توني بلير.. سيرة إداري للإيجار
7 أكتوبر 2025
"إنه مستعد للتضحية بوقته. إنه يريد حقًا إنهاء الحرب"، هذا ما قاله مصدر يعرف توني بلير، بعد صدور تقارير صحفية عن إمكانية توليه هيئة إدارية تحكم قطاع غزة، في اليوم التالي للحرب، لاحقًا أكدها ترامب في مؤتمره الصحفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مع قوله إنه سيكون رئيس، ما سيعرف باسم مجلس السلام. يظهر التصريح، بلير، المتقاعد بحكم سنه، والمستمر في جني الأموال من "الاستشارات"، بعد تاريخ يشكل تدمير العراق حصةً كبيرة، وكأنه يقدم خدمة لأهالي القطاع، بالموافقة على حكمهم.
بحسب صحيفة "الإيكونوميست"، أظهر توني بلير، حرصًا على حضوره في حرب غزة، زار إسرائيل عدة مرات، وكانت مؤسسته في لندن، قدمت صياغة لليوم التالي، من بين حوالي 12 خطة قدمت، لكن خطته، لم تقدم كاستشارة فقط، بل تضمنت دورًا له، يكون فيه مسؤولًا عن هيئة تُسمى السلطة الانتقالية الدولية في غزة (The Gaza International Transitional Authority -gita).
أظهر توني بلير، حرصًا على حضوره في حرب غزة، زار إسرائيل عدة مرات، وكانت مؤسسته في لندن، قدمت صياغة لليوم التالي، من بين حوالي 12 خطة قدمت
توني بلير، القادم من حزب العمال البريطاني، يظهر محتضنًا من ترامب ونتنياهو، إذ قال مسؤول إسرائيلي مطلع على المناقشات: "لقد دمج ترامب بعضًا من أفكار بلير في خطته للسلام. يجب أن يكون شخصًا مقبولًا لدى جميع الأطراف. الإسرائيليون يُعجبون بتوني بلير حقًا". كما أن العلاقات الشخصية بين بلير ونتنياهو دافئة أيضًا، وفقًا لأشخاص رأوهم معًا. وقال عضو سابق في فريق بلير خلال فترة عمله في اللجنة الرباعية للأمم المتحدة: "يمكنك دائما أن تلاحظ متى يكون هناك توتر في الغرفة، ومع بلير وبيبي يمكنك أن ترى أنهما يتفقان". ولم يفوت بلير فرصة امتداح جزء من خطته، بعدما عرضها ترامب، الذي تحدث كثيرًا في المؤتمر بصيغة الغائب عن نفسه، قائلًا إنها "جريئة وتُقدم أفضل فرصة لإنهاء عامين من الحرب والبؤس والمعاناة".
التصورات التي قدمها بلير، وصارت جزءًا من خطة ترامب، كانت بالشراكة مع جاريد كوشنر، صهر ترامب، واللاعب الأساسي في اتفاقيات أبراهام التطبيعية، الذي يمكن اعتباره صاحب جذور فكرة "ريفييرا الشرق الأوسط"، في قطاع غزة. كما تذكر مصادر إسرائيلية، أن تل أبيب قدمت مساهمة في وضع الخطة.
تسعى الهيئة التي يُقترح أن يديرها بلير إلى الحصول على تفويض من الأمم المتحدة لتكون "السلطة السياسية والقانونية العليا" في غزة، وتقترح بنية إدارية متعددة الطبقات، لن يحصل فيها أهالي القطاع على نصيب كبير، أو مهم، وسيكون رئيسها، أي توني بلير، أعلى سلطة تنفيذية سياسية في غزة، لكنه سيعمل "بالتشاور الوثيق" مع سلطة فلسطينية.
بموجب الخطة، سيكون الرئيس مسؤولًا عن الدبلوماسية - مع الدول الأخرى والمنظمات الدولية والجهات المانحة. وهذا يشمل "الدبلوماسية الأمنية الاستراتيجية مع الجهات الخارجية الفاعلة، بما في ذلك إسرائيل ومصر والولايات المتحدة".
تحدد الخطة معاييرَ يُفترض تحقيقها على مدار ثلاث سنوات، لكنها لا تُفصّل ما سيحدث بعد ذلك. وتنص على أن الهدف هو تسليم إدارة غزة للسلطة الفلسطينية في مرحلة ما، لكنها لا تُحدّد جدولًا زمنيًا لذلك.
