كان خطاب رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يوم أمس، واحدًا من أبرز خطابات نتنياهو، الذي يمكن وصفه بـ"خطاب محور فيلادلفيا"، حيث تمسك فيه باستمرار احتلال المحور الحدودي، بما يترتب عليه، من استمرار احتلال لغزة.
وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية، عن عدة "كذبات" قدمها نتنياهو في خطابه الطويل، والذي استمر لحوالي ساعة من زمن، خصص خلالها أكثر من ربع ساعة متواصلة للحديث عن محور فيلادلفيا، استخدم خلالها لوحة عرض، والهدف التأكيد على "أهمية احتلال محور فيلادلفيا".
كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، عن ما وصفته بـ"وثيقة الإيضاحات"، التي عمل خلالها نتنياهو على عكس الموقف الإسرائيلي الذي قدمه في اقتراح 28 أيار/مايو، بشكلٍ كامل، والتراجع عن ما قبلته حركة حماس في صفقة التبادل
وقال نتنياهو في كلمته "إنهم يسألون لماذا لم تحتلوا غزة . لم تكن هناك شرعية دولية أو وطنية للدخول لاحتلال غزة والاستيلاء على رفح". ووفق صحيفة "يديعوت أحرونوت": "في كتابه الذي نشره قبل عامين "بيبي: قصة حياتي، كتب أنه هو نفسه لا يؤيد ذلك، موضحًا ’لقد أيد بينيت غزوًا بريًا واسع النطاق لغزة. ولم تكن لدي أي نية للقيام بذلك، خاصة عندما كان اهتمامي يتركز على القضية النووية الإيرانية، التي تهدد وجودنا ذاته، أعتقد أن التكلفة في الأرواح والموارد لا تبرر مثل هذا العمل’".
وفي موضع آخر، قال نتنياهو: "لا أتحدث عن أهمية محور فيلادلفيا الآن، لقد قلت ذلك قبل عشرين عامًا عندما أعلن شارون فك الارتباط". وحول هذه الجزئية من التصريح، أوضحت التقارير الإسرائيلية، قائلةً: "في الغالبية العظمى من السنوات منذ ذلك الحين - ما يقرب من 14 عامًا - كان نتنياهو نفسه رئيسًا للوزراء، وفي التصويت على الانفصال صوت لصالحه. في خطابه الطويل حول محور فيلادلفيا، لم يذكر نتنياهو أنه بحسب المسؤولين الأمنيين، سيكون من المستحيل حفر أنفاق جديدة خلال 42 يومًا من الانسحاب. بالإضافة إلى ذلك، أغلق المصريون معظم الأنفاق من جانبهم".
وفي المؤتمر الصحفي، أكد نتنياهو أنه وافق على الخطوط العريضة للمقترح الذي قدم في شهر أيار/مايو، وكذلك على اقتراح الوساطة الأمريكية في آب/أغسطس. والحقيقة، وفق منشورات "نيويورك تايمز"، وعدة صحف إسرائيلية، فإن نتنياهو نفسه، هو من قام بنسف المقترح الذي قدمه في 27 أيار/مايو، عبر سلسلة تعديلات، وصفها بـ"الإيضاحات"، أدت إلى إفراغ المقترح من بنوده الأساسية والإشكالية. كما سُئل الرئيس الأميركي جو بايدن، يوم أمس، عما إذا كان نتنياهو يفعل ما يكفي للتوصل إلى صفقة تبادل، فأجاب أمام الكاميرات بكلمة واحدة: "لا".
وبحسب نتنياهو فإن "الأميركيين يقولون إن عرضنا سخي وأن حماس ترفضه. والشيء الوحيد الذي تغير منذ ذلك الحين هو أنهم أعدموا رهائننا". ووفق المنشور، سُئل بايدن عن كلام نتنياهو بعد خطابه، فقال: "نواصل التفاوض على العرض النهائي للصفقة. ليس مع نتنياهو، بل مع مصر وقطر".
نتنياهو ينهي الصفقة
بدوره، قال الصحفي الإسرائيلي يوسي فيرتر، عن خطاب نتنياهو: "بعد أن طلب العفو من عائلات الرهائن لأول مرة، عاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى طبيعته: الكذب المتسلسل، وتجاهل الحقائق غير المريحة، والتعهد بالبقاء في ممر فيلادلفيا على حساب الصفقة".
