كتب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي غيورا آيلاند، المنظر الأساسي لخطة الجنرالات، التي تؤكد تقارير عدة على تنفيذها من قبل جيش الاحتلال في شمال قطاع غزة، بهدف تهجير أهالي المنطقة، مقالةً يدافع عن "الخطة"، رغم نشره قبل أيام مقالة "تدعو للقبول في صفقة تبادل للأسرى".
وقال آيلاند في مقالة نشرها على "هآرتس": "لقد انتقدتني إحدى افتتاحيات صحيفة هآرتس (في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر) بشدة، بل واتهمتني باقتراح خطة إجرامية لإنهاء الحرب. وكان عنوان الافتتاحية ’هل تنفذ إسرائيل حقًا خطة حصار وتجويع في غزة؟’ وكان عنوان الافتتاحية باللغة العبرية ’جنرالات متواطئون’. حسنًا، أنا أدرك عيوبي العديدة، ولكن التواطؤ ليس أحدها. وسأمتنع عن التعليق على الجانب الشخصي، وسأحاول توضيح نقاط أكثر أهمية".
يواصل غيورا آيلاند الدفاع عن "خطة الجنرالات"، رغم مطالبته بالتوصل إلى صفقة تبادل قبل عدة أيام
وأضاف آيلاند، الذي دعا في بداية الحرب على غزة إلى نشر الأوبئة في القطاع، قائلًا: "الأخطاء الجسيمة التي ارتُكبت منذ بداية الحرب حتى الآن: أول ما ينبغي القيام به عند فحص الاستراتيجية هو تحديد الرواية، أي شرح القصة. قبل ثمانية عشر عامًا، أصبح قطاع غزة دولة مستقلة بحكم الأمر الواقع. كان لديه كل علامات الدولة: حدود واضحة، ونظام مركزي مستقر، وسياسة خارجية مستقلة وجيش خاص به. داخليًا، تطورت في غزة عملية مماثلة لتلك التي حدثت في ألمانيا خلال ثلاثينيات القرن الماضي. نجح الحزب الذي فاز في الانتخابات في عام 2006، حماس، في توحيد ودمج الحزب وجميع المؤسسات العاملة في القطاع وخلق أمة موحدة توحدت على أساس الدعم لقادتها وأيديولوجيتها".
واستمر في تقديم مزاعمه السابقة، قائلًا: إن "الطريقة الصحيحة الوحيدة لوصف ما حدث في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 هي أن دولة غزة شنت حربًا قاتلة ضد دولة إسرائيل. وبدلًا من فهم هذا الواقع، تبنت حكومة إسرائيل والجيش الإسرائيلي ووسائل الإعلام الرواية الخاطئة التي مفادها أن منظمة حماس ربما ارتكبت ’عملًا شنيعًا، ولكن تلك الجرائم لا علاقة لها بسكان غزة ’الأبرياء’. وقد أدى هذا السرد الخاطئ إلى استراتيجية كانت تعتمد بالكامل، ولا تزال، على خطوة واحدة: الضغط العسكري".
وواصل القول: إن "الاعتماد على الضغط العسكري وحده خطأ فادح. ولنتأمل هذا المثال: ماذا كان ليحدث لو قامت دولة لوكسمبورج الصغيرة بعمل مماثل، أي مهاجمة بلجيكا على نحو مفاجئ، وقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وخطف 250 بلجيكيًا. من المرجح أن نفترض أنه قبل القيام بأي تحرك عسكري، كانت بلجيكا لتغلق المعابر بين البلدين، وتفرض حصارًا على لوكسمبورج. وكان ينبغي لإسرائيل أن تفعل ذلك بالضبط. ولو فعلنا ذلك، لكان بوسعنا أن نعيد كل الرهائن منذ فترة طويلة، وأن ننهي الحرب، بل وحتى نتجنب موت الآلاف من المدنيين الفلسطينيين. وفي مثل هذا السيناريو، لم يكن أمام حكومة غزة أي خيار سوى التنازل"، بحسب ما ورد في المقال.
