إعداد: باسل رزق الله، ترجمة: أنس أبو عرقوب
تتواصل الأصوات الداعية إلى "إبادة قطاع غزة" وفرض العقوبات الجماعية على سكانه، في "إسرائيل"، بما ينطلق من القتل وصولًا إلى التجويع والتعطيش. وبينما تقلق "إسرائيل" الرسمية على صورتها، وتمارس هذه الممارسات على الأرض دون التصريح بها، فإن أصحاب المناصب السابقة، أكثر راحة في الحديث عن جرائم الحرب على نحو علني، وتوضيح ما تعني، مثلما نشر رئيس مجلس الأمن القومي الأسبق غيورا آيلاند، مقالًا في النسخة الورقية من صحيفة يديعوت أحرونوت، جاء بعنوان: "على طريق هزيمة حماس، علينا عدم الوقوع تحت تأثير الردع من العالم"، يحمل دعوة إلى الانتقام والهجوم على كافة أهالي قطاع غزة.
حصل مقال اللواء الإسرائيلي غيورا آيلاند على دعم وإعجاب من وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش
وينطلق مقال اللواء احتياط الإسرائيلي، بالقول: "إن الجدل الدائر حول امتثال إسرائيل للمطالب الدولية بالسماح لإدخال الوقود إلى غزة، يعكس مواجهة مبدئية بين إسرائيل والولايات المتحدة، فيما يتعلق بالرواية الصحيحة"، ويضيف: "وفقًا للرواية الأمريكية، هناك مجموعتان من الناس في غزة. الأولى هي عناصر حماس. والثانية تشمل معظم الناس في غزة. مواطنون أبرياء، يعانون الظلم بدون ذنب اقترفوه، ولذلك يجب على إسرائيل تجنب التسبب بالأذى لهم، بل والعمل على جعل حياتهم أسهل".
وتابع في مقاله، قائلًا: "أما الرواية الأخرى والأصح، فهي التالية: إسرائيل لا تقاوم منظمة إرهابية، لكنها تقاتل ضد دولة غزة. دولة غزة تقودها فعلًا حماس، وهذه المنظمة تمكنت من حشد كل موارد بلادها، ودعم غالبية سكانها والولاء المطلق للإدارة المدنية المحيطة بقيادة السنوار، مع الدعم الكامل لأيديولوجيته. وبهذا المعنى، فإن غزة تشبه إلى حد كبير ألمانيا النازية. ووفقًا لهذا التصنيف الدقيق للوضع يجب أن يدُار القتال"، بحسب ما ورد في المقال.
وأضاف المسؤول الأمني، الذي كان من بين أصحاب مشاريع تهجير غزة: "الحرب بين الدول لا تُحْسَم من خلال الصراع العسكري فحسب، بل وأيضًا من خلال قدرة أحد الطرفين على تحطيم منظومة الطرف المنافس، خصوصًا القدرة الاقتصادية، وفي المقام الأول القدرة على توفير الطاقة". وعلى هذا الأساس يدعم غيورا آيلاند الذي حصل على منصبه في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي أريئيل شارون، العقوبات الجماعية على غزة، بالقول: "لذلك يجب على إسرائيل ألا تقدم للطرف الآخر أي قدرة من شأنها أن تطيل قدرته على الصمود".
وفي عدوان الاحتلال على غزة، بلغت نسبة الشهداء من الأطفال والنساء 69%، فيما يقول غيورا آيلاند عن نساء غزة: "من هن نساء غزة ’الفقيرات’؟ كلهن أمهات أو أخوات أو زوجات عناصر حماس. فمن ناحية، هن جزء من البنية التحتية التي تدعم المنظمة. ومن ناحية أخرى، إذا تعرضوا لكارثة إنسانية، فيمكن الافتراض أن بعض مقاتلي حماس والقادة الأصغر سنًا، سيفهمون أنه لا طائل من الحرب، ومن الأفضل تفادي الضرر الذي لا يمكن إصلاحه لأبناء وبنات أسرهم".
وفي دعوة إلى تحقيق الكارثة بشكلٍ أسرع في قطاع غزة، يضيف: "الطريق لكسب الحرب بشكل أسرع وبتكلفة أقل بالنسبة لنا، تتطلب انهيار منظومات العمل على الجانب الآخر.. المجتمع الدولي يحذرنا من كارثة إنسانية في غزة، ومن انتشار الأوبئة الشديدة. ويجب ألا نخاف أو نردع من ذلك كله، مع كل ما ينطوي عليه من صعوبة".
