08-أكتوبر-2024
عزمي بشارة

المفكر العربي عزمي بشارة (التلفزيون العربي)

أجرى المفكر العربي المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عزمي بشارة، مقابلة خاصة مع التلفزيون العربي، مساء يوم الإثنين، عشية الذكرى السنوية الأولى للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تناول فيه بالقراءة والتحليل الحرب الإسرائيلية على غزة، المستمرة منذ عام، بالإضافة إلى توسيع الاحتلال عدوانه على لبنان.

وافتتح بشارة المقابلة في نظرة إلى هذه المرحلة التاريخية والمفصلية من الواقع العربي والتاريخ الفلسطيني، مؤكدًا على أن اليوم نفسه "بدون أي شك يشكل علامة فارقة، وما بعده، ليس كما قبله"، مضيفًا: "ليس بالضرورة أن هذا ناجم عن تخطيط من فكروا وخططوا لهذه العملية، ولكن تداعيات هذا اليوم جعلت منه يومًا مفصليًا".

عزمي بشارة: كل ما تقوم به إسرائيل في لبنان، يظهر أن هناك تخطيطًا استمر لسنوات

وأشار بشارة إلى أن هذه المفصلية في التاريخ، تتعلق بكافة الأطراف، قائلًا: "من الناحية الإسرائيلية حجمه، أي الهجوم في داخل مناطق 48، وعدد الضحايا"، أمّا من الناحية الفلسطينية، فقد أشار إلى "رد الفعل الإسرائيلي". موضحًا: "الحرب الشاملة التي شنت على غزة بهذا الشكل، الذي سجلت فيه جرائم غير مسبوقة تحولت إلى سوابق، ولاحقًا إلى ما يشبه الروتين، وهو أمر مرعب".

وأوضح بشارة حول الجرائم الإسرائيلية في غزة، قائلًا: "ما حصل أشياء كنا نعتقد أنها ستكون أمورًا استثنائية جدًا، تثير العالم أجمع، مثل قصف مستشفى، لكنها تحولت لاحقًا إلى روتين متواصل". موضحًا: من هذه الناحية: "الحرب على غزة هي حدث مفصلي بمقاييس عالمية، بمعنى أن إسرائيل ومن تساوق معها على المستوى العالمي، غير معايير السلوك في الحروب".

وذكر صاحب كتاب "قضية فلسطين: أسئلة الحقيقة والعدالة"، مثالًا واحدًا حول ما سبق، من بين جملة أمور مثل معاناة الأطفال والأطباء والطواقم الطبية والمعلمين والمدارس، قائلًا: "إذا أردت أن تستهدف مقاتلًا من حماس أو مقاومًا من حماس، أو من أي تنظيم آخر أصبح متاحًا، ليس متاحًا، بل أصبح أمرًا عاديًا جدًا، أن تستهدف بناية كاملة أو حيًا".

وذكر بشارة باغتيال القيادي في كتائب القسام صلاح شحادة، في عام 2002، الذي رافقه ارتكاب مجزرة بحق عائلته، مبينًا أن هذه المجزرة أحدثت ضجة، وأجبرت إسرائيل على تقديم مبررات لها، في حين أن إسرائيل كررت استخدام هذه السياسة في الحرب على غزة دون حساب، وهو ما يحصل في لبنان.

وتطرق بشارة في هذا السياق، إلى غياب التغطية الإعلامية العالمية، قائلًا: "أمر آخر يميز غزة عن حروب أخرى في القرن الواحد والعشرين، وهو غياب الطواقم الإعلامية، لا يوجد أي مراسل في قطاع غزة… لا توجد شبكة إعلامية واحدة ذات قيمة لها مراسلون في غزة يبثون من هناك أو يصورون. لكن جميعهم كانوا في غلاف غزة، يوم 8 تشرين الأول/أكتوبر، واستمروا هناك يبثون لمدة أشهر عن قصص الناس وحياتهم الشخصية، وحول كل شخص هناك إلى رواية وقصة شخصية وملحمة وحكاية هو وأهله وعائلته، في حين غزة تعاني ما تعانيه بالجملة. 

وأجمل المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، سوابق حرب غزة، من ناحية "طبيعة الحرب، ودور الإعلام، والنفاق الإعلامي العالمي.. وأعتقد أنها ستترك بصمات على الإنسانية جمعاء، أما على حالتنا نحن كفلسطينيين وعرب فحدث ولا حرج. وباختصار نحن أمام ما يشبه نكبة جديدة. تغيرت فيها أوضاع الشعب الفلسطيني عمومًا".

وأوضح بشارة: "نحن لا نستطيع أن نلخص بعد، لأننا لسنا في مجال الحديث عن ذكرى. الحرب مستمرة، ومرور عام على الحرب، هي مناسبة للتأمل والتفكير، وليس إحياء ذكرى؛ لأن الحرب مستمرة".

ومع ذلك، قال بشارة: "بالتأكيد أصبح واضحًا أن حال الفلسطينيين ليس كما كان، وحال الإقليم ليس كما كان"، مشيرًا إلى أن حجم التداعيات و"إلى أين يذهب التفكير الإسرائيلي بتواطؤ أكثر أو أقل من الولايات المتحدة، في محاولة إعادة تفصيل المنطقة على قياس إسرائيل".

