منذ فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الاميركية، انشغلت وسائل الإعلام العبرية في البحث عن إجابةٍ على تساؤل "هل سينقل ترامب سفارة واشنطن من تل أبيب الى القدس؟". لكن الأيام الأخيرة في إسرائيل شهدت تركيزًا أوسع على هذه القضية بعد أن كشفت القناة الثانية الإسرائيلية عن أن ممثلين عن ترامب اجتمعوا بطاقمٍ من وزارة الخارجية الإسرائيلية لاختيار مكانٍ في القدس سيتم نقل السفارة إليه.
ممثلون عن ترامب اجتمعوا بطاقم من خارجية إسرائيل لاختيار مكانٍ في القدس ستنقل السفارة إليه، ومسؤول إسرائيلي قال إن المكان جاهز
أبرز التصريحات في هذا الجانب نقلتها صحيفة "هآرتس" العبرية في عددها الصادر، الخميس 15/كانون الأول، عن رئيس بلدية الاحتلال في القدس نير بركات، الذي قال إن مبنى القنصلية الأمريكية في القدس جرى توسعته ليضم السفارة أيضًا، مضيفًا، أنه في حال اتخاذ القرار بنقل السفارة فالأمر لا يحتاج إلا لانتقال السفير لمبنى القنصلية، وتغيير اليافطة بدلاً من القنصلية إلى السفارة والقنصلية معًا.
اقرأ/ي أيضًا: هل صدّقت إسرائيل وعد ترامب بنقل السفارة للقدس؟
وأشارت الصحيفة إلى أن مبادرة إقامة مبنىً جديدٍ للقنصلية الأمريكية بدأت في نهاية ولاية وزير الخارجية الأمريكي السابق جورج شولتس، إبان عهد الرئيس الأمريكي رونالد رغان في نهاية سنوات الثمانين من القرن الماضي، حيث زار "إسرائيل" وطلب إيجاد أرضٍ مناسبةٍ لإقامة السفارة الأمريكية في المدينة.
وأوضحت، أنه تم تخصيص هذه الأرض عبر ما يسمى "أراضي إسرائيل" لإقامة مبنى السفارة، مضيفة، أن "إسرائيل" وقعت على اتفاق مع الحكومة الأمريكية ينص على إخضاع المباني القريبة لقيودٍ في البناء، تشمل ارتفاع المباني القريبة من مبنى السفارة بدائرة 300 متر، وذلك لتستوفي المعايير الأمنية لتمثل سفارةً مستقبلاً.
ويبين الصحفي المتخصص في الشأن الإسرائيلي أنس أبو عرقوب، أن معظم الخبراء الإسرائيليين في شؤون الولايات المتحدة الأمريكية رأوا أنه من المبكر تقدير ما إذا كان ترامب سينفذ وعده بنقل السفارة؛ مستذكرين أن عددًا غير قليلٍ من الرؤساء الأمريكيين تعهدوا بذلك أثناء الفترة الانتخابية، ولكن بمجرد دخولهم للبيت الأبيض تراجعوا عن ذلك.
وأشار أبو عرقوب في تعقيبه على القضية لـ"ألترا فلسطين"، إلى أن التصريحات عن وفاء ترامب بتعهده لم تصدر بعد فوزه في الانتخابات إلا من المستوى الثاني من طاقمه، فيما تجنب نائبه ووزير خارجيته الحديث عن الأمر، وهو ما أفادت به أيضًا القناة الثانية.
وأوضح أبو عرقوب، أن معظم التغطيات الإعلامية الإسرائيلية حول هذا الملف، تخللها تكريس محورٍ أساسيٍ يجيب على تساؤل كيف يتراجع الرؤساء الأمريكيون عن وعودهم بنقل السفارة من تل أبيب إلى القدس، بالتذكير بآلية اتخاذ القرار في البيت الأبيض.
ويتحدث الخبراء عن أنه بعد وصول كل رئيسٍ جديدٍ للبيت الأبيض، يتلقى تقارير استخبارية وأخرى من وزارة الخارجية ومن سفرائه في العالم، وفجأة يكتشف أنه في حال نقل السفارة للقدس فإن العلاقات الخارجية لبلاده ستنهار ليس فقط مع الدول العربية والإسلامية.
