"إسرائيل دمرت غزة، لأن الفلسطينيين نفذوا عملية عسكرية كبيرة ضدها في السابع من أكتوبر... إسرائيل تدافع عن نفسها". "الفلسطينيون يتحملون مسؤولية الدماء التي سالت والدمار الذي حل بقطاع غزة لأنهم نفذوا عملية طوفان الأقصى". "حماس هي التي جرَّت إسرائيل إلى سحق غزة". "حماس هي التي أجبرت إسرائيل على قتل أطفال غزة". "حماس هي من قدمت الذرائع والمبررات لدولة الاحتلال على طبق من ذهب لتفعل فعلتها التي فعلت في غزة".
إن تبرير الجرائم وإلقاء اللوم على الضحايا وتبرئة الجناة، سلوكٌ غير أخلاقي، لأنه يهين الكرامة الإنسانية للضحايا ويبرئ الجناة الحقيقيين من فعلتهم ويساهم في إفلاتهم من العقاب وينكر الظلم ويشجعه
هذا خطابٌ أسمِّيه هنا خطاب تبرير الإبادة وإلقاء اللوم على الضحية، وهو موجود ما قبل عملية السابع من أكتوبر، في كل مرة تُقرِّر فيها المقاومة أن تُدفِّع الاحتلال ثمن الاحتلال وجرائمه. لكن بعد فعلة "إسرائيل" في غزة، جرى تطوير هذا الخطاب وأصبح له منظرين وغدا رواية تبدو متماسكة ولها أدلة تدعمها على الأرض، وأدلَّته هذه المرة هي الإبادة الجماعية. تحدَّثَت بهذا الخطاب، إضافة إلى "إسرائيل" وحكومة الولايات المتحدة وبعض حكومات أوروبا الغربية، ألسنة مثقفين وسياسيين من جميع أنحاء العالم بمن في ذلك فلسطينيون وعرب. معظم هؤلاء لم يكونوا بحاجة من الأساس إلى أدلة ليعبروا عن آرائهم ضد المقاومة كمبدأ، ولكنهم رأوا في الإبادة الجماعية فرصة مهمة لتخويف الناس من مغبة الثورة وردعهم - الثورة ضد الظلم والاستبداد وليس فقط ضد الاحتلال.
يبرر أصحاب هذا الخطاب تصريحًا لا تلميحًا، جريمة الإبادة الجماعية التي ارتكبتها "إسرائيل" في غزة بالقول إنها لم تأتِ من فراغ بل إنها جاءت بسبب المقاومة. لا يهمُّ بعد ذلك إن أتبعوا هذا القول أو سبقوه بعبارة صريحة لا تؤدي إلا إلى التناقض الذي يذهب بالحجة بعيدًا، مثل: "أنا لا أبرر الإبادة الجماعية لكن حماس تتحمل المسؤولية"، أو "حماس هي التي استفزت إسرائيل، ومع ذلك أنا لا أبرئ إسرائيل". فإذا لم نستدلَّ على المقاصد والمعاني من الألفاظ والمباني فمن أين نستدل عليها؟!
هذا ليس دعوة لتحصين أحد من الانتقاد، في الحقيقة لا توجد عصمة لأحد، بما في ذلك المقاومة، وتبرير الإبادة أو التقليل من شأنها يختلف تمامًا عن النقد السياسي والعسكري للمقاومة بما في ذلك عملية السابع من أكتوبر، إلا أن النقد الذي يُحمَل المقاومة مسؤولية الإبادة ويبرئ "إسرائيل" منها، هو تبريرٌ للإبادة ولومٌ للضحية. فإذا كنت فعلًا لا تقصد تبرير الإبادة ولا لوم الضحية ولا تبرئة المجرم الحقيقي، فيجب أن تختار الألفاظ والمباني بعناية وتضعها في سياقٍ ما بعناية أيضًا، وإلا عليك أن تتحمل مسؤولية ما تتفوه به، بما في ذلك وصف أحدهم لكلامك بأنه يعبر عن تبلد في المشاعر وعمى أخلاقي ويتقاطع مع خطاب "إسرائيل" - دولة الاحتلال المتهمة بالإبادة الجماعية.
