30-أكتوبر-2024
الإنترنت وحرب غزة.jpg

(Getty)

تسابق المصممة والرسامة الرقمية آلاء الجعبري (29 عامًا) الزمن داخل حاضنة شبابية لإنجاز أعمالها، باستخدام حاسوبها، لإرسالها للمنصة التقنية التي تعمل بها، فرحلة العودة إلى مكان نزوحها تستغرق الكثير من الوقت، ويغيب عنها الإنترنت.

الجعبري التي خسرت كثيرًا من فرص العمل الخارجية منذ بداية الحرب، تقول لـ"الترا فلسطين"، إنها "تقاوم ظروفًا استثنائية في التقاط إشارة الإنترنت، التي لم تكن بالسرعة المطلوبة لإنجاز رسوماتها، فضعف الخدمة أثر سلبًا على عملها وتحميل ما هو مطلوب منها".

وتضيف الجعبري، "خلال عام من رحلة نزوحي من شمال قطاع غزة وحتى بلدة الزوايدة، مرورًا بمدينة رفح، لم أستطع التواصل مع أيٍّ من الجهات التي عملت معها مسبقًا خاصة من خارج القطاع، ومكثت عدة أشهر بلا عمل".

75% من البنية التحتيّة للاتّصالات في قطاع غزّة قد تضرّرت، و50% على الأقلّ قد دمّرت بالكامل

ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، يواجه الغزيون صعوباتٍ جمّة في الحصول على خدمة الإنترنت، وبطئها وانقطاعها لفترات معينة؛ بفعل الدمار الواسع الذي لحق بالبنية التحتية لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.

ويحصل الغزيّون على خدمة الإنترنت عبر شركة الاتصالات الفلسطينية (بالتل)، التي تضررت شبكتها بشكل بليغ، ما انعكس على تقديم الخدمة للمستخدمين.

حلول اضطرارية

لكن ذلك لم يمنع الغزييّن في فترات سابقة، من اللجوء إلى طرق أخرى عبر الشرائح الإلكترونية (e-sim)، المُشَغّلة بخطوطٍ إسرائيلية أو مصرية، ومحاولة التقاط إشاراتها لتوفير الخدمة.

هذه الطريقة ورغم دورها، إلّا أنّها لم تكن حلًا عمليًا بشكل كافٍ، فهامش المخاطرة فيها كبير، فضلًا عن أسعارها الباهظة، بدءًا من امتلاك الشريحة وحتى توفير هاتف ذكي بمواصفات عالية التقنية.

وقال محمود اللوح (32 عامًا)، إنه سارع إلى شراء هذه الشريحة، "لكنها بحاجة؛ لأن تكون في أماكن قريبة من أبراج الإرسال، أو في مناطق مرتفعة، وعلى كل الأحوال فالخطر فيها مضاعف".

ويلفت محمود إلى أنه كان مضطرًا للوقوف ساعاتٍ طويلة على تلةٍ مُحاذية للشاطئ للوصول لإشارة الإنترنت كي يطمئن على والديه بعد سفرهم خارج القطاع إبان الحرب. ويذكر اللوح النازح من مدينة غزة إلى منطقة المواصي بخانيونس، أنّ هذه الخطوة وفّرت له الإنترنت ولو بشكل متذبذب، إبان الاجتياح البري لمدينة خانيونس، "لكنها لا يمكن أن تكون بديلًا عن خدمات الإنترنت التجاري والمنزلي".

عائلة أسامة سمور والصحفية روان الكتري، التي افترقت نتيجة الحرب
عائلة أسامة سمور والصحفية روان الكتري، التي افترقت نتيجة الحرب

ذات الحال مر به أسامة سمور (45 عامًا) من مدينة غزة، وأبناءه الثلاثة في الاطمئنان على زوجته الصحفية روان الكتري، الموجودة خارج القطاع، فانقطاع الإنترنت كان يعني لهم انقطاعهم عن رؤية والدتهم.

سمور الذي نزح إلى مدينة رفح في شباط/فبراير الماضي، ومنها إلى مواصي خانيونس، كان يصطحب أبناءه؛ عمر ولجين ولمى، مسافة تُقدر بـ3 كيلومترات لمقهى إنترنت بعيدًا عن مكان نزوحه؛ كي يلتقط إشارة الإنترنت أملًا في لقاء افتراضي مع زوجته.

يضيف سمور في حديثه لـ"الترا فلسطين"، أنه كان يضطر للصحو مبكرًا والذهاب لنقطة توزيع الخدمة، بغية استخدامها في أقل معدل للضغط على الشبكة، "لكن ما هي إلا ساعات معدودة، وسرعان ما يمتلئ المقهى، وتعود السرعة للبطء مجددًا".