واستمر صاحب كتاب "الطوفان: الحرب على فلسطين في غزة"، في القول: "أعتقد أن نتنياهو ومن معه من المتدينين الصهيونيين المتطرفين انتقلوا من مرحلة إلى مرحلة خلال الحرب، بسبب العجز العربي والحالة الدولية. إذ بدأوا بأهداف معينة، وبدؤوا يوسعون هذه الأهداف. إذ انتقلوا من قضية منع إمكانية تكرار مثل هذه العملية من غزة، وتجريد حماس من سلاحها، أو ضرب قواتها العسكرية إلى منع حماس من إدارة غزة إلى منع السلطة الفلسطينية من إدارة غزة. وبالتدريج انتقلوا إلى تطبيق مخططات كانت مبيتة، وهذه كانت مخططات موجودة في الدرج وهي موجودة بالتفصيل وبالخرائط، مثل توسيع الاستيطان، وضرب المقاومة في الضفة الغربية، وإضعاف وتقليص نفوذ السلطة الفلسطينية، حتى هذه السلطة الفلسطينية التي نعرفها، التي تنسق أمنيًا مع إسرائيل، والآن لبنان، وربما لاحقًا يأتي دور إيران".

وأشار إلى أن نتنياهو ومن معه "وجدوا أن الأمور سائغة بالنسبة لهم، ولا يوجد ثمن مرتفع بشكل خاص". موضحًا أنه في شهر تموز/يوليو "شعروا أن ما يمكن استهدافه في غزة حدث، دون تحقيق أي هدف في غزة، ولهذا نقلوا الفرق إلى لبنان، ووسعوا نطاق عملياتهم في الضفة الغربية".

وأوضح بشارة: "أعتقد أنه التغيير الجوهري بهذا المعنى، من شهر تموز/يوليو الماضي إلى اليوم. وفي الثلاثة أشهر الأخيرة هناك شعور لدى نتنياهو بعد خطاب الكونغرس، أنه مطلق اليدين ويستطيع أن ينفذ ما أراد في السابق تنفيذه".

سياق قضية فلسطين 

وتطرق بشارة في مقابلته إلى تجاهل سياق الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر وتجاوز السياقات، مشيرًا إلى أنه بحسب الأرقام، وقبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، فإن عدد الأطفال الذين قتلوا في الضفة الغربية وقطاع غزة، منذ عام 2000، وظهر بحسب الأرقام أن عدد الضحايا الأطفال في عام 2023 فقط، فاق 22 عامًا ماضية.

كما قال: "في عهد هذه الحكومة تتعرض المناطق المحتلة إلى قمع وتنكيل، أعلى نسبيًا مما كان في السابق، وتشكلت حكومة يقودها المستوطنون، الذين لديهم قناعات حقيقية متعلقة بضم الضفة الغربية وتقليل عدد السكان العرب، مثل سموتريتش، وبن غفير يتحدث صراحة عن طرد العرب، هؤلاء يجلسون في الحكومة في مناصب مفتاحية أساسية يقررون، ويتخذون قرارات، ونتنياهو متعلق بهم، وهو أيضًا أيديولوجيًا لا يبتعد كثيرًا عنهم، صحيح أنه أكثر براغماتية، لكن أيديولوجيًا هذه قناعاته أيضًا".

ولخص الحالة في الضفة الغربية، بالقول: "الوضع في الضفة الغربية وصل إلى انفجار مع أيار/مايو 2021 (سيف القدس) عندما ردت الضفة على الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى والمحاولات الفعلية الحقيقية لتقسيم زماني ومكاني في الأقصى، وتوسيع الاستيطان ومطاردة الفلاحين والمزارعين من قبل المستوطنين وما يسمى فتية التلال.. الذين يقلدون العرب، ويقلدون ما يعتقدونه حياة اليهود قبل ألفي عام في جبال الضفة الغربية، ثم تغير مئة وثمانين درجة التعامل مع الأسرى في السجون، منذ أن أصبح بن غفير وزيرًا للأمن القومي، ثم تهميش القضية الفلسطينية منذ اتفاقيات التطبيع الإبراهيمية، وأعقبتها اقتراحات صفقة القرن من ترامب ونتنياهو". 

وتابع بشارة: "كان هناك وضوح في تصفية القضية الفلسطينية، أمّا الإدارة الأميركية الحالية اختلفت مع ترامب في كل مكان في العالم.. إلا في فلسطين.. وواصلت النهج الذي يقول بالإمكان تحقيق سلام مع الدول العربية بدون حل قضية فلسطين. هذا نهج ترامب، وهو توجه نتنياهو الذي كتبه في مقال المثلث الحديدي الذي قال فيه عملية السلام إن ’لا تمر في رام الله’، بمعنى تهميش قضية فلسطين".

وأشار إلى أنه بعد "سيف القدس استمرت اقتحامات المسجد الأقصى ومحاولات مصادرة بيوت الناس في أحياء القدس المختلفة، ولذلك هنالك خلفية. والخلفية تبدأ عام 1948. لكن ما سبق هي الخلفية المباشرة".