في غزة نحن أمام جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان (أم الجرائم)، أو بحسب قضاء محكمة العدل الدولية: نحن أمام أساس معقول لارتكاب "إسرائيل" جريمة الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة. لقد قطعت "إسرائيل" في هذه الحرب نسل أهل غزة، لقد محت عائلاتٍ من السجل المدني لأربعة أجيال، ومنعت الولادات، وقتلت النساء الحوامل، ودفعت بأخريات إلى الإجهاض، وخطفت الأطفال ونقلتهم إلى معسكرات الاعتقال داخل "إسرائيل". فهل يمكن أن يكون هذا مبرَّرًا أو أن يتحمل الفلسطينيون مسؤوليته؟!
إن تبرير الجرائم وإلقاء اللوم على الضحايا وتبرئة الجناة، سلوكٌ غير أخلاقي، لأنه يهين الكرامة الإنسانية للضحايا ويبرئ الجناة الحقيقيين من فعلتهم ويساهم في إفلاتهم من العقاب وينكر الظلم ويشجعه. فما بالك بتبرير جريمة مثل الإبادة الجماعية بما فيها من أهوال وويلات؟ إنه إضافة إلى ما تقدم عمى أخلاقيٌ وتبلُّدٌ للمشاعر وتنفيس للاحتجاج ضد ما تقوم به "إسرائيل"، وربما تمهيدٌ للتواطؤ كما قال عزمي بشارة في أحد منشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي بتاريخ 16 آذار/مارس 2024.
لا مبرر في الدنيا لجرائم اسرائيل ضد الفلسطينيين، حتى في نظر من لا يؤيد المقاومة المسلحة، ومن يؤيدها ولكنه لم يتحمس لعملية طوفان الأقصى. ويجب تجييش المشاعر الأخلاقية وتعبئة الطاقات كلها لوقف هذه الجرائم. لكن ثمة من يرى أن من المناسب حتى في هذه المرحلة إظهار قدراته الحجاجية في نقد…
— عزمي بشارة (@AzmiBishara) March 16, 2024
لأجل كرامة الضحايا وللتاريخ، لم تكتف مجتمعات عدة خاصة من تلك التي شهد تاريخها إبادة جماعية أو جرائم ضد الإنسانية بالمساءلة الأخلاقية في مواجهة منْ يبررون الجريمة أو ينكرونها أو يقللون منها...، وذهبت بموازاة ذلك إلى تجريم إنكار الإبادة أو تبريرها أو التقليل منها في قوانينها واعتبرته جريمة قائمة بذاتها قد تودي بمرتكبها سنوات في السجن أو دفع غرامات مالية باهظة، والمثال الأبرز على ذلك قوانين إنكار الهولوكوست في أوروبا وتحديدًا في ألمانيا التي ارتكبت إبادة جماعية ضد اليهود في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي. وشرَّعت فرنسا وسويسرا قوانين تجرم إنكار الإبادة الجماعية التي تعرض لها الأرمن على يد الأتراك مطلع القرن الماضي. وفي رواندا التي شهدت إبادة جماعية للتوتسي على يد الهوتو في 1994، يعاقب القانون هناك كل منْ ينكر إبادة التوتسي أو يقلل منها أو يبررها لأنه يعتبرها من جملة أمور أخرى خطاب كراهية محظور وليس حرية تعبير.
في فلسطين أصدر رئيس السلطة بتاريخ 7 أيار/مايو 2023، قرارًا بقانون يحمل الرقم (17) لسنة 2023، يجرم إنكار النكبة أو تبريرها أو التشكيك في بعض مشتملاتها أو إنكار توصيفها كجريمة ضد الإنسانية أو تبرئة العصابات الصهيونية من مسؤوليتها عن تلك الجرائم أو إنكار دور سلطة الانتداب البريطاني في تسهيل وتمكين وقوعها. وبعد قليل سوف نشير إلى قانون فلسطيني آخر يجرم تبرير الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية أو تشويهها.