وفق الخطة المفصلة المنشورة على "هآرتس"، سيضم المجلس إجمالًا ما بين سبعة وعشرة أعضاء، بمن فيهم "تمثيل قوي للأعضاء المسلمين"، لكن هل هذا يهم بلير حقًا؟ الجواب أن وجودهم لـ"ضمان الشرعية الإقليمية والمصداقية الثقافية". لكن، ما هي الشروط الواجب توفرها فيهم، أن "يحظوا بالدعم السياسي من بلدانهم، ويفضل أن يتمتعوا أيضًا بمصداقية تجارية راسخة".
بحسب الخطة، في السنة الأولى، لن يكون من المفترض أن يتواجد كبار مسؤولي الهيئة في غزة. بل سيديرون شؤون القطاع من العريش في مصر، بالإضافة إلى القاهرة وعمّان. وفي السنة الثانية، سيتمركزون جزئيًا في غزة، بينما لا تتوقع الوثيقة أن تصل غزة إلى "تنفيذ مستقر بقدرات محلية متمركزة في غزة" إلا في السنة الثالثة.
أمّا في قسم الأمن، فإن الهيئة ستكون لها السلطة العليا على الشؤون الأمنية من خلال مفوض الرقابة الأمنية. يقترح المشروع إنشاء ثلاث وكالات أمنية. الأولى هي وحدة حماية المسؤولين التنفيذيين، المسؤولة عن حماية أعضاء الهيئة ذاتها. أما الجهاز الأمني الثاني فهو قوة الشرطة المدنية، التي سيكون أعضاؤها "مُحَقَّقين مهنيًا" و"غير حزبيين". والوكالة الأخيرة، قوة الاستقرار الدولية، التي ستتولى مسؤولية تأمين المعابر الحدودية، والمنافذ البحرية المؤدية إلى غزة، والمناطق المحيطة بها قرب إسرائيل ومصر، بالتنسيق معهم.
الوثيقة تفصل ما تريده من المال، لها وليس للقطاع، إذ تقترح ميزانية 90 مليون دولار في السنة الأولى، و133.5 مليون دولار في السنة الثانية، و164 مليون دولار في السنة الثالثة. ولكن هذا المبلغ مخصص للنفقات الإدارية فقط، ولا يشمل النفقات الرئيسية مثل إعادة الإعمار وتلبية الاحتياجات الإنسانية في غزة.
يُعرف بلير في المنطقة، نتيجة دوره في غزو العراق 2003، الذي كان رافعة أساسية فيه، ومتحمسًا بشدة للحرب التي ستصير دموية، ولكن مآلاتها كانت متوقعة قبل بدايتها، وانطلقت استنادًا إلى تقارير كاذبة عن امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل. أدت الحرب إلى اتهامات عدة لرئيس الوزراء البريطاني العمالي، بالمسؤولية عن جرائم الحرب.
أمّا تاريخ بلير مع القضية الفلسطينية، فقد كان حاضرًا، ولكنه أقل مركزية من الدور الأميركي، عبر ما عُرف أساسًا في الرباعية الدولية، آلية تلاشى الحديث عنها، رغم وجودها حتى الآن، كانت قد حصلت على زخم في عهد بلير، نتيجة وجوده فيه لا نتيجة إنجازاته.
الرباعية الدولية.. آلية آفلة
في اليوم الذي تنحى فيه توني بلير عن رئاسة الوزراء البريطاني عام 2007، بعد 10 أعوام في المنصب، كانت تاريخية لحزب العمال من ناحية البقاء في السلطة، عُيّن مبعوثًا خاصًا للجنة الرباعية، وهي آلية فضفاضة المعالم، دون دور سياسي جدي، وصارت جزءًا من آلية إدارة الصراع فعليًا مع هيمنة الولايات المتحدة الكاملة عليها.