وتناول بشارة الحالة في قطاع غزة، قائلًا: "بالنسبة للقيادة في غزة التي عملت على إدارة قطاع غزة كل هذه السنوات، هناك قضايا متعلقة بتضييق الحصار عليهم والوعود بعد كل حرب أن تتطبق إعادة الإعمار، التي لم تتطبق إلا نادرًا؛ لأن إسرائيل ضيقت في مواد البناء. وإسرائيل تتحكم بكل داخل وخارج في قطاع غزة والوعود بوقف الحصار، لم تتطبق وأعتقد أن القيادة التي تتهم الآن أنها متطرفة ومجنونة، كان لديها توجه براغماتي لناحية الاستعداد لهدنة طويلة المدى مقابل وقف الحصار والقبول بدولة فلسطينية، ولو كبرنامج مرحلي. أي سياسيًا كانت قيادة براغماتية. ولكن كانت دائما الجواب الإسرائيلي، هو هذا الجواب. هذه العوامل مجتمعة أدت إلى تحضير. عملية من هذا النوع".

عن سؤال إمكانية توقع الرد الإسرائيلي على عملية من هذا النوع، أوضح بشارة "بالتأكيد لم يتوقعوا. وإلا لما فعلوها يعني. لكن السؤال الأعمق والأول ’لماذا لم تتوقع إسرائيل مثل هذه العملية؟’ بمعنى يجب قلب الأمور، اللوم أولًا على المُستعمِر، أي يقوم بكل ما يقوم به، ثم يفاجأ من أن المُستعمَر يرد بهذا الشكل… حتى لو أخذنا السنوات القليلة الأخيرة يجب أن يتوقع المُستعمِر ردًا ما؛ والعالم يجب أن يلوم إسرائيل، لماذا لم تتوقعوا رد المستعمر المضطهد المظلوم المغلوب على أمره؟".

وفي هذا السياق، قال مدير عام المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، إن "مقاومة الاحتلال حق من الناحية القانونية، أنا دائما أضيف مقاومة الاحتلال واجب من الناحية الأخلاقية، هي حق وواجب".

وأشار بشارة إلى أن "العملية نجحت أكثر مما توقع، لأن النجاح الكبير الذي أزعج إسرائيل جدًا هو اقتحام فرقة غزة. النجاح الآخر الذي استغلته إسرائيل كثيرًا هو اقتحام البلدات الإسرائيلية".

وذكر بشارة، بقوله قبل عام إن الفصائل الفلسطينية، عليها "توقع الأسوأ، قائلًا: "إن إسرائيل كانت تريد استعادة هيبة الردع، واستعاد توازنهم النفسي، لأنه حصل انهيار أسميته قلب نظام الأشياء. ولاحقًا جاءت أمور مثل استغلال الفرصة للقيام بمخططات كانت موجودة سابقًا".

وحول الجرائم الإسرائيلية في غزة، قال بشارة: "إذا كنا نستهجن حجم الجرائم ونعتقد أنها سوابق، كيف نتوقعها؟ يعني هل علينا التوقع أن تقصف إسرائيل كل المستشفيات وكل المدارس؟ وسبعين بالمائة من المساكن، وأن تواصل ذلك عامًا كاملًا. لا أعتقد أنه أحد يستطيع التوقع، إذا قلت إن هذا أمر متوقع، إذًا هو أمر عقلاني؛ لأنه لا نتوقع العجائب، بل تتوقع الأمور المحسوبة… حجم الجرائم الذي تقوم به إسرائيل لا يمكن توقعه. ولو كان بالإمكان توقعه لكان بالإمكان تبريره أيضًا. لذلك أقول إن حجم ما تقوم به إسرائيل غير متوقع، وغير عقلاني ومستهجن بكل المقاييس". 

الطوفان: الحرب على فلسطين في غزة

أمّا عن كتاب "الطوفان: الحرب على فلسطين في غزة"، وقراءة بشارة لعملية 7 تشرين الأول/أكتوبر، قال: "المقاومة الفلسطينية في الوضع الذي نشأ بعد اتفاقيات السلام العربية مع إسرائيل، أي بعد كامب ديفيد، وبعد اتفاقيات الأردن وبعد أوسلو، وخروج العرب من ساحة المواجهة، بما في ذلك من لم يقم علاقات مع إسرائيل، وفي هذه الظروف أصبحت برأيي حركات المقاومة حركات دفاع عن نفس، وليست حركات قادرة على تحرير فلسطين، فحركة المقاومة هي حركة مقاومة هي رد فعل على الاحتلال، لكنها ليست استراتيجية تحرير، ولا يمكن أن تكون، ولذلك عملية 7 تشرين الأول/أكتوبر، هي عملية خرقت هذا المنطق، وجاء فيها أمران، لا أعتقد أنها من مهام المقاومة الفلسطينية. الأمر الأول أنها كانت هجومية. والأمر الثاني أنها أعلنت حرب، خطاب بداية العملية، إذا حللته فيه إعلان حرب، وطلب من العرب الانضمام إلى الحرب. وبرأيي هنا حساب خاطئ. حركة المقاومة طابع عملها العسكري، هو طابع مقاومة، وليس طابعًا حربيًا. وعندما تدخل في حرب غير متكافئة بين دولة وبين حركة مقاومة تستطيع أن تفشل أهداف العدوان. أما ما حصل يشبه العملية العسكرية بالكامل. أي لا تشبه عمليات مقاومة ثأرية أو تفجير هنا، واستنزاف الطرف الآخر وإجباره على دفع ثمن لتحقيق أهداف عينية. أما عندما تقول إن هدف هذه العملية تحرير. أنت لا تتحدث عن عملية جزئية، بل تتحدث عن عملية تذهب إلى حرب شاملة". 