وحتى في البلدان التي لا يجرم قانونها إنكار الإبادة الجماعية أو تبريرها، لأن مثل هذا التجريم والعقاب يمثل قيدًا فعليًا على حرية الكلام وينتقص منها، فإن من ينكر أو يُبرِّرُ الإبادة الجماعية أو يقلِّل منها يتحمل المسؤولية الأخلاقية، بما في ذلك عبر ازدراء الناس له ومقاطعته مثلما هو الحال في الولايات المتحدة الأميركية، فالتعديل الأول للدستور الأمريكي يحظر على الكونغرس سنّ قانون يُقيِّد من حرية التعبير، لكنه في المقابل يسمح بتوجيه انتقادات واتهاماتٍ شديدةٍ ولاذعةٍ لمنكري الإبادة أو مبرريها، بشرط ألا يصل ذلك إلى حد التحريض الذي يوشك أن يقع بناءً عليه أذى حقيقي بالمتكلم.
في تناول هذه المسألة تتجلى التناقضات، ليس فقط تلك المتعلقة بمقتضيات احترام حرية التعبير وتعزيزها من جهة، ورعاية ضحايا الإبادة والناجين من جهة أخرى، إنما تمتد إلى مرحلة ما بعد حسم تلك التناقضات وتفضيل المجتمع قيمة واحدة من القيمتين باعتبارها أولى بالرعاية، ففي الوقت التي تنازلت فيها بلدان عن قيمة حرية التعبير جزئيًا (وهو تنازلٌ مفهومٌ هنا)، وذهبت إلى تجريم منْ ينكر أو يُبرِّر المحرقة مثلًا رعاية لحقوق الضحايا والناجين وتخليدًا لذكراهم، فإنها بالنسبة للإبادة الجماعية في غزة، لم تكتف بإنكار وقوعها أو تبريرها، بل وفرت "لإسرائيل" دعمًا عسكريًا وسياسيًا ودبلوماسيًا واقتصاديًا غير مسبوق، ألمانيا المثال الأبرز هنا، التي إضافة إلى ذلك، تلاحق منْ يتضامن مع ضحايا الإبادة في غزة بدعوى معاداة السامية.
في قانون السلطة الفلسطينية، فإن أي تبرير أو تشويهٍ لأعمال إبادة جماعية أو جرائم ضد الإنسانية جناية يعاقب عليها بالسجن عشر سنوات على الأقل. لقد نصت على هذه الجريمة المادة (25) من القرار بقانون رقم (10) لسنة 2018 بشأن الجرائم الالكترونية وتعديلاته، وهو قانون مثير للجدل، وينتهك حرية التعبير والحق في الخصوصية ويسمح بحجب المواقع الالكترونية بلا محاكمة عادلة. ولعلَّ الجريمة التي نحن بصددها هنا (تبرير الإبادة أو تشويهها) هي دليلٌ آخر على موقف القانون من حرية التعبير لا سيما باستخدامه عبارة غامضة مثل "تشويه" الإبادة.
تثابر السلطة الفلسطينية لتطبيق هذا القانون منذ سبع سنوات عندما أصدره رئيس السلطة بموجب قرار بقانون في 2018، فعلى أساسه وقوانين أخرى تلاحق السلطة معارضيها ومنتقديها في العالم الافتراضي وتقدمهم للمحاكمات الجائرة وتعاقبهم بالحبس، وعلى أساسه أمر قاض في رام الله يوم 05 كانون الثاني/يناير 2025 بحجب المواقع الالكترونية التابعة لقناة الجزيرة بطريقة تخالف أبسط أبجديات التقاضي. إلا أن السلطة وعلى الرغم من ذلك، لا تطبق المادة (25) المذكورة على منْ يبرِّر الإبادة الجماعية في غزة أو يقلِّل منها بما في ذلك عبر إلقاء اللوم على المقاومة واتِّهامها بالتسبب في الإبادة وتدمير غزة وأنها هي منْ قدمت الذريعة "لإسرائيل" لتفعل فعلتها التي فعلت وأنها هي منْ جلبت الدمار والويلات. لقد تحدَّث بهذا صراحة ومضونًا -دون اعتبارٍ لحكم القانون- مسؤولون فلسطينيون بما في ذلك في مقابلاتهم التلفزيونية على فضائيات العربية والحدث، ومع ذلك فمنْ يتعرض لخطر ملاحقة القانون هو من ينتقد أولئك المسؤولين أو منْ يذكِّر بنصِّ القانون لا من يخرق القانون ذاته.
