كشف تحقيقٌ لصحيفة "هآرتس"، نُشر يوم الأحد، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يسمح لعشائر مسلحة في قطاع غزة بنهب شاحنات المساعدات التي تدخل للقطاع وأخذ "خاوة/ إتاوة" منها.
الهجمات المسلحة تُنفذ تحت رقابة جيش الاحتلال الإسرائيلي، وعلى بعد مئات الأمتار من قواته، حيث يوقف المسلحون الشاحنات باستخدام نقاط تفتيش مؤقتة، أو بإطلاق النار على إطارات الشاحنات
ونقلت "هآرتس" عن مصادر في منظمات إغاثة دولية أن مسلحين، مرتبطين بعشيرتين معروفتين في منطقة رفح، يمنعون بشكل منهجي جزءًا كبيرًا من الشاحنات التي تدخل قطاع غزة عبر معبر "كرم أبو سالم" من الوصول إلى أهدافها، بينما جيش الاحتلال يغض الطرف عمدًا عن أفعالهم.
وقالت مصادر مطلعة على نقل المساعدات إن المسلحين يوقفون الشاحنات باستخدام نقاط تفتيش مؤقتة، أو بإطلاق النار على إطارات الشاحنات، ثم يطلبون من السائقين دفع "رسوم عبور" بقيمة 15 ألف شيكل، وفي حال رفض السائق الطلب، فإنه يخاطر باختطاف الشاحنة أو الاستيلاء عليها وسرقة محتوياتها.
وتؤكد المصادر، أن الهجمات المسلحة تُنفذ تحت رقابة جيش الاحتلال الإسرائيلي، وعلى بعد مئات الأمتار من قواته، مبينة أن بعض منظمات الإغاثة التي تعرضت شاحناتها للهجوم التفت إلى الجيش الإسرائيلي في هذا الشأن، لكنهم رفضوا التدخل هناك. وتقول منظمات، إن "الجيش يمنعهم أيضًا من السفر بطرق أخرى تعتبر أكثر أمانًا".
وقال مسؤولٌ كبيرٌ في منظمة دولية عاملة في قطاع غزة: "رأيت دبابة إسرائيلية على بعد 100 متر يقف منها فلسطيني مسلح بكلاشينكوف، وقد ضرب المسلحون السائقين، وأخذوا الطعام كله". ولتجنب ذلك، توافق بعض منظمات الإغاثة على دفع "الخاوة"، وعادة ما يُدْفَع من خلال شركة فلسطينية تعمل كوسيط.
وتخضع المنطقة التي يتم فيها نهب المساعدات إلى رقابة من القوات الجوية الإسرائيلية، باستخدام طائرة بدون طيار. ويقول جنود وقادة يعملون في قطاع غزة إنهم يدركون جيدًا حوادث النهب، ويؤكدون أنها أصبحت شائعة.
وأكد تحقيق "هآرتس"، أن مشكلة العصابات المسلحة تفاقمت منذ أن استولى جيش الاحتلال على معبر رفح، الذي كان حتى ذلك الحين المعبر الرئيسي لدخول البضائع إلى قطاع غزة. ومنذ وقف تشغيل المعبر على الحدود بين غزة ومصر، دخلت معظم السلع إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم.
وبحسب "هآرتس"، فإن الأسابيع الأخيرة شهدت تضاعف عمليات السطو على شاحنات المساعدات إلى درجة أن المسار الذي تعبر منه المساعدات عُرِّف على أنه "منطقة شديدة الخطورة؛ بسبب انهيار النظام المدني"، وهذا المسار يبدأ من معبر كرم أبو سالم حيث تدخل الشاحنات، وتعبر منطقة تحت سيطرة الجيش على محور صلاح الدين/فيلادلفيا، ثم تتحرك باتجاه رفح، حيث يهاجمها المسلحون.
ووفقًا لمصادر في منظمات إغاثة دولية، فإن نهب شاحنات المساعدات يعكس الفوضى الكاملة في قطاع غزة، نتيجة لعدم وجود حكم مدني فعال، مبينة أن بقايا قوات الشرطة المحلية حاولت العمل ضد اللصوص، لكن الجيش هاجمهم بزعم أنهم جزءٌ من حركة حماس.
وأوضح التحقيق، أن المنظمات الدولية ترى أن حل المشكلة وتمكين دخول المساعدات ووصولها إلى الفلسطينيين في قطاع غزة يتطلب وجود قوة شرطية –فلسطينية أو دولية– وهي خطوة يرفضها المستويات العسكري والسياسي الإسرائيلي.
ونقلت "هآرتس" عن مصادر في المؤسسة الأمنية تأكيدهم أن الجيش على علم بهذه الظاهرة، ووفقًا لهم، فإن المستويات السياسية قد نظرت في نقل مسؤولية دخول المساعدات لقطاع غزة إلى العشائر التي ينتمي إليها المسلحون.
وفي وقت سابق، قال مصدر أمني في غزة، لـ "الترا فلسطين"، إن كل هدف أمني يتبع لوزارة الداخلية يكون في "مرمى نيران" الاحتلال، مؤكدًا أن الاستهدافات على مدار شهور الحرب أدت إلى انتشار الفوضى وتكرار حالات أخذ القانون باليد والثأر، ووقوع جرائم قتل في بعض الأماكن، وانتشار ظاهرة سرقة ممتلكات المواطنين، والسطو المتكرر على شاحنات المساعدات. وأوضح المصدر الأمني، أن "الشرطة اضطرت إلى العمل وفق خطط طوارئ، بحيث لا يتحول عناصرها إلى صيد للاحتلال، كما تتجنب تعريض كوادرها وعناصرها للخطر، وتواجه مخاطر وتحديات لاستمرار بسط نفوذها الأمني بالميدان".
وفي شهر شباط/فبراير المنصرم، طلبت إدارة بايدن من إسرائيل التوقف عن استهداف أفراد قوة الشرطة المدنية في قطاع غزة، الذين يرافقون شاحنات المساعدات في غزة، محذرة من أن "الانهيار التام للقانون والنظام يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع بشكل كبير" بحسب ما ورد في موقع "أكسيوس". وكانت إدارة بايدن، قد بحثت الأمر مع تل أبيب، مدفوعة بـ"الخشية من حدوث فراغ أمني"، و"القلق من عدم وصول شاحنات المساعدات إلى مناطق القطاع".