أمّا عن سلوك إسرائيل والهستيريا الداخلية واللحظة القبلية، أوضح المفكر العربي: إنها "ما زالت قائمة، لكنها ليست الوحيدة، في الأيام الأولى والشهر الأول والأشهر الأولى، إذا نظرت إلى الإعلام الإسرائيلي الذي كان في حالة نشر هستيريا وجودية، أن إسرائيل في حالة حرب وجودية، والشعور بالإهانة والمذلة، أن الفلسطيني يخرج جنديًا إسرائيليًا من الدبابة. وعملوا كل شيء لإزالة هذه الصورة".

وأشار بشارة إلى التنكيل بالأسرى والأطفال والشيوخ: قائلًا: "فعلوا كل شيء لعكس الصورة، ثم استعادة الشعور بالوحدة والقبلية للقيام بالثأر؛ لأنه لا شيء يرضي التوازن النفسي عند القبيلة سوى الأخذ بالثأر، ولذلك كان هنالك جانب انتقامي، ولا أقبل على الإطلاق القول إن قتل المدنيين في فلسطين كان أضرارًا جانبية ناجمة عن أن إسرائيل تستهدف العسكريين ويموت المدنيون، بل استهدفوا بغرض الثأر والشفاء غليل المجتمع الإسرائيلي، وأيضًا سياسيا لديهم قناعة بأنه من الضروري معاقبة المدنيين ليدفعوا الثمن، ويقتنعوا بالابتعاد عن فكرة المقاومة، هذا ليس مجرد فورة دم أو حالة من الهيجان غير العقلاني، وإنما هو تخطيط إعلامي دقيق، وبرمجة لسيكولوجية الجماهير".

وحول نتنياهو في تلك الفترة من العدوان، قال: إن الأمر كان يرتبط في البقاء السياسي لديه، موضحًا: "دون القيام بذلك كان سينقلب المجتمع الإسرائيلي عليه، كان يجب أن يوحد القبيلة في الشعور بالانتقام، ليبدأ باسترجاع شعبيته بالتدريج بسبب الحرب ذاتها، ولذلك بالنسبة له هذا النوع من التخطيط، من الاستراتيجية الدعائية والبروباغاندا، كان مهمًا، لكن الإعلام الإسرائيلي تعاون معه، إذ إن استوديوهات الإعلام الإسرائيلي كانت تشبه غرف الحرب، وحتى الآن".

توسيع الحرب إلى لبنان 

وبالانتقال للعدوان الإسرائيلي على لبنان، قال بشارة: إن نتنياهو حاول إبقاء الجبهة ساخنة، وفي هذا الموضوع يوجد إجماع إسرائيلي على خلاف غزة، وأوضح: "قسم كبير من الجنرالات الإسرائيليين الذين ظهروا في الإعلام في اليوم الثاني والثالث والرابع عندما بدأ الإسناد في 8 تشرين الأول/أكتوبر من من لبنان. كان الكثير من الجنرالات رأيهم، قصف لبنان والانتهاء من حزب الله، ثم التفرغ لغزة. وهذا المخطط موجود لكن أُجل، وكل من لم يدرك ذلك يعني هو يتحمل المسؤولية؛ لأن فكرة شن الحرب على لبنان لم تتبلور مؤخرًا، وكانت موجودة منذ بداية الحرب على غزة، وقيلت عدة مرات إنه يجب التخلص من التهديد في الشمال وإخلاء المستوطنات، في شمال فلسطين، لم يكن نتيجة لقصف حزب الله؛ لأن حزب الله لم يقصفها، هو قصف معسكرات، ولكن أخليت كخطوة وقائية. والآن يتباكون. هم يكذبون".

وأكد المفكر العربي، أن "الإخلاء كان وقائيًا، ولم يكن ناجمًا عن هجوم حزب الله. كما أن الحرب كانت متوقعة، الأمر الثالث أن حزب الله ومن خلفه إيران، وفي هذه الجبهة تحديدًا هو المقرر، أنه لم يكن يريد الحرب، وحتى في الخطابات الأخيرة لنصرالله كان الشرط الوحيد ’أوقفوا الحرب على غزة’. ولذلك ما يحصل في لبنان، هو حرب عدوانية مع سبق الإصرار والترصد لتنفيذ خطة اسمها القضاء على حزب الله أو على قوته العسكرية، ومنفصلة بالتالي عن سياق العدوان على غزة".

