في وقت متقارب، أدلى رئيسا حكومة الاحتلال الحالي نفتالي بينيت، والأسبق إيهود باراك، تصريحاتٍ عن مخاوف من "زوال دولة إسرائيل" في عقدها الثامن، مستحضرين سقوط "الدولتين الإسرائيليتين" التي يقولان إنهما أقيمتا قبل قرون وسقطتا في العقد الثامن.
هذه التحذيرات تأتي في ظل محاولات تبذلها المعارضة الإسرائيلية لإسقاط الحكومة الحالية والذهاب لانتخابات مبكرة، وهي الحكومة التي تشكلت بعد أربع جولات انتخابية مبكرة لم ينجح أي حزب في حسم نتائجها لصالحه
إيهود باراك، في مقالة نشرها على صحيفة "يديعوت أحرنوت" بتاريخ 8 أيار/مايو تحت عنوان "حول وجود إسرائيل"، حذر من أن الانقسام الداخلي هو العدو الأخطر على الدولة الإسرائيلية، وليس الفلسطينيين ولا حزب الله ولا إيران، منوهًا إلى "تعاظم الكراهية بين اليهود واليهود، والتحريض والتعصب، وتزايد حدة الانشقاقات". وأضاف: "الأمم التي لم تعرف كيف ترص صفوفها اختفت من خارطة التاريخ".
كما تحدث نفتالي بينيت أيضًا قائلاً إن الدولة الإسرائيلية الأولى انتهت بعد 80 سنة بسبب انقسام داخلي إلى دولتين، والثانية خسرت سيادتها بعد 77 سنة بسبب صراع داخلي. وأضاف: "دولة إسرائيل هي الفرصة الثالثة. الآن إسرائيل تعيش في عامها الخامس والسبعين. نحن جميعًا أمام اختبار ما إذا كنا سنتعلم لننجح في هذا العقد الثامن كدولة موحدة وذات سيادة ، أو سنفشل مرة أخرى بسبب الصراعات الداخلية".
هذه التحذيرات تأتي في ظل محاولات تبذلها المعارضة الإسرائيلية لإسقاط الحكومة الحالية والذهاب لانتخابات مبكرة، وهي الحكومة التي تشكلت بعد أربع جولات انتخابية مبكرة لم ينجح أي حزب في حسم نتائجها لصالحه، ما استدعى تشكيل حكومة تجمع بين اليمين واليسار إضافة لقائمة تضم أعضاء من فلسطينيي الداخل.
إذن، هل التحذيرات هذه تعكس مخاوف حقيقية لدى الإسرائيليين؟ الكاتب والباحث ساري عرابي قال إن الإسرائيليين يستندون إلى الوقائع التي تقول إن الوجود الاسرائيلي في فلسطين مرتبطٌ بالقوى الدولية الحامية للمشروع الصهيوني، إضافة إلى لحظة من الرداءة العربية، وهي عوامل متغيرة وليست ثابتة ومن شأنها أن تتغير في أي لحظة، وهذا هو سبب التشاؤم والمخاوف الحقيقية، معتبرًا أن هذه المخاوف بدأت تتعاظم منذ الثورات التي شهدتها دولٌ عربية في السنوات العشر الماضية.
وأضاف عرابي، أن الاحتلال لجأ إلى الاستقواء بالذات، ومن أجل ذلك امتلك القنبلة النووية ويسعى لوجود قوى عسكرية وتكنولوجية وأمنية عالية، حتى لا يبقى مرتبطًا بالعوامل المتغيرة، مستدركًا: "لكن هذه العوامل لن تحمي إسرائيل بالنظر الى انعدام المبرر التاريخي والاجتماعية لوجودها في فلسطين".
لكن، ما هي العوامل الداخلية التي قد تُسهم في زوال الدولة الإسرائيلية؟ أشار عرابي إلى فساد الوسط السياسي والحزبي الإسرائيلي، الأمر الذي ينعكس على المؤسسات الحامية للكيان، وهي النظام الديمقراطي والمؤسسة العسكرية والأمنية.
أشار عرابي إلى فساد الوسط السياسي والحزبي الإسرائيلي، الأمر الذي ينعكس على المؤسسات الحامية للكيان، وهي النظام الديمقراطي والمؤسسة العسكرية والأمنية
وأوضح، أن طبيعة المجتمع الصهيوني فسيفسائي، والتنوع فيه غير طبيعي، ناشئ عن عملية الاستقطاب الاستيطاني من أماكن متعددة من العالم، مضيفًا أن هذا التنوع قد ينفجر في أي لحظة، وبالتالي ضمانة حمايته كانت الديمقراطية الإسرائيلية وقوة المؤسسة الأمنية والعسكرية الذي ينعكس الفساد عليها بالسلب.
