روى الثلاثيني علاء سالم، وهو نازحٌ قسرًا من مشروع بيت لاهيا شمال قطاع غزة، تفاصيل صعبة رافقت رحلة نزوحه من مشروع بيت لاهيا إلى مدينة غزة، بعدما فقد 31 فردًا من عائلته في العدوان الإسرائيلي، بينهم والدته وشقيقه اللذان استُشهدا في قصف على منزل العائلة.
"عند اقترابنا من دوار الشيخ زايد أحصيت 14 جثة لشهداء على جانبي الطريق بينهم سيدة وطفلة، وجميعها بدأت بالتحلل"
وأكد علاء سالم (38 عامًا) لـ "الترا فلسطين"، أنه واصل تواجده في منزله بمشروع بيت لاهيا حتى فجر يوم الأربعاء، رغم أوامر الإخلاء الإسرائيلي، والتهديدات المباشرة، والقصف المدفعي العشوائي.
وقال علاء سالم: "في الليلة التي سبقت نزوحنا بدأت مدفعية الاحتلال بقصف عشوائي على منطقة المشروع استمر طوال ساعات الليل. كان صوت قذيفة المدفعية مرعبًا جدًا، ويصدر صفيرًا قويًا قبل أن يحدث انفجارها دويًا رهيبًا تهتز بفعله الجدران".
ويضيف: "لم ندر كيف طلع علينا النهار ونحن على قيد الحياة. كانت ليلة من أقسى ليالي الحرب لم ننم خلالها أي دقيقة، فيما لم يتوقف صراخ الأطفال والنساء من شدة الخوف والرعب، حينها قررت النزوح حفاظًا على حياة عائلتي، خاصة أنه لا توجد مستشفيات أو سيارات إسعاف في المنطقة".
في الصباح الباكر، سمع علاء سالم صوتًا صادرًا عن مكبر صوت تحمله طائرة "كواد كابتر" إسرائيلية، يأمرهم بالتوجه إلى خط بيت لاهيا العام، ثم التوجه إلى دوار الشيخ زايد، ويحذرهم من السير في أي اتجاه آخر.
ويقول: "حملنا أغراضنا التي تحتوي بعض الملابس الشتوية والمعلبات والأوراق الثبوتية، وتوجهنا سيرًا على الأقدام في الطريق المحدد، وعند اقترابنا من دوار الشيخ زايد أحصيت 14 جثة لشهداء على جانبي الطريق بينهم سيدة وطفلة، وجميعها بدأت بالتحلل".
ويضيف علاء سالم، وهو أبٌ لأربعة أطفال، أنه لدى وصوله إلى منطقة دوار الشيخ زايد، أمر الجنود النساء والأطفال بالتوجه إلى شارع صلاح الدين، ومنه إلى جنوب قطاع غزة، أما الرجال والأطفال فوق سن 15 سن عامًا، فأمرهم بالتوجه إلى مدرسة الكويت المدمرة والمحترقة.
واستمر علاء سالم في سرد التفاصيل، مبينًا أن الجنود أجلسوهم في ساحة المدرسة على الأرض المليئة بالحجارة والرماد الأسود الناجم عن إشعال الجنود النار في المدرسة، واستولوا على ما بحوزتهم من أموال وهواتف.
وتابع: "طلبوا منَّا وضع أيدينا على رؤوسنا والنظر باتجاه الأرض. وكل من يرفع رأسه يوجه إليه الجندي سيلًا من الشتائم والألفاظ النابية، بل إن جنديًا أطلق النار بالقرب من أحد الشبان عندما رفع رأسه".
وواصل علاء سالم حديثه قائلًا: "طوال ساعات الاحتجاز كنا في ساحة معركة، فقد كان الجنود المُقنَّعون يحيطون بنا من كل جانب، والدبابات تتحرك حولنا، وتتعمد إثارة الغبار والدخان علينا. لقد كنا نترقب الموت في كل لحظة".
وأضاف: "بقينا على هذا الحال تسع ساعات بدون طعام أو شراب، قبل أن يطلب منا الجنود الخروج من ساحة المدرسة، كل خمسة أفراد بشكل منفصل دون حمل أي شيء من أمتعتنا، والوقوف أمام كاميرا نُصبت في منتصف الشارع، والشخص الذي كانوا ينوون اعتقاله ينادون عليه بالتوجه لمنطقة الاعتقال، لقد اعتقلوا شخصًا على كرسي متحرك".
إثر ذلك، توجه النازحون الذين قرر الاحتلال عدم اعتقالهم إلى شارع صلاح الدين، بينما واصلت طائرات "الكواد كابتر" التحليق فوق رؤوسهم ومراقبة تحركاتهم. ويُبين علاء سالم أنهم شاهدوا المدفعية المتمركزة في شارع صلاح الدين، وهي تقصف منازل مشروع بيت لاهيا، حيث يسكن.
ويؤكد علاء سالم، أنه شاهد بعينه إطلاق جنود الاحتلال النار على خمسة أشخاص رافعين أيديهم في وضع الاستسلام، مطالبين الجنود بتوفير زجاجات مياه، بعد ساعات طويلة من الجوع والعش. ويقول: "أطلقوا عليهم النار أمام عيني؛ بسبب مطالبتهم الجنود بالحصول على الماء، ثم أمرنا الجنود بأن نحملهم ونتوجه بهم إلى الجنوب".
يؤكد علاء سالم، أنه شاهد بعينه إطلاق جنود الاحتلال النار على خمسة أشخاص رافعين أيديهم في وضع الاستسلام، مطالبين الجنود بتوفير زجاجات مياه
ويوضح أنهم مزقوا قطعًا من ملابسهم، وعصبوا بها جروح الشبان الخمسة، وتناوبوا على حملهم حتى وصلوا إلى عربة يجرها حمار، ونقلوهم من خلالها إلى مستشفى المعمداني في مدينة غزة لتلقي العلاج".
ويختم سالم شهادته بالقول: "رفضتُّ النزوح إلى جنوب القطاع، وتوجهت مع عائلتي إلى منزل أحد أقربائنا في حي الشيخ رضوان القريب من شمال غزة، وأنا الآن لا أملك نقودًا ولا ملابس ولا طعام في ظل البرد الشديد".