وأشار مدير عام المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أكد بشارة أن "كل ما تقوم به إسرائيل في لبنان، يظهر أن هناك تخطيطًا استمر لسنوات، وكانت بهدف استعادة هيبة المخابرات الإسرائيلية العسكرية، التي ضربت تمامًا يوم 8 تشرين الأول/أكتوبر، الذي حصل فيه خزي وعار لجهاز الأمن الإسرائيلي، لكن في لبنان استعادوا هيبتهم". 

وأشار إلى أن إسرائيل، بعدما استطاعت نقل عدة فريق عسكرية إلى الشمال، كما أصبح نتنياهو "أصبح في وضع مريح بمعنى أنه أصبح مطلق اليدين". كما تطرق إلى الاستراتيجية الإسرائيلية التدريجية في لبنان، التي تختبر مع الوقت "أي البيجر، ثم الاغتيالات، ثم الدخول البري المحدود".

وتابع صاحب كتاب "في المسألة العربية: مقدمة لبيان ديمقراطي عربي"، موضحًا: "إذا نجحت المقاومة في صد العدوان، وعندها يتعرقل المخطط الذي يريدونه، وهو القضاء على المقاومة وترك ما تبقى منها للسياسة اللبنانية لتتعامل معها، مثل تهميشها أو إلى آخره. وتوجد محاولات فرنسية منذ الآن، وهناك اقتراحات غير معقولة، في هذه الظروف مثل فرض رئيس على اللبنانيين، ستبدو وكأنها استغلال للضعف الناجم عن العدوان الإسرائيلي. ولا يجب أن يحصل ذلك؛ لأن هذا يمس على المدى البعيد بالوحدة الوطنية". 

وعن رد حزب الله على الهجمات الإسرائيلية، قائلًا: "نحن في سياق التخمينات والتكهنات... لا شك جزء من ترسانة حزب الله ضرب.. بعتقد حزب الله أراد تجنب الحرب لأسباب داخلية ولأسباب إقليمية.. الإسناد، هذا كان حلهم لإسناد؛ لأن غزة لم تشاورهم قبل أن تخرج للحرب.. وإسرائيل لا تترك المجال، يعني إسرائيل تشن الحرب على الجميع، ولكن أعتقد لم يدركوا في اللحظة المناسبة أن إسرائيل تقوم الآن بحرب، وليس استنزاف وليس مناوشات عسكرية".

وأكد أن حزب الله وحماس تخوض حرب وجود، وقال "السؤال الآن على المدى البعيد يحتاج إلى تفكير استراتيجي كبير؛ لأن مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، لأخلاقنا ولمجتمعنا ولحياتنا في المستقبل ولأبنائنا، هي ما تبقى من الكرامة العربية الحقيقة في مواجهة كيان استعماري، يتصرف كجسم غريب في المنطقة، ويتعامل معنا بعنصرية واحتقار، وأصبح بالنسبة للغرب، على الأقل للفئات العنصرية على الأقل، هو بالتدريج يصبح جزءًا من هويتهم في التعامل مع العرب والمسلمين والمهاجرين والأجانب… ولذلك قضية الحفاظ على مسألة المقاومة قضية جوهرية. وهناك أمر آخر أخير، أن هناك قضايا استراتيجية كبرى، عن وضعنا نحن كعرب وعلاقتنا الداخلية، وثانيًا علاقتنا مع إيران".

قال مدير عام المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، إن "مقاومة الاحتلال حق من الناحية القانونية، أنا دائما أضيف مقاومة الاحتلال واجب من الناحية الأخلاقية، هي حق وواجب".

الإطار الجامع 

وحول الوحدة الوطنية المتعثرة، قال المفكر العربي، إنه في حالات عربية، هناك مشكلة بإخضاع الصراعات السياسية لإطار الدولة أو الوحدة الوطنية، وهو سقف تحته تنضوي الخلافات السياسية والصراعات، أمّا في حالة حركة تحرر وطني الموضوع أخطر بكثير، أن تبدأ الصراعات السياسية على السلطة قبل أن تنشأ سلطة سلطة حقيقية ودولة. وهذا هو الفخ الذي أدخلت فيه اتفاقيات أوسلو الشعب الفلسطيني؛ لأنها أنشأت سلطة وهمية غير حقيقية، وأنشأت احتمالًا للخصومة عليها. 

وأكد بشارة على أن "الخصومة ليست فقط على السلطة، إذ يوجد صراع فكري وأيديولوجي وسياسي، حول مسألة اتفاقيات السلام مع إسرائيل والتنسيق الأمني والقبول بإدارة حكم ذاتي قبل السيادة، قبل التحرير. وهذا نقاش حقيقي، لكن بعد هذه السنوات كلها، عندما أصبحت السلطة واقعًا قائمًا وأصبحت حركة حماس وغيرها تشارك في انتخابات السلطة، أصبح هذا نقاش متأخر، يعني إذا قبلت في أطر اسمها إقامة مؤسسات للشعب الفلسطيني ولو في ظل الاحتلال. كان عليك أن تبحث فقط في عملية التوفيق بين بناء المؤسسات واستمرار المقاومة وعدم القبول بالخطاب الصهيوني المفروض علينا، وهذا يتطلب إطار خارج سيطرة إسرائيل، وهو منظمة التحرير التي تم تهميشها، الإبقاء على منظمة التحرير التي تجمع فلسطينيي الداخل في الخارج خارج إطار الهيمنة الصهيونية خارج نطاق الاحتلال، لتحافظ على الخطاب الوطني الفلسطيني غير المكتفي بإدارة ذاتية والمطالبة بالتحرير وإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس، كان من الممكن أن يشكل سقفًا للوحدة وطنية. ولكن هذا لم يحصل". 

