10-مارس-2025
أزمة في قطاع غزة.jpg

"لسه ما لحقنا نلتقط نفسنا وننسى الجوع"، تقول الفلسطينية الخمسينية أم علي المصري، بينما كانت تعد طعام وجبة الإفطار على نار الحطب، في منزلها المدمر جزئيًا في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة.

تقدر هيئات محلية ودولية، أن أكثر من 80% من بين مليونين و400 ألف نسمة في القطاع المحاصر، يعتمدون على المساعدات الإنسانية في معيشتهم وتدبير أمور حياتهم اليومية

وحال هذه السيدة يمثل حياة الغالبية من الغزيين مع إغلاق دولة الاحتلال الإسرائيلي للمعابر، ووقف إدخال المساعدات الإنسانية، والوقود وغاز الطهي، منذ 9 أيام، وقطع خط الكهرباء عن قطاع غزة، يوم الأحد 9 آذار/مارس.

وأغلقت دولة الاحتلال المعابر، وأهمها معبر كرم أبو سالم التجاري، وأوقفت إدخال المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية، صباح الثاني من مارس/آذار الجاري، حيث انتهت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، التي استمرت 42 يومًا، منذ دخول الاتفاق بين الاحتلال والفصائل الفلسطينية في القطاع حيز التنفيذ في 19 كانون الثاني/يناير الماضي.

وتقول المصري لـ "الترا فلسطين": إن إغلاق المعابر تسبب في اختفاء السلع والبضائع من الأسواق، وارتفاع كبير على أسعارها، وتشير إلى بضع معلبات أمامها، قائلةً: "هذا هو إفطارنا اليوم، معلبات فاصولياء على نار الحطب". 

أم علي المصري عادت للطهي على نار الحطب في ظل أزمة وقود وغاز الطهي | أحلام حماد- الترا فلسطين
أم علي المصري عادت للطهي على نار الحطب في ظل أزمة وقود وغاز الطهي | أحلام حماد- الترا فلسطين

أسعار جنونية

وخلال الأيام القليلة الماضية ضجت منصات التواصل الاجتماعي بالشكوى من اختفاء كثير من السلع والبضائع من الأسواق، التي شهدت ارتفاعًا هائلًا على أسعار المتوفر منها، ووفقًا للمصري التي تعيل أسرة مكونة من 11 فردًا، فإن هذه الأسعار لا تناسب غالبية المواطنين، بعد شهور من الحرب أفقدتهم مصادر رزقهم ومدخراتهم.

وبعد رحلة نزوح طويلة عادت أم علي وأسرتها للإقامة في منزلها المدمر جزئيًا في خانيونس، وتقول إن "لا مصدر دخل ثابت لهم، ويعتمدون في معيشتهم بشكل أساسي على المساعدات الإنسانية".

وتقدر هيئات محلية ودولية، أن أكثر من 80% من بين مليونين و400 ألف نسمة في القطاع المحاصر، يعتمدون على المساعدات الإنسانية في معيشتهم وتدبير شؤونهم الحياتية اليومية.

وتسخر المصري من الواقع المعيشي في القطاع، وتقول وقد ارتسمت ابتسامة قهر على وجهها: "والله ما لحقنا نشتاق للمعلبات، حتى عدنا إليها، وكمان نطبخها على النار بعد نفاد أسطوانة الغاز".

وأودعت المصري أسطوانتها الوحيدة لدى الموزع المعتمد في منطقتها لتعبئتها بغاز الطهي، عشية القرار الإسرائيلي بإغلاق المعابر، ولا تزال فارغة، حيث لم تسمح سلطات الاحتلال بإدخال الوقود والغاز.

وارتفعت أسعار غاز الطهي في السوق السوداء أضعافًا مضاعفة، وبحسب المصري فإن سعر الكيلو منه وصل إلى 120 شيكلًا، فيما قبل الإغلاق كان أقل من 40 شيكلًا، أما لدى الموزعين المعتمدين وحسب النظام الرسمي المتبع بالتعبئة الشهرية للأسر فإن سعر تعبئة 8 كيلوغرامات يبلغ 60 شيكلًا.

مساومة وابتزاز

وتستخدم دولة الاحتلال الإسرائيلي المعابر والمساعدات الإنسانية كأداة حرب، وفقًا لمنظمة أطباء بلا حدود، وتقول المنظمة الدولية على حسابها الرسمي على منصة "إكس"، إن إسرائيل "تعيق مرة أخرى وصول المساعدات وتستخدمها كورقة مساومة، وهذا أمر غير مقبول وصادم وسينتج عنه عواقب مدمرة".

