا يزيد عن عشرة ركّاب. ويضيف التقرير: "في صباح أحد الأيام، تواجد في هرتسليا ما لا يقل عن مئة شخص"، فيما لم تتمكن سلطة السكان والهجرة حتى الآن من تقدير حجم الظاهرة.

معظم الركاب يقولون إنهم لا يقيمون في "إسرائيل" ويريدون فقط العودة إلى ديارهم، وآخرون ينضمون إلى أولادهم في الخارج. قلة فقط يعترفون بأنهم يفرون من الصواريخ الإيرانية. لا أحد منهم مستعد للحديث علنًا مع الصحفيين.

ويستعرض تقرير "هآرتس" قصص عدد من الإسرائيليين الذين يسعون للهروب من البلاد على النحو الآتي: 

"نير"، الذي يحمل حقيبة سفر وبعض الجعة، بدا الشخص الوحيد المرح. هو يقيم في كوستاريكا وكان في زيارة لإسرائيل في توقيت سيئ. يقول: "من كان يتوقع أن تتصاعد الأمور هكذا؟". الرحلة إلى لارنكا على اليخت الصغير ستستغرق 25 ساعة، ويضيف مبتسمًا: "كنت أعتقد أنها أقل، لكن لا بأس. إنها مغامرة – بالاسبانية 'أفنتورا'. هل تنضمين إلينا؟".

عندما سئلوا: "ماذا ستفعلون إذا تعرضتم للقصف بالصواريخ في عرض البحر؟"، فتحوا البوابة بقليل من القوة والتصميم، وبدأوا في السير بين اليخوت وأعلامها التي ترفرف نحو قارب آخر سيبتعد عن الصواريخ وصفارات الإنذار.

"يعال"، منظمة الرحلة، توافق على دعوته، وتقول: "جميع الركاب رجال، سأكون سعيدة بوجود عنصر نسائي". سيرافق نير خمسة رجال آخرين. وعندما سُئلوا إن كانوا يخشون ركوب البحر المفتوح، أجاب نير: "لدينا قبطان، فلا داعي للقلق". القبطان "غاي" يفضل البقاء بعيدًا عن الأضواء ولا يرغب بالتحدث. "شارون" (اسم مستعار) كانت تودع شريكها الذي سيتابع من قبرص إلى لندن للانضمام إلى أطفاله.

عندما سُئلت لماذا لا تنضم إليه، أجابت: "ابني هنا. سأبقى لأحميه"، وأضافت: "هناك الكثير من القوارب تغادر، الناس في حالة جنون".

بالنسبة لـ"عدي" (اسم مستعار)، فهذه رحلة باتجاه واحد، حيث قال: "أنا سأنتقل للعيش في البرتغال". شريكته تعيش هناك منذ فترة وأخبرته أن الوقت قد حان. وهو لا يخشى الرحلة لأنه قبطان ماهر. إلى جانبه كان يجلس "أليكس"، المقيم في الإمارات، ويبحر عائدًا إلى وطنه.

وعندما سئلوا: "ماذا ستفعلون إذا تعرضتم للقصف بالصواريخ في عرض البحر؟"، فتحوا البوابة بقليل من القوة والتصميم، وبدأوا في السير بين اليخوت وأعلامها التي ترفرف نحو قارب آخر سيبتعد عن الصواريخ وصفارات الإنذار. 

على الرصيف، كانت عائلة مكونة من والدين وابنهما البالغ تودع الأخير، الذي يعيش في كاليفورنيا ويعود الآن إلى منزله. قال: "عندما أدركت أن الرحلات الجوية لن تُستأنف قريبًا، اتصلت بوزارة النقل والسياحة، ونصحوني بالذهاب عبر شرم الشيخ أو الأردن لأن لدي جنسية أجنبية". وأضاف: "هناك إسرائيليون يفعلون ذلك، لكنني فضلت عدم المخاطرة". لديه خبرة في الإبحار، لذلك لا يخشى البحر، الذي من المفترض أن يكون هادئًا اليوم، بحسب القبطان.

في الإرشادات، يتم التطرق أيضًا لمواضيع حرجة مثل: المناديل الورقية في الحمام والتقيؤ. يوضح القبطان: "الأفضل أن يتقيأوا خارج اليخت، من الجهة الخلفية حتى لا يعود إلينا". ويوصي إلى جانب الأدوية، بأخذ ليمون أيضًا. ثم يضيف: "عندما يفتح السوبرماركت القريب، سنشتري بعض الحاجيات الناقصة ونقوم بإجراءات الخروج". ويعد بابتسامة أن يكون هناك وقت للأسئلة لاحقًا، ويقول: "لا وجهة لي، أنا دائمًا معكم".

تكلفة هذه الرحلة على هذا اليخت بلغت 2500 شيكل لكل راكب، وفقًا للمسافرين، لكن هناك من يطلب أكثر بكثير. يقول أحدهم: "طلبوا مني 6000 شيكل في مكان آخر، العرض والطلب، ومن يريد أن يدفع – يدفع".

لكن هناك فرق حسب نوع اليخت، ومستوى الراحة، وسرعته. "بعض اليخوت فيها غرف نوم، وبعضها يعمل على وقود الديزل وتصل إلى قبرص خلال 8 ساعات". وأوضح أحد القباطنة – الذي يملك يختًا تجاريًا مع تأمين – أن هناك أيضًا من يخرج بركاب دون أن يكون لديهم تأمين.

في زاوية أخرى من المارينا، توجد شركة تُشغّل بين 4 إلى 5 يخوت يوميًا. "هذا قليل جدًا"، يقول أصحابها.

في الخارج، تجلس مجموعة من رجال الأعمال الأمريكيين الذين جاؤوا في زيارة عمل، وقال أحدهم – من ولاية يوتا: "رغم كل شيء، كانت زيارة رائعة". امرأتان من روسيا وصلتا لزيارة أولادهما المقيمين في إسرائيل، وهما الآن في طريق العودة إلى ديارهما، إلى حرب أخرى هناك.

"ليا"، فتاة تبلغ 14 عامًا، تعيش مع أسرتها في مدريد، لكنها معتادة على زيارة أقاربها وأصدقائها في إسرائيل والسفر وحدها. إنها المرة الأولى لها على يخت، لكنها لا تخشى الرحلة ولا الحرب. تقول: "كان الأمر مرعبًا أكثر بالنسبة لوالديّ، لأنهما ليسا هنا. كنت في الغرفة المحصنة وشعرت بالأمان، لكنهما أرادا أن أعود فورًا".

زوجان وطفلهما البالغ من العمر أربع سنوات ينتظرون أيضًا الإبحار. إنهم الوحيدون الذين اعترفوا بهدوء أنهم يهربون من الحرب. تقول الأم: "سئمنا من الصواريخ".

وفي المكاتب المكيفة، كان هناك ثلاثة رجال سيقضون وقتًا طويلًا معًا على يخت صغير، وكانوا يتعرفون على بعضهم. وعندما سُئل أحدهم إن كان لا يخاف من الرحلة البحرية، أجاب: "وأنتِ، ألا تخافين من اليابسة؟".