وأكد على أن "الأمر أصبح خطيرًا للغاية، لأنه تمت عملية تهميش منظمة التحرير، مع التركيز على السلطة الفلسطينية في ظل الاحتلال، وخسروها في غزة وأصبحوا في سلطتين. ولا يدركون الآن أن الحرب الحالية هي على كل الشعب الفلسطيني وستطاولهم لاحقًا وليست فقط على حماس.

وفي ظل هذا التشخيص، ذكر بشارة في واقع الضفة الغربية وسلوك إسرائيل التوسعي فيها "الذي يمارس في ظل استمرار التنسيق الأمني"، متابعًا القول: "هذا التمادي يقول إنهم أيضًا غير قابلين بالسلطة الفلسطينية في حدودها الحالية ولا في صلاحياتها، يريدونها بلديات فقط، وهذا يتطلب أكثر من جولات مصالحة فولكلورية متجولة في عواصم العالم، والجميع يعلم أنه لا توجد نوايا حقيقية للمصالحة. وهي فقط نتيجة الخجل، وهو شيء معيب أن يستمر هذا الكذب الذاتي وخداع الناس. وأعتقد أن الإطار الممكن لاستعادة نوع من الوحدة الفلسطينية، هو محاولة إعادة بناء منظمة التحرير بحيث تجمع فلسطيني الداخل والخارج، لتعود للعب دور تمثيلي للشعب الفلسطيني في كل مكان في العالم".

وحول حالة منظمة التحرير، قال إن هناك جيلًا كاملًا "لا يعرف منظمة التحرير ولا يعرف بنيتها ولا يسمع بها حتى، وهذه جريمة حقيقة وتثبت حالة سلطتين والنتيجة هي أن السلطة الفلسطينية القائمة في رام الله، تعتقد أن الوقت سيثبت أنها الوحيدة القادرة على إدارة قطاع غزة، وليس تحريره من الاحتلال. أي إدارته كما تدار الضفة الغربية الآن تحت الاحتلال؛ لأنه لا يوجد بديل لها، وأنه حتى لو كان الثمن لذلك تحقيق وحدة حركة فتح مع الذين انشقوا عنها في الماضي، وإقامة إدارة في غزة شكليًا تابعة للسلطة؛ لأن إسرائيل لا تقبل أن تكون رسميًا تابعة للسلطة. ومحاولة إقناع حماس أن تقبل بهذا الدور، وبعد ذلك أن تقنع إسرائيل بأن هذا هو الأمر الممكن؛ لأن بعض الدول العربية مقتنعة بهذا".

وتساءل بشارة: "ما هو الأفق؟ غزة ستكون بدون مدارس ومستشفيات ومساكن وبدون شيء. وما يسمى اليوم التالي هو اليوم الأصعب؛ لأنه في ظل الحرب لا تفكر في هذه الأمور، لكن في اليوم التالي ستبحث الناس أين المسكن؟ أين المدرسة؟ أين المستشفى؟ أين الطعام؟ أين مصادر الدخل؟ وبالتالي سيندفع كثيرون نحو الهجرة التي هي تهجير في الحقيقة وليست هجرة. ماذا سيكون دور هذه الإدارة؟ وهل توجد دولة فلسطينية فعلًا؟ يعني هل ستكون هذه جزء من دولة فلسطينية أم ستكون تحت الرقابة الإسرائيلية الكاملة؟"، وتابع بشارة "إسرائيل في الظروف الحالية لن تقبل سوى رقابة أمنية إسرائيلية كاملة وتريد تواطؤ عربي مع هذا".

وارتباطًا في التفصيل السابق، قال بشارة: "هذا هو المخطط. ما هو البديل لهذا؟ في ظل ما حصل، أي حجم الجريمة التي ارتكبت، والشعب الفلسطيني موجود، في ظروفه التي لا يمكن وصفها، وفي حالات من هذا النوع في تاريخ حركات التحرر الوطني عندما قامت الدولة الاستعمارية بارتكاب هذا الحجم من الجرائم الذي لم يصل لحالة غزة تضطر أن تواجه العالم، إذا كانت هنالك حركة تحرر وطني مقابلها. إذ تقول فعلتم ما يمكن أن تفعلوه، والآن يجب حل هذه القضية الآن، لكن إذا كانت حركة التحرر الوطني مقسمة، وفي دول تتواطأ، ستجد إسرائيل مهارب من مواجهة هذا السؤال، وستجد مخارج من مواجهة هذا السؤال. أما إذا واجهتها حركة تحرر وطني موحدة فرضت على الدول العربية أن تقف وراءها؛ لأنهم لا يستطيعون إلا أن يقفوا وراءها إذا كانت موحدة، ستضطر إسرائيل أن تواجه المسائل التي سيسأل العالم كله: أنتم فعلتم كل ما فعلتم، ماذا بعد؟ ماذا تستطيع أن تفعل أكثر؟ الشعب الفلسطيني ما زال يطالب بحريته وبدولته المستقلة، ماذا ستفعلون؟ وإذا كانت حركة تحرر وطني موحدة، وفرضت وستفرض على الدول العربية دعمها، ستضطر إسرائيل أن تتعامل مع الموضوع. أما ما يجري ما يجري الآن فهو فتح مخارج لإسرائيل، لكي تهرب من مواجهة ما عليها أن تواجهه بعد أن ارتكبت كل هذه الجرائم، دون أن تنجح بالقضاء على الشعب الفلسطيني وتطلعاته. وما يقومون به الآن هو إعطاؤها المخارج التي تريدها مرة مع هذه الدولة العربية أو تلك".

