لم يعد غريبًا أن تشاهد أفيخاي أدرعي، الناطق باسم جيش الاحتلال، يقرأ آيات من القرآن محاولًا الاستدلال بها على خطأ مقاومة الاحتلال، أو أن ينشر منسق أعمال حكومة الاحتلال في الضفة وغزة فيديوهات وصور مع تعليقات باللغة العربية يستدل بها على ما يقول إنها "أخلاق جيش إسرائيل"، أو "التسهيلات" التي تمنحها إسرائيل للفلسطينيين، بل إن هذا النشاط باللغة العربية على مواقع التواصل تجاوز شخصيات رسمية إلى أخرى أكاديمية وإعلامية، ولقي تفاعلاً عربيًا.
الترا فلسطين يرصد صفحات رسمية فلسطينية ويقارنها بمثيلاتها الإسرائيلية الناطقة باللغة العربية
لكن ماذا عن "الدبلوماسية الرقمية" الفلسطينية؟ الترا فلسطين تابع عددًا من الصفحات الرسمية الفلسطينية وقارنها بمثيلاتها الإسرائيلية الناطقة باللغة العربية خلال شهر نيسان/إبريل 2018، فاتضح وجود فرق كبير جدًا في مستوى الحضور الفلسطيني، وضعفٍ في المحتوى المقدّم، يُمكن تلخيص جانب منه في الجداول التالية.
[[{"fid":"72146","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":194,"width":684,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]
[[{"fid":"72147","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":192,"width":724,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]
[[{"fid":"72148","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"3":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":165,"width":691,"class":"media-element file-default","data-delta":"3"}}]]
[[{"fid":"72149","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"4":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":164,"width":691,"class":"media-element file-default","data-delta":"4"}}]]
أظهر البحث غياب أشكال المحتوى الرقمي الحديث كمقاطع الفيديو أو الانفوجرافيك، إلى جانب غياب الإحصائيات عن الخسائر الفلسطينية الناتجة عن الصراع مع الاحتلال.
وعند النظر للمحتوى نلاحظ غياب الوسوم (الهاشتاغ) المضادة للرسالة الإسرائيلية، في حين استخدمت الصفحات الإسرائيلية وسومًا موحدة لتمرير روايتها الخاصة. فنلاحظ - على سبيل المثال - استخدام وسم إسرائيلي بديل لكل وسم فلسطيني استخدمه النشطاء لدعم مسيرات العودة السلمية، فاستبدلوا #جمعة_الشباب_الثائر، بــ #جمعة_الشباب_الضائع، و #مسيرة_الفوضى، بدلًا من #مسيرة_العودة.
اقرأ/ي أيضًا: صفحة المنسق: مؤشر عودة "الإدارة المدنية" للضفة وغزة؟
يرى الكاتب والمحلل السياسي عدنان أبو عامر، بأنّ تأخر فلسطين في المحتوى الرقمي لا يرتبط بنقص الخبرات أو الكفاءات، بل يعود لقلة الاهتمام على المستوى السياسي، واعتباره نوعًا من الترف، في وقت تعتبره إسرائيل ميدان مواجهة لا يقل عن الميدان العسكري، تنقل من خلاله روايتها.
ووفق أبو عامر، "تعاني الدبلوماسية الفلسطينية من تخمة في التعيينات الوظيفية، وشح في وظائف الدبلوماسية الرقمية، فليس لدى السلطة والأحزاب السياسية القدرة على انتقاء كوادر قليلة العدد كثيرة الإنتاج، في حين تركّز إسرائيل على البعد النوعي في التعيينات الخاصة بالدبلوماسية الرقمية".
ويعتقد أبو عامر أنه من الصعب إجراء مقارنة علمية موضوعية بين الدبلوماسية الرقمية الفلسطينية والإسرائيلية، في وقت تصدّرت إسرائيل التكنولوجيا الرقمية والعسكرية، دون أن يعفي الفلسطينيين من محاولة محاكاتها بإيجاد خطاب مضاد للرواية الاسرائيلية، معتبرًا أن "الإشكالية هي العجز عن تقييم خطورة الدور الرقمي الذي تفوق على تأثير السفراء".
وتضم كل وزارة إسرائيلية قسمًا للدبلوماسية الرقمية، كما يملك معظم السياسيين والوزراء حسابات بأكثر من لغة على أكثر من منصة، أما فلسطينيًا فإن بعض المسؤولين لا يملكون حسابات فعالة، وآخرون يستخدمون مواقع التواصل بصفة شخصية، بما لا يؤسس لبناء منظومة مهنية متكاملة.
يؤكد أبو عامر، أن التغافل عن انعكاس سرعة وصول المعلومة للتأثير في سرعة التفاعل العالمي غيَّب وجود استراتيجية للدبلوماسية الرقمية، وهو قصور ليس له تفسير.
وحتى لحظة نشر هذا التقرير، يتابع صفحة أفخاي أدرعي بالعربية على "فيسبوك" أكثر من 1.3 مليون شخص، فيما يتابع صفحة المنسق 451350 شخص. قليلاً ما تجد منشورات على الصفحتين دون تعليقات من حسابات عربية.
يرى أبو عامر أن بعض المتابعين - تحديدًا الشباب - يعتقدون أنهم يؤدون دورًا وطنيًا بالرد على هذه الصفحات، لكنهم بذلك يُسهمون في زيادة انتشارها ومساعدتهم على فتح حوار مباشر، "وهي سياسة إسرائيلية ترتكز لمبدأ نفسي قائم على التدجين والترويض" كما يقول.