ويقول المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فيليب لازاريني "إن قرار إسرائيل بوقف المساعدات إلى غزة يهدد حياة المدنيين المنهكين بعد 16 شهرًا من الحرب الوحشية".

وبحسب المفوض العام في تصريحات نقلتها عنه منصة الأونروا، فإن "الغالبية العظمى من الناس في غزة تعتمد على المساعدات من أجل بقائها على قيد الحياة"، مشددًا على أن "هذه المساعدات والخدمات غير قابلة للتفاوض، ولا يجب أبدًا استخدامها كسلاح في الحرب".

وأدى القرار الإسرائيلي بإغلاق المعابر إلى حالة من الخوف في أوساط المدنيين الفلسطينيين في القطاع من احتمالات عودة الحرب والمجاعة، علاوة على انعكاسه على حالة الأسواق وارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود وكافة أصناف السلع والبضائع.

ويخشى محمد أبو عمشة العائد لمنطقته في شمال القطاع بعد نزوح لشهور طويلة في جنوب القطاع من تجدد الحرب، ويقول لـ "الترا فلسطين": "الأجواء خطيرة جدًا، والتهديدات صاخبة، وكمان إغلاق المعابر يزيد الطين بلة ويهدد بعودة المجاعة". 

ويقول بائعون على بسطات صغيرة في شوارع مدينة خانيونس استطلع "الترا فلسطين" آراءهم، إن ارتفاع الأسعار سببه "التجار الكبار"، الذين يتلاعبون بوضع السوق، ويستغلون إغلاق الاحتلال للمعابر، ويحتكرون السلع والبضائع في مخازنهم، ويعرضونها بكميات قليلة في الأسواق من أجل جني أرباح مضاعفة.

ورغم بيانات متواترة للسلطات المحلية في غزة عن حملات ميدانية لوزارة الاقتصاد والشرطة ومباحث التموين لضبط الأسعار وحالة الأسواق، إلا أن المواطنين لا يشعرون بأثر هذه الحملات على توفر البضائع والسلع وانخفاض الأسعار.

وإزاء ذلك أطلق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة حملة تناشد التجار بأن يكونوا على "قدر المسؤولية الوطنية، والاصطفاف إلى جانب شعبهم في هذه المرحلة العصيبة".

أكثر من 80% من بين مليونين و400 ألف نسمة في القطاع المحاصر، يعتمدون على المساعدات الإنسانية في معيشتهم وتدبير شؤونهم الحياتية اليومية | أحلام حماد - الترا فلسطين
أكثر من 80% من بين مليونين و400 ألف نسمة في القطاع المحاصر، يعتمدون على المساعدات الإنسانية في معيشتهم وتدبير شؤونهم الحياتية اليومية | أحلام حماد - الترا فلسطين

شبح المجاعة وأزمات مركبة

ويقول مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة إن استمرار منع دخول المساعدات الإنسانية يعني عودة شبح المجاعة من جديد، في ظل توقف عجلة الإنتاج والعمل داخل القطاع، واعتماد سكانه على هذه المساعدات في توفير لقمة عيشهم.

وأوضح الثوابتة في حديث لـ "الترا فلسطين"، أنه من شأن إغلاق المعابر أن يؤدي إلى "تداعيات خطيرة على حياة شعبنا الفلسطيني في غزة"، حيث أنه سيؤدي إلى تعميق أزمة الجوع والمجاعة في ظل شح الإمدادات وانعدام البدائل عن المساعدات الإغاثية الغذائية.

كما أن منع دخول الأدوية والمستلزمات الطبية، يعرض آلاف المرضى والجرحى لخطر الموت بسبب نقص العلاج وانهيار المنظومة الصحية، علاوة على أن منع دخول المعدات والآليات الثقيلة، يفاقم الأزمة الإنسانية ويبقي الشوارع مغلقة مع عدم القدرة على انتشال جثامين أكثر من 10 آلاف شهيد ما زالوا تحت الأنقاض.

وتهدد أزمة الوقود بتوقف المستشفيات عن العمل وانقطاع الكهرباء عن مراكز الإيواء والمرافق الحيوية والبلديات وينذر بمكرهة صحية وبيئية، فيما منع إدخال مستلزمات الإيواء المؤقت، يعني بقاء نحو مليونًا ونصف المليون مواطن بلا مأوى بعد تدمير بيوتهم، في ظل أجواء شديدة البرودة، وظروف معيشية قاهرة تنعدم فيها أبسط سبل الحياة من ماء وغذاء وكهرباء، بحسب الثوابتة.