21-نوفمبر-2024
سرقة المساعدات في غزة.jpg

(Getty) كشف طه الأسطل مختار عائلة الأسطل، لـ"الترا فلسطين"، بأنّ "عائلات وعشائر قطاع غزّة، تعكف على إعداد وثيقة تتبرّأ فيها من لصوص شاحنات المساعدات، وترفع الغطاء عنهم"

تقود قوى الأمن التابعة لحكومة حركة حماس، في قطاع غزّة حملة أمنيّة على "لصوص المساعدات"، كان آخرها يوم الإثنين، حيث نفّذت عمليّة، انتهت بمقتل أكثر من 20 شخصًا، من عصابة تنشط في "سرقة المساعدات عند مرورها من معبر كرم أبو سالم، في منطقة يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي".

وحول هذه العمليّة، قال مصدر لـ"الترا فلسطين"، إنّ "ما حدث يوم الإثنين الماضي، لم يكن متوقّعًا، لكن يبدو أنّ ساعة الصفر قد حانت للعصابات والعملاء الّذي يعملون تحت جناح جيش الاحتلال، وينشطون في الأماكن الّتي يعتبرها جيش الاحتلال منطقة عمليّات خطرة جدًّا"، بحسب قوله.

بحسب مصادر خاصّة لـ"الترا فلسطين"، تنشط خمس عصابات في جنوب قطاع غزّة. واجهت الأجهزة الشرطيّة ثلاثة منها وتمكّنت من السيطرة على أفرادها

وأوضح المصدر المطّلع لـ"الترا فلسطين"، أنّه في يوم الإثنين، نحو الثالثة والنصف بعد الظهر، "تحرّكت 6 مركّبات من وحدة سهم باتّجاه القاطع الجنوبيّ لشارع صلاح الدين، ووصلوا إلى منطقة محطّة بهلول التابعة لرفح". وتابع المصدر: "كان اللصوص ينتظرون الشاحنات لسرقتها، فاشتبكت معهم قوّات وحدة سهم، وحصل تبادل لإطلاق النار كانت نتيجته 25 قتيلًا ونحو 100 إصابة". وبحسب المصدر: "فإنّ شقيق رئيس العصابة ’فتحي أبو شباب’، حاول الهرب مع أربعة آخرين بسيّارة، لكنّه قتل بقذيفة مع مرافقيه".

والاشتباكات بين الطرفين لم تنته في شارع صلاح الدين، بل استأنفت في المستشفى الأوروبّيّ، حيث حدث اشتباك آخر بين قوى الأمن التابعة لحركة حماس، و"اللصوص"، وخلاله قتلت مجموعة أخرى منهم. ويصنّف الاحتلال شارع صلاح الدين الفاصل بين خانيونس ورفح، بأنّه "منطقة قتال خطرة"، وهي المنطقة الّتي تمرّ عبرها الشاحنات قادمة من معبر كرم أبو سالم، وفيها تسرق شاحنات المساعدات عادة، إذ في يوم السبت الماضي، سرقت 98 شاحنة.

وتتمركز عصابة "ياسر أبو شباب" و"شادي صوفي" في منطقة الشوكة غربيّ رفح، ويتحرّكون في مناطق قريبة من جيش الاحتلال، حيث قاموا بعمل سواتر في المنطقة، ويتسلّحون في بنادق آليّة. وأصدرت عائلة، أبو شباب، بيانًا يوم الثلاثاء، تعلن فيه "البراءة من هذه الأفعال والتصرفات الفردية.. ومن كل شخص يقطع الطريق.. ورفع الغطاء العشائري أمام كل الجهات الرسمية والشعبية لكل من يثبت ضلوعه في أي حدث أو فعل أو تصرف مشين"، دون أن يذكر البيان أي شخص بالاسم.