قبل ذلك، نُسب إلى بلير، الإسهام في دفع الرئيس الأميركي بوش المتردد إلى اقتراح "خارطة الطريق"، وهي جدول زمني لإقامة دولة فلسطينية لم يُحقق أي تقدم يُذكر، وكان نشرها مشروطًا على السلطة الفلسطينية، بتعيين شخصية موثوقة في رئاسة الوزراء. لكن عودة ذات فترة حضوره في الرباعية الدولية، أسس بلير شركته الاستشارية، وأصبح مستشارًا أول لبنك جي بي مورغان تشيس آنذاك، مما أثار انتقاداتٍ بأنه يمزج الدبلوماسية بالأعمال.
ومن غرفته في فندق أميركان كولوني في القدس الشرقية، بحث بلير قضايا مثل تفكيك الحواجز الإسرائيلية في الضفة الغربية و"رعاية اقتصاد فلسطيني أكثر حيوية"، مع طموحات سياسية قليلة، انتهت بعد 8 أعوام دون تحقيق تقدم يذكر، من شخص كان في صف إسرائيل دائمًا، كما يذكر من الفلسطينيين. خلال حقبته في الرباعية رد بلير على سؤال: "هل يعرض بنيامين نتنياهو عملية السلام للخطر؟"، بالقول: "أعتقد أنه صادق في رغبته في السلام. وأعتقد أن الفلسطينيين أيضًا يريدون السلام بصدق. لكن علينا أن نحرص على السعي الجاد لتحقيقه".
قبل تنحي بلير عن منصبه، زار قطاع غزة، بعد حرب الـ 50 يومًا في عام 2014، وبعد خروجه، كتب قائلًا: إن "الوضع الراهن في غزة يُمثل توبيخًا لنا في المجتمع الدولي، الذين قطعنا على مر السنين وعودًا كثيرة لم نفي بها، ولمن قُدموا إلى القيادة وفشلوا في توفيرها، وللسياسات الإسرائيلية والفلسطينية التي عجزت عن تهيئة الظروف للسلام. لقد كان شعب غزة ضحية هذا الفشل". كان ذلك، في ظل هموم بلير التي تتحدث عن إصلاح التعليم في العالم وزيارته محطات طاقة شمسية في أفريقيا وإلقاء محاضرات في الجامعات عن الأديان.
وصف الصحفي جوناثان كوك، السنوات الخمس الأولى من حقبة بلير في الرباعية الدولية، بأنها "تتجلى في إثراء سريع من خلال استشارات غامضة وصفقات تجارية مبهمة مع حكام الشرق الأوسط المستبدين، ودور رسمي (مُكرّس رسميًا لبناء الدولة الفلسطينية) يبدو أن نتائجه الرئيسية تتمثل في تعاسة السلطة الفلسطينية واستمرار الوضع الراهن".
ووفق مقال كوك، فإن دور توني بلير اقتصر على "التخفيف من أسوأ آثار الاحتلال ومحاولة إنعاش الاقتصاد الفلسطيني، لا سيما من خلال جمع التبرعات على مستوى عالٍ". مشيرًا إلى أنه نادرًا ما حاد عن صلاحياته الاقتصادية المحدودة، رغم أنه مجال يفتقر إلى الخبرة فيه. وكان بلير راضيًا بالمنصب ضمن هذا الإطار، على عكس سلفه جيمس وولفنسون، الذي سعى إلى دور سياسي، مما أدى إلى انتهاء مهمته سريعًا وفي أقل من عام، نتيجة صدام هادئ مع الخارجية الأميركية.
بلير الذي كان "فخورًا" في سيرته الذاتية بأنه عمل على ما وصفه بحزب العمال الجديد، بعد تعديلات غير مسبوقة في نظامه، تقاطع سريعًا مع المحافظين الجدد في أميركا، وكان شريكًا لهم في كافة تصوراتهم عن المنطقة، وبينما كان يكرس أقل من أسبوع شهريًا لمهمته في الرباعية الدولية، فإنه كان منشغلًا في الجوانب التقنية، ولم يلعب أكثر من هذا الدور، إلّا عندما كانت تطلب الإدارة الأميركية منه "التدخل نيابة عن إسرائيل".
ورغم أن التنمية الاقتصادية للسلطة كانت في صلب عمل بلير، أو عمله الوحيد إلى جانب المساهمة في "بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية"، إلّا أنّها عاش الإثراءً أيضًا، وقدرت صحف بريطانية بأن دخله السنوي وصل إلى نحو 20 مليون جنيه إسترليني، رغم أن وظيفته كممثل للرباعية الدولية كانت بلا أجر رسميًا.
