خاصّ | ملف الأسرى المبعدين: تجاهل من السلطة الفلسطينية وتنصُّل عربي

كشفت مصادر مطلعة على ملف إبعاد الأسرى المحررين ضمن صفقة التبادل، لـ"الترا فلسطين"، عن أزمة مستمرّة في ترتيبات إبعادهم، في ظل استمرار رفض عدد من الدول استقبالهم، باستثناء تركيا وقطر وماليزيا ومصر، التي تعاملت مع الملف بـ"إيجابية". كما يأتي وسط رفض السلطة الفلسطينية الانخراط في الملف، وضغوط تُمارسها على مجموعة من الأسرى بشأن وجهة إبعادهم.

يعيش المحررون المبعدون ضمن صفقة التبادل أزمة صامتة، في ظل تجاهل السلطة الفلسطينية وتنصّل معظم الدول العربية من مسؤولية استضافتهم، بينما تتعامل تركيا وقطر وماليزيا ومصر معهم بدرجات متفاوتة من الإيجابية

ووفق المصادر، ترفض السلطة الفلسطينية التدخُّل في ملف الأسرى المبعدين، بما يشمل أسرى حركة فتح، حيث أقام المحررون في "فندق الماسة" بالعاصمة الإدارية الجديدة في مصر، على نفقة حركة حماس، دون أي تدخل من السلطة أو سفارتها في القاهرة، أو قيادة حركة فتح، ثم طلبت منهم السلطات المصرية الانتقال إلى فندق آخر، عشيّة اجتماع القمّة العربية، يقول المصدر إنّه "أشبه بسجن". 

واعتبرت المصادر موقف السلطة الفلسطينية "تنصلًا من المسؤولية"، وواحدًا من أشكال الضغط السياسي على حماس، في ظل إحجام غالبية الدول عن استقبال الأسرى أو المشاركة في تحمل مسؤوليّاتهم خلال هذه المرحلة.

كما كشفت المصادر عن "غضب" داخل قيادة السلطة وحركة فتح إزاء رغبة بعض الأسرى المحررين المحسوبين على الحركة في اختيار تركيا كوجهة إبعاد، واعتبروا ذلك جزءًا من "ترتيبات ومخططات" تقودها "حماس" لاستقطاب عناصر "فتح"، خاصة المقرّبين من تيار الأسير القيادي في حركة فتح مروان البرغوثي.

وأضافت المصادر لـ "الترا فلسطين أنّ اتصالات جرت مؤخرًا على أعلى المستويات بين قيادات في السلطة وأجهزتها الأمنية من جهة، والسلطات التركية من جهة أخرى، في محاولة لإقناع أنقرة بعدم استقبال أسرى من حركة فتح. وتزامنت هذه الجهود مع ضغوط من قيادات الحركة واتّصالات مباشرة من شخصيات أمنية فلسطينية مع الأسرى في مصر، تخللتها زيارة أمنية من مسؤول في السلطة إلى القاهرة للقاء مجموعة من الأسرى المبعدين، الذين يُفضِّلون الإبعاد إلى تركيا.

اللجنة العليا للأسرى المحررين المبعدين – فتح: لن نقبل العيش على حساب حماس بعد مغادرتنا الفندق، حتى لو اضطررنا للعيش في خيام، لأن حركتنا يجب أن تحافظ على أبنائها ولا تتركهم لمصير مجهول

وترافق ذلك مع صدور بيانات رسمية من الأسرى المحررين، تحمل شعار حركة فتح وتوقيع "اللجنة العليا للأسرى المحررين المبعدين – فتح"، جاء فيها: "موضوع استقرارنا ما زال عالقًا، وأبلغنا حركة حماس أننا لن نقبل العيش على حسابهم بعد مغادرتنا الفندق، حتى لو اضطررنا للعيش في خيام، لأن حركتنا يجب أن تحافظ على أبنائها ولا تتركهم لمصير مجهول".

وعلّقت المصادر على هذا البيان، مشيرة إلى أن فتح تجري حوارًا "بطيئًا" مع الأسرى، فيما وصفه بعضهم بـ"المماطلة التي تعيق حلّ القضية"، وفق تعبيرها.

وبحسب مصادر "الترا فلسطين"، فإن حركة حماس لا تتدخل في تحديد وجهة إبعاد أي أسير، إذ يتمتع كل منهم بحرية اختيار الدولة التي يرغب في الانتقال إليها. كما أنّ تركيا لا تفرض قيودًا على الانتماء التنظيمي، لكنّها اشترطت أن يشمل المبعدون، أسرى من فصائل مختلفة، لا من فصيل بعينه.

ومن بين من طلبوا الإبعاد إلى تركيا، برزت أسماء من حركة فتح، توصف بـ"المقربة من القيادي مروان البرغوثي"، وواجهوا ضغوطًا من أطراف متعددة، من بينها قيادة الحركة والسلطة وأجهزة أمنية، لمنعهم من التوجه إلى تركيا خشية تطوير علاقات مع قيادة حماس والأسرى المحسوبين عليها، وفق المصادر.