وتنتظم هذه العصابات، على أساس عائليّ في الغالب، ويصل تعداد الواحدة منها إلى 100 شخص، تنشط في المناطق الشرقيّة من جنوب القطاع، ويقودها هاربون من سجون حكومة غزّة، من بينهم من حُكم بالإعدام على خلفيّة جرائم قتل، مثل "شادي صوفي"، الّذي اعتقلته أجهزة الأمن في غزّة، قبل عدّة سنوات، في عمليّة مصوّرة، بعد مطاردته لعدّة أشهر، على خلفيّة تنفيذه "جريمة قتل"، بحق الأسير المحرر جبر القيق. يشار إلى أنه خلال الأشهر الماضية، حاولت أجهزة الأمن التابعة للحكومة في قطاع غزة، اعتقال أو قتل شادي الصوفي، دون نجاح.

وتعتبر عصابة "ياسر أبو شباب"، هي الأبرز في سرقة المساعدات في قطاع غزّة، وفي أعقاب العمليّة الأمنيّة، قام أفراد من العصابة، يوم الثلاثاء، بإغلاق شارع صلاح الدين جنوب قطاع غزّة، وحرق شاحنة وقود، وسرقة أخرى، ومنعوا بقيّة الشاحنات من المرور إلى معبر كرم أبو سالم، وذلك ردًّا على "مقتل أفراد من العائلة" في العمليّة الأمنيّة. أمّا "شادي صوفي"، فإنّه في سلسلة من المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعيّ، قام بتهديد عناصر من الشرطة في غزّة، كما اتّهم "ياسر أبو شباب"، بالوقوف خلف ظاهرة سرقة المساعدات.

وبحسب مصادر خاصّة لـ"الترا فلسطين"، تنشط خمس عصابات في جنوب قطاع غزّة. واجهت الأجهزة الشرطيّة ثلاثة منها وتمكّنت من السيطرة على أفرادها، فيما تواصل عصابتان نشاطهما في منطقة دوار "كفّ ميراج" برفح، على مساحة تقدّر بخمسة كيلومترات، حيث تتمركز قوّات الاحتلال. ويقود إحداهما "ياسر أبو شباب"، بينما يتزعّم العصابة الأخرى فرد من عائلة أبو حصين، ويعاونهما سجين سابق بتهمة القتل يدعى "شادي الصوفيّ". ووفق المصدر، فإنّ اشتباكًا قد وقع بين وحدة "سهم" وعصابة "ياسر أبو شباب" في منطقة "كفّ المشروع" على مدخل رفح من جهة شارع صلاح الدين، وهو مفترق رباعيّ يؤدّي إلى رفح وخانيونس والشوكة ورفح ومعبر رفح، لكنّ تدخّل قوّات الاحتلال بالمدفعيّة أدّى إلى استشهاد خمسة من عناصر وحدة "سهم" وفرار "اللصوص".

وحدّدت مذكّرة داخليّة للأمم المتّحدة، حصلت عليها صحيفة "واشنطن بوست"، ياسر أبو شباب، وهو ينحدر من قبيلة الترابين الّتي تمتدّ في جنوب غزّة وصحراء النقب وشبه جزيرة سيناء في مصر، باعتباره "الطرف الرئيسيّ والأكثر نفوذًا الّذي يقف وراء النهب المنهجيّ الواسع النطاق" لقوافل المساعدات. وفي الشهر الماضي، خلصت مذكّرة داخليّة للأمم المتّحدة حصلت عليها صحيفة "واشنطن بوست" إلى أنّ العصابات "ربّما تستفيد من تمييز/إحسان سلبي إن لم يكن إيجابيًّا" أو "حماية" من القوّات الإسرائيليّة. وذكرت المذكّرة أنّ أحد زعماء العصابات أنشأ "مجمّعًا عسكريًّا" في منطقة "مقيّدة وخاضعة لسيطرة ودوريّات قوّات الدفاع الإسرائيليّة". وقد طالبت المنظّمات الإنسانيّة السلطات الإسرائيليّة مرارًا بالموافقة على معابر وطرق أخرى تسمح لها بتجاوز العصابات. وعلى مدى أشهر، كما روى العاملون في مجال الإغاثة، تمّ تجاهل هذه المناشدات: "الطريق الوحيد الّذي يقدّمونه لنا هو من خلال اللصوص مباشرة"، وفق "واشنطن بوست".