وأضاف فيرتر، الناقد المعروف لنتنياهو، قائلًا: "ظهوره [نتنياهو] كان أفضل من المتوقع، وفعالًا لجمهور معين، وأقل تكلفًا من المؤتمرات الصحفية السابقة. كما طلب العفو من عائلات الرهائن الستة الذين قُتلوا، وهو ما لم يفعله من قبل".
واستمر في القول: "لكن النتيجة النهائية لظهوره لم تكن أقل رعبًا وحزنًا. فقد وضع حدًا للأمل الذي كان ينبض في قلوب أغلب الإسرائيليين في أن يتم التوقيع أخيرًا على صفقة الرهائن المطروحة على الطاولة. وقد شرح ببلاغة وتحليل لأسر الرهائن، وربما أيضًا للرهائن أنفسهم (الذين سمعوا)، ألا يتوقعوا منه التخلي عن ممر فيلادلفيا. وبدلًا من التفكير في كيفية منع قتل الرهائن المتبقين، كان يثرثر وينفخ صدره ويغمز بعينه وكأنه يقول: انتظروا وانظروا ماذا سيحدث بعد ذلك".
وأوضح فيرتر: "لقد عاد نتنياهو بعرض وخريطة ومؤشر. ووصف قضية فيلادلفيا المثيرة للجدل وكأنه معلق أمني في فصل دراسي أساسي في الجامعة، وليس رئيس الوزراء على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية. كانت الأكاذيب والتحريف والتلاعب بالحقائق بلا حدود. وطالب بالوحدة عندما اتهم قبل بضع ساعات فقط رئيس اتحاد نقابات العمال الهستدروت، الذي دعا إلى إضراب عام احتجاجًا على عدم تنفيذ صفقة التبادل".
واستمر في القول: "لقد ألغى نتنياهو الموقف الذي تبناه الجهاز الأمني الإسرائيلي بأن البقاء في طريق فيلادلفيا ليس ضروريًا (وكرر نفسه بشأن هذا الموضوع)، بعد تجاهل التحذير الواضح الذي أطلقه المسؤولون بشأن الحرب الوشيكة قبل أسابيع من السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وسخرية ــ قبل عام واحد ــ من التحذيرات التي أطلقتها الاستخبارات العسكرية بشأن نوايا حماس".
وقال فيرتر: "باعتباره زعيمًا كاذبًا مرضيًا يصدق أكاذيبه، لم يرف له جفن عندما كرر الكذب القائل بأنه يعارض الانسحاب من غزة في عام 2005، والذي أيده حتى الأسبوع الذي سبق تنفيذه. وأخرج نتنياهو مذكرة مجهولة الهوية زعم أنها كتبها مسؤولون كبار في حماس، والتي تفصل خطة للضغط على وزير الأمن والقنوات الإخبارية".
وأوضح الصحفي الإسرائيلي: "كانت هذه الوثيقة المشكوك فيها قد نشرت في كانون الثاني/يناير الماضي من قبل الصحافي الإسرائيلي أميت سيغال. وحتى الآن، لا يعرف أي مسؤول دفاعي من يقف وراءها أو يستطيع التحقق من صحتها. فلماذا أعاد رئيس الوزراء نشرها؟ لأنها توحي ضمنًا بأن وزير الأمن يوآف غالانت ووسائل الإعلام الإخبارية تساعد حماس وتعمل على الخداع".
وحول محور فيلادلفيا، قال الصحفي الإسرائيلي: "لقد شرح نتنياهو كل شبر من الخريطة في محاولته لإقناعنا بأن ممر فيلادلفيا هو حجر الزاوية للأمن الإقليمي، بعد أن لم يقل أي شيء عنه لمدة ثمانية أشهر. لقد تردد لعدة أشهر قبل دخول جنوب غزة على الإطلاق. وفي شهر تموز/يوليو، بعد أن تم الكشف عن قناع التشهير الذي كان يرتديه والإجراءات المضادة التي اتخذها بنفسه في مفاوضات وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن مع حماس، اكتشف فجأة الكأس المقدسة في فيلادلفيا".
