22-يناير-2018

حتى وقت قصير شهدت بلدة جباليا شمال قطاع غزة، احتجاجات تخللها إشعال إطارات السيارات في الطرقات العامة، وذلك للتنديد بحادثة قتل الطفل أحمد عايش نصر (17 عاماً) على يد زميله في المدرسة، وسط هتافات تطالب بالقصاص من الطفل الجاني.

وقُتل الطفل نصر في التاسع من شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، خلال شجار مع زميله في المدرسة، طعنه بآلة حادة في رقبته، فيما أصيب شقيقه عبد الله نصر (14 عاماً) بجروح متوسطة. سبق ذلك في شمال قطاع غزة، مقتل الفتى جهاد إياد محرم، في شهر تشرين الأول/أكتوبر، بعد أن تعرض للضرب بأداة حادة في الرأس من قبل زميله في المدرسة (ه.م) وفقاً لما أفادت به الشرطة الفلسطينية.

تزايد في إعداد جرائم الطعن بأدوات حادة داخل مدارس قطاع غزة، بعضها أفضت إلى القتل وبقيتها تركت ندوباً في أجسام الضحايا

حادثتا قتل وقعتا خلال شهر واحد لطفلين من منطقتين مختلفتين من قطاع غزة، فضلاً عن اعتداءات أخرى انتهت بترك ندوب عميقة في وجوه الأطفال، إثر استخدام زملائهم أدوات حادة خلال الاعتداء عليهم، ما دفعنا للبحث في استسهال استخدام الأطفال للآلات الحادة أو ما يعرف بـالسلاح الأبيض، الذي ينتهي في حالات كثيرة بالسجن.

اقرأ/ي أيضاً: غزة: القضاء العشائري رديفاً للمحاكم.. هل نجح؟

ووفقاً للتحقيقات الشرطية، فإن طفلاً تعرض في السابع عشر من كانون الأول/ديسمبر الماضي، لاعتداء قاس على يد زملائه في إحدى المدارس الواقعة وسط قطاع غزة، وشج رأسه وتعرض وجهه لخدوش عميقة، إثر استخدام الأطفال أدوات حادة في الاعتداء على زميلهم.

وبعد أقل من شهر، أصيب الفتى "أحمد" (اسم مستعار) بجروح عميقة في الوجه؛ نتيحة تعرضه للاعتداء من قبل زميله، داخل أسوار إحدى المدارس الواقعة شرق مدينة غزة.

ويقول والد الطفل أحمد إنه لم يتمكن من إنصاف طفله، إذ لم يحصل الطفل المعتدي على عقوبة كافية بعد تدخل رجال الإصلاح وإنهاء الخلاف وإعادته إلى مقاعد المدرسة، بعدما قامت إدارة المدرسة بطرده.

وأضاف والد الطفل الذي لم يتجاوز بعد عامه الخامس عشر، إنه يشعر بعدم الرضا نتيجة هذا الاعتداء الذي وصفه بـ"المتوحش" على ابنه، إذ اضطر بعد الحادثة التي تعرض لها الفتى وسببت له "ندبة نفسية وجسدية"، أن ينقله إلى مدرسة أخرى تبعد عدة كيلومترات عن منطقة سكنه في حي الشجاعية شرق غزة.

هذه الاعتداءات الواقعة بين طلاب المدارس الإعدادية والثانوية - لا توجد إحصاءات توثقها- هي نتيجة حتمية ومتوقعة، في ظل ضبابية الأحكام القانونية المتعلقة بمنع استخدام السلاح الأبيض إلا بشروط، وفي ظل إتاحة الفرصة أمام الأطفال لاقتناء هذا السلاح الذي يباع على البسطات في الأسواق الشعبية بقطاع غزة بأسعار زهيدة.

