الترا فلسطين | فريق التحرير
بثّ التلفزيون العربي، وثائقيًا يتناول الصراع الصامت بين حركة حماس، والنظام السعوديّ الذي شنّ مؤخرًا حملة اعتقالات منظمة وواسعة لعناصر في الحركة، وكفلائهم من السعوديين، لأسباب غير معروفة، ومحاولات الحركة الحثيثة للوصول إلى حلّ "دون ضجيج" وبعيدًا عن الإعلام، يضمن الإفراج عن كوادرها المعتقلين، لكن كل تلك المساعي كانت تفشل.
بدأ الوثائقيّ من مرحلة تولي الملك سلمان زمان الحكم في السعودية خلفًا للملك السعودي السادس عبد الله بن عبد العزيز الذي توفي 23 كانون ثاني/ يناير 2015، باعتبارها مرحلة حاسمة شهدت تغيّرًا في تعامل النظام السعودي مع حركة حماس، بدت ملامحها أشدّ وضوحًا مع تولي محمد بن سلمان ولاية العهد بدلًا عن محمد بن نايف.
وظهرت قيادة حركة حماس في الدقائق الأولى من الوثائقي وعلى رأسها رئيس مكتبها السياسي آنذاك، خالد مشعل، في مشاهد جمعتها بالملك عبد الله بن العزيز، وأثناء المشاركة في التعزية بوفاة الأمير نايف. تحدّث مشعل بالثناء على الأمير نايف والملك سلمان، وأشار إلى لقاءات سابقة جمعته بهما، ما يحيل إلى طرف علاقة سابقة كانت بين النظام السعودي وحركة حماس، قبل أن تتقطّع الخطوط لاحقًا.
اقرأ/ي أيضًا: فيديو | قواعد السلام الإسرائيلي مع السعودية
ورغم أن العلاقات بين حماس والنظام السعودي شهدت توترات كثيرة في السنوات الأخيرة قبل تسلم الملك سلمان، بسبب انهيار اتفاق مكة للمصالحة الفلسطينية، وتحميل السعودية مسؤولية فشل الاتفاق لحركة حماس دون غيرها. أرادت السعودية "معاقبة" حماس بمقاطعتها، ما أدخل العلاقة بينهما في "أزمة". إلّا أنّ حماس ظلّت تنتظر اللحظة المناسبة لمحاولة ترميم العلاقة بلقاء الملك سلمان وهو ما حدث في منتصف تموز/ يوليو 2015، بعد صلاة عيد الفطر، بحضور وليّ العهد في حينه محمد بن نايف، ووليّ وولي العهد محمد بن سلمان، لكنّ اللقاء لم يحمل أي بعد سياسيّ كما قال وزير الخارجية السعودي في حينه عادل الجبير، من حيث أنه لم يكن للحركة أي زيارة رسمية للسعودية، وإنما "مجموعة من حماس، قامت بزيارة مكة المكرمة لآداء العمرة" وخلال تواجدهم في مكة تقدّموا بالتهنئة للملك السعودي بحلول العيد، والتصريحات التي خرجت بهذا الشأن لم تكن دقيقة، وكان هناك مبالغة" كمال قال الجبير، مضيفًا أنّ "موقف المملكة بالنسبة لحماس لم يتغيّر".
على هامش اللقاء في حينه، التقى وفد حماس مدير الاستخبارات السعودي الفريق خالد بن علي الحميدان، ومن بين ما طُرح في اللقاء تحريك ملف معتقلي حماس في السعودية والذين اعتقلوا على خلفية جمع أموال للحركة خلال الحرب على غزة، والمطالبة بالإفراج عنهم، وهو ما حدث بالفعل ضمن بوادر "حسن النية"، حيث أمر العاهل السعودي بالإفراج عنهم فورًا، الأمر الذي رأته حماس "انفراجًا إيجابيًا في العلاقة".