وقال جوناثان كوك: "لم يُحقق بلير إنجازات تُذكر خلال سنواته كممثل للرباعية، لكنه يُفضل التباهي بإنجازاته تحديدًا: نجاحه عام 2009 في تأمين ترددات لاسلكية من إسرائيل للسماح بإنشاء شركة اتصالات خلوية فلسطينية ثانية"، مضيفًا: "مع ذلك، كان للاتفاق ثمن سياسي باهظ على الفلسطينيين. وافقت إسرائيل على إطلاق بعض الترددات - وإن كان أقل من العدد اللازم لتغطية الضفة الغربية بشكل صحيح - مقابل تخلي القيادة الفلسطينية عن محاولتها السعي، في الأمم المتحدة، للحصول على أدلة على جرائم الحرب الإسرائيلية المرتكبة في غزة خلال حرب 2008 -2009، كما هو موثق في تقرير غولدستون".
الغاز في غزة، كان واحدة من القضايا التي أثارت الأسئلة على مهمة بلير، إذ بذل جهودًا لمساعدة اتحاد شركات بقيادة بريطانية في حفر آبار الغاز الطبيعي في المياه الإقليمية الفلسطينية قبالة غزة. وهي طروحات بدأ فيها منذ عام 2003، وعاد ودافع عنه وهو في الرباعية الدولية، تشابك فيها مصالح اقتصادية مرتبطة في مصرف جي بي مورغان، بالإضافة إلى تقديرات بأن المشروع قدم بصورة تميل إلى إسرائيل تحت غطاء مساعدة الاقتصاد الفلسطيني، وهو جهد لم يحقق النجاح في المحصلة.
يُقيم جوناثان كوك، حقبة توني بلير في الرباعية الدولية، بالقول: "التركيز الضيق على التنمية كان في الواقع وسيلةً لإبقاء الوضع السياسي متعثرًا. وهكذا، استطاعت الولايات المتحدة، من خلال إنشاء منصب ممثل الرباعية، فصل الجوانب التقنية لعملية السلام عن جوانبها السياسية الفاشلة. ولعله من غير المستغرب أن تجد مهمة بلير في الإشراف على التنمية الفلسطينية وبناء المؤسسات مبررها في اللحظة التي انهارت فيها أخيرًا عملية السلام السياسية التي انطلقت بموجب اتفاقيات أوسلو".
في سنوات الرباعية الدولية، لم يدن بلير حصار غزة صراحة، باستثناء محدود بعد قضية سفينة مرمرة، وعايش أبرز الحروب الإسرائيلية على القطاع، من تلك التي بدأت في عام 2008 وحتى حرب 2014، ولم يقدم دفعة سياسية واحدة، ولم يسعى إلى أي تحريك جذري في الأزمة، وترك السلطة على حافة الإفلاس كما كان الأمر دائمًا، لكنه خرج أكثر ثراءً، مع تعقيدات أكبر، ويعود الآن إلى الواجهة في ظروف شبيهة من ناحية جذورها، أسوأ بكثير مما كانت عليه.

توني بلير واليوم التالي
يبدو أن بلير يعيش مع وعلى حروب المنطقة، في اليوم الأخير من عام 2023، كشفت تقارير إسرائيلية عن تواجد توني بلير في إسرائيل، مشيرةً إلى أنه عقد اجتماعات مع بيني غانتس، الذي كان عضوًا في حكومة الحرب، ونتنياهو، للتباحث بشأن اليوم التالي للحرب على قطاع غزة، ومحاولة إقناع دول بقبول لاجئين يتم تهجيرهم من غزة.
بعد صدور هذه الأنباء، عبرت الرئاسة الفلسطينية عن "رفضها الشديد لأية محاولات مشبوهة لتكليف المدعو توني بلير أو غيره بالعمل من أجل تهجير المواطنين من قطاع غزة"، معتبرة ذلك عملًا مدانًا ومرفوضًا.