كما ستقول له الاستخبارات إن الخطوة ستشكل خطرًا على حياة الأمريكيين خاصةً في الشرق الأوسط والدول العربية، "وعندها سيفعل ما فعله كل الرؤساء الذين تعهدوا بنقل السفارة خلال الانتخابات ثم تراجعوا عن ذلك بعد دخولهم للبيت الابيض".
وامتنع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو عن التعقيب على هذا الأمر طوال الفترة الماضية، وكان آخر تصريحٍ له حول ما ينتظره من ترامب بأنه يثق بأن لديه مشاعر دافئةً تجاه اليهود والدولة اليهودية، مضيفًا، "أعرفه جيدًا ولا شك لدي أن مواقفه تجاه إسرائيل واليهود غايةٌ في الإيجابية".
وسبق أن نقلت القناة الثانية تصريحًا لوزيرٍ إسرائيليٍ لم تكشف هويته، تحدث فيه بقليلٍ من التفاؤل، إذ أكد أن ترامب لن يمضي في طريق نقل السفارة الآن، "لأن خبراء في القانون الدولي وسياسيين سيوضحون له تداعيات الخطوة"، مشيرًا إلى تهرب كافة الرؤساء في السنوات الـ21 الأخيرة من تنفيذ قرار الكونغرس بهذا الشأن، من خلال تأجيل التنفيذ كل ست أشهر.
ولم يذهب وزير شؤون القدس زئيف ألكين بعيدًا عن هذا الرأي، إذ أكد أن ترامب سيفعل ما فعله جميع الرؤساء قبله، مضيفًا، "يتوجب علينا نقل كل مقار الوزارات الإسرائيلية إلى القدس لكي نكون قدوة ثم يكون بمقدورنا مطالبة الأمريكيين بنقل سفارتهم إلى القدس".
ورغم هذه التصريحات، إلا أن أجواء من التفاؤل تسود في إسرائيل تجاه هذه القضية في حالة ترامب، وترجع، حسب أبو عرقوب، إلا أن الأخير كما يعتقد الإسرائيليون "يعتمد في اتخاذ قراراته على إحساسه الداخلي، وليس على تقديرات طواقمه كما حدث خلال فترة الانتخابات".
وأشار أبو عرقوب إلى ما قاله داني آيلون الخبير الإسرائيلي في شؤون الولايات المتحدة، بأن ترامب "ينوي القيام بثورة في السياسية الخارجية الأمريكية، ليس فقط بشأن نقل السفارة إلى القدس، وإنما في ملفات أكثر أهمية، خصوصًا فيما يتعلق بالعلاقات مع الصين وروسيا".
ولفت آيلون الى أن اسرائيل تحاول مضاعفة ضغوطها على ترامب من خلال إبراز تصريحاتٍ للمستوى الثاني من الإدارة الأمريكية الجديدة بخصوص الوفاء بتعهد نقل السفارة.
ورأى أبو عرقوب، أن أحد العناصر التي تراهن "إسرائيل" عليها في ممارسة الضغوط على ترامب لتنفيذ وعده، هو ممارسة الضغوط من داخل أسرته بالاعتماد على جاريد كوشنر اليهودي زوج ابنته إيفانكا، التي اعتنقت أيضًا اليهودية، منوهًا إلى أن زوجها كوشنز ينتمي لأسرةٍ يهوديةٍ يمينيةٍ تتبرع بملايين الدولارات سنويًا للمستوطنين في الضفة الغربية.
تجدر الإشارة إلى أن الكونغرس الأمريكي شرّع في الثالث والعشرين من شهر تشرين الأول عام 1995 قانونًا يعترف بمدينة القدس "عاصمةً لدولة إسرائيل"، ويلزم الإدارة الأمريكية بنقل السفارة إليها، لكن كافة الحكومات التي تعاقبت على البيت الأبيض دأبت على تأجيل اتخاذ هذا القانون كل ست أشهر.
اقرأ/ي أيضًا:
ترامب.. وأخيرًا اللعبة القذرة دون وجه أنيق