وتابع الجنرال المتطرف، الذي فحص إمكانية تهجير أهالي غزة سابقًا، قائلًا: إن "الدليل الجزئي على ذلك يمكن إيجاده في الطريقة التي تم بها التوصل إلى صفقة الرهائن الوحيدة حتى الآن. فقد استقبلت إسرائيل عشرة رهائن كل يوم، وأفرجت عن ثلاثة أسرى فقط مقابل كل رهينة. ولم يكن مطلوبًا من الجيش الإسرائيلي التراجع عن أي شرط للصفقة. ولكن لماذا؟ الأمر بسيط: فحتى تلك الصفقة كانت شاحنتا إمدادات تدخلان غزة كل يوم. وطالبت حماس بزيادة عدد الشاحنات إلى مائتي شاحنة. وكانت هذه هي حاجتها الأكثر إلحاحًا، لذا فقد أظهرت استعدادًا أكبر للتنازل. وكان الخطأ الإسرائيلي هو أننا لم نتأكد من أن كمية الإمدادات سوف تنخفض مرة أخرى إلى شاحنتين في اليوم التاسع من الصفقة، وهو اليوم الذي انتهكته حماس"، وفق قوله.
وواصل الدفاع عن السياسة العدوانية ضد أهالي القطاع، بالقول: "الميزة التي تتمتع بها حماس: تدور في قطاع غزة صراعان، صراع عسكري وآخر سياسي. وعلى الصعيد العسكري، حقق الجيش الإسرائيلي انتصارًا مبهرًا. أما على الصعيد المدني، فإن حماس تفوز. فهي تحافظ على سيطرتها السياسية في القطاع لسببين. أولًا: لأن إسرائيل أوقفت كل المبادرات الرامية إلى تشكيل حكومة بديلة؛ وثانيًا: لأن حماس تسيطر على الجانب الأكثر أهمية - الاقتصاد".
واستمر في القول: إن "حماس هي التي توزع الإمدادات في غزة، ونتيجة لهذا فإنها تكتسب ثلاث مزايا. أولًا: يُنظر إليها باعتبارها حكومة تعتني بالمواطنين. وثانيًا: تثري من الإمدادات التي تحصل عليها مجانًا، وتبيعها بأسعار باهظة. وثالثًا، بفضل الأموال الضخمة التي تراكمت لديها، فإنها لا تدفع للموالين لها فحسب، بل وتجند المزيد من المقاتلين"، على حد تعبيره.
وأضاف: "لكن ماذا ينبغي لنا أن نفعل إذن؟ لقد ظللت أزعم منذ شهور أن أفضل تحرك هو الموافقة على إنهاء الحرب في غزة في مقابل شرط واحد، إعادة الرهائن كلهم دفعة واحدة. ولكن ما هو التصرف الصحيح إذا لم يُوفَى بهذا الشرط، سواء بسببنا أو بسبب الجانب الآخر؟ إن حجتي هي أن استمرار العمليات العسكرية على النحو الذي نُفِّذ منذ عام لن يحقق أي هدف. فبعد ستة أشهر سوف نجد أنفسنا في الموقف نفسه تمامًا، ولكن مع المزيد من القتلى من الجنود وعدم وجود أي رهائن على قيد الحياة. لذا يتعين علينا أن نفكر في استراتيجية أخرى، استراتيجية قادرة على خلق ضغوط حقيقية على الجانب الآخر. والحل الوحيد القادر على تحقيق ذلك يكمن في الاستيلاء على الأراضي. وهذه الخطوة مخصصة لتلبية الاحتياجات الأمنية فحسب، وسوف تظل سارية المفعول إلى أن يُتَوَصَّل إلى اتفاق. إن الشرف والأرض ينظر إليهما باعتبارهما القيمتين الوحيدتين اللتين توجهان الزعماء العرب ـ ولهذا السبب اقترحت احتلال شمال القطاع"، وفق تعبيره.