وأضافت، يبدو أن توني بلير"يقوم باستكمال إعلان بلفور الذي أصدرته حكومة بريطانيا بمشاركة أميركية، والذي أسس لمأساة الشعب الفلسطيني، وإشعال عشرات الحروب في المنطقة". وقالت الرئاسة الفلسطينية، كما أننا "نعتبر توني بلير شخصًا غير مرغوب فيه في الأراضي الفلسطينية". لاحقًا في تموز/يوليو من العام الجاري، التقى رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، في توني بلير، بالعاصمة الأردنية عمّان، وفي ذاك اللقاء، أكد عباس، على ما كرره في خطاباته بالأمم المتحدة ومؤتمر حل الدولتين، حول شكل ومحددات الدولة الفلسطينية القادمة.
كانت تلك الزيارة، بداية سلسلة من الزيارات المنظمة إلى إسرائيل ودول عربية، ضمن انخراط بلير في نقاشات اليوم التالي. عمل خلالها بلير مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ولاحقًا مع صهر ترامب، جاريد كوشنر.
وبعد عام على مرور الحرب، دعا بلير إلى وجود طرف ثالث يحكم قطاع غزة، "ليس إسرائيل ولا حماس"، دون تحديد ماهية الطرف، معتبرًا أن ذلك سيكون جزءًا من "اتفاق سلام لبدء عملية إعادة الإعمار".
حضور بلير لم يقتصر على اليوم التالي، في أوائل الربيع، وزع الأميركيون والإسرائيليون وثائق تُعنى بوضع خطط لمؤسسة غزة الإنسانية، وقد وردت فيها تسمية بلير كشخصية بارزة، وربما رئيس، للجنة دولية تُشرف على المبادرة وتُضفي عليها مصداقية. وقال المخططون إنه وموظفو معهد توني بلير للتغيير العالمي شاركوا في عدد من الاجتماعات مع المجموعة قبل أن ينسحبوا في النهاية من المشروع الذي بات يعرف في غزة باعتباره مصيدة موت.
كما أشارت تقارير إخبارية إلى مشاركة بلير ومعهده في اقتراح تهجير مجموعات كبيرة من سكان غزة إلى دول أخرى. وفق "الفايننشال تايمز"، شارك معهد توني بلير في مشروع لتطوير خطة غزة لما بعد الحرب والتي تهدف إلى إعادة تنشيط اقتصاد القطاع من خلال "ريفييرا ترامب" و"منطقة التصنيع الذكية إيلون ماسك". الخطة التي تم عرضها في عرض تقديمي، قادها رجال أعمال إسرائيليون واستخدمت نماذج تم تطويرها داخل مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG) لإعادة تصور غزة كمركز تجاري مزدهر.
وقد اقترحت الخطة، التي حملت عنوان "الثقة العظمى" وتمت مشاركتها مع إدارة ترامب، دفع نصف مليون فلسطيني لمغادرة المنطقة وجذب المستثمرين من القطاع الخاص لتطوير غزة. ورغم أن معهد توني بلير لم يقم بتأليف أو اعتماد الشريحة النهائية، فقد شارك اثنان من الموظفين في معهد رئيس الوزراء البريطاني السابق في مجموعات رسائل ومكالمات أثناء تطوير المشروع، وفقا لأشخاص مطلعين على العمل.
وتضمنت هذه الوثيقة فكرة "ريفييرا غزة" بجزر اصطناعية قبالة ساحلها، شبيهة بتلك الموجودة في دبي، ومبادرات تجارية قائمة على تقنية بلوكتشين، وميناءً عميق المياه يربط غزة بالممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، و"مناطق اقتصادية خاصة" منخفضة الضرائب. وجاء في الوثيقة أن الحرب المدمرة في غزة "خلقت فرصة فريدة من نوعها لإعادة بناء غزة انطلاقًا من المبادئ الأولى... كمجتمع آمن وحديث مزدهر". وصرح معهد توني بلير لاحقًا بأنه شارك فقط في "وضع الاستماع". ويظهر بلير، وكأنه يعود إلى استئناف من كان عليه في رئاسة وزراء بريطانيا، إذ تحدث مؤخرًا عن نظرته باعتبار "غزة كنموذج أولي محتمل لدولة فلسطينية كاملة منذ عام 2005، عندما استضاف، بصفته رئيسًا للوزراء، مؤتمرًا في لندن بعد انسحاب إسرائيل من القطاع".
