15 شهرًا على حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة، وها هو وقف إطلاق النار يدخل حيّز التنفيذ، غير أن الأزمات الإنسانية لا تنتهي هنا، فوقف إطلاق النار هو "نقطة البداية" كما تقول الأمم المتحدة. إحدى أكبر هذه الأزمات، انقطاع التيار الكهربائي، التي أنتجت أزمات عديدة من بينها الحاجة لشحن الأجهزة الإلكترونية، ما أضاف عبئًا جديدًا على كاهل المحاصرين تحت النار.
مع إطالة الاحتلال لأمد الحرب واشتداد المجازر والتجويع وزيادة أعداد النازحين، أصبح استخدام الأجهزة الإلكترونية أكثر من مجرد حاجة يومية، بل صار وسيلة للبقاء على قيد الحياة، مازاد الضغط بشكل كبير على طلبات شحن الهواتف
وسارع الاحتلال لقطع الكهرباء عن غزة منذ أيام الحرب الأولى، ليلجأ الفلسطينيون في غزة إلى حلول بديلة من أجل توفير الحد الأدنى من الطاقة، مثل استخدام ألواح الطاقة الشمسية، وهذه لا تتوفر لدى كثيرين بسبب ارتفاع أسعارها، بينما حولها البعض لمشاريع يسترزقون منها عن طريق شحن الأجهزة الإلكترونية.
ومع إطالة الاحتلال لأمد الحرب واشتداد المجازر والتجويع وزيادة أعداد النازحين، أصبح استخدام الأجهزة الإلكترونية أكثر من مجرد حاجة يومية، بل صار وسيلة للبقاء على قيد الحياة، مازاد الضغط بشكل كبير على طلبات شحن الهواتف. يؤكد على ذلك عبد الله الحتو، مبينًا أن أكبر التحديات التي يواجهها (في مشروعه) هي أيام الشتاء الماطرة، حيث تغيب الشمس وتقل قدرة الألواح الشمسية على إنتاج الطاقة، "فأُضَّطر حينها لتقليل كمية الشحن التي أقدمها للزبائن، وأحيانًا لا أستطيع تلبية طلباتهم".
ويشير عبدالله الحتو إلى أن الطلب الكبير على شحن الأجهزة الإلكترونية خلال الحرب جعل البعض يتخذ من هذه الحاجة وسيلة للربح السريع،"فالناس يظنون أن أصحاب هذه المشاريع الصغيرة يحققون أرباحًا طائلة، لكنهم لا يدركون ما نعانيه خلف الكواليس. فكوابل الشحن تحترق باستمرار بسبب الضغط المتزايد، مما يضطرنا لاستبدالها بشراء غيرها بشكل دائم، وهذا يكلف مبالغ باهظة، ومع ذلك أبقي على الأسعار ثابتة، لأنني أعلم أن جيراني يعانون اقتصاديًا ولا يستطيعون دفع المزيد".
لكن، خلافًا لعبد الله الحتو، فإن كثيرين من أصحاب نقاط الشحن رفعوا الأسعار إلى أربعة أضعاف السعر المتعارف عليه. وفي زاوية من هذه الأزمة، برزت معاناة الطلبة الذين يعتمدون على الأجهزة الإلكترونية لمتابعة دراستهم، فالطالبة الجامعية أسماء نصر الله، تشرح معاناتها قائلة: "تخيلوا أنَّ أبسط حقوقي في التعليم باتت كالحلم البعيد، اضطررت لشراء هاتف مستعمل بثمن باهظ حتى أتمكن من تقديم امتحاناتي عبر المنصات الإلكترونية، لكن نقل الهاتف يوميًا إلى نقاط الشحن يمثل مشقة هائلة لي ولعائلتي، أسير لمسافات طويلة وسط مخاطر القصف والاستهدافات العشوائية، ووالدتي تعيش في توتر دائم حتى أعود بسلام."
وتضيف أسماء: "حتى عندما أحصل على شحنة هاتف، فإن البطارية لا تدوم سوى ساعات قليلة، مما يجبرني على تقليص وقت الدراسة نهارًا، أما الليل فهو حكاية أخرى من الظلام والمعاناة، إذ لا نستطيع دفع تكاليف شحن البطارية بشكل يومي، ونعيش على ضوء خافت بالكاد يكفي لتبين ملامح الأشياء حولنا."
من جانبها، توضح سها سُكَّر، مدى أهمية الهواتف المحمولة في حياة سكان القطاع، قائلة: "الهاتف لم يعد وسيلة ترفيه، بل هو شريان الحياة الوحيد الذي يبقيني على تواصل مع أشقائي النازحين لجنوب غزة. ومع كل مرة أترك هاتفي في نقطة الشحن منذ الصباح حتى منتصف النهار، أشعر وكأنني أفقد وسيلتي الوحيدة لمعرفة أخبارهم."
وتضيف سها سُكَّر أن انقطاع الكهرباء وانعدام الإنترنت يزيدان من الشعور بالعزلة، وهكذا فإن الهاتف أصبح "احتياجًا حيويًا يأتي بثمن باهظ لا يتحمله كثيرون، فإما أن ندفع تكاليف باهظة لشحن الأجهزة، أو نقضي أيامنا في ظلام دامس وعزلة تامة. ولا أعتقد أن أي شخص يمكنه أن يفهم هذا الشعور إلا إذا عاشه بنفسه."
وتُجسّد أزمة شحن الأجهزة الإلكترونية في قطاع غزة صورة مصغرة عن معاناة السكان تحت الحصار والحرب، فمن ارتفاع الأسعار إلى استغلال الظروف الإنسانية، يجد الناس أنفسهم عالقين في دوامة من الأزمات التي يبدو أنها لن تنتهي بمجرد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
وكشفت شركة توزيع الكهرباء في قطاع غزة أن العدوان الإسرائيلي أفقدها 80 في المئة من معداتها وقدرتها، كما أن 70 في المئة من شبكات توزيع الكهرباء أيضًا طالها، وكذلك 90 في المئة من مستودعات ومخازن شبكة توزيع الكهرباء دمرت بشكل كامل.
ويوضح محمد ثابت، مسؤول العلاقات العامة في شركة توزيع الكهرباء، أن قيمة الخسائر المبدئية للأماكن التي تمكنت طواقم الشركة من الوصول إليها بلغت نحو 450 مليون دولار، وهم الآن بحاجة عاجلة إلى 10 سيارات لنقل الطواقم الهندسية بمعداتهم بين المحافظات الخمس بشكل متزامن و5 حفارات.
ويؤكد ثابت في حديث للتلفزيون العربي، أن عملية استعادة التيار الكهربائي في القطاع تتوقف على سرعة إدخال المستلزمات الخاصة بأعمال الصيانة، وإدخال المتطلبات التي من شأنها إعادة جزء من الشبكة الكهربائية للعمل.