تبدأ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة شهرها العاشر، آثار الكارثة الإنسانية في تعاظم بعد أن وصل عدد الشهداء والمفقودين نحو 48 ألف شخص، وطواقم الدفاع المدني تزداد عجزًا، يومًا بعد آخر، عن التعامل مع حجم الكارثة في ظلّ الاستهداف المتواصل لطواقمها، ونقص المعدات والطواقم والإمكانيات.
مع بدء الشهر العاشر من حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة.. "الترا فلسطين" يحاور الدفاع المدني
"الترا فلسطين" يجري حوارًا مع مساعد مدير عام الدفاع المدني في قطاع غزة سمير الخطيب، حول ما تبقى من إمكانيّات للتعامل مع الإبادة المستمرّة.
- ما الذي يختلف في هذه الحرب عن حروب القطاع السابقة؟
حين تأسس الدفاع المدني عام 1994، لم يكن مؤهّلًا للتعامل مع مثل هذه الحروب، وكان دور طواقمه يقتصر على التعامل مع بعض المهمات الأساسية من إنقاذ وإطفاء وإسعاف، وكانت المعدات المتوفرة له على هذا الأساس.
لاحقًا، عملت طواقمنا في أكثر من حرب، ابتداءً من 2008، ومرورًا بحرب 2012، وحرب 2014، وحرب 2021، وخلال هذه الحروب شهدنا اجتياحات وتوغلات وقصف. وفي حرب 2008 كان لدينا خسارة كبيرة في المعدات والطواقم، وتقريبًا 80 في المئة من مراكز الدفاع المدني في قطاع غزة دُمِّرَت، وقد أخذ هذا منّا جهدًا كبيرًا لإعادة تأهيل وبناء هذه المراكز، وتأهيل السيارات نفسها.
أمّا الحرب الحالية فمختلفة من النواحي كلها، ومجمل المهمات التي تعاملنا معها خلال 9 أشهر، تعادل عدد مهمات الدفاع المدني التي جرى التعامل معها طوال 7 سنوات ونصف.
- ماذا تفعلون في هذه الحرب؟
نحن نعمل في ظل ظروف صعبة، يتم فيها قصف بنايات وأبراج سكنية، ولدينا حوالي 10 آلاف شهيد ما يزالون تحت الأنقاض، وكان على طواقم الدفاع المدني التعامل مع كلِّ هذه الحالات.
الصعب في هذه الحرب، أن معظم الهجمات تجري على نحو متزامن، والمطلوب من الدفاع المدني أن يتعامل مع جميع هذه الاستهدافات في الوقت نفسه. وبالتالي فإن غياب المعدات والطواقم وحجم الاستهداف، جعل من الصعوبة التعامل مع كل هذه الأحداث.
في بداية الحرب كان لدينا بعض الجرافات والآلات، ولكن الآن يكاد لا يتوفّر لدينا جرافة أو حفار واحد في شمال قطاع غزة.
- بناءً على ماذا تقررون التدخّل في المواقع المستهدفة؟
نحن نتوجه إلى المهمات، ونعمل على تقييم الأفضلية، فالمهمات التي لا يوجد فيها أمل بالعثور على ناجين، ولا يوجد فيها جرحى ومفقودين لا نتوجه لها. والأولوية القصوى تكون بالتحرّك إلى أماكن وجود المصابين أو العالقين تحت الأنقاض، ونعمل على إخراج من هم تحت الأنقاض، ولكن الآن أصبحنا غير قادرين على إخراج جميع من هم تحت الأنقاض، لأنه لا يوجد معدات وآليات تسمح بالتعرّف أو الكشف على من هم تحت الأنقاض، خصوصًا حين تُسْتَهدَف مربعات كاملة وشن أحزمة نارية.
طفلة من حيّ الشجاعية، أنهكها النزوح المستمرّ مع بدء الاحتلال عمليّة عسكرية جديدة في الحي الواقع شرق مدينة #غزة. pic.twitter.com/4ypXnUdDOW
— Ultra Palestine - الترا فلسطين (@palestineultra) June 28, 2024
- ماذا عن حجم الدمار وكميّات الأنقاض؟
في الحقيقة لا توجد أرقام دقيقة، وهناك مناطق لم نتمكن بعد من الوصول إليها، مثل الشريط الحدودي الشرقي من الشمال إلى أقصى الجنوب، وبالتالي يصعب إحصاء كمية الدمار، وما إذا كان جزئيًا أو كليًا.