لكن حضور بلير الأبرز في حرب غزة، هو ذكره من ترامب في خطة إنهاء الحرب التي طرحها، باعتباره "رجلًا صالحًا"، وكان قبل هذا الإعلان قد شارك في مناقشات داخل البيت الأبيض، إلى جانب كوشنر وويتكوف، وانضم إليها الوزير الإسرائيلي رون ديرمر، وفيها وضعت معالم خطة بلير الأساسية.
إذ شارك في 27 آب/أغسطس، في اجتماع مع ترامب وويتكوف وكوشنر، والأخير يحتفظ بعلاقة خاصة مع بلير، فقد ساهم في إنجاح مشروع التطبيع الذي قاده مع الدولة العربية. في ذلك الاجتماع، عرضت "خطة" لإعادة إعمار القطاع، استمع لها ترامب باهتمام بالغ، وفق صحيفة "ذا أوبزرفر"، وقالت مصادر مطلعة إن هذا كان الاجتماع الحاسم الذي تخلى فيه الرئيس عن خطته لنقل الفلسطينيين إلى دول أخرى وتحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" التي تديرها الولايات المتحدة.
لم يكن هذا نتيجة تحولات جذرية في تصورات ترامب الفكرية، إذ قال أحد الأشخاص الذين يعرفون الرئيس الأميركي جيدًا، إنه "سيفعل أي شيء إذا اعتقد أنه سيُكسبه جائزة نوبل للسلام". ويصف آخر سياسته الخارجية بأنها "لماذا لا نصنع السلام جميعًا لنكسب المال؟".
وبعد إعلان المقترح الأميركي، فإن جزءًا من دور بلير كما يظهر، الترويج له، إذ يسعى لـ"وظيفة مستحقة"، وعلى أساسه رتبت له زيارة إلى مصر، بـ"وساطة" إماراتية، من أجل منحه "فرصة لعرض رؤيته وتصوره"، عن الإدارة الدولية في قطاع غزة، التي سيكون رئيسها تحت اسم مجلس السلام، ترامب المشغول جدًا، كما وصف نفسه في المؤتمر الصحفي مع نتنياهو، بينما سيديرها فعليًا توني بلير.
وحول بلير وحرب غزة، قال الكاتب الإسرائيلي يوسي فارتر، إنه "خلال الحرب، شوهد بلير أحيانًا وهو يصل إلى وزارة الأمن في الكرياه [مجمع أمني في تل أبيب]. هل تعرفون؟ سألتُ مرة [وزير الأمن الإسرائيلي السابق يوآف] غالانت، عندما صادفتُ رئيس وزراء بريطانيا الأسبق [توني بلير] عند مدخل المكتب. فأجاب: نحن أصدقاء منذ 20 عامًا، وعندما يريد أن يسمع الحقيقة، يأتي إليّ وليس إلى شخص آخر".

العجوز والبحر: عن جذور ريفييرا الشرق الأوسط
في كتاب جديد له، يروي بلير حكاية من شمعون بيريز، الرئيس الإسرائيلي الأسبق، عندها وجه سأل أحد خلفائه: "هل تريد أن تكون في كتاب التاريخ أم في كتاب الزوار؟"، وحثّ بلير: امضِ في الأمر! سيكون صعبًا، لكن إن لم تنهض لمواجهة التحدي، فسينتهي بك المطاف في سجل الزوّار!".
وبالتأكيد، فإن بلير في سجل زوار المنطقة دائمًا، حتى وهو في عمر 72، لكنه أيضًا في سجل تاريخها. كان بلير متورطًا في أبرز حروب المنطقة، وشريكًا في قتل نصف مليون إنسان بين العراق وأفغانستان، استخدم فيها بلير معلومات غير صحيحة ومضللة وفق لجنة تحقيق السير تشيلكوت، إذ استخدم "المشاعر" لا الحقائق في سعيه إلى تبرير غزو العراق والذهاب إليه.
عند اندلاع الربيع العربي، دعا بلير إلى سياسة أوروبية واضحة تجاه المنطقة، بما في ذلك تحذير الزعماء المستبدين في مختلف أنحاء الشرق الأوسط "بالتغيير أو أن يتغيروا". لكنه لم قارب الأمر أيضًا من وجهة نظر إسرائيل، معتبرًا أن الربيع العربي سوف يجعل من الصعب التوصل إلى اتفاق سلام فلسطيني، لأن "إسرائيل أصبحت أقل يقينًا بشأن طبيعة التهديد الذي تواجهه". ولعله من المفيد العودة إلى هذا التصريح بعد 14 عامًا ومقاربته مع ما يجري في الواقع.
