قبل عام من اليوم، تأسست منظمة القانون من أجل فلسطين (LAW FOR PALESTINE) كمنظمة غير ربحية تهدف لصنع وتكوين روابط بين القانونيين المهتمين بفلسطين من شتى أنحاء العالم، وتقديم محتوى قانوني فلسطيني ثري وموضوعي.
فكرة المنظمة تولدت من الحاجة الماسّة لوجود شبكة تجمع وتنسق وتدرّب من أجل توفير قانونيين أكفاء قادرين على التعامل مع القضية الفلسطينية بمنظور القانون الدولي
وبقدر ما يمثل دور المنظمة وطبيعة عملها دورًا فريدًا ومختلفًا عبر التركيز على أدوار وآليات القانون الدولي، وليس توثيق الانتهاكات فحسب، بحسب ما يقول رئيس المنظمة ومؤسسها إحسان عادل، بقدر ما يمثّل هذا العمل في البيئة الفلسطينية تحديًا كبيرًا، إذ يعتبر كثير من الفلسطينيين القانون الدولي إمّا أداة بيد الأقوياء للسيطرة على البلدان الضعيفة وتبرير الاحتلال، أو في أحسن الأحوال أداة شكلية ليس لها أسنان ولا تتجاوز إطلاق الإدانات والاستنكار، التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
"الترا فلسطين" حاور منظمة "القانون من أجل فلسطين" في سنويّتها الأولى حول طبيعة عملها، والتحديات، وبشكل أوسع حول العمل في مجالات القانون الدولي لقضية فلسطين، وإلى أي مدى يمكن القول بأنه مؤثر بشكل فعلي، وما هي آفاق القضية الفلسطينية على الصعيد الدولي.
إحسان عادل: "القانون من أجل فلسطين"، واجب
يقول عادل، إن فكرة المنظمة تولدت من الحاجة الماسّة لوجود شبكة تجمع وتنسق وتدرّب من أجل توفير قانونيين أكفاء قادرين على التعامل مع القضية الفلسطينية بمنظور القانون الدولي، ولا سيما في الوقت الحالي الذي تواجه فيه فلسطين معركة قانونية دولية غير مسبوقة، سواء في ظل قضية فلسطين في المحكمة الجنائية الدولية، أو موضوع الضم، والسؤال الأكبر المتمثل بدور المجتمع الدولي ومنظومة الأمم المتحدة في القضية الفلسطينية وإنهاء الاحتلال.
ووفقًا لرئيس منظمة "القانون من أجل فلسطين" فإنها تقوم حاليًا على قرابة 50 متطوعًا وعاملًا من المختصين بالقانون الدولي، والعلاقات الدولية، والترجمة، ولها مجلس أمناء يضم كبار أساتذة القانون الدولي والحقوقيين المهتمين بالقضية الفلسطينية من فلسطين ومختلف أنحاء العالم، وعلى رأسهم البروفسور الجنوب أفريقي جون دوغارد، القاضي السابق بمحكمة العدل الدولية، والمقرر الخاص السابق للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية.
برونا بيريستريلو: لا يوجد أرشيف حقوقي للقضية الفلسطينية
من جهتها، قالت برونا بيريستريلو، المتحدثة باسم "القانون من أجل فلسطين"، بأنه من المؤسف أنه وبعد هذا العمر الطويل للقضية الفلسطينية وحساسيتها، وبالرغم من أنها من أكثر القضايا التي تم تناولها في الأدبيات العلمية والحقوقية على مستوى العالم، إلا أنه لا يوجد جهة لديها أرشيف حقوقي متكامل يضم ذلك.
وتضيف، حتى المواد والمرافعات التي يتم تقديمها الآن أمام المحكمة الجنائية الدولية بخصوص قضية فلسطين، والتي تمثل معلومات تاريخية وحجج قانونية مهمة جدًا لأجل القضية الفلسطينية، في غالبيتها العظمى تُقدم وتُنشر باللغة الإنجليزية والفرنسية فقط، ما يخلق حاجزًا يصعّب وصول الباحثين والكتّاب وطلبة القانون وحتى عموم الناس في العالم العربي، إليها، خصوصًا أن معظم كليات القانون في الجامعات العربية تدرّس باللغة العربية فقط.
المنظمة تؤسس لنظام معلومات يجمع ويترجم ويحلل كافة المواد المتعلقة بفلسطين والقانون الدولي بشكل مستمر
وتقول بيريستريلو إن المنظمة تؤسس من خلال أعمالها لنظام معلومات يجمع ويترجم ويحلل كافة المواد المتعلقة بفلسطين والقانون الدولي بشكل مستمر، عبر إصدار تقرير حقوقي أسبوعي تحت مسمى "المشهد الحقوقي لفلسطين"، والذي يمثل مرجعًا لرصد وتوثيق وأرشفة آخر المستجدات الحقوقية ذات الصلة بفلسطين لكل الباحثين والمهتمين بالقضية الفلسطينية من كافة أنحاء العالم وباللغتين العربية والإنجليزية، فضلًا عن ترجمة المواد الخاصة بقضية فلسطين أمام المحكمة الجنائية الدولية إلى اللغة العربية ونشرها في موقع المنظمة لتكون متوفرة للباحثين والمهتمين مجانًا.
