خطة ترامب: أملٌ هشٌّ بنجاحها في غزة ومخاوف من "غدر الاحتلال"

يعيش الفلسطينيون في قطاع غزة حالةً مستمرةً من الخوف الممزوج بأملٍ هش، حيث الطائرات تحلّق فوق رؤوسهم من جهة، والمفاوضات تتواصل في شرم الشيخ من جهة أخرى. فمدن قطاع غزة، التي لم تعرف الاستقرار منذ عامين، تعيش لحظاتٍ من الانتظار المشوب بالهواجس، بينما التساؤل الذي يدور في ذهن الجميع: هل ستكون هذه المفاوضات بدايةً فعلية لوقف الحرب؟ أم نسخةً عن هدنٍ سابقة لم يسمح الاحتلال باستكمالها؟

التساؤل الذي يدور في ذهن الجميع: هل ستكون هذه المفاوضات بدايةً فعلية لوقف الحرب؟ أم نسخةً عن هدنٍ سابقة لم يسمح الاحتلال باستكمالها؟

ما تزال آية جحا صامدةً في حي الصبرة المدمَّر جنوبي مدينة غزة، تعيش مع أطفالها بين الأنقاض، وتصف يومها قائلة: "لم أرَ أمانًا في أي مكان، الموت هنا أو في الجنوب واحد. كل زاوية في غزة شهدت على دمائنا. الأطفال يصرخون كل يوم من القصف، وكلما بدا أن هناك فرصةً للهدنة، يطلّ علينا القصف من جديد".

ويعيش أدهم عسلية تجربةً مختلفة نوعًا ما، لكن داخل دائرة الأمل الممزوج بالخوف. غادر أدهم حي الشجاعية، ويقول: "نأمل أن يتم الاتفاق لنعود إلى بيوتنا، لكن لا أعلّق آمالًا كبيرة. محاولة اغتيال الوفد المفاوض في قطر أثبتت لي أن إسرائيل ستنقلب على أي اتفاق كما حدث سابقًا. رغم ذلك، قلبي لا يزال متمسكًا بالأمل، صحيح أنه ضعيف لكنه موجود".

أما سماح قاسم فتعيش فقدانًا كاملًا للمنزل والأمان، بعد انفجار روبوتات الاحتلال داخل منطقة سكنها في حي تل الهوا، ما أجبرها على الانتقال بين منازل أقاربها بحثًا عن مأوى مؤقتٍ جنوب القطاع. تقول: "كنت أعيش حياةً عادية مع عائلتي، حتى جاءت هذه الحرب لتنهينا. كل شيء اختفى في لحظة، المنزل، الذكريات، وحتى الأمان".

وتضيف سماح: "أرى اليوم أن أي اتفاقٍ محتمل يمكن أن يكون فرصةً لاستعادة حياتنا، لكن قلبي لا يزال يرفض التصديق الكامل. فالهواجس كبيرة، والشكوك أكبر". وتعرب عن خشيتها من أن يستأنف الاحتلال الحرب بعد تسليم المقاومة جميع الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لديها.

وفي مخيم الإيواء شرق شارع صلاح الدين بين المغازي والبريج، يعيش رائد سويدان واقعًا يعكس شعور الغزيين الجماعي تجاه أي هدنةٍ محتملة. يقول: "قد نحصل على هدنةٍ مؤقتة، لكنها لن توقف القتل والتهجير. إسرائيل لن تتراجع عن مشاريعها، ونحن لن نحصل على أمانٍ حقيقي. ما يزعجني أكثر هو أن أي اتفاق قد يكون ورقةً سياسية أكثر منه حقيقةً على الأرض".

وتُظهر هذه الشهادات حالةً مشتركة من الرعب والأمل الهشّ لدى النازحين ومن بقوا في منازلهم على امتداد قطاع غزة. إذ إن آية وأدهم وسماح ورائد، رغم اختلاف مواقعهم وتجاربهم، يجسدون صورةً واحدة لشعبٍ يتنفس بين الأنقاض، مترقبًا أي بارقة أملٍ قد يحققها اتفاقٌ محتمل، بينما يظلّ الخوف متربصًا بكل زاويةٍ من حياتهم.

القصف يفضح نوايا الاحتلال

وتنص خطة ترامب في 21 بندًا على وقفٍ فوري لإطلاق النار وتعليق الأعمال القتالية، والإفراج عن جميع الأسرى لدى حماس، وإدخال مساعداتٍ إنسانيةٍ كاملة، مع ضمان عدم احتلال أو ضمّ إسرائيل للقطاع، وانسحابٍ جزئيٍّ تدريجيٍّ للقوات الإسرائيلية.