منذ تسلّم الملك سلمان زمام الحكم، بدأ عهد جديد تغيّرت فيه أشياء كثيرة، منها العلاقة مع حركة حماس
ولأوّل مرّة في تاريخها، خرجت حركة حماس في 9 أيلول/ سبتمبر، وقبيل ساعات من بثّ الوثائقي عبر التلفزيون العربيّ، ببيان صحفيّ تحدّثت فيه عن الاعتقالات التي ينفّذها جهاز مباحث أمن الدولة السعودي بحق كوادرها، ضمن حملة طالت العديد من أبناء الشعب الفلسطيني المقيمين في السعودية، ومنهم محمد صالح الخضري الذي كان مسؤولًا عن إدارة علاقتها مع السعودية على مدى عقدين من الزمان.
وقالت حماس في بيانها إنها "التزمت الصمت" على مدى أكثر من خمسة أشهر، لإفساح المجال أمام الاتصالات الدبلوماسية، ومساعي الوسطاء، دون أن يسفر ذلك عن أيّ نتائج، لذلك وجدت نفسها "مضطرّة للإعلان عن ذلك"، ومطالبة السلطات السعودية بإطلاق سراح الخضري ونجله والمعتقلين الفلسطينيين كافة.
ويشير الوثائقي إلى أن الآغا جُمّدت أرصدته المالية بقرار أمريكي قبل شهرين من اعتقاله في السجون السعودية، ولا يُعلم أي شيء عن عنه.
اقرأ/ي أيضًا: آيزنكوت: نتعاون مع السعودية وخطابنا يتشابه
تناول الوثائقيّ "حماس في بلاد الحرمين" تاريخ نشأة الحركة في السعودية وتحديدًا في مدينة جدة الساحلية منذ سبيعينيّات القرن الماضي، باعتبار أن وجود حماس في تلك البلاد بدأ من هناك، ومن هناك أيضًا بدأت حملة اعتقالات لتصفية وجود الحركة، طالت 63 شخصًا على الأقل، بينهم أسماء وشخصيّات معروفة.
مدينة جدّة كانت المحطّة الأهم في تأسيس حركة حماس
أظهر الوثائقي صورًا ومشاهد لمسؤولين وأمراء سعوديين في عزاء الفلسطيني الذي يحمل الجنسية السعودية، رجل الأعمال خيري حافظ الآغا الذي كان أحد القادة التاريخيين لحماس ومن الذين عملوا في مدينة جدّة لوضع اللبنات الأولى لوجود الحركة في السعودية، ووصفه اسماعيل هنية بأنه "أحد أعلام الشعب الفلسطيني" وأنه "من الذين عملوا ورحلوا بصمت"، وقال عنه القيادي في الحركة أحمد يوسف بأنه "رجل المهمّات السرية" والصندوق الأسود لحماس ومالك أسرار تنظيمها هناك، لذلك لم يكن يظهر على الإعلام.
وتطرّق الفيلم إلى أن العمل الفلسطيني انطلاقًا من السعودية ودول الخليج العربي كان أحد أهم دعائم الصمود الفلسطينيّ، حيث وفّر دعمًا ماليًا سخيًا وعلاقات سياسة واثقة، وحاضنة شعبية سعودية ضخمة.
تحدّث الوثائقي بإسهاب عن زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السعودية في أيار/ مايو 2017، ولقائه دولًا عربية وإسلامية فيما بدا أن الإدارة الأمريكية تعيد ترتيب أوراق شرق أوسط جديد، خصوصًا بعد اصطحاب ترامب لمستشاره وصهره جاريد كوشنر الذي أخذ على عاتقه إنهاء "عزلة إسرائيل" مع العرب ودول الخليج تحديدًا.