ووصف افتتاحية "هآرتس"، التي قيل فيها: إن "خطة آيلاند هي جريمة حرب، وتعارض قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2334، الذي ينص على أنه لا يجوز الاستيلاء على الأرض بالقوة، أي في عمل حربي"، ووصفها بـ"الجهل المروع". وواصل القول: "أود أن أذكر أمرين في هذا السياق. أولًا، يتعامل قرار الأمم المتحدة رقم 2334 مع سلب الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية لصالح المستوطنات اليهودية. وهذا القرار لا علاقة له بما اقترحه. ثانيًا، يمكن فهم الافتتاحية من أن احتلال الأراضي في الحرب هو خطوة محظورة، بل ويُنظر إليه على أنه جريمة حرب. هذه الحجة لا أساس لها من الصحة على الإطلاق. إن الفعل الأكثر شيوعًا وشرعية في الحرب هو احتلال الأراضي. والاعتقاد بأن الأرض لا يجب احتلالها يعادل القول بأنه من المحظور تقطيع الخضروات في أثناء صنع السلطة".
وتابع آيلاند: "لكن ما دام من المسموح به احتلال الأراضي في الحرب، فإن السؤال المطروح الآن هو كيف ينبغي أن يتم ذلك. ومن بين الاحتمالات الممكنة أن يتم ذلك في الأراضي التي يتواجد فيها مئات الآلاف من المدنيين. والنتيجة الحتمية لذلك ستكون مقتل عدد كبير من الأبرياء. والاحتمال الآخر هو أن تتحرك إسرائيل أولًا للتأكد من عدم وجود مدنيين هناك. وليس من قبيل المصادفة أن تطالب الولايات المتحدة إسرائيل قبل الحملة في رفح بنقل أكبر عدد ممكن من المدنيين إلى منطقة أخرى. وهذا ما فعلناه بالفعل، وكان عدد الضحايا المدنيين في تلك المنطقة ضئيلًا".
وواصل الحديث، قائلًا: "أقترح أن ننفذ نفس الحملة بالضبط في شمال القطاع. يجب احتلال المنطقة على مرحلتين. في المرحلة الأولى، يجب إخلاء المدنيين، وفي المرحلة الثانية يجب أن نتحرك ضد ’الإرهابيين’ الذين ما زالوا هناك. بما أن إسرائيل تحاصر هذه المنطقة بالفعل، من ممر نتساريم شمالًا، منذ تشرين الأول/نوفمبر 2023، فإن الطريقة الأكثر فعالية واقتصادية (من حيث الخسائر) لاحتلالها هي فرض الحصار، وليس الهجوم. يُنظر إلى الحصار على أنه تكتيك عسكري مقبول ومعتمد بموجب القانون الدولي. في أثناء إعداد ما يسمى ’خطة الجنرالات’، نسخت من ’الدليل’ الرسمي للجيش الأميركي، الفصل الذي يتعامل مع الحصار".
وختم بالقول: "باختصار: هذه هي الخطة التي اقترحتها على الجيش الإسرائيلي لاحتلال شمال القطاع منذ عشرة أشهر. ولو نفذناها في الوقت المناسب، لانتهت الحرب ولكان كل الأسرى في أيدينا. ولو أدركت حماس أن عدم إعادة الأسرى يعني خسارة 35% من أراضي القطاع، لكانت قد تنازلت منذ فترة طويلة. ولا، لا يوجد في اقتراحي أي عنصر ينتهك القانون الدولي الإنساني"، وفق قوله.
وقبل حوالي 10 أيام، نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، مقالًا لرئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق، اللواء احتياط غيورا آيلاند، الذي تناول فيه خطة الجنرالات لتهجير وتجويع أهالي غزة حتى الموت، تحت عنوان: "ماذا تبقى: أسباب إنهاء الحرب في غزة". وأكد آيلاند أنه في حال استمرار القتال في غزة لمدة ستة أشهر أو حتى سنة أخرى، فلن يحدث تغيير حقيقي في الوضع القائم. بل سيترتب على ذلك نتيجتان أساسيتان: "وفاة جميع المختطفين، وزيادة أعداد الجنود القتلى"، بحسب قوله.
