في هذه الأيام يواجه النائب الفلسطيني باسل غطاس حملةً مسعورةً من قبل حكومة الاستعمار. التهم الموجهة ضد النائب باسل تدور حول "التواصل مع الأسرى"، حيث تدعي المؤسسة الحاكمة أن النائب غطاس قام بتمرير هواتف خليويةٍ وأغراضٍ ممنوعةٍ لأسرى أمنيين من حركتي فتح وحماس، والادعاء بأنه مرر معلوماتٍ مشفرة من قيادات فصائل لهؤلاء الأسرى.
هذه التهم الملفقة والتي تم تضخيمها هي حلقةٌ جديدةٌ من مسلسل التحريض ضد الوجود الفلسطيني ككل، وضد العمل الوطني بشكلٍ خاص، التي تزداد حدتها يومًا بعد يوم، وذلك يندرج ضمن سياسةٍ ممنهجةٍ يعمل الاحتلال وفقها، تشمل سرقة الأرض والإنسان.
ملاحقة النائب باسل غطاس جاءت امتدادًا للقوانين الفاشية وحظر الحركة الإسلامية، وإن صحّت التهم بحقه فهذا لا يعيبه
سرطان الاستيطان الآخذ في الازدياد والتفاقم في هدم البيوت، والتي كان آخرها إرسال إخطاراتٍ بموجبها تنوي الحكومة هدم عددٍ من البيوت في وادي عارة بادعاء أنها غير مرخصة. هذا إلى جانب هدم البيوت الذي لا يتوقف في النقب.
اقرأ/ي أيضًا: الاحتلال يستأنف ملاحقة "التجمع الوطني"
ملاحقاتٌ سياسيةٌ مستمرة، من ضمنها، إخراج الحركة الإسلامية الشمالية عن القانون وحبس رئيسها الشيخ رائد صلاح، بالإضافة لسجن النائب السابق سعيد نفاع، وكان آخرها الملاحقة السياسية الضخمة المستمرة التي واجهت حزب التجمع الوطني الديمقراطي، التي اعتُقل على إثرها عددٌ كبيرٌ من قياداته وكوادره.
يضاف إلى ذلك، جملةٌ من القوانين الفاشية المتمثلة بقانون حظر الرباط في الأقصى، ومشروع قانون منع الأذا، بالإضافة لقانون "تسوية البؤر الاستيطانية". حملاتٌ شعواء شنتها الحكومة بوزرائها ونوابها ضد المجتمع العربي الفلسطيني واتهامه أنه السبب في الحرائق الأخيرة. ناهيك عن مخططات الأسرلة والتهويد والتجنيد التي تعمل المؤسسة ليلًا نهارًا لإنجاحها في محاولةٍ جاهدةٍ لاختراق الوعي الجمعي والهوية الفلسطينية، وتشوية الرواية التاريخية، ومحو كل رابط يربط صاحب الأرض الأصلاني في أرضه المسروقة والمنهوبة.
وجب التأكيد أن الشرطة اتهمت النائب غطاس قبل أن تدعوه للتحقيق حتى. لكن هذا لم يمنع الحكومة وعلى رأسها نتنياهو مصحوبًا بجوقة المحرضين من الوزراء والإعلام من محاكمة غطاس حتى من دون تحقيق أو محكم. هذا نهجٌ ليس غريبًا عن نتنياهو، فهو نهجٌ فاشيٌ مشتقٌ من عقلية استعمارية تستسهل الاتهام والملاحقة والتحريض.
وكما في العادة في كل حملة يقودها نتنياهو علينا أن نلتفت حولنا ونسأل أنفسنا، "في أي ورطة عالق نتنياهو"، لأنة اعتاد في كل ورطةٍ يقع فيها أمام جمهور ناخبيه أو فضيحةٍ تصوب فيها السهام ضده أن يسحب عصاته السحرية المتمثلة بالتحريض على العرب. فتغذية الكراهية هي الوسيلة الوحيدة التي تغمض عين المجتمع الإسرائيلي عن ورطات نتنياهو. ففي النظر بهذا الشأن نرى أن التحريض ضد غطاس يتزامن مع قضية إخلاء مستوطنة "عمونة" التي ستخسره جزءًا من تأييد الشارع الإسرائيلي الذي حتمًا سيدركه من خلال هذه الحملة الموجهة ضد غطاس.
