ضربة "إسرائيل" لإيران: استعراض قوة أم انزلاق للتصعيد؟

بعد الهجوم الإسرائيلي الواسع على منشآت داخل إيران، احتدمت التحليلات في الداخل الإسرائيلي حول أبعاد الضربة، أهدافها الفعلية، واحتمالات التصعيد التي قد تليها. وحذّر عدد من الجنرالات والخبراء من وهم "النصر السريع"، مؤكدين أن مواجهة دولة مثل إيران تختلف جوهريًا عن خوض معركة مع تنظيمات مسلحة.

بعد الضربة الإسرائيلية لإيران، سادت في الداخل تحذيرات لا احتفالات. جنرالات وخبراء حذّروا: إيران ليست ميليشيا، وأي وهم بالنصر قد يقود إلى كارثة

الجنرال إيليعيزر "تشايني" مروم، القائد السابق لسلاح البحرية الإسرائيلي، قال في مقابلة مع القناة 12 إن "الصواريخ الإيرانية تختلف جذريًا عن تلك التي أُطلقت من غزة أو جنوب لبنان". 

صواريخ إيران ليست كغزة

وأضاف: "رأس الصاروخ وحده يزن مئات الكيلوغرامات، وإن لم يُعترَض بنجاح، فالنتيجة دمار واسع، كما شهدنا مؤخرًا. هذه معركة من مستوى آخر، وأي خطأ في إدارتها قد يكون ثمنه باهظًا".

مروم استعرض مشاهد لآثار صاروخ سقط قرب مركز تجاري، قائلاً: "ما ترونه هنا يعادل حجم سيارة. هذا صاروخ ضخم، والحفرة التي خلفها تُظهر حجم الخطر".

من جهته، حذّر الجنرال يسرائيل زيف، الرئيس السابق لشعبة العمليات في الجيش الإسرائيلي، من الانزلاق إلى الغرور الميداني، وقال للقناة 12: "إيران ليست دولة مفككة، وقد تفاجئنا كما حدث في السابع من أكتوبر. صحيح أننا نحقق إنجازات، لكننا نمر بلحظة حرجة تتطلب دقة في التقدير، لا تهورًا في القرار".

زوهر بلطي، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات في الموساد: "هذه ليست مواجهة مع تنظيم، بل مع دولة تمتلك جيشًا وقدرات نارية حقيقية.. وأي استهانة قد نُكرر بها خطأً سندفع ثمنه"

البروفيسور إيتان جلبوع، في مقابلة مع القناة 13، قال إن إسرائيل "لم تُحسن يومًا إنهاء الحروب"، مضيفًا: "غالبًا ما فُرضت علينا نهايات المعارك الكبرى، والآن أيضًا، هناك من يراهن على تدخل خارجي - غالبًا أميركي- لرسم ملامح النهاية".

زوهر بلطي، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات في الموساد، حذّر في مقابلة مع القناة 12 من التقليل من شأن إيران، مؤكدًا: "نواجه دولة ذات تنظيم عسكري وجيش نظامي وقدرات نارية حقيقية، لا ميليشيا. وأي استهانة بها ستكون تكرارًا لخطأ سابق ندفع ثمنه اليوم".

ترامب في المشهد؟ ضربة أولى.. يليها "صفقة"؟

حيزي سيمانتوف، المحلل السياسي في القناة 13، أوضح أن طهران ترى الولايات المتحدة المحرك الفعلي خلف تحركات "إسرائيل"، قائلاً: "من وجهة نظرهم، "إسرائيل" لا تُقدم على أي خطوة من هذا النوع دون ضوء أخضر أمريكي، خصوصًا بعد تجربة سنوات ترامب. الإيرانيون مقتنعون بوجود مؤامرة متكاملة تستهدفهم".

وفي السياق ذاته، أشار إيتان جلبوع إلى أن "الإيرانيين مقتنعون فعليًا بنظرية المؤامرة، ويعتقدون أن ترامب ونتنياهو خططا مسبقًا للهجوم بهدف زعزعة استقرارهم".

وقال ياكي ديان، القنصل الإسرائيلي السابق في نيويورك، للقناة 12 إن ترامب يفضّل "ضربة قوية تتبعها صفقة كبرى"، لكنّه لا يرغب بالتورط في حرب شاملة.

وبالعودة إلى البروفيسور جلبوع فقد قال إن "ترامب واضح في ما لا يريده: لا تدخل عسكري مباشر. لكنّه لن يتردد في الرد إذا استُهدفت المصالح الأميركية أو قواعدها".

وقد صرّح تساحي هنغبي، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، للقناة 13 أن الهدف من الضربة ليس القضاء الكامل على البرنامج النووي الإيراني، بل إبطاؤه وإرجاعه سنوات إلى الوراء. وأضاف: "لا يمكن تدمير هذا البرنامج عبر هجوم واحد، لكننا نستهدف أيضًا منظومة الصواريخ الباليستية وتقويض نفوذ المعسكر الإيراني في المنطقة".

وتابع هنغبي: "بينما تسعى الولايات المتحدة لاتفاق شامل مع طهران، نحن نُبقي دائمًا على خيار المواجهة العسكرية، لأن الثقة بالنظام الإيراني غير ممكنة".

وفي تحليل لصحيفة "هآرتس"، كتب المعلق العسكري عاموس هرئيل أنّ الضربة الإسرائيلية لم تمس البنية العميقة للبرنامج النووي الإيراني، مرجّحًا أن تكون استهدفت منشآت غير محصّنة، بهدف توجيه رسالة أكثر من إحداث ضرر دائم.

ولفت إلى أن إيران ما تزال تحتفظ بقدرات هائلة، وقد ترد بهجمات صاروخية إضافية، بينما يبدو حزب الله حتى الآن خارج المعادلة، ما لم يُطلب منه التدخل المباشر.

كما أشار هرئيل إلى أنّ التنسيق بين تل أبيب وواشنطن كان أعمق مما أُعلن، وأن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بات يتمتع بهامش أوسع لفرض قراراته، في ظل تراجع تأثير المؤسسة الأمنية.

هل تملك "إسرائيل" مخرجًا؟

أمّا ناحوم برنياع، المعلّق في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فانتقد بعنف أداء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، قائلًا: "نتنياهو لا يملك خطة خروج، لا من غزة ولا من إيران. يعلن نهاية التهديد الإيراني بينما الوقائع قد تقود إلى العكس تمامًا. ما يجري الآن قد يدفع طهران للإعلان رسميًا عن امتلاك سلاح نووي".

وأضاف: "حروب كهذه تبدأ بحماسة، لكنّ الحماسة تتبخّر وتبقى الحرب. والحل الوحيد، تغيير النظام في إيران، يبقى هذا خيارًا مكلفًا، معقدًا، وطويل الأمد".