وعن التطبيع مع إسرائيل، قال بشارة: "لو كان هنالك فعلًا أمه ولديها قيادات عاقلة، وتفكر استراتيجيًا بمستقبلها، أي لا تفكر بمستقبل الشعوب، بل بمكانتها العالمية ومكانتها لدى حلفائها في الغرب. أي تفكر أنه لماذا أهدي إسرائيل التطبيع في مقابل هذه الإهانات للأمة.. لماذا أقدم هذا؟ ما الفائدة؟ ألا أستطيع أن أحقق أكثر من هذا بكثير لو حافظت على الثوابت المتعلقة بالحد الأدنى من العدل للشعب الفلسطيني ووضع شروط لمثل هذه العلاقات أو اتفاقيات السلام، كما كان في مبادرة السلام العربية، وأيضًا في الوقت ذاته ترتيب العلاقة مع إيران، أي أن هذا ما نريده وهذه مصالحنا كأمة، ويجب أن تحترموا ذلك، ونتفاهم نحن وإياكم أيضًا على كيف يجب أن تكون العلاقة. أما هذا التسرب أفرادًا للتطبيع مع إسرائيل والتنافس للتطبيع مع إسرائيل، طبعًا 7 تشرين الأول/أكتوبر أوقف البعض من الاستمرار في هذا التطبيع. لكن أعتقد إذا خرجنا من 7 تشرين الأول/أكتوبر، من دون وحدة وطنية فلسطينية، أؤكد أن هذا سيتواصل، يعني حبل التطبيع الذي انقطع في 7 تشرين الأول/أكتوبر، والذي أزعج انقطاعه بايدن كثيرًا.. هذا سيتواصل لأن ما قطع التطبيع ليس عملية 7 تشرين الأول/أكتوبر فقط، بل صمود الشعب الفلسطيني طوال هذا العام، ووقوف الشعوب العربية معه. كل الشعوب العربية قلبًا وقالبًا مع قضية فلسطين ومع المقاومة. في هذه الحالة إذا هذا انكسر ووجدت إسرائيل فلسطينيين يتعاونون معها، في إدارة قطاع غزة، وما يسمى اليوم التالي، من دون حل عادل لقضية فلسطين تواجه إسرائيل بعد كل هذه المجازر، سيعود التطبيع بدون دولة فلسطينية، وحاليًا صعب بسبب هذه الدماء".

ما بين كامالا هاريس وترامب

وحول الانتخابات الرئاسية الأميركية، قال بشارة: إن "هنالك فارقًا بين ترامب وهاريس، ومن لا يرى الفارق، ضمن العمل السياسي، يكون في حالة عدمية.. هناك فرق بين شخص نقل السفارة إلى القدس، واعترف بضم الجولان، ولا أستبعد أن يقبل بخطة التهجير، وأن يفكر بخطط التهجير مع نتنياهو وغيره".

كما أكد على الفارق على المستوى الداخلي، للعرب والمسلمين في داخل أميركا، بين ترامب وهاريس.

وأشار إلى أن توجه ترامب في قضية لبنان وإيران، يسير نحو المواجهة، ويدعو إلى ضرب مفاعلات إيران، ولديه "توجه جنوني من ناحية النظر إلى منطقتنا، دون أي اعتبار لتاريخ الصراع، أو قضية فلسطين، أو وجود شعوب المنطقة، ويقيس الأمور بالمنظور المالي.. إذا قرأت صفقة القرن، فهي تتعامل مع فلسطين كتطوير عقاري للفلسطينيين، وأراضي مقدسة للإسرائيليين، وتعامل مع التوراة كطابو للإسرائيليين"، مؤكدًا أن "ترامب خطورة مضاعفة عن هاريس".

وعن الفارق، قال إن هاريس تختلف بشكلٍ كبير عن ترامب، ولكن يمكن تختلف عن بايدن، قائلًا: "إذا الحالة العربية بقيت كما هي والحالة الفلسطينية كما هي لا شيء ينفعها ولا شيء يفيدها، انتظار مظاهرات في العالم، وهي جيدة وتعطي معنويات للشعب الفلسطيني، لكن في النهاية لا تستطيع أن تفعل لنا شيء، إذا لم يكن لدينا في الوضع العربي مشروع إقليمي من دون التنازل عن مصالحها كأنظمة، من دون ذلك لن يفيدها وزراء الخارجية الأوروبيين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والحزب الديمقراطي لن يفيدها أحد، حتى لو تحول كل شباب الحزب الديموقراطي لتأييد الشعب الفلسطيني".

