09-يوليو-2024
مدير عام إدارة الإمداد والتجهيز بالدفاع المدني في قطاع غزة الدكتور محمد المغير

مدير عام إدارة الإمداد والتجهيز بالدفاع المدني في قطاع غزة الدكتور محمد المغير

قدّر مدير عام إدارة الإمداد والتجهيز بالدفاع المدني في قطاع غزة الدكتور محمد المغير، استخدام قوات الاحتلال الإسرائيلي زهاء 100 ألف طن من المتفجرات، منذ اندلاع الحرب عقب هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، من بينها أسلحة محرمة دوليًا.

وقال المغير في حوار خاص مع "الترا فلسطين" إن هذه الكميات الهائلة من المتفجرات والأسلحة المحرمة دوليًا تفسر الأعداد الهائلة من الشهداء والجرحى، وآلاف المفقودين تحت الأنقاض، فضلًا عن تحويلها غالبية مساحة القطاع إلى "مناطق منكوبة" ولا تصلح للعيش.

المغير: لقد لمسنا شواهد كثيرة على ارتكاب الاحتلال جرائم إعدام ميداني

وتحدث المغير عن المعوقات التي تواجه عمل طواقم الدفاع المدني، سواء جرّاء الاستهداف الإسرائيلي المباشر، أو نتيجة نقص الإمكانيات المادية اللازمة للتعامل مع تداعيات الحرب الضارية التي توشك على نهاية شهرها التاسع، وحول عمل الدفاع المدني خلال العدوان على غزة، أجرينا الحوار التالي مع مدير عام إدارة الإمداد والتجهيز بالدفاع المدني في قطاع غزة.


  • هل استخدمت إسرائيل أسلحة محرّمة دوليًا خلال الحرب الضارية المستمرة على غزة؟

بكل تأكيد، وتشير التقديرات إلى أن الاحتلال استخدم زهاء 100 ألف طن من المتفجرات ضد البشر والشجر والحجر في قطاع غزة، وكذلك أسلحة محرمة دوليًا، تسببت في اختفاء ما يقارب 10% من جثامين الشهداء في المناطق المستهدفة، التي تمكّنت طواقم الدفاع المدني من الوصول إليها، وهذه الجثامين غالبًا قد تبخرت ولم يعد لها أثر، جرّاء نوعية الأسلحة التي تؤدي إلى إذابة الأجساد كليًا، حيث لوحظ استخدام الاحتلال للفسفور الأبيض وبعض القذائف التي تحتوى على الدايم (DIAM) المعادن الثقيلة.

والشواهد على الأرض كثيرة التي تؤكد أن الاحتلال يستخدم أسلحة فتاكة ومدمرة، وقد تسببت في هذا الدمار الهائل الذي تقدر الوكالات الدولية ركامه بنحو 45 ألف طن، وقد تحول القطاع بسببها إلى "منطقة منكوبة" ولم تّعد صالحة للعيش، حيث طال الدمار كل شيء بالبنية الحضرية والمساكن والبنية التحتية.

  • ما هي أكثر المناطق تدميرًا على مستوى قطاع غزة؟

لا توجد منطقة واحدة في القطاع لم ينل منها الدمار، ولكن هناك مناطق مدمرة أكثر من غيرها وبفارق كبير، وتعتبر مدينة غزة، ومحافظة شمال القطاع، وكذلك محافظة خانيونس، الأكثر على مستوى التدمير، ويمكن وصفها بأنها باتت مناطق منكوبة وغير قابلة للعيش.

  • هل لك أن تفصّل ماذا يعني مناطق منكوبة؟

يمكن شرح ماذا نعني بوصف منطقة منكوبة بلغة الأرقام، فمدينة غزة تقدّر فيها نسبة الدمار الذي لحق بالبنية الحضرية والمساكن بنحو 90%، فيما البنية التحتية مدمرة بنسبة حوالي 95%، وهي نفس نسبة التدمير في محافظة خانيونس ونقصد بها المدينة والبلدات الشرقية التابعة للمحافظة، التي عاد الاحتلال لتشريد سكانها مجددًا.

وفي محافظة شمال القطاع وتضم بلدات بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا ومخيماتها، بلغت نسبة التدمير في البنية الحضرية والمساكن حوالي 95%، فيما يمكن التأكيد أن البنية التحتية مدمرة بنسبة 100%.

وأتوقع أن يكون الدمار مماثلًا في محافظة رفح التي تتعرض منذ 6 أيّار/مايو الماضي لعملية عسكرية إسرائيلية بريّة، وتقديراتنا حتى هذه اللحظة، تؤكد أن المحافظة وبلداتها ومناطقها قد دُمرت بنسبة تفوق 70%.