في المجمل حجم الاستهداف والقوة التدميرية والأحزمة النارية، يؤشّر إلى أن عددًا كبيرًا من المنازل لا تصلح للسكن، ومدمرة بشكل تام، وفي كل يوم، وفي كل لحظة هناك استهداف جديد.
- هناك مناطق جرى مسحها بالكامل، قد لا يكون فيها منازل صالحة للسكن، لو تطلعنا على هذه المناطق؟
نحن نتحدّث عن الشريط الحدودي لقطاع غزة من الجهة الشرقية ابتداءً من بيت حانون وانتهاء في محور فيلادلفيا، وهذه المنطقة الحدودية تم تدميرها ومسحها بالكامل.
منطقة بيت حانون، وجزء كبير من بيت لاهيا، بالإضافة إلى المنطقة الجنوبية من مدينة غزة في تل الهوى، وشارع 9 وشارع 10 وحتى البحر، دُمِّرَت بشكل كبير، كذلك هناك تدمير للمنطقة الغربية من مدينة غزة. التدمير الكبير طال أيضًا محور نتساريم، وهناك نسف وعمليات تجريف مساحات واسعة على عرض 4 كيلومترات. وعدد كبير من المنازل والبيوت والمنشآت دُمِّرَت بالكامل في خانيونس، والآن يجري الأمر نفسه في مدينة رفح.
- هل تمكنتم من الوصول إلى المناطق جميعها التي تعرضت لتدمير كامل؟
نحن في طواقم الدفاع المدني لم نتمكن من الوصول إلى كافة هذه المناطق، وقد تُسْتَهْدَف طواقمنا في حال الدخول إلى بعض هذه المناطق.
- كيف يتم الوصول إلى بعض هذه المناطق؟ هل الأمر متعلق بالمخاطرة أكثر؟
هناك بروتوكول معروف للعمل بيننا وبين الاحتلال، عن طريق اللجنة الدولية للصليب الأحمر كجهة تُنسق للمهمات، ولكن آلية هذا العمل غير مجدية، وعملية التنسيق تحتاج إلى وقت طويل، علمًا أنه في عمل الدفاع المدني عامل الوقت فارق ومهم جدًا، وفي كل دقيقة تمر على من هم تحت الأنقاض ثمّة خطر كبير على حياتهم.
في بداية الحرب هذه الحرب أُبْلِغْنَا بأن التنسيق بيننا وبين الاحتلال عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر قد قطع بالكامل، ولا يوجد الآن أي تنسيق. بالتالي ما نقوم به هو التحرّك بناء على اجتهادات طواقمنا، ونحاول الاقتراب من المكان، وفي كثير من المرات يُطْلَق الرصاص والقذائف تجاهنا على نحو مباشر.
صحيح أنه ونتيجة هذه الأحداث صار لدينا خبرة أكثر، لكن في المجمل نواجه نحن وطواقم الإسعاف صعوبة في الوصول إلى بعض المناطق المستهدفة، والأمر ينسحب أيضًا على بعض المناطق الآمنة، والتي قد نتعرض فيها للاستهداف، وهو ما تكرر في أكثر من مرة.
- ماذا عن شهداء الدفاع المدني خلال هذه الحرب؟
حتى اليوم يزيد عدد الشهداء عن 70 شهيدًا، وهناك العشرات من المصابين، وهناك إشكاليات واستهدافات المتكررة.
- ماذا عن حجم الخسائر فيما يخص المعدّات؟
الاستهداف الإسرائيلي المباشر والكبير، والذي يأتي مع النقص الكبير في المعدات، أدى إلى تدمير 70 في المئة من معدات ومركبات وتجهيزات الدفاع المدني في قطاع غزة، مع عدم السماح بإدخال أو تزويد الدفاع المدني بما يحتاج من معدات ومركبات.
نحن نتحدث عن حرب طويلة وقاسية، علمًا بأن المعدات والإمكانيات لدينا بسيطة من الأساس، ولم تكن تتناسب مع حجم المهام المطلوبة منّا.