في سياق مقاله، قام غيورا آيلاند بتسليط الضوء على أربعة أسباب رئيسية تدفع إسرائيل إلى إنهاء الحرب في غزة. السبب الأول، يتعلق بارتفاع أعداد القتلى والمصابين في صفوف الجيش الإسرائيلي، مما "يؤثر بشكل كبير على الروح المعنوية للجنود وعائلاتهم".
أما السبب الثاني، فيشير آيلاند إلى العبء الثقيل المفروض على الجنود، سواء الذين يخدمون في الخدمة العسكرية الاحتياطية، أو أولئك الذين يؤدون الخدمة الإلزامية، وهو ما يساهم في زيادة الضغط النفسي عليهم.
وفيما يتعلق بالسبب الثالث، فقد أشار آيلاند إلى "العبء الاقتصادي الكبير الذي تتحمله خزينة الدولة بسبب استمرار العمليات العسكرية في غزة، حيث يُقدّر أن كل يوم من القتال يكلف الحكومة الإسرائيلية حوالي نصف مليار شيكل، مما يشكل عبئًا على الاقتصاد الوطني، ويجعل كل شيكل يُنفَق اليوم مطلوبًا بشدة في المستقبل"، بحسب ما ورد.
أما السبب الرابع الذي طرحه آيلاند، فيعكس "الرغبة المتزايدة من قبل المجتمع الدولي لإنهاء الحرب، حيث يتفهم العالم بشكل أكبر السياقات المحيطة بالنزاع الإسرائيلي في لبنان أو ضد إيران، لكن لا أحد يستطيع أن يفسر ما تسعى إسرائيل لتحقيقه من خلال استمرار القتال في غزة"، بحسب قوله.
وأكد آيلاند على أنه "إذا استمر القتال في غزة لمدة نصف عام أو عام آخر، فلن يتغير الوضع بشكل جذري، بل سيترتب على ذلك موت مختطفين أكثر وسقوط مزيد من الجنود".
واختتم آيلاند مقاله، بالتأكيد على ضرورة أن "تزيل دولة إسرائيل التهديدات الحقيقية"، مشددًا على أن "عملية إعادة المختطفين لا يمكن تأجيلها". مضيفًا: "إذا تم اتخاذ الإجراءات الصحيحة، فلن تتمكن حركة حماس من إعادة بناء قوتها مرة أخرى. لذا، يجب أن نتجه نحو إنهاء الحرب في غزة، لأنه توجد سبع جبهات أخرى مفتوحة أمامنا، وقد آن الأوان لوضع حد لهذه الحرب"، وفق ما ورد.
وفي وقت سابق، قال عيران عتصيون هو نائب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق. وقد خدم تحت قيادة غيورا آيلاند، مؤلف خطة الجنرالات، وهو يعرفه جيدًا، إنه "يعتقد أن الخطة تتجاوز كل الحدود".
في الثاني والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر، كتب عتصيون : "لم أطالب قط [من قبل] بالرفض في الخدمة العسكرية. وفي رأيي، هذه خطوة مخصصة للحالات الأكثر تطرفًا ووضوحًا من ’الراية السوداء’. أمر غير قانوني بشكل واضح. جرائم حرب. وفي الواقع، لقد وصلنا إلى هذه النقطة ... لذا إذا كنت جنديًا أو ضابطًا، أو مجندًا، أو نظاميًا، أو احتياطيًا، فأنت ملزم برفض المشاركة في أي عمل يشكل جريمة حرب. وإذا لم تكن تؤدي الخدمة العسكرية، فمن واجبك أن تدعو أولئك الذين يؤدون الخدمة العسكرية إلى رفض المشاركة في جريمة حرب".