ووفق العديد من كبار المسؤولين في الأمم المتّحدة، فإنّ مثل هذه "السرقة الوقحة لا يمكن أن تتمّ دون موافقة القوّات الإسرائيليّة". وقال أحدهم: "ربّما يكون هؤلاء الأشخاص هم الأشخاص الوحيدون في غزّة الّذين يستطيعون الابتعاد مسافة 100 متر عن دبّابة إسرائيليّة أو جنديّ إسرائيليّ، دون أن تطلق النار عليهم"، وفق ما جاء صحيفة "الفايننشال تايمز". وبحسب عدة مصادر، لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، فإن "ضباطًا من وحدة منسق أنشطة الحكومة في الأراضي الفلسطينية، أوصوا بالعمل من خلال شركة تدفع لها الإتاوات مقابل حماية الشاحنات"، إذ تشير الصحيفة إلى أن "العصابات توقف الشاحنات بعد مرورها في معبر كرم أبو سالم من خلال حواجز مرتجلة أو بإطلاق النار على الإطارات. ثم تطلب العصابات ’رسوم عبور’ قدرها 15 ألف شيكل (4000 دولار). وأي سائق يرفض هذا يخاطر بالتعرض للاختطاف أو سرقة محتويات شاحنته. ولمنع حدوث ذلك، توافق بعض المجموعات على الدفع. وعادة ما يتم الدفع من خلال شركة فلسطينية تعمل كوسيط".وخلال جولة للصحافيين مع قوات الجيش الإسرائيلي في شمال غزة، شاهد المراسلون قافلة مساعدات متجهة نحو الجنوب. وقال لهم أحد الضباط: "بعد 500 متر أخرى، سوف يتم نهبهم".

وبحسب المعلومات الّتي وصلت "الترا فلسطين"، فإنّ عصابات اللصوص لا تستهدف الشاحنات جميعها، بل تستهدف بعضها. وقالت المصادر: "لم تستهدف شاحنات مؤسّسة أنيرا، وهي منظّمة غير حكوميّة أميركيّة، وكذلك الشاحنات القادمة للمستشفيات الميدانيّة الإماراتيّة في قلب مدينة رفح والأميركيّ الموجود في بلدة الزوايدة وسط قطاع غزّة والشاحنات الّتي تخصّ التجّار، فيما يستهدف اللصوص بشكل مباشر شاحنات الأونروا". وأشارت مصادر مطّلعة لـ"الترا فلسطين"، إلى أنّ "الشاحنات الّتي تدخل للمستشفى الإماراتيّ ومؤسّسة أنيرا الأميركيّة، تحميها مسيرات الكوّاد كابتر".

وفيما يستأجر التجّار مسلّحين من عائلات معروفة لتأمين حماية شاحناتهم بعشرات آلاف الشواكل، تبقى شاحنات "الأونروا" الهدف الأسهل و"الّذي يدفع الاحتلال باتّجاه سرقتها عبر توفير المعلومات عنها"، وانطلاق العصابات من المناطق الّتي يسيطر عليها الاحتلال بهدف إنهاء عمل الأونروا في قطاع غزّة.

وأشارت مصادر رسميّة من الحكومة في غزة، لـ"الترا فلسطين"، إلى أنّ العصابات المسلّحة قامت، يوم الأحد، الماضي 17 تشرين الثاني/نوفمبر، بسرقة 139 شاحنة طحين لـ"الأونروا" من أصل 150 شاحنة دخلت لقطاع غزّة، ما أدّى إلى إغلاق مخابز جنوب القطاع، ووصل ثمن كيس الطحين إلى أكثر من 800 شيكل.