يحظر قانون العقوبات حمل السلاح الأبيض إلا في بعض المهن، لكنه لا يعاقب من يبيعه، فالسلاح متوفر بأسعار زهيدة في الأسواق الشعبية و"البقالات"

ويحظر قانون العقوبات الفلسطيني رقم (74) لسنة 1936، حمل السلاح الأبيض، إلا في بعض المهن كالجزارين والاستخدام المنزلي، وتتراوح عقوبة استخدامه مابين جنحة وجناية، وفي أقصى حد تصل العقوبة إلى الحبس 7 سنوات، أما في حال إزهاق الأرواح فتصل العقوبة إلى حكم الإعدام.

غير أن الولوج في الأسواق الشعبية التي تنتشر في مختلف محافظات قطاع غزة، يكشف عن مدى تعطيل هذا القانون. إذ تنتشر الأسلحة البيضاء (الموس- المانشطر- السكين الصغير) على بسطات الباعة، فضلاً عن إتاحة بيعها في "البقالات"، وجميعها أدوات متاح بيعها للأطفال من دون أي قيد أو شرط، وبثمن لا يتجاوز 10 شواكل (دولارين ونصف).

اقرأ/ي أيضاً: نساء معلقات على حبال ظلم القانون والمجتمع

ويقر المتحدث باسم جهاز الشرطة في قطاع غزة المقدم أيمن البطنيجي، بأن القانون حالياً غير مفعل، ما يفتح المجال أمام وقوع العديد من الاعتداءات، مؤكداً في الوقت ذاته أن الشرطة تسعى لاتخاذ اجراءات قانونية تضبط استخدام الأسلحة البيضاء وتحظر استخدامها على غير المسموح لهم باقتنائها.

ويبدو حمل السلاح الأبيض بشكل خفي على خواصر الأطفال كأنه وسيلة مثلى ورخيصة للدفاع عن النفس، دون وعي أو إدراك لحقيقة حظر استخدامه من الناحية القانونية.

ويعتبر الباحث القانوني أحمد المصري، وهو أحد المختصين بالدفاع عن قضايا الأطفال، أن حمل السلاح الأبيض أو التلويح به يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون الفلسطيني، تحت بند استخدام أداة مؤذية، معتبراً أن الخلل "لا يكمن في القانون الذي يعد ساري المفعول، ولكن في عدم وجود ضوابط تحظر بيع هذه الأدوات".

وقال المصري: "معظم الجرائم التي تقع بين الأطفال تتم باستخدم سكين، لكن لا أحد يهتم كيف حصل الجاني على السكين"، مبينا أن عدم وجود ضوابط تحدد آليات بيع الآلات الحادة، تعتبر مسؤولية مشتركة.

معظم الجرائم التي تقع بين الأطفال تتم باستخدم سكين، لكن لا أحد يهتم كيف حصل الجاني على السكين

ومما هو واضح، فإنه لا يوجود نص قانوني يحظر بيع السلاح الأبيض، بل جرّم القانون حمل الأداة في غايات الواقعة غير المشروعة فقط. ولهذا اعتبر الباحث المصري يجدر بوزارة الاقتصاد الوطني، وبالتعاون مع المجلس التشريعي، أن تضع شروطاً لبيع السلاح الأبيض لمن هم دون سن 18 عاماً.

اقرأ/ي أيضاً: في غزة.. محامون يزوجون قاصرات بعيداً عن المحاكم

وشدد المصري على أن إيجاد نص قانوني سوف يحد من انتشار هذه الجرائم "التي كانت فيما سبق آفة وأضحت اليوم ظاهرة" وفق قوله. وذكر أن الدوافع المحفزة وراء إقدام الأطفال على حمل السلاح الأبيض واستخدامه بطرق خاطئة، تعود إلى قلة الوعي، وللظروف الاجتماعية أيضاً، وكذلك لعدم وجود رادع من أرباب الأسر والمدرسة على حد سواء.

أمام هذا التشخيص القانوني، نفى رائد جزار، مسؤول دائرة حماية المستهلك بوزارة الاقتصاد الوطني، أن يكون لدى دائرته أي صلة من قريب أو بعيد فيما يخص مراقبة أو متابعة بيع السلاح الأبيض المنتشر في الأسواق المحلية.