وتستدرك بيريستريلو: هذه المواد لا نقدمها فقط للباحثين، بل لا بد من رفع الوعي العربي والفلسطيني وحتى الأجنبي عمومًا بخصوص قضية فلسطين، ولذلك تقوم بالمنظمة بنشر أوراق تفسيرية لقرارات المحكمة وفيديوهات قصيرة، ومقالات تعريفية بالعربية والإنجليزية ضمن مشروع "مدونة القانون الدولي وفلسطين" التي أطلقتها قبل أشهر.
حسان بن عمران: هناك حاجة كبيرة لربط القانونيين المهتمين بفلسطين حول العالم
من ناحيته، يشير حسان بن عمران، عضو مجلس إدارة المنظمة ومسؤول الشراكات فيها، إلى وجود مئات النشطاء والباحثين المهتمين بالقضية الفلسطينية قانونيًا ومن شتى أنحاء العالم، لكن فرص التشبيك بينهم والإفادة من خبرات بعضهم البعض من أجل القضية الفلسطينية، تكاد تكون معدومة.
ولفت بن عمران إلى أن المنظمة أطلقت قبل خمسة أشهر مشروع "ملتقى القانونيين من أجل فلسطين"، والذي يهدف إلى صناعة قانونيين ومحامين دوليين، ولا سيما من الشباب، للتعامل مع قضية فلسطين بمهنية عالية، والتشبيك بينهم وبين الخبراء من شتى أنحاء العالم.
ويبيّن أن الملتقى ينظم لقاءً شهريًا، يستضيف فيه خبيرًا دوليًا حول أحد الموضوعات المستجدة في فلسطين والقانون الدولي، مع فتح المجال للنقاش وتبادل وجهات النظر.
وبحسب بن عمران فإن الملتقى يجمع حتى الآن 450 عضوًا، وتم عقد 5 لقاءات بحضور كبار الخبراء الدوليين وبمشاركة باحثين وطلبة جامعات فلسطينية وعربية ودولية، إضافة إلى عقد دورة في مجال الجنائية الدولية وفلسطين، فضلًا عن عدة لقاءات تم بثها عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وإلى جانب ذلك، يلفت بن عمران إلى أن المنظمة وعلى مدار عام كامل منذ تأسيسها نشرت 61 تقريرًا للمشهد الحقوقي الفلسطيني، توثّق لتفاعلات وأخبار حقوق الإنسان وفلسطين منذ بداية 2020، إضافة لترجمة ونشر ثلاثة ملفات من ملفات قضية فلسطين في المحكمة الجنائية الدولية، إلى جانب نشر أكثر من 30 مقالًا معمّقًا تتناول مسائل تخص فلسطين والقانون الدولي، إلى جانب توثيق مئات القرارات الأممية ضمن مشروع "قرار أممي حول فلسطين صدر في مثل هذا اليوم".
هبة بعيرات: العمل مثمر، لكنّه يحتاج الصبر والإجادة
وحول مدى فاعلية وجدوى العمل القانوني الدولي للقضية الفلسطينية، تلفت هبة بعيرات، المديرة التنفيذية للمنظمة، إلى قرار المحكمة الجنائية الدولية الأخير بفتح تحقيق في الجرائم التي ارتكبت في فلسطين، بداية من حرب غزة منتصف 2014، كدليل واضح على أهمية العمل القانوني لصالح الضحايا في فلسطين.
وتضيف بعيرات: صحيح، القوى العظمى أو التي تتعارض مصالحها مع القانون الدولي تحاول تحييده دائمًا عندما يتعلق الأمر بفلسطين وإنهاء الاحتلال، ولكن لا يوجد دليل أقوى من هذا نفسه على أن القانون الدولي مهم وفاعل، لأنه يتضمن قواعد واضحة، وبناءً عليها لا يمكن تبرير الاحتلال ولا الضم ولا القتل ولا المحاكمات غير العادلة ولا التعذيب.
القوى العظمى أو التي تتعارض مصالحها مع القانون الدولي تحاول تحييده دائمًا عندما يتعلق الأمر بفلسطين وإنهاء الاحتلال
ولأجل ذلك، تكمل بعيرات "يجب الاستفادة من هذه القوة، قوة القانون وقواعده الثابتة والواضحة في تحقيق العدالة لفلسطين"، مؤكدةً على أن هذه الاستفادة يجب أن تنتقل من مجرد استحضار القانون في الكلام وفي الإدانات كما كان حاصلًا على مدار السنوات الماضية، لإيجاد عمل منظم ورؤية استراتيجية يتم من خلالها الاعتماد على القانون ووضعه في سياقه الأوسع: السياق السياسي الرسمي، والجنائي على مستوى المحاكم الدولية ومحاكم الدول الأعضاء في اتفاقيات جنيف، والإنساني عبر منظمات الأمم المتحدة المعنية بالقضية الفلسطينية.
وتختم بعيرات بالقول: لأجل ذلك هناك حاجة ماسة لتبني هكذا رؤية على المستويات الرسمية، وفي الجامعات، عبر إدماج الطلاب في مشاريع وأبحاث قانونية دولية وتدريس مواد في المجالات التي تخص القانون الدولي والقضية الفلسطينية، والسعي لإدماج ذلك في الوعي الجمعي للشعوب المناضلة للحرية، ومنها الشعب الفلسطيني المحتل.
اقرأ/ي أيضًا:
بإمضاء كرم أبو علي.. فيلم "رمادي أزرق أبيض": أسيرات يتذكرن