في السياق ذاته، تعمل قوى الأمن في وزارة الداخليّة التابعة لحكومة غزّة، على محاصرة بيع البضائع المسروقة، ولذلك يتمّ إيقاف أيّ بضائع قادمة من منطقة "قيزان النجّار"، والتأكّد من أنّ القادمين لا يحملون بضائع مسروقة. وحذّرت وحدة "سهم" عبر بيان رسميّ نشرته يوم الثلاثاء 19 تشرين الثاني/نوفمبر، الشراء والبيع من عصابات اللصوص، وجاء في البيان: "نحذّر وبشكل صارم كلّ من يشتري أو يبيع أو يتوسط مع اللصوص وقطّاع الطرق في البضائع المسروقة والمنهوبة في منطقة الأوروبّيّ ومحيط ميراج، ومن الآن سيتعامل بكلّ حزم مع التجّار والبائعين المتعاونين مع اللصوص أذناب الاحتلال"، وفق ما ورد في البيان.

ويقصف الاحتلال أيّ تواجد للشرطة، الّتي ترافق القافلات من داخل مركّبات أو بشكل متّخف، حال تواجدهم في منطقة محيط ميراج أو قيزان النجّار أو التحلية وهي الطرق الّتي يستخدمها اللصوص لإدخال البضائع الّتي استولوا عليها من الشاحنات، وكان آخر استهداف للاحتلال، يوم الأحد الماضي، حيث قصف ستّة من رجال الأمن.

وفي السياق نفسه، كشف طه الأسطل مختار عائلة الأسطل، لـ"الترا فلسطين"، بأنّ "عائلات وعشائر قطاع غزّة، تعكف على إعداد وثيقة تتبرّأ فيها من لصوص شاحنات المساعدات، وترفع الغطاء عنهم". وقال الأسطل، إنّ "العائلات تكتب هذا الإعلان باسم كلّ العائلات والوجهاء والمخاتير، بحيث يرفع الغطاء والبراءة من هذه الفئة"، الّتي وصفها بـ "الضالّة وأذناب الاحتلال وأعوانه". وقال طه الأسطل، إن "هناك توافقًا بين العائلات وبين الأجهزة الأمنية على محاربة هذه الظاهرة".

وأضاف: "هؤلاء اللصوص من أبناء عشائر معروفة، وقد تواصلوا مع كبار العائلات الأخرى على أساس أن هذا الموضوع يجب حله عشائريًا". وتابع الأسطل "بعضهم أفراد من عائلات لدينا علاقات قوية بهم، ولكن للأسف الشديد يعيشون في المناطق الحمراء ولا نستطيع الوصول إليهم لا نحن ولا الأجهزة الأمنية؛ لأن عليهم رعاية إسرائيلية".

وكان وفد من مدراء عدد من المؤسّسات الأمميّة العاملة في الأراضي الفلسطينيّة، على رأسها مدير مكتب الأمم المتّحدة لتنسيق الجهود الإنسانيّة في الأراضي الفلسطينيّة، قد زار ديوان عائلة الأسطل، يوم الإثنين، واجتمع بوفد من وجهاء ومخاتير القطاع.

في هذا السياق، قال الأسطل، إنّ "وجهاء ومخاتير عائلات غزّة استقبلت وفدًا من المؤسّسات الدوليّة، والهدف الوحيد من الزيارة كان تأمين وصول المساعدات إلى مستحقّيها، حيث أبلغتهم المؤسّسات، أنّها تعاني من السطو والسرقات وقطّاع الطرق، وهم يريدون من العائلات تأمين هذه الشاحنات كون الأجهزة الأمنيّة في قطاع غزّة غير قادرة على تأمين هذه الشاحنات وغير قادرة على النزول إلى الشارع، وهم يبحثون عن بديل لتأمين هذه الشاحنات كي تصل المساعدات".

وحول ردّهم على المؤسّسات، أفاد الأسطل "قلنا لهم إنّ هذه العمليّات تتمّ في المناطق الحمراء وتحت السيطرة الإسرائيليّة، ونحن نستطيع المساهمة والمساعدة على تأمين المساعدات في المناطق الخضراء، وسبق أن قمنا بذلك لعدد من الجمعيّات، ولكنّ عمليّات السطو تجري في المناطق الحمراء تحت غطاء إسرائيل، ولا نستطيع الوصول إليها، ولا المؤسّسات الدوليّة إلّا بالتنسيق مع الاحتلال، وبالتّالي نحمّل الجيش الإسرائيليّ المسؤوليّة عن ما يجري من مجاعة وإسناد لقطّاع الطرق".