اقرأ/ي أيضًا: ابن سلمان: على الفلسطينيين قبول "السلام" أو الصمت
يومها اجتمع كوشنر مع بن سلمان وهو ما عُدّ تحضيرًا لمرحلة جديدة؛ تحالف الرجلان على شرق أوسط تظلّ فيه "إسرائيل" حليفًا استراتيجيًا وشريكًا صامتًا، ثم وعد بن سلمان الذي أصبح على مرمى حجر من العرش، بدفع الفلسطينيين لمواكبة البرنامج الجديد من خلال تغيير نظرتهم للواقع، وبدأت الأمور تنقلب رأسًا على عقب.
بعد ذلك، خرج وزير الخارجيّة السعودي في حينه، عادل الجبير، واصفًا حماس بـ "المنظمة الإرهابية" وهو ما عُدّ سابقة خطيرة في العلاقة مع حماس، ثم أكدّ السفير السعودي بالجزائر هذا التصنيف، وتبع ذلك إصدار صحيفة "مكة" المقرّبة من النظام السعودي قائمة بمن وصفتهم "40 إرهابيًا" من ضمنهم قيادات تاريخية بارزة في حماس، سبق وتعاملت معهم السعودية.
بدأ النظام حملة اعتقالات شعواء طالت سعوديين وحملة جنسيات أخرى، منهم رجال دين يحملون أفكارًا مغايرة لما يريد بن سلمان تسويقه، وغالبيتهم من مناصري القضية الفلسطينية وحركة حماس. ومع مطلع العام الجاري بدأت السعودية حملة أمنية لاعتقال المقيمين على أراضيها بهدف إنهاء العمل الفلسطيني على أراضيها، منهم فلسطينيون وأردنيون وسعوديون.
تجاوز عدد المعتقلين الفلسطينيين والأردنيين في السعودية 60 شخصًا
يقول أمين عامّ منظمة "سكاي لاين" الحقوقيّة، معاذ حامد، إن حملة الاعتقالات كبيرة جدًا، وجزء كبير ممّن تم اعتقالهم على خلفية جمع أموال لصالح القضية الفلسطينية، وجزء منهم بسبب دورهم الناشط على منصّات التواصل الاجتماعي ولتعبيرهم عن رأيهم.
ويشير حامد إلى أن عدد المعتقلين يتراوح بين 60 - إلى 90 شخصًا، وغالبيّتهم أعمارهم تزيد عن 50 عامًا، بينهم 20 معتقلًا أعمارهم تزيد عن 80 عامًا، وعدد منهم لا تعرف عائلاتهم أي معلومات عنهم، ولم يتم عرضهم على أي محاكمات، ولم يستطع محاموهم زيارتهم أو معرفة خلفيّات اعتقالهم.
ومن بين المعتقلين الطبيب محمد الخضري (أبو هاني) أحد أبرز قيادات حماس التاريخية في السعودية، وهو من طالبت الحركة في بيانها الثلاثاء بالإفراج عنه، سيما وأنّ عمره تجاوز 85 عامًا، ويعاني من مرض السرطان، رغم العلاقة الوثيقة التي كانت تربطه بأركان النظام السعودي.
وتبع تلك الاعتقالات إغلاق شركات خاصّة لأفراد وتجميد حساباتهم، ومنعم من السفر، بحجّة دعم حماس وتمويلها، وكذلك منع الحوالات المالية لغزة وفلسطين، وبين المعتقلين سعوديون كان فلسطينيون على كفالتهم أو يعملون في مؤسساتهم، أو سعوديون تعاطفوا مع غزة وحماس أثناء العدوان الإسرائيلي، وغرّدوا نصرة للقدس عبر تويتر.
الوضع صار مرعبًا، وأزمة على نار هادئة
ويتحدّث في الفيلم الوثائقيّ أحد كوادر حركة حماس الذين غادرو السعودية تهريبًا عبر اليمن، عن أنّ الوضع في المملكة صار مرعبًا، ولم يبق أحد من قيادات الصفّ الأول إلّا وتم اعتقاله، فيما هاجرت قيادات الصف الثاني إلى دول أخرى، ومن خرج لا يرغب بالعودة.
