بعد أكثر من 6 سنواتٍ مرّت على تأسيسها، تواجه شركة "Color Bars" تحدياتٍ ماليةٍ صعبة تكاد تُنهي وجودها، وهي الشركة التي قدمت خدمات إعلامية لفضائيات عربية عديدة في قطاع غزة، قبل أن تصل إلى مرحلةٍ يصفها المسؤولون عن الشركة بأنها "الأكثر صعوبة وتعقيدًا" في حياتها، لكنها ليست أكثر صعوبة من حال شركات إعلامية أخرى، بل فضائياتٍ عملت لسنواتٍ قبل أن ينتهي الحال بطواقمها إلى الانضمام لقوائم المتعطلين عن العمل تحت الحصار في قطاع غزة.
لجأت "Color Bars" إلى تقليص عدد العاملين لديها وتخفيض رواتب من بقوا على رأس عملهم، للتعامل مع الأزمة التي نتجت عن إنهاء فضائيات عربية عملها في قطاع غزة. يُبين مدير الشركة أحمد حرب، أن شركته لم تعد قادرة بسبب ذلك على دفع إيجار مقرها بشكل كامل، وأن الصحافيين الذين بقوا فيها يعملون مقابل مبالغ مالية بسيطة "فقط من أجل استمرار الشركة في عملها".
شركات خدمات إعلامية في غزة لا تستطيع دفع إيجار مقراتها، قلّصت طواقمها وخفّضت رواتب من بقي منهم
في السنوات الأخيرة، دفعت بطالة خريجي الصحافة، كثيرين منهم، إلى إنشاء شركات إعلامية صغيرة لمحاولة خلق فرص عملٍ جديدة لأصحابها، وتقديم خدماتٍ إعلامية لجهاتٍ خارج فلسطين. يُشير حرب إلى أن هذه الشركات سعت لمنافسة الشركات الكبيرة العاملة في الحقل الإعلامي منذ سنوات، فخفّضت أسعار إنتاج التقرير من 700 دولار باستخدام أدوات عالية الجودة، إلى 50 شيكل فقط، دون استعمال سيارات بث وكاميرات متطورة ومعدات عالية الجودة، وهذا ضاعف من أزمة الشركات الكبيرة، ولم يُحقق عائدًا ماديًا مُجديًا للشركات الصغيرة يجعلها قادرة على الاستمرار.
اقرأ/ي أيضًا: خريجو صحافة للعتالة والعمل بتراب المصاري في غزة
يُبين حرب، أن الشركات الإعلامية في غزة "ربحية" أولاً، و"إعلام مقاوم" أيضًا، مضيفًا، "هذه الشركات لازالت ثابتة أمام الظروف الصعبة من أجل نقل صورة الواقع في غزة إلى العالم".
ويوضح أن هذه الشركات تعمل حتى الآن في ظروف صعبة للغاية، "فعندما يخرج طاقم عمل من الشركة لتغطية المواجهات الصعبة ويُصاب بأي ضرر مادي أو جسدي، لا توجد جهةٌ تعوضه أبدًا. بل بالعكس يدفع أصحاب الشركات من مالهم الخاص من أجل بقاء شركتهم وعدم إغلاقها للأبد".
في شهر شباط/فبراير 2019، توقفت قناة القدس الفضائية عن العمل، وهي القناة التي كانت تبث في الأساس من لبنان، إلا أنها ضمت طاقمًا كبيرًا في قطاع غزة. والقدس ليست وحدها التي وصلت إلى هذه النهاية، فقد توقفت عن البث قبل ذلك قناة الكتاب، وقناة هنا القدس، لأسباب اقتصادية أيضًا.
الصحافي محمد الأطرش، كان يعمل في قناة الكتاب، لكنه منذ توقفها عن العمل لم يجد مصدر دخل آخر لعائلته المكونة من ثلاثة أطفال وأمهم. قال: "كل الأبواب التي طرقتها بحثًا عن عمل كانت تأتيني الإجابة بأنه لا يوجد شاغر، والميزانية لا تكفي لتوفير رواتب العاملين".
وأضاف الأطرش، "لا توجد جهة منقذة للصحفيين، والجسم الإعلامي مشتت ومقسم إلى أحزاب، ومن لا ينتمي لجهة معينة لن يجد فرصة أبدًا. أنا فعليًا تعبت من البحث عن فرصة عمل ولم أجد أبدًا، ولا يوجد لدي انتماء حزبي كي أنقذ نفسي وعائلتي من الظروف الصعبة التي سببها انقطاع رزقي".
صحافيون هاجروا من قطاع غزة، وآخرون يبحثون عن عمل بعيدًا عن مجالهم
محمد واحدٌ من 55 موظفًا في قناة الكتاب تفرقت بهم السُّبُل بعد توقف القناة، قسمٌ منهم لازالوا دون عمل، وآخرون هاجروا خارح قطاع غزة، وآخرون يُحاولون إنقاذ أنفسهم بمجهود شخصي.
محمد نايف، مدير التصوير في شركة "Color Bars" يجد هذه الفترة هي الأصعب في عمر الشركة، فالرواتب تقلصت إلى النصف أو أقل، بينما الأعباء زادت بشكل كبير، إذ يقوم الآن بمهام المصور والمنسق كاملة بعد أن ظل لسنواتٍ يعمل وبجواره منسقٌ يُخفف عنه أعباء كثيرة، لكنه في الوقت ذاته لا يجد بديلاً أفضل من عمله، "فمعظم الشركات تقلص من طواقمها، ولا يوجد شواغر في أي مكان".
وأضاف نايف، "الزملاء الذين انتهى عملهم يبحثون الآن عن فرص عمل في مجالات بعيدة عن الصحافة، ومن وجد منهم عملاً في هذه المجالات يتقاضى أجورًا محدودة لا تكفي لتغطية احتياجاتهم العائلية. لو كانت هناك نقابة تهتم بالصحفيين، لما وصل الحال بشركات الإنتاج إلى هذا الوضع السيء".
وكان تقريرٌ لجهاز الإحصاء المركزي صدر في عام 2018، أكد أن نسبة البطالة بين خريجي الصحافة والإعلام هي الأعلى بين جميع التخصصات الجامعية في الضفة الغربية وقطاع غزة بنسبة 49.2%، حتى الربع الثالث من العام ذاته.
اقرأ/ي أيضًا:
الإعلام النسوي في غزة تحت المجهر