المقال الذي نشره وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش على منصة "إكس"، وأكد اتفاقه مع كل كلمة جاءت فيه، خُتم بالقول: "نعم، نعتقد إن الضغط الإنساني أيضًا وسيلة مشروعة لزيادة فرصة رؤية المختطفين أحياء. ولكن لا ينبغي لنا، ببساطة تبني الرواية الأميركية التي ’تسمح’ لنا بالقتال فقط ضد حماس، بدلًا من القيام بالشيء الصحيح، وهو القتال ضد المنظومة المعادية برمتها، لأن انهيار النظام المدني تحديدًا سوف يؤدي إلى نهاية الحرب"، ويتابع قائلًا: "عندما يقول كبار القادة في إسرائيل: إما نحن وإما هم. فمن الصحيح توضيح مسألة من ’هم’. هم ليسوا العناصر الذين يحملون الأسلحة، بل أيضًا المدنيين جميعهم، بما في ذلك مديري المستشفيات والمدارس وجميع سكان غزة".
غيورا آيلاند.. إبادة منذ البداية
ومنذ بداية الحرب على غزة، كان لرئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق، موقف شبيه، بالقول: "غزة دولة، أنت تقاتل ضد دولة. أنت لا تقاتل ضد جيشها فحسب، بل ضد جميع قدراتها، بما في ذلك القدرات الاقتصادية"، مضيفًا: "إذا أردنا أن نرى المختطفين على قيد الحياة، فإن الطريقة الوحيدة هي خلق أزمة إنسانية حادة في غزة، وعندما تصرخ المؤسسات الدولية حول الأزمة الإنسانية في غزة والجثث التي تتراكم في المستشفى، ولا تستطيع علاجها، سنعود ونقول: ليس لدينا مشكلة في حل المشاكل الحقيقية في غزة، لكن أعيدوا لنا أسرانا أولًا".
وفي تصريح سابق، للقناة الـ12 الإسرائيلية، قال اللواء المتقاعد من الجيش الإسرائيلي، والذي خدم فيه لمدة 33 عامًا: "يتعين على إسرائيل أن تقرر ما هو الأكثر أهمية: الظهور بشكل جيد في أعين الغرب أم ترويع بيئة الشرق الأوسط؟".
وأضاف: "هناك بالتأكيد مجال لتقديم المساعدة الإنسانية لسكان غزة، ولكن يجب أن يتم ذلك ضمن معايير تخدم المصالح الأساسية لإسرائيل"، قائلًا: "على سبيل المثال، يمكن لإسرائيل أن تعرض وقف إطلاق النار لمدة 12 ساعة يُسمح خلالها بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع – ولكن بشرط دخول الصليب الأحمر أيضًا، ورؤية الرهائن والتأكد من مصيرهم، ومستشفى الشفاء"، وأضاف: "لا يوجد أي سبب إطلاقًا يدعو إسرائيل إلى مساعدة إدارة حماس في غزة، وبالتأكيد ليس بالوقود"، وفق تعبير آيلاند.
وفي المقابلة ذاتها، قال: "لا يكفي تكرار إسرائيل إلى ما لا نهاية أن ’حماس سيئة’، دون إتاحة المجال الأقصى للمناورة العسكرية لتدمير حماس عسكريًا وإداريًا".
وما سبق، يظهر كمشروع لغيورا آيلاند، إذ كتب مقالة بعد أيام من 7 تشرين الأول/ أكتوبر، قائلًا: إن "أي نتيجة بدون إنهاء حماس، ستكون فشلًا إسرائيليًا"، ووضع برنامجًا مفصلًا للوصول إلى هذه النتيجة.
وجاءت الخطة، ضمن 4 نقاط، وهي: "1- سكان غزة بالكامل إما سينتقلون إلى مصر أو إلى الخليج. ومن وجهة نظرنا، فإن كل مبنى في غزة يوجد تحته مقر قيادة حماس، بما في ذلك المدارس والمستشفيات، يعتبر هدفًا عسكريًا. 2- تعتبر كل مركبة في غزة مركبة عسكرية لنقل المقاتلين. لذلك، لا توجد حركة مرور للمركبات، ولا يهم ما إذا كانت تنقل المياه أو الإمدادات الحيوية الأخرى. 3- الشرط الإسرائيلي للحصول على أي مساعدة يجب أن يكون زيارة الصليب الأحمر للرهائن الإسرائيليين وخاصة المدنيين منهم. وإلى أن يحدث ذلك، لن يُسمح بدخول أي مساعدات من أي نوع إلى غزة. 4- سيطلب من الوسطاء ذوي الخبرة الدبلوماسية والعسكرية أن يشرحوا بالتفصيل هذه المفاهيم لبقية العالم. لن يكون من الممكن إزاحة حماس من دون ممارسة الضغوط، وإذا لم يتلق الأميركيون تفسيرًا واضحًا ومفصلًا -من المسؤولين الإسرائيليين، ويدركون أن إسرائيل ليس لديها خيار آخر- عن هجوم مشابه للهجوم الياباني على بيرل هاربر، والذي أدى إلى إطلاق قنبلة ذرية على اليابان".