ويشير إلى أنه ومع بدء حملة الاعتقالات، حاول خالد مشعل التواصل مع مسؤولين سعوديين وقيادات أمنيّة، فكان الردّ يأتيه: أنا تقاعدت، ولا أعلم ما يحدث.
المحلل السياسي عدنان أبو عامر من غزة، يرى أنّ الأزمة بين حماس والسعودية جديّة وتتصاعد، رغم أن الأولى حريصة على الابتعاد عن السجال الإعلامي وعلى عدم تصدير الأزمة إلى الخارج، والاكتفاء بالوساطات. ويقول إن هذه الأزمة لا يمكن فصلها عن السياق الإقليمي الحاصل، سواء العلاقة المتنامية بين حماس وإيران، أو الدور السعودي المتصدّر لترويج "صفقة القرن"، مع وجود علاقات قوية بين حماس وقطر.
الوضع يزداد تعقيدًا، وقنوات التواصل مع النظام السعودي أصبحت مغلقة بالكامل
ويكشف "كادر حماس" الذي تم إخفاء هويته، أن من بين المعتقلات في السجون السعودية نساء، إحداهن فلسطينية تحمل الجنسية السعودية، وتم تعذيبها في سجن الحائر بالرياض، وفي إحدى زيارات أبنائها لها، شاهدوا أمّهم عبارة عن "هيكل عظمي بسبب التعذيب النفسي".
ويكشف الفيلم الوثائقي عن التزام الخارجيّة الأردنية الصمت المطبق على اعتقال السعودية لعدد من الأردنيين. وتقول إحدى قريبات المعتقلين الذين تم اعتقالهم من المطار أنها أبلغت وزارة الخارجية الأردنية بحادثة الاعتقال إلّا أن شيئًا لم يحدث.
صمت رسميّ أردني على اعتقال السعودية لحملة الجنسية الأردنية
ومن الأمثلة على اعتقال السعودية لحملة الجنسية الأردنية، الصحفي عبد الرحمن فرحانة، الذي انتقل للسعودية، وهو الآن في عداد المغيّبين قسرًا. يقول قريبه الصحفي الأردني حلمي الأسمر إن أهالي المعتقلين التزموا الصمت المطبق على أمل أن تنجح الوساطات بالوصول لحلّ ما، علّ "سحابة الصيف العابرة" تمضي، إلّا أنه وبعد مرور شهرين، وجّه رسالة مفتوحة لرئيس الوزراء الأردني عن اعتقال أردني في السعودية بلا تهمة وبلا أي اعتراف رسمي من الجهة المُعتقلة، إلّا أن ردًا أردنيًا رسميًا لم يحصل.
بن سلمان جاء إلى الحكم وأراد أن يطوي صيغة العلاقة مع حركة حماس نهائيًا، وفعل ما لم يفعله النظام السعودي تاريخيًا، يقول أبو عامر. فيما يقول أحد "كوادر حماس" إن عائلات تعيش في البلاد منذ أربعة عقود، وجدت نفسها مضطرة للمغادرة.
حدث ذلك ويحدث بعد أن وصل كوشنر إلى الرياض مرّة ثانية مطلع العام الجاري، والتقى وليّ العهد الطامح للحكم سريعًا، تباحثا في "جهود السلام"، في ظلّ أن الفلسطينيين جميعًا يعيشون "في أزمة"، فأراد أن يدمّر ما عدّها "أفكارًا متطرّفة" تقف حجر عثرة في تحقيق التحالف مع "إسرائيل" واعتبارها شريكًا فاعلًا، فامتلأت السجون بكل من يؤيّد القضية الفلسطينية، وبكل من يعمل لنصرتها انطلاقًا من السعودية.
اقرأ/ي أيضًا:
السعودية وإسرائيل: البداية بندر وداغان!