يتّصل خطاب تبرير الإبادة وإلقاء اللَّوم على الضحية بشكل وثيق بخطاب آخر لا يبتعد عنه كثيرًا وهو خطاب معايرة الناس بمشروع الإبادة أو التدمير
هذا ليس تأييدًا أو إعجابًا بذلك النص أو غيره من نصوص القرار بقانون بشأن الجرائم الالكترونية أو الدعوة إلى تطبيقها، فهو يبقى تشريعًا غير دستوري، سواءً من حيث آلية إصداره أو مضمونه، إضافة إلى الموقف الذي يتبناه الكاتب هنا بأنه لا يجب استخدام القانون في مواجهة الكلام في الشأن العام مهما كان، ويفضل المناقشة الحرة لإضعاف الآراء أو تقويتها. إنما هذا بشكل أساسي للتعريف بوجود تناقض في مسألة تبرير الإبادة وتجريمها علمًا أنه ليس التناقض الوحيد، فكثيرة هي التناقضات ما بين أدبيات السلطة وسلوكها. هذا أيضًا دعوة إلى التماسك في الخطاب مهما كان، وهذا للتذكير بمخاطر تبرير الإبادة أو التقليل منها على حقوق الضحايا والناجين، وللتعريف بأن دولًا مهمة تدعي إنها تقوم على أساس حرية التعبير تخلَّت جزئيًا عن الأخيرة وجرمت أي كلام يُبرِّر الإبادة أو ينكرها أو يقلل منها. هذا لا يعني أن تلك الدول حافظت على مصداقيتها وتماسك خطابها فيما يتعلق بالإبادة الجماعية في غزة.
يتّصل خطاب تبرير الإبادة وإلقاء اللَّوم على الضحية بشكل وثيق بخطاب آخر لا يبتعد عنه كثيرًا وهو خطاب معايرة الناس بمشروع الإبادة أو التدمير كما يسميه عالم الاجتماع الفلسطيني صبيح صبيح في منشور له على مواقع التواصل الاجتماعي بتاريخ 28 كانون الأول/ديسمبر 2024، يقول صبيح إن (المعايرة بالإبادة لمن يفكر بالمقاومة) هو أخطر معارك تدجين الوعي والفعل على حد سواء، وأنه محاولة تحميل الناس وزر الإبادة التي يتعرضون لها وتناسي فعل الدبَّابة والطائرة ومنْ قرَّر إرسالها ومنْ دعمه بالسلاح والمال والسياسة، تمامًا كمنْ يلوم من تأخر عن تحضير بطاقة الهوية استعدادًا للتفتيش على الحاجز وينسى ويتناسى الحاجز والجندي معًا... إنه مرحلة متقدمة من كي الوعي وتطبيع الخنوع.
إن خطاب معايرة الناس بالإبادة وبمصير غزة لا يؤدي فقط إلى تطبيع الإبادة الجماعية واعتبارها وسيلة ممكنة لتحقيق الأهداف السياسية والعسكرية، بينما هي كما يقول د. محمود هدهود في منشور له على مواقع التواصل الاجتماعي بتاريخ 20 أيلول/ديسمبر 2024 "الإبادة شيءٌ خارج السياسي والعسكري، لا ينبغي الحديث عنه إلا في الإطار الجنائي والإجرامي". إنه (خطاب المعايرة بالإبادة) إضافة إلى ما تقدم، يعطي أمارة مهمة لقادة "إسرائيل" وتحديدًا بنيامين نتنياهو على نجاعة استراتيجيته وفاعليتها مع الأغيار: "منْ لم يفهم بالقوة، سوف يفهم بمزيد من القوة". هذا تعبيرٌ عن عقيدة الجدار الحديدي لـ زئيف جابوتنسكي منظر الحركة الصهيونية وملهم نتنياهو، التي منها على ما يبدو اشتقت "إسرائيل" السيوف الحديدية اسمًا لإبادة غزة والسور الحديدي لمعركة جنين الأخيرة.