وأكدت أن الأسرى يُبلَّغون بكل تطوّر يطرأ على ملف الإبعاد ويتمتّعون بحرية اختيار بلد الإبعاد. وعبّر عدد منهم عن تفضيلهم لقطر، مثل الأشقاء نصر ومحمد وشريف أبو حميد، فيما اختار آخرون تركيا أو ماليزيا، وقد وصل بالفعل 15 أسيرًا إلى ماليزيا.

حماس تواصل جهودها لإقناع الدول باستقبال المحررين المبعدين، لكنّها تصطدم بتردد عربي ورفض واضح من بعض الدول

وفيما يخص آلية الإبعاد، أوضحت المصادر أن حماس، المفوَّضة من الفصائل الفلسطينية في غزة بإدارة الملف، تواصل جهودها لإقناع الدول باستقبال الأسرى، لكنّها تصطدم بتردد عربي ورفض واضح من بعض الدول.

وفي تركيا، أبدت أنقرة في البداية استعدادًا لاستقبال أقل من عشرة أسرى، ثم رفعت العدد إلى 15، قبل أن توافق، عقب لقاءات موسّعة مع قيادة حماس، على استقبال خمسين أسيرًا. ووصل منهم حتى الآن 36، بينهم عميد الأسرى نائل البرغوثي، فيما يجري استكمال الترتيبات لوصول البقيّة.

أما قطر، المنخرطة في مفاوضات وقف إطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى، فلم تبدأ بعد باستقبال المحررين، بانتظار استكمال الصفقة وإنهاء الحرب، لتكون عملية الإبعاد جزءًا من تسوية أوسع تتعلق بترتيبات ما بعد الحرب. ولم تُبدِ الدوحة أي تحفّظ على التوجّهات السياسية للأسرى أو عددهم، وأبدت استعدادًا مبدئيًا لاستقبالهم جميعًا بعد الاتفاق النهائي لصفقة التبادل.

في ماليزيا، استقبلت السلطات 15 أسيرًا منتصف نيسان/ ابريل الماضي، لكنّها أشارت إلى أنّها لن تستقبل المزيد، مبررة ذلك بـ"مخاوف أمنية وسياسية" من أن يؤدي وجودهم إلى تعقيدات مستقبليّة أو تهديدات محتملة.

أمّا مصر، فأبدت استعدادًا كاملًا لاستضافة كافّة أسرى حركة فتح، شرط عدم تحمّلها أية تكاليف مالية لإقامتهم، مكتفية بتوفير الإقامة في البلاد، بينما تقع مسؤولية النفقات المعيشية على الجهات الفلسطينية.

وفيما يتعلق ببقيّة الدول العربية والإسلامية، فقد رفضت كل من تونس والأردن استقبال الأسرى، بينما تراجعت باكستان عن موافقة أولية قدمتها في وقت سابق لاستقبال مجموعة من الأسرى. في المقابل، أبدت إندونيسيا والجزائر "استعدادًا مبدئيًا" لاستقبال مجموعة أسرى، دون اتخاذ موقف نهائي حتى الآن.

مصدر مطّلع لـ"الترا فلسطين": تركيا لا تفرض شروطًا تنظيمية على الأسرى، لكنها تطلب معلومات تفصيلية لكل مرشح للإبعاد، تجنّبًا لمشاكل دبلوماسية أو أمنية محتملة

وكشفت المصادر أن تركيا، المنفتحة على استقال الأسرى، شددت على ضرورة وجود معايير واضحة لاختيار الأسرى المبعدين، وطلبت من حماس تزويدها بمعلومات تفصيلية عن كل مرشّح للإبعاد، تشمل الاسم الرباعي، والحالة الاجتماعية، والانتماء التنظيمي، وتفاصيل القضية الأمنيّة، بهدف تقييم مدى مناسبة استضافته، خاصة في ظلِّ مخاوف من ضغوط خارجيّة أو مشكلات دبلوماسيّة محتملة، كما حدث في قضية الأسيرة المحررة أحلام التميمي، أو مخاوف من ملاحقة "الموساد" لبعض المبعدين.

وكان الأسرى قد أفرج عنهم ضمن المرحلة الأولى من صفقة التبادل، التي امتدت 42 يومًا بين 19 كانون الثاني/يناير و28 شباط/فبراير 2025، وشهدت إطلاق سراح 1737 أسيرًا فلسطينيًا، بينهم 274 محكومًا بالسجن المؤبد، و296 بأحكام عالية، إلى جانب 69 أسيرة و51 طفلًا.

في المقابل، رفض ستة أسرى الخروج ضمن الصفقة، كونهم من الذين أعيد اعتقالهم بعد صفقة 2011، ورفضوا شرط الإبعاد، مفضّلين البقاء في السجن، خاصة أنّ المدة المتبقية من أحكامهم تتراوح بين عدة أشهر وخمس سنوات.