26-نوفمبر-2024
وقف إطلاق النار في لبنان.jpg

(Getty)

اختارت كبرى وسائل الإعلام الإسرائيلية، إتاحة المجال أمام شخصيات معارضة وخبراء لـ"تبرير اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان"، بعد خطاب نتنياهو الذي قبِل خلاله في اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان، فيما أكدت مصادر إسرائيلية تصويت "الكابنيت" على الاتفاق بالموافقة.

وفي أحد البرامج الحوارية البارزة على قناة "كان" الرسمية، توجهت المذيعة الأساسية في القناة أيلا حسون، المحسوبة على رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، إلى الجمهور الإسرائيلي، قائلةً: "قبل أن يبدأ الجميع في إعلان معارضتهم أو تأييدهم لهذا الاتفاق، يجب عليهم أولًا الاطلاع على التفاصيل. الجيش الإسرائيلي في حاجة ملحة للذخائر والأسلحة، إذ يرسل الجيش الجنود بدلًا من استخدام الجرافات الكبيرة في العمليات داخل غزة، حيث يسقطون قتلى. السبب في ذلك أن الولايات المتحدة ترفض تزويد الجيش الإسرائيلي بجرافات D9"، وفق قولها.

وسائل الإعلام الإسرائيلية تركز على ضرورة اتفاق وقف إطلاق النار في هذه المرحلة، في ظل إرهاق جيش الاحتلال ونقص الذخيرة

ثم توجهت حسون إلى مراسل الشؤون السياسية في القناة سليمان مسودة، لتوضيح ظروف التوصل إلى هذا الاتفاق، ورد الأخير، قائلًا: "الظروف التي دفعَت إلى التوقيع على هذا الاتفاق ليست سياسية فقط، بل أيضًا عملياتية (عسكرية). نحن على أبواب فصل الشتاء، والولايات المتحدة منذ فترة ليست بالقصيرة توقف تزويد إسرائيل بكل الذخيرة التي تطلبها. هناك أيضًا حظر تصدير أسلحة كبير، ويجب عدم الإفراط في الحديث عن ذلك".

وفي سياق تحليل الخيارات أمام إسرائيل، شرح المعلق السياسي في صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، بن كسبيت، مشددًا على أن "الاتفاق يمثل الخيار الأقل ضررًا، رغم التحديات المصاحبة له". وقال: "أنا أفهم تمامًا معاناة سكان الشمال، والقلق الذي يثقل كاهلهم. فقد تحملوا العبء الأكبر خلال الأزمة، وستظل تبعات هذه الأزمة تؤثر عليهم في المستقبل. ورغم التصريحات المستمرة والوعود المتكررة، لا تزال المساعدات المتوقعة لهم عالقة ولم تصلهم بعد. على سبيل المثال، توقّف جهاز التعليم في المنطقة منذ أسبوع، حتى في البلدات التي لم يتم إخلاؤها. وفي هذه الأثناء، اختارت لجنة التعليم في الكنيست الانشغال بتكريم الحاخامين دروكمان وعوفاديا، بينما تُرك سكان الشمال يواجهون مصيرهم دون حلول".

وتناول بن كسبيت أهمية الاتفاق من الناحية الاستراتيجية، قائلًا: "على الرغم من كل ذلك، لا يمكن تجاهل أهمية هذا الاتفاق من منظور استراتيجي. فقد حققت إسرائيل مكاسب غير مسبوقة خلال هذه الحرب. استطاعت تقويض قوة حزب الله بشكل كبير، ودمرت بنيته التحتية، وقتلت الآلاف من عناصره، كما تم تقليص قدرته على إطلاق الصواريخ بشكل حاد. فضلًا عن ذلك، تم تدمير الضاحية الجنوبية بشكل شبه كامل، بينما تلقى مجلس الشورى الذي يقوده نصر الله هزيمة ثقيلة"، وفق تعبيره.

وفي إشارة إلى العوامل التي تجعل التراجع والتوصل إلى هذا الاتفاق مع لنبان "منطقية"، قال: "في ظل هذه المعطيات، يمكن لإسرائيل استغلال هذه اللحظة للتراجع استراتيجيًا. بمجرد حلول فصل الشتاء، يصبح الوضع في الجبهة اللبنانية بطيئًا، بينما تبقى إيران تهديدًا دائمًا في الملف النووي. بالإضافة إلى ذلك، هناك أكثر من 101 من المخطوفين في غزة، والجيش الإسرائيلي بحاجة ماسة إلى فترة راحة وإعادة تنظيم بعد الإرهاق الطويل".