كما تقترح خطة ترامب تسليم الإدارة المدنية لغزة إلى حكومةٍ انتقالية فلسطينية من تكنوقراط مستقلين، تحت إشراف مجلس سلامٍ دولي، مع إبقاء الباب مفتوحًا أمام إقامة دولةٍ فلسطينيةٍ مستقبلية ضمن "مسارٍ تدريجيٍّ وآمن".

أما بالنسبة لإسرائيل، فتتضمن الخطة نزع سلاح حماس تدريجيًا تحت إشرافٍ دولي، وإنهاء العمليات العسكرية واستبدالها بقوات حفظ سلامٍ دولية، وإعادة الأسرى الإسرائيليين المتبقين، وتوفير مراقبةٍ أمنيةٍ على محيط غزة لضمان عدم تجدد أي تهديدٍ مستقبلي.

وأعلنت حركة حماس قبول بعض البنود الأساسية، بما فيها الإفراج عن جميع الأسرى لديها وتسليم الإدارة المدنية للقطاع إلى جهةٍ فلسطينيةٍ مستقلةٍ تحت إشرافٍ دولي، لكنها رفضت نزع السلاح قبل الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية، مؤكدةً أن مستقبل غزة وحقوق الشعب الفلسطيني سيُناقشان حصريًا ضمن الإطار الفلسطيني الجامع.

ورغم الحديث عن اتفاقٍ محتمل، يؤكّد مكتب الإعلام الحكومي استمرار القصف الإسرائيلي على القطاع، حيث شنّ الاحتلال بين فجر السبت الرابع من تشرين الأول/أكتوبر ومساء يوم الإثنين السادس من الشهر ذاته أكثر من 143 غارةً جويةً ومدفعيةً على مناطق مكتظة بالسكان، ما أدى إلى استشهاد 106 مدنيين، بينهم نساءٌ وأطفال، و65 شهيدًا في مدينة غزة وحدها.

بينما شدد الناطق باسم الدفاع المدني في غزة محمود بصل على أن الساعات التي تلت إعلان حماس موافقتها على خطة ترامب شهدت تراجعًا مؤقتًا في وتيرة القصف استمرّ لساعاتٍ قليلة فقط، قبل أن "ينفجر الموقف من جديد"، حيث شنّ الاحتلال أكثر من 160 غارةً جويةً ومدفعية خلال ليلةٍ واحدة على مناطق متعددة من قطاع غزة.

وبيّن بصل أن القصف يتركّز على المناطق المأهولة بالسكان، نافيًا مزاعم الاحتلال بأن هجماته تقتصر على "العمليات الدفاعية". وقال: "فعليًا، نحن عدنا إلى المربع الأول، فكل محاور مدينة غزة تعرّضت الليلة الماضية لقصفٍ عنيفٍ من الجو والمدفعية والطائرات المسيّرة".

غياب الضمانات الضاغطة

وتتواصل المحادثات في شرم الشيخ بهدف وضع آلياتٍ عمليةٍ لتنفيذ خطة ترامب. ويأتي على رأس الملفات المطروحة للنقاش: تبادل الأسرى، وخطوط الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، والرابط الزمني بين الأولى والثانية.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي رامي خريس أن خطة ترامب، رغم طموحها، تواجه تحدياتٍ كبيرة بسبب ضعف الثقة بين الطرفين، حيث ترفض حماس نزع السلاح قبل الانسحاب الكامل، ولا تثق إسرائيل بالضمانات الفلسطينية. ويقول إن الضغوط الإقليمية والدولية تلعب دورًا مهمًا في دفع الطرفين نحو الاتفاق، لكن غياب مشاركةٍ أوروبيةٍ فاعلة يقلل من فاعلية التنفيذ على الأرض.

رامي خريس: الضغوط الإقليمية والدولية تلعب دورًا مهمًا في دفع الطرفين نحو الاتفاق، لكن غياب مشاركةٍ أوروبيةٍ فاعلة يقلل من فاعلية التنفيذ على الأرض

ويضيف خريس أن استمرار القصف يشكل عائقًا رئيسيًا أمام تطبيق أي اتفاقٍ عملي، مؤكدًا أن نجاح أي هدنة يعتمد على التزام إسرائيل بوقف القصف، ووجود مراقبةٍ دوليةٍ شفافة، ومرونة حماس في إدارة القطاع دون المساس بسلاح المقاومة أو وجود قواتٍ دوليةٍ داخل القطاع.

ويسود في قطاع غزة انطباعٌ بأن توقيع الاتفاق لا يعني بالضرورة نجاح تطبيقه، وأن تحويل الأمل إلى واقعٍ يتطلب آلياتٍ دوليةً صارمةً وضغطًا حقيقيًا على إسرائيل.