- لو توضح أكثر كيف أن هذه المعدات والتجهيزات كانت بسيطة من الأساس؟
عدد المواطنين في قطاع غزة حوالي 2.5 مليون مواطن، والأصل أن يكون لكل ألف مواطن رجل دفاع مدني، وبالتالي يجب أن يكون عدد طواقم الدفاع المدني 2500 رجل إطفاء، علمًا أن ما لدينا يتراوح بين 500-600 رجل إطفاء.
- كيف تمكنتم من الصمود؟
هذه الأيام أي مركبة أو آلية تُسْتَهْدَف لا يمكننا تعويضها، لذلك نلجأ إلى إعادة تأهيل وإصلاح هذه المعدات والمركبات، وهو ما يكلفنا جهدًا كبيرًا ومبالغ كبيرة من المال، تكاد تفوق قدرتنا.
- هل تواصلت معكم أي مؤسسة دولية للمساعدة بالمعدات؟
لم تتواصل معنا أي مؤسسة أو جهة دولية، وكنا نأمل من منظمة الحماية المدنية الدولية أو الدفاع المدني في العالم أن يُتَوَاصَل معنا كدفاع مدني في قطاع غزة، باعتبار القطاع منطقة منكوبة، وهو ما يحدث في بقية مناطق العالم، ولكن للأسف حتى هذه اللحظة لم يُتَوَاصَل معنا.
كان يجب أن يكون هناك مبادرة من قبل هذه الجهات كما هو معمول به ضمن بروتوكول العمل في طواقم الدفاع المدني في الدول جميعها، ففي حال وقوع كارثة يفترض أن يهب الجميع للمساعدة.
- ما الذي تحتاجونه اليوم؟
حجم الدمار كبير جدًا، نحتاج معدات وطواقم ومعدات ثقيلة، وعملنا في الأساس يرتكز على المعدات.
هناك أبراج من 5-6 طوابق مدمّرة بالكامل، ولا تستطيع الأيدي العاملة المتاحة رفع هذا الكم الكبير من الركام. لذا نتوقّع من هذه الجهات، مساعدة الدفاع المدني الفلسطيني في قطاع غزة.
انتشال جثامين شهداء مكبلي الأيدي، وهم أسرى من قطاع غزة أعدمهم الاحتلال بعد الإفراج عنهم من معبر كرم أبو سالم pic.twitter.com/AV6TDFSP8p
— Ultra Palestine - الترا فلسطين (@palestineultra) July 7, 2024
- ماذا عن جرائم الاحتلال والمقابر الجماعية المكتشفة، وأنتم شهود عليها؟
تعاملنا مع عدد كبير من المجازر، واكتشفنا عددًا كبيرًا من المقابر الجماعية، من مناطق الشمال، وفي مستشفى الشفاء، ومستشفيات خانيونس. وفيما يتعلق بالمقابر الجماعية، كنّا نبحث عن هذه المقابر، دون أن يكون لدينا علم عنها، وكنا نبحث بأسلوب تقليدي فلا آليات تكشف ما تحت الركام والأنقاض.
وعدد هذه المقابر الجماعية كبير، ومكتب الإعلام الحكومي وثّق اكتشاف 7 مقابر جماعية أقامها الاحتلال داخل المستشفيات، جرى انتشال 520 شهيدًا منها.
- كيف يُتَعَامَل مع الشهداء المكتشفين في المقابر الجماعية، وبشكل خاص مجهولي الهوية؟
المقابر التي مضى عليها زمن معظم الجثامين فيها كانت متحللة، وهي ناقلة للأمراض، وهنا ألفت النظر بأن طواقم الدفاع المدني يجب أن تتلقى طعومات خاصة كي تعمل في مثل هذا المجال.
فيما يتعلق بالجثامين، هناك أهالي تعرّفوا على الجثامين، ومن لم يستطع أحد التعرف عليه، يتم تصويره وتوثيق التاريخ ووضع رقم له، ومن ثم دفنه وتوثيق مكان الدفن.
- هل لاحظتم أي علامات مميزة تدل على ارتكاب جرائم تعذيب أو إعدام ميداني على هذه الجثامين؟
خلال المجازر التي ارتكبت وتعاملنا معها، خصوصًا في مدينة غزة واجتياح مستشفى الشفاء، هناك شهادات وصور لعمليات إعدام ميداني، ولدينا صور لجثامين كانت مقيّدة الأرجل والأيدي، وأُطْلِقَت النار عليهم، وكل هذه الجرائم موجودة وموثّقة لدى الجهات المختصة في هذا الأمر.