وانتقد بن كسبيت التناقضات في الحكومة الإسرائيلية، قائلًا: "ما يثير الاستفهام هو أن حكومة تصف نفسها بأنها 'اليمين الكامل' مستعدة لإغلاق جبهة الشمال، التي تشكل تهديدًا حقيقيًا، دون ضمانات أمنية كافية أو تحقيق نصر شامل. في حين أنها ترفض تمامًا التوصل لاتفاق مشابه في الجنوب [أي حرب غزة]، رغم أن الوضع هناك أقل خطورة و’عدوها’ أضعف. الكل يعلم أن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش لن يسعيا لإسقاط الحكومة بسبب اتفاق مع حزب الله، لكنهما لن يترددا في إسقاطها إذا تم التوصل لاتفاق مع حماس. هذه الحقيقة المؤلمة تكشف عن تناقض صارخ يتعارض مع القيم التي تدّعي إسرائيل أنها تقوم عليها".

وفي حديثه عن الاتفاق و"تعقيده"، قال عضو الكنيست عن حزب الليكود، موشيه سعدا: "في هذا الوضع المعقد، هناك تهديدات تتعلق بحظر تزويدنا بالأسلحة، وهناك تهديدات بقرارات دولية ضد إسرائيل. هذا الاتفاق لن يوفر الأمان، إسرائيل هي من ستصبح مردوعة. لا يجب أن نسمح في نهاية الأمر هنا. لو كنت وزيرًا في المجلس المصغر، سأكون ضد هذا الاتفاق".

بدوره، قال مراسل صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية للشؤون العسكرية، يوسي يهوشع: "في الوقت الحالي، وبالنظر إلى المستقبل القريب، هناك احتمالية لإعادة سكان الجانب الإسرائيلي إلى منازلهم، خاصة أن الخط الأول من المنازل على الحدود اللبنانية، بالإضافة إلى جزء من الخط الثاني، قد تم تدميره. بعض القرى اختفت تمامًا. لكن يبقى السؤال: ماذا سيحدث إذا قرر أحد سكان لبنان العودة لإعادة بناء منزله؟ وإذا جاء بملابس مدنية، من الذي يضمن لنا أنه ليس منتميًا لحزب الله؟ هذا الواقع يُعقّد الأمور، حيث أصبح الجنوب اللبناني تحت هيمنة ’الطائفة الشيعية’ [كما وردت]، ومعظم الأسر الشيعية مرتبطة بحزب الله. هذه الحقيقة المرّة تترسخ بانتشار الأسلحة في كل منزل تقريبًا"، على حدِ تعبيره.

من جانبه، قال دورون كدوش، مراسل الشؤون العسكرية في إذاعة الجيش الإسرائيلي، في مقابلة مع القناة الـ12 الإسرائيلية: "الجيش يطالب بهذا الاتفاق رغم الثغرات الكبيرة فيه، لكن هناك جوانب إيجابية على المدى الفوري، خاصة بما يتعلق بالذخائر والأعباء التي يتحملها جنود الاحتياط، الذين لم يعودوا قادرين على تحمل المزيد. بالطبع، هناك أيضًا العبء على القوات النظامية، وهناك ضرورة للتركيز على قطاع غزة واستعادة 'المخطوفين'".

وفي حديثه عن المنظومة الأمنية الإسرائيلية، أشار ألون بن دافيد، محلل الشؤون العسكرية في القناة الـ13 الإسرائيلية: "هذا الاتفاق يعكس الإنجازات الكبيرة التي حققتها إسرائيل في هذه الحرب، ويخلق وضعًا أفضل بكثير في الشمال. صحيح أنه ليس اتفاقًا مثاليًا، لكن الجيش لم يزعم من البداية أنه سيقضي على القوة العسكرية لحزب الله؛ لأن ذلك يعني الاحتلال الكامل للبنان".

وشرح عاموس مالكا، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية سابقًا، كيف يمكن أن تنتهي الحرب في لبنان، بالقول: "الحرب يمكن أن تنتهي بثلاث طرق: الاتفاق الحالي، أو حزام أمني، أو حرب حتى النهاية. الاحتمال الثالث مستبعد؛ لأنه سيحتاج إلى دعم دولي وخطط عسكرية لا أعتقد أن لدينا القدرة عليها".

بدوره، اعتبر يائير جولان، زعيم حزب الديمقراطيين (اتحاد حزب العمل وحزب ميرتس) ونائب رئيس الأركان السابق، أن الاتفاق هو "اتفاق مرحلي" نتيجة لإرهاق الجيش الإسرائيلي، مشيرًا إلى أنه "كان من الممكن التوصل إلى اتفاق أفضل لو كانت العمليات قد بدأت في الشمال في وقت مبكر، مع ترسانة أكثر قوة، وجنود احتياط أكثر نشاطًا".