مع عودة دونالد ترامب إلى المشهد السياسي في الولايات المتحدة، عادت التهديدات القديمة لحكومة بنيامين نتنياهو بضمّ الضفة الغربية لتطفو على السطح مجددًا. تناولت صحيفة "هآرتس" هذا الملف بتفصيل في تقرير لنوا لاندو، نائبة رئيس تحرير الصحيفة اليسارية الإسرائيلية، لتستعرض الخطوات التي قد تتخذها الحكومة الإسرائيلية لتحقيق هذا الضمّ.
الضم الإسرائيلي للضفة الغربية تم فعليًا على الأرض، بشكل غير رسمي بحكم الأمر الواقع، وما يزال مستمرًا يوميًا، حتى بدون اتخاذ قرارات رسمية أو تصويت داخل الحكومة أو الكنيست
في بداية التقرير، تستشهد لاندو بتصريحات لوزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، الذي أوضح في اجتماع مع نواب الكنيست من حزبه "الصهيونية الدينية" أن إسرائيل كانت، خلال فترة رئاسة ترامب الأولى، على وشك ضم المستوطنات الإسرائيلية في "يهودا والسامرة" - وهو المصطلح التوراتي الذي يُستخدم في إسرائيل للإشارة إلى الضفة الغربية. وأضاف سموتريتش: "حان الوقت الآن لتحقيق ذلك". ليس هذا فحسب، بل أعلن أنه أصدر أوامره للجهات المختصة، بما فيها إدارة المستوطنات التابعة لوزارة الدفاع والإدارة المدنية، بالبدء في تجهيز البنية التحتية الضرورية لفرض السيادة الإسرائيلية على المنطقة.
تغريدة سموتريتش
في وقت لاحق، نشر سموتريتش تغريدة على منصة "إكس" جاء فيها: "2025 هو عام السيادة في يهودا والسامرة"، في إشارة واضحة إلى هدفه بفرض واقع جديد في الضفة.
2025 - שנת הריבונות ביהודה ושומרון
— בצלאל סמוטריץ' (@bezalelsm) November 11, 2024
إلا أن كاتبة التقرير تشير إلى أن هذه التصريحات تأتي وسط تراجع في شعبية حزب سموتريتش، حيث أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة أن الحزب يكافح للوصول إلى الحد الأدنى من الأصوات المطلوبة لدخول الكنيست، والمقدرة بـ1.5 في المئة.
تجاهل الحقائق
وفي سياق التقرير، تتهم لاندو سموتريتش بتجاهل الحقائق والتلاعب بها، مؤكدة أنه يحاول إظهار الوضع كأنه فرصة سانحة لتحقيق الضم مع عودة ترامب.
وتذكر الكاتبة أن إدارة ترامب في فترتها الأولى كانت قد منعت بشكل صريح أي خطوات رسمية للضم في إطار اتفاقيات أبراهام. تقول لاندو إنها كانت حاضرة في المؤتمر الصحفي الذي عقده نتنياهو في ذلك الوقت، حيث أعلن أنه سيقدّم اقتراحًا لمجلس الوزراء لضم الضفة الغربية بشكل رسمي "يوم الأحد". ومع وصول التقارير التي تؤكد رفض الإدارة الأمريكية لهذه الخطوة، بدت "الحيرة والذعر" على ملامح نتنياهو، على حدّ وصفها.
تناقضات إدارة ترامب
توضح لاندو أن فترة ترامب الأولى كانت مليئة بالتناقضات فيما يتعلق بموقف الإدارة الأمريكية من القضية الفلسطينية والإسرائيلية، وعزت ذلك غالبًا إلى تضارب الآراء بين جاريد كوشنر، مستشار وصهر ترامب، وديفيد فريدمان، السفير الأمريكي لدى إسرائيل آنذاك. وتلفت إلى أن هذا التضارب في المواقف كان له تأثير كبير على مسار المشروع الاستيطاني وخطط الضم.
سياسة الضم الزاحف
تقول لاندو إن المشروع الاستيطاني لطالما اعتمد سياسة التنفيذ التدريجي، أو ما يُعرف بـ"الضم الزاحف" الذي يتم تحقيقه عبر مئات القرارات الصغيرة التي تمر مرور الكرام دون أن تثير جدلًا واسعًا.
وتعتقد الكاتبة الإسرائيليّة أنه لا شيء يمنع تكرار السيناريو ذاته في الفترة الحالية، حيث تستمر الحكومة الإسرائيلية في اتخاذ خطوات صغيرة لكنها فعّالة، تؤدي في النهاية إلى خلق واقع جديد على الأرض.
الضم بحكم الأمر الواقع
وبحسب رأي الكاتبة، فإن الأمر الأهم الذي يسعى سموتريتش لتجاهله هو أن الضم قد تم بشكل غير رسمي بحكم الأمر الواقع، وما زال مستمرًا يوميًا في الضفة الغربية، حتى بدون اتخاذ قرارات رسمية أو تصويت داخل الحكومة أو الكنيست. وتضيف أن الحكومات التي ترأسها نتنياهو اعتمدت هذا النهج التدريجي الذي يسمح بتنفيذ خطوات صغيرة، لكنها تسهم في تغيير الوضع على الأرض دون أن تثير ردود فعل قوية.
أمثلة على سياسة الضم التدريجي
تشير لاندو إلى أن أبرز الأمثلة على هذه السياسة التدريجية تشمل خطط ضم الأراضي، إضافة إلى الإصلاحات القضائية التي تدور حولها معارك سياسية داخلية.
وتوضح أن استراتيجية "شبرًا بشبر، خطوة بخطوة" هي الأسلوب الذي تتبعه الحكومة الحالية، بحيث تسير عمليات الضم بشكل زاحف من خلال قرارات تبدو صغيرة ومتفرّقة. من بين هذه الأساليب ما تصفه الكاتبة بأنه "مفضوح"، وهو منح سموتريتش سلطة التحكم بالإدارة المدنية في الضفة دون الحاجة إلى تمرير تشريعات شاملة.
وتختم لاندو مقالها بالتأكيد على أن هذه الخطوات الصغيرة، ككل، تشكل جزءًا من صورة أشمل تهدف إلى تغيير الواقع بشكل كامل. يظهر هذا التغيير في كل عملية شرعنة للمستوطنات، وفي تعبيد كل طريق جديد، وفي تعيين كل قاضٍ، ما يعزز من عملية الضم التدريجي دون أن يُعلن ذلك بشكل رسمي.