سياسة إسرائيل على صفحاتها الناطقة باللغة العربية ترتكز إلى مبدأ التدجين والترويض
ويبين أن خطورة واقع الدبلوماسية الرقمية الفلسطينية تكمن في تكوين انطباع سلبي عن القضية الفلسطينية لضعف الحديث عنها لدى المسؤولين والناطقين الإعلاميين، مقابل تركيزهم على الخلافات الداخلية، فيما يناقش الإسرائيليون خلافاتهم الداخلية في الكنيست، ويوحدون خطابهم للعالم على الدبلوماسية الرقمية وفق سياساتهم الخارجية.
اقرأ/ي أيضًا: "سبيدي إكسبريس" ومسيرات العودة.. ما العلاقة؟
ويبدو واضحًا من البحث في صفحات المسؤولين والناطقين الإعلاميين الفلسطينيين، غياب أي استراتيجية إعلامية قائمة على أساس واضح وتسعى لتحقيق أهداف محددة. يؤكد على ذلك أيضًا الباحث في الدبلوماسية الرقمية عمار جمهور، الذي أرجع هذا الخلل إلى "غياب الإدراك الحقيقي فلسطينيًا لأهمية دور الدبلوماسية الرقمية في المؤسسات السيادية الرسمية، كوزارة الخارجية ومؤسسة الرئاسة والحكومة".
ويرى جمهور أن معرفة الفلسطينيين بممارسة الدبلوماسية الرقمية "محدودة وغير ناضجة"، بسبب غياب قرار سياسي بانتهاج الدبلوماسية الرقمية كاستراتيجية وطنية تنقل رواية فلسطينية، مؤكدًا أن استخدام صفحات التواصل لا يمكن اعتباره دبلوماسية رقمية لاقتصارها في مخاطبتها على الجمهور الداخلي دون تأثير في مواقف وقرارات الدول.
ودعا جمهور إلى انتقاء متحدثين بلغات متعددة يمكنهم تفنيد الرواية الإسرائيلية رقميًا، وإنتاج مواد إعلامية مثيرة للاهتمام العالمي بأفكار إبداعية. واستغرب جمهور امتناع وزارة الخارجية عن نشر انفوجرافيك عن المسيرات السلمية في قطاع غزة ردًا على صفحات الحكومة الإسرائيلية التي تسعى لإقناع العالم بأنها ليست سلمية بل "فوضى وتخريب"، وتحاول نفي صفتها الشعبية بتحميل المسؤولية عنها لحركة حماس.
سعت إسرائيل إلى نزع صفتي الشعبية والسلمية عن مسيرات العودة مستخدمة كل الوسائل الرقمية، لكن السلطة لم بتذل جهدًا مقابل ذلك
وتحتل إسرائيل المركز الثامن عالميًا في تقرير الدبلوماسية الرقمية 2016، إذ وظفت وزارة الخارجية الإسرائيلية عام 2015 أكثر من 75 موظفًا ومتطوعًا وثمانية مستشارين في قسم "الدبلوماسية الجماهيرية"، إضافة إلى 30 موظفًا في القسم نفسه، منتشرين في مكاتب التمثيل الدبلوماسي.
ووفق دراسة أجراها الباحث والأكاديمي وائل عبد العال، فإن وزارة الخارجية الإسرائيلية تشرف عبر قسم الدبلوماسية الرقمية على أكثر من 350 قناة رقمية واجتماعية على شبكة الإنترنت، وما يقارب الـ20 موقعًا إلكترونيًا باللغة العربية والإنجليزية والفارسية والروسية وغيرها، إلى جانب أكثر من 80 موقعًا تابعًا لمكاتب التمثيل الدبلوماسي.
مقابل ذلك، حلّت فلسطين في المركز الـ72 عالميًا. فالدراسة التي أجراها عبد العال، تؤكد عدم وجود دائرة أو قسم في وزارة الخارجية الفلسطينية مختصة بالدبلوماسية الرقمية، وهذا المحتوى لا يخضع لخطة واضحة، ويفتقر إلى الفنون الإخبارية الحديثة في النشر، مثل الرسوم المعلوماتية والفيديوهات القصيرة.
يُشار إلى أن السلطة الفلسطينية بدأت تسلك مؤخرًا طريقًا في الاتجاه المعاكس، إذ حظرت عددًا من المواقع التي تنشط في فضح جرائم الاحتلال، إلى جانب نشرها محتوى اعتبرته السلطة تحريضيًا ضدها، كما أقرّت مؤخرًا قانون الجرائم الإلكترونية الذي يضيّق على حرية النشر في الإعلام ومواقع التواصل، ويحاسب الناشرين على آرائهم الشخصية.
ورغم أن هذا القانون يستهدف بشكل أساسي المحتوى المناهض للسلطة، إلا أن نشطاء وحقوقيين يعتقدون أنه سيؤثر بالضرورة على مواجهة المحتوى الإسرائيلي، "فكثير من النشطاء المعارضين للسلطة ينشطون على مواقع التواصل ضد الاحتلال، وفي دعم قضايا الأسرى" يقول مراقبون.
اقرأ/ي أيضًا:
فيديو | الإدارة المدنية للاستيطان وإقصاء السلطة