وحول ما إن "كان الهدف من الزيارة تقديم عرض لهم من الاحتلال كي يكونوا بديلًا عن الحكومة في غزّة في إدارة شؤون مناطق القطاع"، نفى الأسطل "تلقّ أيّ دعوة رسميّة في الجلسة الأخيرة بأن يكونوا بديلًا لأحد"، دون أن ينكر حدوث ذلك في جلسات سابقة. وكشف الأسطل في حواره مع "الترا فلسطين"، بأنّه سبق واجتمع بهم عبر المؤسّسات الدوليّة، وطلبوا منهم بشكل صريح التعاون عبر المخاتير والعائلات، وهو خيار رفضوه.

وحول زمان تقديم هذا العرض لهم، قال الأسطل "تواصل الاحتلال معنا عبر المؤسّسات الدوليّة في بداية الحرب بأن نستلم المساعدات، وأن يتعامل معنا الجيش الإسرائيليّ، وأن نكون بديلًا عن الحكومة القائمة وهذا كلام مرفوض". وتابع مختار عائلة الأسطل "لن نسمح بأن نكون بديلًا لأحد ولا لأيّ جهة أمنيّة".

يشار إلى أنّنا تواصلنا مع مكتب الأمم المتّحدة لتنسيق الشؤون الإنسانيّة "أوتشا"، كون مدير المؤسّسة كان على رأس الحاضرين في اجتماع العشائر للتعليق على ما ورد على لسان الأسطل، إلّا أنّ المؤسّسة رفضت التعقيب في الوقت الحاليّ.

شهادات على السرقة

وتنشط "عصابات اللصوص"، في المناطق شديدة الخطورة، والّتي يطلب من أهالي قطاع غزّة الإخلاء منها، وتعتبر منطقة نشاط عسكريّ، إذ يسلبون المنازل، ويحضرون جثّامين الشهداء من تلك المناطق، مقابل مبالغ ماليّة كبيرة.

وقالت عائلة الشهيد ساهر الحلّاق، لـ"الترا فلسطين"، إنّ ساهر ذهب لتفقد منزل شقيقته في مشروع "حيّ الأمل" غرب مدينة خانيونس، ولجلب بعض الأغراض خلال اجتياح المدينة في شهر نيسان/أبريل الماضي. وتابعت العائلة: "كان ساهر يريد جلب بعض الأغراض من بيت شقيقته ويتفقّده لحمايته من اللصوص، لكنّ جيش الاحتلال أطلق عليه الرصاص من طائرة الكوّاد كابتر ما تسبّب في قتله أمام منزل شقيقته، ثمّ دفنته جرّافات جيش الاحتلال".

وتستغرب العائلة: "كيف يستطيع بعض الأشخاص الوصول لمنازل المواطنين وسرقتها، وليس أخذ بعض الأغراض فقط، بل يصل الأمر لوجود شاحنات تنقل كلّ أثاث المنزل، دون أن يتعرّض لها جيش الاحتلال".

وهذا ما حدث مع عائلة محمّد الخطيب في مدينة حمد غرب مدينة خانيونس، إذ خلال الاجتياح الأخير للمدينة، ورغم عودته إلى منزله بعد انسحاب الجيش بشكل مباشر، إلّا أنّه وجد منزله قد سرق بشكل كامل، بما في ذلك الأبواب الخشبيّة وألواح الطاقة الشمسيّة وكلّ عفش المنزل. وتساءل محمّد: "متى سرق المنزل؟ المؤكّد أنّه خلال وجود الجيش في المدينة، السؤال الأهمّ كيف سمح لهم بدخول وسيلة نقل لحمل كلّ أثاث البيت، وهذا لم يحدث لشقّتي فقط، وإنّما للشقق جميعها في العمارة الّتي أسكنها".

