في منتصف الأسبوع الماضي، جمع وزير المالية في السلطة الفلسطينية شكري بشارة، مجموعةً من الصحفيين الاقتصاديين في مكتبه برام الله، وذلك من أجل تقديم إحاطة صحفية حول الوضع المالي للسلطة الفلسطينية، ولتقديم إيضاحات حول الإيرادات والنفقات والعجز والدَّين العام في ميزانية السلطة الفلسطينية.
وفي الوقت الذي أثارت فيه تصريحات شكري بشارة، حول عدم صرف راتب قبل عيد الفطر، موجة من الجدل والتفاعل الكبير، وهي تصريحات تراجع عنها في مساء اليوم نفسه، لتعلن وزارة المالية عن صرف 30% من الراتب، كان هناك قضايا أخرى تطرق لها اللقاء.
أشاد شكري بشارة في أرقام السلطة المالية الفلسطينية، وتحديدًا في جزئية الدَّين العام، لكنه اعتمد على أرقام غير كاملة
ومع حصول قضية الرواتب على تفاعل واسع، اختفت قضايا أخرى مهمة بحثها اللقاء، أبرزها قول وزير المالية "إن الدين العام على الحكومة لا يتجاوز 23% من الناتج المحلي الإجمالي"، مشيدًا في أداء السلطة المالي، ونسبة الدّين العام، باعتبارها أداةً للقياس تظهر للباحثين والمختصين والمواطنين حول العالم، فهمًا أكبر للوضع الاقتصادي في بلادهم. لكن، هل ما يقوله شكري بشارة عن الدَّين العام حقيقي؟ وما مدى دقة الأرقام التي قدمها؟ في هذه المادة سنحاول تقديم إجابات بسيطة عن "الدَّين العام والسلطة الفلسطية".
- ماذا تقول ميزانية السلطة الفلسطينية عن الدَّين العام؟
بالعودة، إلى ميزانية السلطة الفلسطينية، نجد أن الدَّين العام وصل إلى 12.7 مليار شيكل حتى نهاية شباط/ فبراير 2023، وهو رقم لم يتم تسجيله سابقًا، أي أنّه أعلى رقم يسجله الدَّين العام في ميزانيات السلطة الفلسطينية.
- من يريد الأموال من السلطة؟
يتوزع الدّين العام، لصالح البنوك العاملة في مناطق السلطة الفلسطينية، وأيضًا لصالح دول مثل قطر والصين وإيطاليا، ومؤسسات دولية مثل البنك الدولي والبنك الإسلامي للتنمية، وغيرهم ممن أقرضوا السلطة الفلسطينية على مدار السنوات الماضية.
- هل ما يقوله شكري بشارة دقيق؟
بحسب تفسيرات اقتصادية، حصل عليها "الترا فلسطين"، فإن ما قاله وزير المالية شكري بشارة حول تدني نسبة الدَّين العام، صحيح من ناحية مبدئية، وفي حال المقارنة مع دول أخرى يظهر كرقم منخفض، في حال علمنا أن نسبة الدّين العام في الأردن تصل إلى 100%، وفي لبنان إلى 150%، وفي مصر إلى مصر 95%، لكن ما قدمه شكري بشارة هو جزئية واحدة حول الدَّين العام، وهناك تفاصيل أخرى لم يتحدث عنها. وما أخفاه حديث وزير المالية، هو المسمى الآخر للدَّين العام، وهي أرقام لم ترد في بيانات الميزانية الصادرة عن السلطة الفلسطينية، ويطلق عليها "المتأخرات".
- ماذا تعني المتأخرات؟
ببساطة، المتأخرات هي ديون على الحكومة الحالية والحكومات السابقة، أيّ منذ تشكيل أول حكومة للسلطة الفلسطينية وحتى يومنا هذا، لكنها ديون بدون فوائد، أي أنها ليست للمصارف أو الدول أو جهات مقرضة، بل هي لصالح جهات محلية، وغالبًا ما تكون أجور مقابل خدمات.
- من هي هذه الجهات المحلية؟
يمكن أن نقدم هنا عدة أمثلة، وهي: "الموظفين العموميين، وهيئة التقاعد، والموردين من القطاع الخاص"، وغيرهم من جهات أخرى محلية، أمّا مجمل هذا الدَّين فهو يتجاوز 21 مليار شيكل حتى نهاية الربع الثالث من السنة الماضية، وذلك بحسب بيانات وزارة المالية وسلطة النقد الفلسطينية.
- ماذا يعني كل ما سبق؟
يعني أن ما أعلنه وزير المالية شكري بأن ديون السلطة الفلسطينية تصل إلى 12.7 مليار شيكل هو رقم غير دقيق، والأدق هو إضافة 21 مليار شيكل، من المتأخرات المستحقة على السلطة الفلسطينية. وهي ديون خارج الميزانية، ويتم ترحيلها بشكلٍ دوري نهاية كل عام، ومن بينها أموال الموظفين العموميين، وتشمل الحسومات المستمرة من قبل السلطة الفلسطينية على رواتب الموظفين منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، وهي مبالغ تتجاوز 1.5 مليار شيكل.
وبناءً على ما سبق، فإن الرقم الصحيح للَّدين العام والمتأخرات يصل إلى تقريبًا إلى 34 مليار شيكل (9.7 مليار دولار)، وهو رقم تصل نسبته إلى 57% من الناتج المجلي الإجمالي، وليس إلى 23% كما قال شكري بشارة.