إضافة إلى البعد السياسي الذي يحيط قضية التهم الملفقة للنائب غطاس، هناك جانبٌ إنسانيٌ تحاول أجهزة الأمن الإسرائيلية إخفاءه أو تشويهه. وهي النقطة المركزية التي علينا أن نؤسس ونبني مواقفنا حول معاناة الأسرى حسبها.
إن الأسرى الأمنيين في سجون الاحتلال، بعكس السجناء الجنائيين محرومون من التواصل مع أهاليهم وأقربائهم، إضافة إلى حرمانهم من العطل والتواصل مع زوجاتهم وذلك رغم ما ينصه القانون الدولي. فلا يكتفي الاحتلال منِ حرمان الأسير من الحرية بل يسعى جاهدًا إلى نزع شفافية الأسرى وضرب الإنسان الكامن فيهم من خلال الانتهاكات اليومية وأشكال التعذيب القهرية، ومنها حرمانهم من التواصل مع اهاليهم والفضاء الخارجي.
رغبة الأسرى في الحفاظ على توازنهم الإنساني تدفعهم إلى المخاطرة حيث يقومون بتهريب هواتف نقالة بشتى الطرق، وحتى إن كان يكلفهم ذلك الحبس الانفرادي أو حتى عقاباتٍ جماعيةٍ. فالرغبة في الحياة والبقاء دائمًا كانت أقوى من الظلم والطغيان.
بالرغم من ذلك علينا العودة دومًا الى أصل الحكاية. من هناك بدأ كل شيءٍ وما أتى بعده هو فقط تبعات أخطبوط الاستعمار الذي غزانا فكرًا ووجودًا. من سرق ونهب وطنًا يرى في الوجود العربي الفلسطيني خطرًا، مما يدفعه لاستهدافنا ومحاولة تفريغنا من الأرض والوعي. يرى في الأسرى مجرمين وفي الشهداء إرهابيين.
علينا أن نعي ذلك جيدًا، ووقتها فقط يمكننا فهم سبب عداء المستمعِر لنا، وسبب رغبته الجامحة في تجريم كل عملٍ وطنيٍ وكل نشاطٍ مجتمعيٍ لا يتماشى مع هيمنته وروايته. وعندها لا تصبح هذه التهم الموجهة ضد النائب غطاس غريبة. هذا العداء كان قبل نتنياهو وسيبقى بعد نتنياهو، وهو فقط متعلقٌ بالفكر الصهيوني الاستعماري الذي يرى فينا أعداءً رغم أننا أصحاب الوطن.
في النهاية نؤكد أن القضية التي يواجهها غطاس هي قضيةٌ وطنيةٌ من الدرجة الأولى، وحتى إن صحّت التهمة فهي لا تعيب حزب التجمع ولا المجتمع الفلسطيني. إن التواصل مع الأسرى هو حق غير مشروط، لأن الأسرى هم من ضحى بأغلى أيام حياتهم من أجل أن نحيا ونبقى.
إن التواصل مع الأسرى ودعم قضاياهم وعوائلهم كانت دومًا في سلم أولويات الحركة الوطنية، وزيارات النواب العرب، وخاصةً نواب التجمع ومنهم النائب غطاس، تندرج تحت المهام الوطنية والإنسانية ذات الأولوية الكبرى. فإن مثل هذه الزيارات وتكريس فكرة التضحية التي سار عليها الأسرى ذاتهم حتمًا تقلق مضاجع المؤسسة الاحتلالية، لكننا نؤكد أن محاولة شطب الأسرى من الذاكرة ومحوهم من الوعي لم تنجح ولن تنجح.
اقرأ/ي أيضًا:
ليبرمان: سنسحب جنسيات "خونة" القائمة المشتركة