وعاد فيرتر للخطاب، قائلًا: "بعد افتتاحية طويلة وهادئة لخطابه، انفجر جنون العظمة والنرجسية لدى نتنياهو. وردًا على السؤال: لماذا إذن خفضتم القوات في طريق فيلادلفيا؟، قدم إجابة مغرورة بدأت بـ’كنت في الجيش’، ثم انتقل إلى التشكيك في الماضي العسكري للمراسل. لحظة للنكات الذكية. ما هو السؤال الأصلي مرة أخرى؟ وردًا على اللوم الموجه إليه من قبل عائلة دانينو، التي كان ابنها البالغ من العمر 25 عاماً، أوري، من بين الأسرى الستة، قال نتنياهو: أنا أيضًا جزء من عائلة مكلومة".
وواصل في انتقاد خطاب نتنياهو، قائلًا: "كان هناك ’أنا’ أخرى، وهو الأنا الأكثر إثارة للغضب بين كل هؤلاء: أنا رقم واحد في إطلاق سراح الرهائن لقد جُرِحت’ (مشيرًا للمرة المائة إلى الإصابة الطفيفة التي لحقت به عندما اخترقت رصاصة جسد أحد منفذي عملية أسر وأصابت ذراعه)، إن طريقتي في الأمر ـ الحزم والضغط ـ هي الطريق الصحيح".
وعلق على طرح نتنياهو، موضحًا: "كيف تكون صحيحة؟ كيف؟ لقد قُتل سبعة وعشرون رهينة في غزة. فكيف يستطيع، بحق الله، أن يزعم أن أسلوب عمله يعمل لصالح الرهائن؟ كم عدد الذين يجب أن يموتوا قبل أن يصيب شيء رأسه الوهمي ولسانه الكاذب؟ خمسون؟ سبعون؟ ربما كلهم".
نتنياهو غير المقترح الإسرائيلي الذي وافقت عليه حماس 180 درجة.. التفاصيل مع مراسل التلفزيون العربي أحمد دراوشة
@AhDarawsha pic.twitter.com/MgB8dblX1M— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) September 3, 2024
البحث عن احتلال غزة
من جانبه، كتب المحلل في صحيفة "هآرتس" تسفي بارئيل، مقالة بعنوان "ممر فيلادلفيا ’المقدس’ سيُعبَّد بجثث الرهائن مع إعادة احتلال إسرائيل لغزة".
وقال بارئيل: "إن نتنياهو ووزراءه يدركون أن وجود الجيش على الحدود بين غزة ومصر لم يمنع هجمات حماس في الماضي. والهدف الحقيقي هو إبقاء إسرائيل في غزة إلى الأبد، وهو الهدف الذي لم يعد حماقة، بل شر".
من جانبه، قال المعلق العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل: "إن نتنياهو، الذي يخفي دوافعه تحت ستار المخاوف الأمنية، يعمل في المقام الأول على حماية موقفه السياسي. وهو يعمل على الحفاظ على ائتلافه، الذي قد ينهار إذا تم التوصل إلى اتفاق بشأن غزة".
وأضاف هارئيل: "بعد أحد عشر شهرًا من القتال، أصبحت خطوط الصدع واضحة. إن أنصار الاتفاق يريدون في المقام الأول والأخير استعادة الرهائن، ولكنهم يريدون أيضًا إنهاء الحرب في الجنوب (ويريد كثيرون أيضًا الإطاحة بالحكومة). وقد قرر معارضو الاتفاق مؤخرًا تصوير الوجود الإسرائيلي المستمر في ممرات نتساريم وفيلادلفيا في غزة باعتباره أمرًا بالغ الأهمية لأمننا، على الرغم من أن هذين الأمرين لم يُذكَرا تقريبًا طيلة الأعوام الثمانية عشر السابقة. كما يحذرون من بقاء حماس في السلطة في غزة وتجدد تدفق الأسلحة من مصر إلى غزة".
واستمر في القول: "لكن في الممارسة العملية، هناك قضية أعمق هنا. ذلك أن العديد من اليمينيين، وخاصة المتطرفين الصهاينة، يرون في هذا فرصة سانحة لتحقيق كل خيالاتهم المتطرفة ـ إعادة بناء المستوطنات في غزة، وتدمير السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وربما حتى إخلاء سكانها الفلسطينيين. ولكن نتنياهو، تحت غطاء المصالح الأمنية، يحمي في المقام الأول موقفه السياسي. فهو يكافح من أجل سلامة ائتلافه الحاكم، الذي قد ينهار إذا تمت الموافقة على أي اتفاق".