وبناء على هذه الأرقام توصف هذه المناطق بأنها "منكوبة"، وغير صالحة للعيش، فكيف للإنسان أن يعيش في هذه البيئة المدمرة، حيث لا يمكنه الوصول إلى المرافق الحياتية الأساسية؟

  • تحدثتم مرارًا عن ارتكاب الاحتلال جرائم إعدام ميداني، هل من توضيح لهذه الجرائم؟

لقد لمسنا شواهد كثيرة على ارتكاب الاحتلال جرائم إعدام ميداني، وذلك خلال عملنا في الميدان والتعامل مع جثامين الشهداء وانتشالها من الأماكن المستهدفة، وحتى من المقابر الجماعية التي حفرها الاحتلال، مثلما فعل في مجمع ناصر الطبي وقت العملية البرية التي شنها على خانيونس مطلع كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، واستمرت لأربعة شهور، حيث ننتشل جثثًا بلا رؤوس، ومن مقبرة جماعية في مجمع ناصر كان من بين الشهداء 5 جثامين لشهداء مكبلي الأطراف ومعصوبي الأعين، وأخرى لشهداء أظهرت المعاينة أنهم تعرضوا لإصابات غير قاتلة في الأطراف، ما يشير إلى أن الاحتلال تركهم ينزفون حتى الموت.

  • كيف تتعاملون مع الشهداء مجهولي الهوية؟

نسلّم الشهداء المعروفين لذويهم من أجل دفنهم، أما الشهداء مجهولي الهوية نقوم بتصويرهم وتسجيل العلامات الفارقة في أجسادهم وتحديد ملابسهم إن كانت ظاهرة، وتكفينهم ووضعهم في أكياس مع أرقام ورموز، ومن ثم دفنهم في مقابر جماعية مؤقتة إلى حين التعرف عليهم والتثبت من شخصياتهم، ويتم نشر صور الجثامين عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفي حال التعرف عليهم يتم العمل على تسليم البيانات لأهاليهم وإبلاغهم بأماكن الدفن.

  • ما هو تقديركم لأعداد المفقودين؟

هناك زهاء 20 ألف مفقود في مختلف مناطق القطاع، من بينهم 7 آلاف في غزة وشمالها، و3 آلاف في محافظتي خانيونس والوسطى، وحوالي ألفي شهيد لا نعلم عنهم شيئًا، ونرجّح أن أجسادهم ذابت جرّاء الأسلحة المحرمة ودرجات الحرارة العالية التي تنبعث عن انفجارات الصواريخ والقنابل، إضافة إلى نحو 8 آلاف مفقود اختفت آثارهم في مناطق التوغل البريّ الإسرائيلي ولا يُعرف مصيرهم على وجه الدقة؛ إن كانوا شهداء أو أسرى لدى الاحتلال. وقد أخرجنا منهم ما يقارب 1000 شهيد في خانيونس والوسطى والشمال وغزة، بعد أن قمنا بمبادرات مجتمعية لإخراج جثامينهم ودفنهم، علمًا أن أغلبهم وصلوا للدرجة الرابعة من التحللّ وهي العظام. 

وفي حال توقفت الحرب فإننا بحاجة إلى مساعدة فرق دفاع مدنيّ من الخارج، وكذلك إمدادنا بمعدات وآليات حديثة للتعامل مع آلاف الأطنان من الركام، وبتقديري فإن مهمّة انتشال جثامين الشهداء من تحت الأنقاض بحاجة إلى ستة شهور متواصلة في حال توفرت كل الإمكانيات اللوجستية. 

  • إزاء المهام الجسام في الميدان نتيجة تداعيات الحرب، بماذا تصف تجربة الدفاع المدني؟

نفذنا خلال شهور الحرب التسعة نحو 41 ألف مهمة، تحتاج في الأوقات الطبيعية حوالي 28 عامًا من العمل، بحساب زمن الاستجابة وزمن السيطرة على الحدث حتى الانتهاء منه، وما يزيد من صعوبة هذه المهام أن الدفاع المدني يعاني عجزًا هائلًا في القدرات البشرية والمادية، خاصة وأن الاحتلال دمر خلال الحرب 40% من مقدرات الدفاع المدني اللوجستية، وقد تراجعت كفاءة مركبات المهام الإنسانية لنحو 70% جرّاء زيادة أعداد المهام. 

  • هل لك أن تفصّل الخسائر التي لحقت بالدفاع المدني؟

استشهد 75 وأصيب أكثر من 255 عنصرًا من طواقم الدفاع المدني، وبينهم من تكررت إصابته ويتعافى ويعود لمباشرة عمله، إضافة إلى 15 مفقودًا بينهم 9 أسرى لدى الاحتلال، وإضافة للخسائر البشرية، تعرّض الدفاع المدني لجرائم استهداف مباشرة، حيث دمر الاحتلال 11 مركزًا بشكل كليّ من أصل 18 مركزًا للدفاع المدني على مستوى القطاع، وخروج 7 سيارات إسعاف من أصل 10 عن الخدمة، وتدمير 10 مركبات إطفاء، وتدمير ما يقارب 20 مركبة إدارية، وتدمير صهريجين مياه من أصل ثلاثة، إضافة إلى تدمير ورشتين مركزيتين للصيانة في مدينتي خانيونس وغزة.

وفي الوقت الحالي ومع استمرار العملية العسكرية في رفح، وتدمير الاحتلال معبر رفح البري مع مصر، نعاني من نقص شديد في الوقود، ونعمل في ظروف ظروف معقدة وبالغة الصعوبة.

ورغم كل الضغوط المستمرة والتحديات فإننا في المديرية العامة للدفاع المدني ما زال عملنا مستمرًا، حيث أن المديرية العامة تعرضت لاستهداف مباشر في مركز دفاع مدني النصيرات بالمحافظة الوسطى في 27 حزيران/يونيو الماضي أوقع ثلاثة 3 شهداء و5 مصابين وتضرر 3 مركبات دفاع مدني.