وليس ببعيد عن مدينة حمد، قال خالد موسى، إنّ بعض الأشخاص في شهر كانون الثاني/يناير الماضي، قاموا بـ"سرقة بطّاريّات السيّارات الّتي توجد في أحد شوارع منطقة الحيّ الإماراتيّ غرب مدينة خانيونس". وقال موسى لـ"الترا فلسطين"، شعرنا بوجود اللصوص، ونادينا على بعضنا في الحيّ، وخرجنا مسرعين، ولكن كان مع اللصوص "توك توك" يتنقّلون به، وحاولنا ملاحقتهم، لكنّهم توجّهوا لشارع رقم خمسة، وهو مكان وجود الجيش الإسرائيليّ، وتابع "تحرّكوا بكلّ أريحيّة في الشارع، بينما أطلقت النار علينا من قبل دبّابات الجيش عندما اقتربنا منه لنعود أدراجنا خوفًا من قتلنا".

السرقة لا تقتصر على الرجال فقط، بل تصل إلى النساء، وبحسب مصدر أمنيّ لـ"الترا فلسطين"، في إحدى مدارس دير البلح المطلّة على البحر غرب المدينة ألقي القبض خلال شهر آذار/مارس الماضي، على السيّدة تدعى "أمّ جاسر"، وهي "تسرق الجولات من داخل الخيام، وغرف إحدى المدارس". وتابع المصدر الأمنيّ، من يرى أمّ جاسر لا يخطر على باله أنّ "هذه المرأة الّتي لم تتجاوز عامها العشرين، ترتكب جريمة من هذا النوع، لا سيّما أنّ وضع زوجها المادّيّ جيّد". ووفق، قول المصدر، فإنّ "المفاجئة لدى الأمن، كانت بكون أمّ جاسر تعمل لصالح جيش الاحتلال، وأنّ شقيقها الّذي يعيش خارج قطاع غزّة هو من جندها بعد وعدها بإخراجها من قطاع غزّة عند فتح معبر رفح البرّيّ"، بحسب قوله.

وخلال التحقيق معها والّذي استمرّ لعدّة ساعات، تبيّن أنّ "مهمّتها سرقة الجولات داخل المدارس لأشخاص معيّنين، وتسليمها عند نقطة يحدّدها الجيش، أو في منطقة عسكريّة ممنوع التحرّك فيها". وبحسب ما قاله المصدر الأمنيّ لـ"الترا فلسطين": "في بعض الأحيان أرجع الجوّال لصاحبه بناء على طلب جيش الاحتلال، وفي حالات أخرى كان يقصف مركز الإيواء".

أمّا في المخيّم الجديد في النصيرات وسط قطاع غزّة، والّذي يعتبر منطقة أمنية عسكريّة خطرة، يقف عدد من سكّان المنطقة في حالة من "الاستغراب بعد تعرّض منازلهم للسرقة، رغم أنّه يتمّ استهداف كلّ ما يتحرّك في هذه المنطق".

وعلى حدّ قول المصادر: "عند متابعة المنطقة من قبل الأمن، تبيّن أنّ هناك سيّدة هي المسؤولة عن عمليّات السرقة في المنطقة. ورغم إخلاء جميع سكّان المنطقة، إلّا أنّ سيّدة لم تترك منزلها، وكانت تتحرّك ما بين منزلها والسوق لبيع ما يسرق من داخل هذه المنازل". وأضافت المصادر التابعة للأمن في الحكومة غزة: "ألقى شبّان القبض على السيّدة، وهي تفتّش جثّامين الشهداء، وبعد تسليمها إلى أقرب نقطة أمن هشّمت أرجلها مع مصادرة هاتفها النقّال، بسبب عدم وجود مراكز توقيف للشرطة إذ دمّرها الاحتلال جميعها"، وفق ما ورد.