وبينما يقول في المقدمة العربية لمذكراته المترجمة، إن "الواقع هو أن مشاكل المنطقة هي من صنع المنطقة نفسها"، فإن بلير، كما عرف، كان متورطًا في مشاكل المنطقة كافة، على شكل جرائم حرب في العراق وأفغانستان، واستشارات واستثمارات مع أنظمة مستبدة، تراوحت بين التكسب منها وتلميع صورتها، والترحيب بإسقاط أنظمة منتخبة ديمقراطيًا، وصولًا إلى كونه جزءًا من عملية إدارة الصراع العربي الإسرائيلي.
يقدم الطرح عن هيئة إدارة غزة بلغة الشركات التجارية، وهي مهام خبرها بلير في سنوات عمره ما بعد رئاسة وزراء بريطانيا، ويعرفها أكثر المطور العقاري جاريد كوشنر، صهر ترامب وأحد الشخصيات الفاعلة في صفقات أبراهام للتطبيع.
ولعل من هذه التصورات تنبع أفكار ترامب عن ريفييرا الشرق الأوسط، كان كوشنر أول من "امتدح واجهة غزة البحرية"، بعد أقل من 6 أشهر على بداية الحرب، ووصفها بـ"القيمة للغاية"، ولم يتوقف عند هذا الحد بل دعا إسرائيل إلى "تنظيف القطاع".
كوشنر الذي ساهم في اتفاقيات تطبيع تهمش القضية الفلسطينية قال في مقابلة بجامعة هارفارد في منتصف شباط/فبراير 2024، إنه "قد تكون عقارات غزة المطلة على الواجهة البحرية قيّمة للغاية... إذا ركّز الناس على بناء سبل عيشهم. الوضع هناك مؤسف بعض الشيء، ولكن من وجهة نظر إسرائيل، سأبذل قصارى جهدي لإجلاء الناس ثم تطهير المكان". وبالطبع فإن دعوة التهجير إلى مصر أو صحراء النقب كانت حاضرة، بقوله: "أعتقد أن هذا خيار أفضل، حتى نتمكن من الدخول وإتمام العمل". وردًا على سؤال حول ما إذا كان ينبغي للفلسطينيين أن يحصلوا على دولتهم الخاصة، وصف كوشنر الاقتراح بأنه "فكرة سيئة للغاية" و"ستكون في الأساس مكافأة لعمل إرهابي".
من المنطقي الافتراض، بأن هذه الأفكار، التي طرحها كوشنر قبل حوالي عام من عودة ترامب إلى البيت الأبيض، غذت خيالات قطب العقارات عن قطاع غزة، وكان جزءًا من التخطيطات التي طرحتها مجموعة بوسطن الاستثمارية، التي حضر اجتماعاتها مقربون من بلير، وتحمس لها ترامب إلى الحد الذي جعله يستعين بالذكاء الاصطناعي، لإنتاج مقطع يظهر فيه إلى جانب نتنياهو على شواطئ غزة.
لم يكن بلير بعيدًا أيضًا، وبينما شارك فريقه في جزء من هذه التصورات، سواء بالاستماع أو المساهمة، فإن بلير يرتكز على أرضية ترى في المنطقة فرصة استثمار، هذا ما يخبرنا تاريخه، يكترث بالأرض لا بالناس، وبالربح لا في مصير في البشر، وفي ماضي المنطقة لا حاضرها، هذا ما قاله في نهاية مقدمته للترجمة العربية من مذكراته، لم يذكر مصير البشر كثيرًا وعندما عاد إلى فلسطين تذكر الماضي لا حاضرها "المتخلفة بشدة".