ويختم مقالته، بالقول: "نتيجة لذلك، ستصبح غزة مكانًا لا يمكن أن يوجد فيه أي إنسان، وأنا أقول ذلك كوسيلة وليس غاية. أقول هذا لأنه لا يوجد خيار آخر لضمان أمن دولة إسرائيل. نحن نخوض حربًا وجودية"، وفق تعبيره.
مشروع تهجير
ويُعد آيلاند، أحد أصحاب مشاريع التهجير أو الترانسفير لأهالي قطاع غزة، وعرض هذا المقترح على الولايات المتحدة الأميركية، عندما كان يمتلك منصبًا رسميًا، مؤكدًا على علم رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أريئيل شارون بالمقترح، مشيرًا إلى إمكانية عرضه من طرف ثالث.
ووفق ملخص دبلوماسي سري، مسرب عبر موقع ويكيليكس، فإن آيلاند وضع الخطوط العريضة لهذا المشروع، كما يأتي في التالي:
"تكرارًا لوجهة نظر شخصية أعرب عنها سابقًا لزوار الحكومة الأميركية الآخرين، عرض مدير مجلس الأمن القومي، آيلاند، للسفير [الأمريكي في إسرائيل إدوارد] جيرجيان، حلًا مختلفًا لنهاية اللعبة عن ذلك الذي يُنظر إليه عمومًا على أنه حل الدولتين. وقال إن وجهة نظر آيلاند ترتكز على افتراض أن الاعتبارات الديموغرافية وغيرها تجعل احتمال التوصل إلى حل الدولتين بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط غير قابل للتطبيق. وقال إن هناك حاليا 11 مليون نسمة في إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة، وسيرتفع هذا العدد إلى 36 مليونًا خلال 50 عاما. تتمتع المنطقة الواقعة بين بئر السبع والطرف الشمالي لإسرائيل (بما في ذلك الضفة الغربية وغزة) بأعلى كثافة سكانية في العالم. وقال إن غزة وحدها هي بالفعل "معسكر اعتقال ضخم" يضم 1.3 مليون فلسطيني. علاوة على ذلك، فإن الأرض محاطة بالصحاري من ثلاث جهات. ويحتاج الفلسطينيون إلى المزيد من الأراضي، ولا تستطيع إسرائيل أن تتحمل التنازل عنها. وقال إن الحل يكمن في صحراء سيناء".
وعلى وجه التحديد، اقترح آيلاند أن يتم إقناع مصر بالمساهمة بقطعة أرض مساحتها 600 كيلومتر مربع، ستُضَمّ إلى الدولة الفلسطينية المستقبلية كتعويض عن 11% من الضفة الغربية التي ستسعى إسرائيل إلى ضمها في التسوية النهائية. وهذه المنطقة الواقعة في سيناء، والتي يبلغ طولها 20 كيلومترًا على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، وستكون متاخمة لقطاع غزة. وسيُنْشَأ ممر بري يربطها ومصر وهذه الكتلة بالأردن
آيلاند، بعد أن ناقش في وقت سابق ’مزايا’ هذا الاقتراح مع السفير [الأميركي الأسبق لدى إسرائيل دانيال] كيرتزر، أقر بنقطة مفادها أن الرئيس المصري مبارك "لن يوافق أبدًا" عليه، كما أنه أخذ على نقطة مفادها أن إسرائيل في أثناء التفاوض على معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر لقد تخلت عن سيناء بأكملها، وقبلت القضية الفلسطينية باعتبارها مشكلة "إسرائيلية". ومع ذلك فقد رفض أن يُثْنَى عن استكشاف الفكرة، مشيرًا إلى أن لديه سببًا للاعتقاد بأن رئيس الوزراء شارون سيؤيد مثل هذا الاقتراح إذا طُرِح من قبل طرف ثالث.