وعبر الجزار عن استغرابه من مجرد طرح السؤال عليه حول دور الوزارة في وضع ضوابط لعملية بيع الأسلحة البيضاء في الأسواق لمن هم أقل من 18 عاماً، قائلا: "ليس لنا علاقة في متابعة هذا الأمر، جهاز الشرطة فقط هو الذي يمكن أن يضبط هذا الأمر".

وأضاف، "حماية المستهلك لا تتحمل مسؤولية متابعة هذه الظاهرة، لأن جهاز الشرطة هو الوحيد المخول بمتابعتها ويملك تحرير محاضر ضبط بحق المخالفين، أما موظفو حماية المستهلك فهم متخصصون في الصناعات الغذائية".

وتنص المادة رقم (9) من قانون حماية المستهلك رقم (21) لسنة 2005، على أن كل منتج ينطوي على استعماله أي خطورة يجب أن يؤشر أو يرفق به تحذير يبين وجه الخطورة والطريقة المثلى للاستعمال أو الاستخدام، وكيفية العلاج في حال حدوث ضرر ناتج عن الاستخدام. غير أن الواقع يؤشر إلى عدم تطبيق هذا القانون فيما يخص السلاح الأبيض الذي يستخدم بين الفتية والأطفال.

وسجلت الإحصاءات التي حصلنا عليها من قبل مؤسسة الربيع لرعاية الأطفال الأحداث في قطاع غزة، أن عدد الأطفال الذين أوقفوا على خلفية ارتكاب جرائم قتل خلال العام قبل الماضي 2016 بلغ 22 طفلاً، فيما سجلت الأقارم إيقاف 104 أطفال على خلفية قضايا الاعتداء. ولم يتسنّ الحصول على أعداد الأطفال الذين أوقفوا على الخلفية ذاتها خلال العام المنصرم 2017.  

في عام 2016 أُوقِف 22 طفلاً في قطاع غزة على خلفية ارتكاب جرائم قتل، وفي عام 2017 تم إيقاف 104 أطفال على خلفية الاعتداء

غير أن الأرقام الآنفة تشير إلى تنامي خطير لمستوى الجريمة بين الذكور القاصرين، وهذا يدعو للحذر من وجهة نظر المختصين في علم النفس، خاصة أن المجتمع الفلسطيني هو مجتمع فتي، وبالتالي فإن انتشار الجرائم بين الأطفال ينبئ عن مستقبل غير آمن.

يحاول إسماعيل أبو ركاب، مسؤول الارشاد النفسي في وزارة الصحة بغزة، تفسير هذه الظاهرة قائلاً: "قد يعد إهمال الأسرة للفتية عاطفياً واجتماعياً، واحداً من أهم الأسباب التي تنمي العدوانية لديهم، وذلك من أجل جلب الانتباه"، موضحاً أن العقاب المستمر الذي يتعرض له الأبناء في البيت، له أثر كبير في خلق الإحباط والنقمة عند الطفل على أسرته والمجتمع، وهذا يدفعه للتعبير عن غضبه باعتدائه على الآخرين.

وأشار إلى أن الأطفال عموماً يتعلمون السلوك العدواني بعدة طرق، أهمها المحاكاة لأبطالٍ أو أفلامٍ شاهدوها، لذلك طالب بضرورة مراقبة الأبناء خلال متابعتهم لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، التي قال إن لها دورٌ في إثارة السلوك العدواني.

وأكد مسؤول الارشاد النفسي في وزارة الصحة، أنه يقع على عاتق الأسر مسؤولية كبيرة للحد من السلوكيات العدوانية لدى أبنائها، محذراً من أن هذا السلوك قابل للتطور في اتجاهات تدميرية نحو المجتمع؛ بحيث يلجأ الطفل إلى تكوين عصابات، ما يؤدي به إلى الجنوح ويدفعه لتعلم سلوكات منحرفة تقوده إلى السجن.


اقرأ/ي أيضًا: 

الشرطة الإسرائيلية تسترت على اغتصاب شرطي لفلسطينية

مقاصف مدرسية بغزة: شهادات على أغذية فاسدة وتقصير رسمي

منهاج فلسطيني مخنوق بسبب أوسلو وأموال المانحين