كما يعمل "اللصوص" في مهنة أخرى وهي إحضار جثّامين الشهداء المدنيّين من أكثر الأماكن خطورة مقابل مبالغ ماليّة تتراوح من 500 إلى 3000 دولار للجثمان الواحد. ويقول مواطن من عائلة الجمل لـ"الترا فلسطين": "لجأت عائلتي إلى أحد اللصوص لإحضار جثمان أحد أقربائي ونجله اللّذين ذهبا لجلب بعض الأغراض من منزلهم في رفح". وتابع:"يطلب اللصّ عادة مبلغ حسب المكان، وقد دفعت عائلتي 500 دولار مقابل كلّ جثمان، وأعرف أنّ هناك من دفع مبالغ أكثر حسب المكان، لكن لا أحد غير اللصوص الّذين لديهم علاقة مباشرة مع المنسّق أو أحد الضبّاط يستطيع الدخول للأماكن الخطرة، لذلك أصبحت هذه مهنة إضافيّة للصوص"، وفق قوله.

ماذا تقول وزارة الداخليّة؟

ومن جانبه، قال مصدر أمنيّ في وزارة الداخليّة التابعة للحكومة في غزّة، لـ"الترا فلسطين"، إنّ أيّ "شخص يضبط أو يتعرّف على هويّته وهو يسرق يُتَعَامَل معه حسب القانون الثوريّ وتحديدًا من يثبّت عليه عمليّات سرقة كبيرة"، وفق قوله. وأضاف: "أمّا الّذين يقومون بسرقات بسيطة، فيكتفي رجال الأمن بأخذ تعهّد وكفلاء بعدم العودة إلى السرقة، لكنّ الجميع يفتح لهم ملفّات لدى وزارة الداخليّة، للنظر فيها بعد انتهاء الحرب".

وفي الوقت نفسه، يبيّن المصدر أنّه "لا يمكن تسمية ما يحدث ظاهرة، فمثلًا في المنطقة الوسطى لا يوجد عمليّات سرقة المنازل والوضع مضبوط، وهناك تقريبًا سيطرة على الوضع الأمنيّ"، وتكمن المشكلة في "الأماكن الّتي يتمّ فيها اجتياح المناطق مثل منطقة المغازي والبريج، حيث يبدأ اللصوص في دخول المربّعات والمخيّمات بعد انسحاب جيش الاحتلال بشكل مباشر".

ووفق المصدر، فإنّ أجهزة الأمن التابعة للحكومة في غزّة، تحاول مواجهة سرقة المنازل، بناء على "تنفيذ العديد من الإجراءات المباشرة، كإرسال قوّة شرطيّة مدنيّة لضبط الوضع، أو وضع مجموعات على المفترقات الطرق، وهذا الأمر لمس خلال اجتياح شرق مستشفى شهداء الأقصى، حيث ضُبِط الوضع ومنع سرقة المستشفى والمنازل والمؤسّسات المختلفة".

وعن تحديد هويّة العصابات أو الأفراد المتورّطين في عمليّات السرقة، قال المصدر: "هناك تحديد لأغلب الأفراد، وعلى سبيل المثال تمّ تحديد بعض المجموعات الصغيرة من ثلاثة أشخاص أو أربعة أشخاص من الّذين سرقوا سيّارات السولار المتعلّقة بالوكالة، حيث رصدوا والتعامل معهم، ميدانيًّا وتحريزها وإرجاعها لوكالة الغوث"، وفق قوله.

كما تمّ التعرّف على "عدد من اللصوص وهم يسرقون سيّارات المواطنين على شارع صلاح الدين حيث ثمّ التعامل معهم، والأمر نفسه لمن حاول سرقة معارض الذهب عبر إشهار السلاح، وجميعهم تمّ التعامل معهم ميدانيًّا". ولو يوضّح المصدر معنى أو كيفيّة التعامل "الميدانيّ"، مع الأفراد الذين يلقى القبض عليهم.