يدون بلير النص بلغة الخبراء، وبلغة الغربي القادم إلى شرق متخيل، وهذا ما قاله: "أما هذه المنطقة فهي تفتقد كثيرًا القيادات الحقيقية... إذًا، ما هي الإمكانيات الموجودة في هذه المنطقة؟ يوجد سبب يجعل كل الأجانب عن المنطقة، مثلي أنا، الذين يأتون إلى الشرق الأوسط يجدون فيه نوعًا من السحر. تمتلك المنطقة، بطبيعة الحال قدرًا كبيرًا من القساوة والأحقاد المتوارثة، لكنها تحتفظ كذلك بجمالها وروحها. قمت في السنة الماضية بزيارة قرية صغيرة تدعى سبسطية، وهي تقع في التلال المجاورة لمدينة نابلس. تعاني هذه القرية التخلف الشديد على الرغم من أمجادها الغابرة. وتوجد في القرية كنيسة يعود تاريخها إلى القرن الخامس الميلادي. ويقول بعضهم إن رفات يوحنا المعمدان وُجد فيها. يقع في منطقة مجاورة جامع يحيى الذي يعود تاريخ بنائه إلى زمن صلاح الدين الذي حكم في القرن الثاني عشر، كما توجد على بعد مئات قليلة من الأمتار آثار يونانية ورومانية تغطي مساحة واسعة من الأرض التي لا يزال أحد القصور والمسارح المدرجة موجودين فيها. بزغ من هذه المنطقة الإلهام لأجمل الأديان في العالم، وكذلك أرقى الفنون والثقافات، لكن المنطقة غابت طويلًا جدًا عن الصفوف الأمامية للتقدم. والعالم ينتظر عودتها".
الأرض لا الناس، هذا هو جوهر أفكار الاستعمار الاستيطاني، وهكذا يرى بلير "سحر" الشرق الأوسط، تاريخ وماضي، وحاضر متخلف، وحجارة في قرية فلسطينية لم يتذكر أهلها عند حديثه عنها.
مصادر
الجزء الخاص عن دور بلير في الرباعية الدولية اعتمد على:
الاقتباسات من مذكرات بلير، من: طوني بلير، "مذكرات طوني بلير: مسيرة رئيس وزراء"، ترجمة: سعيد حسنية، تدقيق: محمد زينو شومان، (بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 2011).
الكلمات المفتاحية

الغارديان: الفلسطينيون لا يحتاجون فقط إلى الغذاء بل إلى مستقبل أيضًا
المساعدات الإنسانية عادت إلى التدفق جزئيًا لكنها تبقى غير كافية، مع تحذيرات المنظمات غير الحكومية من أن نظام التسجيل الجديد الذي تفرضه إسرائيل يعرقل عملية التسليم

هولندا: محكمة استئناف ترفض دعوى لمنع تصدير الأسلحة إلى إسرائيل
أيدت محكمة استئناف هولندية اليوم الخميس، قرارًا برفض دعوى رفعتها جماعات مؤيدة للفلسطينيين لمنع هولندا من تصدير أسلحة إلى "إسرائيل"

هآرتس: إسرائيل تنفق ملايين الدولارات لتحسين صورتها في الولايات المتحدة
الحكومة الإسرائيلية أبرمت سلسلة عقود بملايين الدولارات مع شركات تسويق ودعاية أميركية، لإعادة ترميم صورتها داخل الولايات المتحدة

الغارديان: الفلسطينيون لا يحتاجون فقط إلى الغذاء بل إلى مستقبل أيضًا
المساعدات الإنسانية عادت إلى التدفق جزئيًا لكنها تبقى غير كافية، مع تحذيرات المنظمات غير الحكومية من أن نظام التسجيل الجديد الذي تفرضه إسرائيل يعرقل عملية التسليم

قوة الإنفاذ الدولية... هل تعني عودة الاحتلال لغزة؟
التحوّل من "الحفظ" إلى "الإنفاذ" يُثير مخاوف فلسطينية مشروعة من أن تتحول هذه القوة إلى ذراعٍ أمنية دولية تعمل بما يخدم المصالح الأميركية والإسرائيلية

استطلاع إسرائيلي: الليكود ارتفع بمقعد واحد دون تغيّر توازن القوى
"معاريف": فيما يتعلق بالمزاج العام، قال 51% من المستطلعين إنهم متفائلون بمستقبل إسرائيل، بينما أعرب 38% عن نظرة متشائمة.

رئيس أركان الاحتلال يوصي بربط الإعمار بنزع السلاح ويرفض انسحاب المقاتلين من خلف الخط الأصفر
زامير في جلسة الكابينت: "يجب قتل المسلحين العالقين في رفح ولا أؤيد ترحيلهم"