 وقال بشارة: "في النهاية، السياسات تدار بواقعية. وإذا كانت الدول العربية لا تضع قضية فلسطين على جدول أعمالها في العلاقة مع الولايات المتحدة، وإنما تنافسها فيما بينها وخوفها من إيران. هذا هو على الأجندة مع الولايات المتحدة، ولا شيء آخر ليس قضية فلسطين. إذا كانت الدول العربية تطبع مع إسرائيل بناء على مفاوضات مع الولايات المتحدة، وليس حتى مع اسرائيل، وليس عندها مطالب من إسرائيل متعلقة بفلسطين، عندها مطالب من الولايات المتحدة متعلقة باتفاقيات دفاع وعدم التدخل في قضايا حقوق الإنسان وتحالفات مختلفة مع الولايات المتحدة ضد إيران، وليس بقضية فلسطين. كيف سيفيدنا الرأي العام الغربي؟ الرأي العام الغربي لا يفيدك إذا خصمك الرئيسي هو شعبك أو خوفك من شعبك. كيف يفيدك الرأي العام الغربي؟ ولذلك مهما حللنا، أنا أعتقد الأمر الرئيسي هو نحن. كيف تبدو الدول العربية؟ ما هي برامجها؟ ما هي مشاريعها؟ قدرتها على الحفاظ على حد أدنى من التماسك الوطني رغم الصراعات السياسية. وهذا ينطبق بدرجة أكبر على الحالة الفلسطينية، لأنه لا يوجد الآن عنوان حقيقي موحد للشعب الفلسطيني، يخاطب الرأي العام العربي والقوى الغربية التي تريد أن تفعل شيء أن تخاطبه، بحيث لا تحصل مزايدة أو صراعات بين الفلسطينيين أنفسهم".

وحول العلاقة الأميركية والإسرائيلية، أكد بشارة على أنها "علاقة تحالف استراتيجي عميقة جدًا. والعلاقة تطورت عبر الزمن والثقة أيضًا. إذ بدت إسرائيل في البداية كمغامرة عندما أقيمت، ولم تكن كل الإدارة الأميركية مؤيدة لها، حتى كان هناك عناصر معادية للسامية في الإدارات الأميركية. وقضية العنصر اللوبي الإسرائيلي، شيء تطور بعد عام 1967 بقوة. لكن قبل عام 1967 لم يكن هذا كله موجودًا. أي قدرة إسرائيل على إثبات نفسها وفرض نفسها، بمعنى أن هناك أشياء تخوفت منها الولايات المتحدة وفرضتها إسرائيل فاضطرت الولايات المتحدة أن تتبعها. لماذا؟ لأنها لا تريد أن تفرط بحليف. وهذا حصل عدة مرات، وهو ليس فقط حليف يثبت نفسه عسكريًا، واقتصاديًا، وصناعيًا، وعلميًا، ويستطيع أن يتكلم باللغة الأميركية".

قال بشارة: إن "هنالك فارقًا بين ترامب وهاريس، ومن لا يرى الفارق، ضمن العمل السياسي، يكون في حالة عدمية.. هناك فرق بين شخص نقل السفارة إلى القدس، واعترف بضم الجولان، ولا أستبعد أن يقبل بخطة التهجير، وأن يفكر بخطط التهجير مع نتنياهو وغيره"

وواصل المفكر العربي تفصيل العلاقة، بالقول: "بالمجمل الطرف الأقوى في المعادلة هو الولايات المتحدة، وهي القادرة على الفرض الإسرائيلي ما تريد، لأن إسرائيل لا تستطيع أن تصمد دون الولايات المتحدة. وهذه أحد أهم نتائج طوفان الأقصى، والعدوان الإسرائيلي الذي تلاه على قطاع غزة، وهو أن إسرائيل لا تستطيع أن تصمد لأسابيع في حروب، حتى حرب كهذه غير متكافئة، من دون جسر جوي متواصل، وتسليح لا يتوقف، ودعم مالي أيضًا، لأن الاقتصاد الإسرائيلي تضرر نسبيًا، ولكن عوضته الولايات المتحدة".

وأكد بشارة أن واشنطن هي الطرف الأقوى في المعادلة "لكن هذا لا يقول إن إسرائيل مجرد تابع، إسرائيل تفرض أجندات لأنها تعرف أن الولايات المتحدة في الظرف الإقليمي الحالي لا تستغني عنها، أي ليس لها حليف ترتكن إليه بقوة إسرائيل وموثوقية إسرائيل. كما أن إسرائيل ليست تابعًا خاملًا ينتظر الأوامر من الولايات المتحدة، وإنما هي لديها أجندتها وهو أجندة فاعلة على المستويات التالية.. الولايات المتحدة تستطيع أن تأمر إسرائيل أن تفعل، ولكن ’لماذا تفعل ذلك؟’ نحن لم نتفق الأجندات".