وتابع المصدر الأمنيّ: "في البداية، عندما قرّر اللصوص السرقة لم يطلبوا الإذن من المحتلّ، وفي الوقت نفسه، فإنّ الاحتلال أعطاهم أرضيّة خصبة لممارسة السرقة، فهم على دراية تامّة باللصوص، ويستطيعون التفرقة بين المقاوم، والّذي يستهدف وما بين اللصوص الّذين يصلّون للمنطقة على عربات وشاحنات، ويدخلون المنازل ويخرجون منها، فأغلب اللصوص لا يحملون السلاح، وإذا حملوه لا يظهروه، وفي غالب الأوقات يدخل اللصوص إلى عدّة مناطق وقت خروج الاحتلال منها".

وقال مدير عامّ المكتب الإعلاميّ الحكوميّ في غزّة، إسماعيل الثوابتة، في تصريحات لـ"الترا فلسطين"، إنّ "هناك فئات منفلتة وخارجة عن القانون تعمل في جنوب قطاع غزّة على سرقة شاحنات البضائع والمساعدات المخصّصة للتجّار ولأبناء شعبنا الفلسطينيّ بشكل يسيء إلى شعبنا الصامد، ويسيء إلى تضحياته، ويعمل على تأزيم ظروف الحياة للنازحين". وتابع:"حاولنا منذ اللحظة الأولى معالجة هذه الإشكاليّة مع الفئة الخارجة عن القانون منذ أشهر طويلة، ونجحنا بشكل نسبيّ في هذا الأمر، وما زالت المشكلة قائمة إلى يومنا هذا".

وأوضح:"هذه الفئات تعمل في مساحة جغرافيّة لا تستطيع الطواقم الشرطيّة التحرّك فيها؛ بسبب خطورة الوضع الأمنيّ الّذي يفرضه جيش الاحتلال الإسرائيليّ، وعلاوة على ذلك فإنّ هذه الفئة الخارجة عن القانون يتحرّكون تحت نظر الاحتلال، ما يعني، أنّ الاحتلال موافق على سلوكهم، حيث يعملون تحت أعين جيش الاحتلال، وكأنّه يسهّل لهم هذه السلوكيّات المسيئة، والّتي تعزّز في نهاية الأمر سياسة التجويع المتعمّد".

وفق العديد من كبار المسؤولين في الأمم المتّحدة، فإنّ مثل هذه "السرقة الوقحة لا يمكن أن تتمّ دون موافقة القوّات الإسرائيليّة"، كما ورد صحيفة "الفايننشال تايمز"

واعتبر الثوابتة، أنّ "سلوك هذه العصابات الخارجة عن القانون يتماشى ويتساوق مع أهداف الاحتلال الإسرائيليّ وسياساته العدوانيّة بحقّ شعبنا الفلسطينيّ". وأضاف الثوابتة: "وصلت لنا معلومات أنّ بعض هذه الفئات تنسّق مع الاحتلال لمعرفة موقع تحرّك شاحنات المساعدات وأنواعها؛ من أجل السطو عليها، وسرقتها تحت نظر الطيران الإسرائيليّ، ومع ذلك ننجح نسبيًّا في تمرير هذه الشاحنات". وتابع: "سنستمرّ بكلّ الطرق المتاحة وبكلّ الوسائل؛ من أجل تحييد هذه الفئة الخارجة عن القانون من أجل ضمان وصول المساعدات إلى مستحقّيها من أبناء شعبنا، ومن لا يستجيب سنتعامل معه وفق القانون".

وقال الثوابتة: "الحكومة في غزّة تبذل الجهود كلّها في إطار معالجة المواقف الميدانيّة مع هذه العصابات الخارجة عن القانون، والكثير منهم سلّم نفسه للأجهزة الحكوميّة، وأعرب عن تراجعه عن هذه السلوكيّات، وتعهّدوا بعدم تكرار هذا الأمر، وهناك أفراد من هذه العصابات عليهم قضايا سابقة وأحكام صادرة بحقّهم تدينهم من قبل الجهات القضائيّة في قطاع غزّة، وجزء منهم محكوم في القضايا المدان فيها".