وتابع المعلق في "هآرتس": "في حين يعارض شركاؤه في أقصى اليمين بشدة التوصل إلى اتفاق، فإن أغلب الوزراء يفتقرون ببساطة إلى أي شجاعة مدنية. وزير الأمن يوآف غالانت هو الوحيد الذي يعمل على إنقاذ الرهائن. وقد تخلى زملاؤه في مجلس الوزراء بالفعل عنهم.
وكان من المفترض أن يتم إطلاق سراح خمسة من الرهائن الستة الذين تم العثور على جثثهم يوم السبت في المرحلة الأولى من الاتفاق، لو تم التوقيع عليه - امرأتان، ورجل جريح، ورجل مريض، ومواطن روسي إسرائيلي مزدوج الجنسية".
وأوضح: "لكن هذا ليس ما قصده نتنياهو، الذي صادر في تغطية مؤتمره الصحافي مساء الإثنين دقائق عديدة من وقت البث الثمين من محطات التلفزيون، على حساب تغطية الليلة الثانية من الاحتجاجات المتجددة. وفي خطابه إلى الأمة، طلب نتنياهو، في تصرف نادر، المغفرة لعدم إنقاذ الرهائن أحياء، وزعم ’كنا قريبين، لكننا لم ننجح’. وهذا تلميح إلى عملية عسكرية، لكن الادعاء الذي قدمه هنا لا أساس له من الصحة".
وأكد هارئيل على أن "الجهود العسكرية لم تتقدم نحو تحرير الرهائن، بل يبدو أنها أدت إلى تسريع وفاتهم. لم نكن على بعد خطوة واحدة من تحريرهم أحياء، كما أننا لسنا على بعد خطوة واحدة من ما يسمى بالنصر الكامل ــ وهو الالتزام الذي توقف نتنياهو عن التعبير عنه في الأشهر القليلة الماضية، بعد عدد لا حصر له من الوعود خلال أشهر الشتاء والربيع. إن الطريق إلى تحريرهم كان من خلال صفقة، وهي الصفقة التي لا يريدها نتنياهو".
غانتس وآيزنكوت يرفضان ادعاءات نتنياهو حول استراتيجية محور فيلادلفيا.. التفاصيل مع مراسل التلفزيون العربي أحمد دراوشة @AhDarawsha pic.twitter.com/CyqbVjqc5e
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) September 3, 2024
لماذا فيلادلفيا بعد 7 أشهر؟
بدوره، قال المعلق العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت" يوسي يهوشوع: "لم يجب على سؤال مركزي واحد، ولم يُطرح: إذا كان محور فيلادلفيا بهذه الأهمية، فلماذا لم تأمروا باحتلاله في بداية الحرب أو بعد احتلال شمال غزة مباشرة؟ وقبل الضغط الأمريكي؟ لماذا انتظرنا سبعة أشهر؟"، وفق تعبيره.
وأضاف يهوشوع: "الحقيقة يجب أن تُقال: لقد كان هذا واحدًا من أسوأ خطابات نتنياهو وربما الأكثر إثارةً على الإطلاق. كانت الرغبة أن نقول للسنوار ’انس الأمر’ فيما يتعلق بموضوع محور فيلادلفيا، لكن طوال الطريق لم يتم إخبار الحقيقة كاملة عما حدث حتى الآن فيما يتعلق بالمحور، وهو موضوع لم يكن موجودا في الخطاب السياسي الأمني في الأشهر الأولى من الحرب. لذلك، من المشكوك فيه أيضًا أن يكون قادراً على الإقناع بواسطة الحجج ذات الثقل فيما يتعلق ببقاء قوات الجيش الإسرائيلي في المحور من الآن وحتى إطلاقًا".
يشار إلى أن صحيفة "يديعوت أحرونوت"، كشفت عن ما وصفته بـ"وثيقة الإيضاحات"، التي عمل خلالها نتنياهو على عكس الموقف الإسرائيلي الذي قدمه في اقتراح 28 أيار/مايو، بشكلٍ كامل، والتراجع عن ما قبلته حركة حماس.