الترا فلسطين | ترجمة فريق التحرير
نشرت صحيفة "هآرتس" على نسختها الورقية الصادرة باللغة العبرية يوم الإثنين مقالاً بعنوان: "ألمانيا تُشرعن زواحف الاحتلال"، للسياسي أبرهام بورغ، الرئيس الأسبق للكنيست.
قبل أسابيع قليلة شاركت في لقاءٍ هامٍ في ألمانيا حول اختطاف ذكرى الهولوكوست واليمين الجديد. واحدٌ من أعمق المؤتمرات التي حضرتها، وأكثرها تنوعًا وحساسية. ردت المؤسسة اليهودية هناك ردًا متوقعًا ومخادعًا، واتهمت المشاركين بأنهم معادون للسامية، ومؤيدون لحركة BDS، إضافة إلى تلميحات قبيحة وقاسية تجاه واحدة من أهم المؤرخين في جيلنا. لهذا السبب من الواضح لي أنه حان الوقت لتفجير هذه الدمامل.
اليمين الإسرائيلي المحافظ والعنصري يدير مجموعة العواطف والمشاعر الألمانية فيما يتعلق بماضيها بشأن اليهود والمعادين للسامية ودولة إسرائيل
خلال السنوات وحتى الشهور الأخيرة عُقدت في ألمانيا عدة فعاليات شكلت تحديًا للسجال اليهودي - الإسرائيلي - الألماني. كاتب يهودي لا يغني ضمن جوقة المحافظين اليهود تم إخراسه لأن أمه ليست يهودية. واضطر مدير المتحف اليهودي في برلين إلى الاستقالة بسبب تغريدة عن حرية التعبير. هم الآن -أي المؤسسات اليهودية- في خضم حملة قبيحة وكاذبة لنزع الشرعية، تستهدف بعض أهم المؤسسات البحثية والثقافية في ألمانيا والعالم: منتدى أينشتاين، وكذلك معهد دراسة معاداة السامية، وكأفضل تقليد للدعاية الكاذبة، أطلقوا عليه لقب "معهد معاداة السامية"، في محاولة لردعه من خلال التنمر على المعاهد الأساسية والباحثين المتميزين الذين كل ذنبهم هو إجراء بحث عالمي متعمق دون جدال أو تحيزات ديماغوجية محددة سلفًا. كل من يجرؤ على التعبير عن رأي مختلف وموقف مختلف عن موقفهم يخاطر بقطع رأسه علنًا.
ألمانيا لديها حكومة منتخبة، لكن في مجالات العاطفة عندما يتعلق الأمر بالتاريخ الألماني - اليهودي وحقيقة معاداة السامية، تدار الأمور من قبل اللجنة المركزية اليهودية التي من المفترض أن تمثل جميع اليهود الألمان، لكنها من الناحية العملية لا تمثل سوى بعض منهم. من جوانب كثيرة، هذا له منطقٌ ومبررٌ، لكن قلة من الناس يعرفون طبيعة السلسلة التالية من الروابط: اليمين العميق يدير سياسة دولة إسرائيل، وتشكل إسرائيل موقف اللجنة المركزية اليهودية في ألمانيا، وهذا بدوره يملي الخطاب السياسي الألماني الأكثر حساسية هناك.
ثم إن اليمين الإسرائيلي المحافظ والعنصري يدير مجموعة العواطف والمشاعر الألمانية فيما يتعلق بماضيها بشأن اليهود والمعادين للسامية ودولة إسرائيل. كيف يحدث ذلك؟ لقد حولت إسرائيل معاداة السامية إلى سلاح سياسي قوي. قامت حكوماتها المحافظة بتوسيع المصطلح بشكل كبير. كل انتقاد هو معاد للسامية، كل معارض هو عدو، كل عدو هو هتلر. هذه هي البنية التحتية للوعي وللسياسة والدولة في إسرائيل، ولألمانيا دور رئيسي فيها.
ألمانيا الرسمية مرعوبة من أي مواجهة مع إسرائيل وتخشى طلب أي توضيح من إسرائيل حول طبيعة معاداة السامية اليوم، ومسألة ما هو الانتقاد المناسب لسياسة إسرائيل غير الشرعية. أصبحت ألمانيا الحارس والضامن الأكبر للواقع الذي يعيش فيه الفلسطينيون بلا حقوق ولا مكانة في وطنهم. لن يكون هناك سلام في الشرق الأوسط ولن تكون هناك إسرائيل معافاة وقابلة للبقاء ما دامت ألمانيا أسيرة تعقيدات ماضيها.
أصبحت ألمانيا الحارس والضامن الأكبر للواقع الذي يعيش فيه الفلسطينيون بلا حقوق ولا مكانة في وطنهم
يجب أن تظل المحرقة ودولة إسرائيل مكونين هامين للهوية السياسية والأخلاقية لألمانيا، لكن هذا ليس هو الحال. ليس هناك حرية تعبير حقيقية في ألمانيا اليوم في جميع المجالات التي تهم إسرائيل والشعب اليهودي حاليًا. هناك رقابة طبيعية صارمة يتم تفعيلها تلقائيًا وبشكل مفهوم. تسيطر عليها آلية استغلال ساخرة وسياسية، حولت الهولوكوست وذاكرتها إلى وسيلة لرفض أي انتقاد لدولة إسرائيل.
لا توجد دولة أخرى في الغرب الديمقراطي تنكر الحق الطبيعي للملايين في أن يتم اختيارهم للعيش في بلدهم انطلاقًا من تعريفهم الذاتي، كما تفعل إسرائيل للشعب الفلسطيني. إسرائيل قادرة على القيام بذلك لأن الولايات المتحدة الملتوية ترى في نفسها حاكمًا مستقيمًا، وألمانيا تدعم بشكل أعمى وتلقائيًا كل نزوة إسرائيلية.
لا تزال هناك معاداة حقيقية للسامية في العالم، ولا يجوز إبداء أي تفاهم أو شرعية تجاهها. بعضها قديم وتقليدي، وبعضها طفرة جديدة تنتشر من قبل العناصر المعادية لإسرائيل الذين يستخدمون جريمة الاحتلال لمهاجمة جميع اليهود أينما كانوا، وحرمانهم من أن يكونوا أفرادًا وجماعة. وهناك مستوى أكثر خبثًا وخطورة من معاداة السامية، وهي التي تستخدم عباءة زائفة من الدعم لدولة إسرائيل لإخفاء كراهية الأجانب وكراهية المهاجرين. هذه هي معاداة السامية من قبل الفاشيين والنازيين الجدد الذين "يحبون" إسرائيل. ونرى أنه من المدهش أن عددًا قليلاً من اليهود المحترمين والألمان المؤسسين يدعمونهم فقط لأنهم مؤيدون لليهود أو مؤيدون لإسرائيل، للحظة وعلى ما يبدو. بكلمات أقل دقة: هناك يهود وألمان يدعمون معاداة السامية على حساب حب إسرائيل.