تقوم عقيدة جابوتنسكي، الجدار الحديدي، على استخدام "إسرائيل" فائض القوة ضد الفلسطينيين لقتل الأمل والدافعية في نفوسهم بإمكان قتال "إسرائيل" وهزيمتها أو مجرد التفكير في ذلك، لدفعهم بالنتيجة إلى توقيع اتفاق مع "إسرائيل" القوية المتفوقة بكونهم أقلية عربية لا فلسطينية (انظر: ساري عرابي، موقع حبر، بتاريخ 15 أغسطس 2024). هي عقيدة تقوم على الإثخان في المدنيين ضربًا عن عمد وبشدة لتلقينهم الدرس وتأديبهم ومن ثم قتل الأمل لديهم - أي لتحقيق أهداف سياسية، وهذا هو الإرهاب تعريفًا لا تأويلًا كما يقول عزمي بشارة في منشور على مواقع التواصل بتاريخ 18 آذار/مارس 2024. ليأتي هنا خطاب الفلسطينيِّ أو العربيِّ بمعايرة الفلسطينيِّ والعربيِّ الآخر بالإبادة وبمصير غزة وسابقًا بضاحية بيروت الجنوبية لثنيهم عن المقاومة وتأليبهم ضدها، كمرحلة متقدمة من كي الوعي وتطبيع الخنوع، ومعززًا بشكل عميق لعقيدة جابوتنسكي بأن العرب لا ينفع معهم إلا الجدار الحديدي، فها هم يخوفون بعضهم بعضًا بمصير غزة، ويتخذونها أساسًا للمعايرة.
الإرهاب تعريفا لا تأويلا
الضغط على مجتمع بأكمله بالقصف والتدمير والقتل والتجويع لهدف سياسي (مثل ابتزاز استجابة لشروط سياسية من جانب حركة سياسية أو دولة) هو إرهاب بالتعريف الدقيق وليس بالتأويل. وفي حالة إسرائيل يرتكب هذا الإرهاب جرائم حرب، وأعمال إبادة جماعية. المسؤولون والمعلقون…— عزمي بشارة (@AzmiBishara) March 18, 2024
إن خطاب المعايرة بمشروع الإبادة والتدمير، أو خطاب تطبيع الخنوع والاستسلام، أو خطاب كي الوعي، أو خطاب الاستثمار السياسي في الإبادة، جميعها مترادفات ولها قاسم مشترك مع خطاب تبرير الإبادة، لا تؤدي فقط إلى ما سبق، إنها أيضًا تمثل إهانة للكرامة الإنسانية، لأنها تضع الناس أمام خيارين اثنين: ما بين السيِّئ والأسوأ، بين أن يموتوا بالتقسيط أو دفعة واحدة، بين أن يرضوا بالعيش تحت الاحتلال مضطهدين أو الإبادة الجماعية، بين أن يتأخروا عن بيوتهم لساعاتٍ على حواجز الاحتلال أو لا بيت يأويهم، وفوق هذا يُطلَبُ منهم أن يحمدوا الله على السيِّئ لأنه جنبهم الأسوأ، وأن يحمدوه على أنهم لم يفقدوا أيديهم أو أرجلهم أو أعينهم بسبب "إسرائيل"، وأن أولادهم مازالوا بخير ومصدر رزقهم كذلك، وأنه ما زلت لديهم دورات مياه وصرف صحي وفوط لأطفالهم.