ورأى عرابي، أن الصراع الآن في "إسرائيل" لم يعد بين اليمين واليسار، أو الشرقيين والغربيين، بل ينتقل الى مرحلة الديمقراطيين وغير الديمقراطيين، ولا سيما في ظل تعاظم نفوذ ما يسمى بالصهيونية الدينية وجماعات الهيكل في المجتمع والأحزاب الإسرائيلية والمؤسسة الأمنية والعسكرية.
وأضاف، أن هذا الصراع قد ينعكس إلى دفع دولة الاحتلال لاتخاذ سياسيات غير عقلانية، وبالتالي ثمة مخاوف من الحالة غير الديمقراطية التي تنزلق إليها "إسرائيل"، مبينًا أنهم لم يصلوا إلى هذه الحالة نهائيًا؛ لكن هناك اتجاه نحو هذا المسار، "وهذا أكثر ما يخيف إسرائيل على المستوى الداخلي" بحسب رأيه.
رأى عرابي، أن الصراع الآن في "إسرائيل" بين الديمقراطيين وغير الديمقراطيين، وقد ينعكس إلى دفع دولة الاحتلال لاتخاذ سياسيات غير عقلانية، وبالتالي ثمة مخاوف من الحالة غير الديمقراطية التي تنزلق إليها "إسرائيل"
إلى جانب ذلك، فإن عوامل خارجية أخرى تُشكل مصدرًا للمخاوف الإسرائيلية، أبرزها، وفقًا لعرابي، صمود الشعب الفلسطيني وعدم قدرة الاحتلال على تدجينه، كما أنأي صعود إقليمي لدولة أخرى تنافس "إسرائيل"، بغض النظر عن هذه الدولة، من شأنه أن يثير قلق "إسرائيل".
وأوضح، أن التحولات النسبية في المجتمعات الغربية وارتفاع أصوات تتعاطف مع الشعب الفلسطيني، وكذلك ارتفاع عمليات المقاطعة والتقارير المتنامية من المؤسسة الدولية التي تتحدث عن التمييز والفصل العنصر كلها تشكل عوامل مقلقة للإسرائيليين، "وإن كان بعضها غير كافٍ" وفق قوله.
وبالرغم من تقليل بينيت وباراك من خطورة الفصائل الفلسطينية أو حزب الله وإيران على وجود "دولة إسرائيل"، إلا أن عرابي يؤكد أن أي معركة متعددة الجبهات تشكل خطرًا استراتيجيًا "بلا شك" على "إسرائيل"، ومن شأنها أن تكشف العمق الإسرائيلي، الأمر الذي أكدته "معركة سيف القدس" العام الماضي.
وأضاف، أن "إسرائيل" لم تعد قادرة على القيام بعمليات خاطفة أو حروب سريعة تحقق فيها إنجازات كبيرة كما حصل في حربي 1948، و1967، وباتت أكثر انكماشًا على مستوى التمدد العسكري، في حين باتت تتمدد تكنولوجيًا واقتصاديًا وأمنيًا. وتابع: "الجيش الإسرائيلي بات متخوفًا من خوض حروب برية في معارك تكتيكة، وهذا ينم عن تحولات مهمة على المستوى الاستراتيجي من خلال حالة المقاومة في قطاع غزة".
أكد النعامي، أن الخلاف الداخلي الإسرائيلي غير مسبوق، وخطيرٌ بالفعل، ويثير مخاوفهم من اندلاع حربية أهلية
وليس بعيدًا عن رأي عرابي، يعتقد الباحث المتخص في الشأن الإسرائيلي صالح النعامي، أن التخوفات الإسرائيلية من "لعنة العقد الثامن" مرتبطة بتداعيات الانقسام الداخلي المتداخل والمتعدد البؤر، ولا علاقة للفلسطينيين والعرب بهذه المخاوف، مؤكدًا أن الانقسام القائم "خطيرٌ بالفعل، ويثير مخاوفهم من اندلاع حربية أهلية".
وبالإشارة لتصريحات بينيت وباراك عن سقوط الدولتين الإسرائيليتين سابقًا، يقول النعامي إن بعض القادة الإسرائيليين مثل بينيت قد يلجأ لمثل هذا الخطاب من أجل الاستعطاف.
وجدد التأكيد أن الخلاف الداخلي الإسرائيلي غير مسبوق، مشيرًا إلى أن الشعب الفلسطيني قد يكون أول من يدفع ثمن هذا الانقسام في البداية، لأنه يدفع الأطراف الإسرائيلية بحكم المزايدة الداخلية إلى تبني سياسات متطرفة تجاه الطرف الأضعف وهو الشعب الفلسطيني.