شبكات عشوائية

ومع عودة خدمات الإنترنت وانتظام عملها بشكل نسبي، انتشرت بين خيام النازحين ومراكز الإيواء ومقاهي الإنترنت المقامة على طول الشريط الساحلي شبكات عشوائية تعمل عن طريق موزعين للخدمة، عبر بطاقات محددة بالمدة الزمنية وبسرعات مقننة.

وعلى مدار أكثر من شهرين سبقت انتشار تلك الشبكات، حاولت الجعبري أن تجد نقطةً توفر من خلالها اتصالًا بالإنترنت، إلّا أنها فشلت في إيجاد طريقة ملائمة توفر لها الخدمة المناسبة لإنجاز أعمالها.

تذكر الجعبري أن ظروف الاتصال بالشبكة اختلفت كليًا عمّا كانت عليه قبل الحرب، وتشير إلى أنها اضطرت لتقليص ساعات عملها، كونها لا تعمل من منزلها، إضافة للغلاء الذي طرأ على الخدمة من قبل الموزعين.

لكن الرسامة الفلسطينية تُقر بأن عودة خدمة الإنترنت لمكان نزوحها تدريجيًا ساهم في عودتها إلى العمل وتوفير دخل يساعدها على مواجهة ظروف النزوح وأوضاعه المعقدة.

المصممة والرسامة الرقمية آلاء الجعبري
المصممة والرسامة الرقمية آلاء الجعبري

تعليم عبر الإنترنت

ومنذ إعلان الجامعات والكليات الفلسطينية في قطاع غزة عودة الدراسة إلكترونيًا عبر التعليم عن بُعد، استطاعت الطالبة ريم عودة (23 عامًا) من الالتحاق بجامعتها وتسجيل الفصل الدراسي ومتابعة محاضراتها.

وتشير الطالبة عودة إلى أنها واجهت انقطاعًا عن الجامعة والمحاضرين منذ بداية الحرب، لكنها مع عودة خدمة الإنترنت استطاعت الالتحاق بالجامعة وإنجاز تكليفاتها في المساقات التي تدرسها.

وتقول أبو عودة: "كنت أخشى على مستقبلي الدراسي من الضياع، خاصة أن إطالة أمد الحرب شكّل هاجسًا لي ولكل زميلاتي، لا سيما وأنني لم أستطع الالتحاق إلكترونيًا بجامعات الضفة؛ لأن الخدمة لم تتوفر لدي حينها".

وتأمل عودة في استمرار خدمة الإنترنت بظروفٍ منتظمة، كي تستطيع إنهاء فصلها الدراسي وإتمام تخرجها الذي تنتظره مع عائلتها.

ويشكو المستخدمون للإنترنت في القطاع من غلاء أسعارها، إذ يُحدد كل مُوزعٍ السعر الذي يراه، لتصل في بعض الأحيان ساعة استخدامه ما بين 2-7 شيقل.

غزة خارج التغطية

أمّا الصحفيّ حسن اصليح، فيروي المعاناة الّتي رافقته منذ بداية الحرب، نتيجة قطع وغياب الإنترنت، في إرسال الموادّ ومقاطع الفيديو الّتي توثّق الحرب الإسرائيليّة على غزّة، والانتهاكات المتكرّرة فيها. وقال اصليح لـ "الترا فلسطين": "أنتج التقارير والموادّ بحجم كبير وبحاجة إلى إنترنت فائق السرعة، وهذا من الصعب توفّره طيلة الوقت في ظلّ العدوان المستمرّ".

وأضاف أنّه استطاع إرسال موادّه المصوّرة لقنوات التلفزة العربيّة والدوليّة، لكن ثمّة موادّ كان يتأخّر في إرسالها "بسبب ضعف الخدمة أو انقطاعها كلّيًّا".

وخلّص تقرير صادر عن المركز العربيّ لتطوير الإعلام الاجتماعيّ "حملة" عن أنّ 75% من البنية التحتيّة للاتّصالات في قطاع غزّة قد تضرّرت، وأنّ 50% على الأقلّ قد دمّرت بالكامل، وذلك بحسب تقييمات أوّليّة لشركة الاتّصالات الفلسطينيّة وشركة أوريدو.

وذكر التقرير الصادر في 29 تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري، أنّ هذا الضرر أدّى إلى انقطاعات متكرّرة في خدمات الاتّصالات والإنترنت تزامنًا مع موجات النزوح القسريّ، ممّا زاد من الضغط على مراكز الإيواء وشبكات الاتّصالات الفعّالة، وأعاق الحفاظ على التواصل مع العالم الخارجيّ.

كما لفت التقرير إلى أنّ المخاطر الّتي أعقبت انقطاع الاتّصالات والإنترنت كانت بليغة، حيث لم يعد بإمكان المواطنين من الاتّصال بخدمات الطوارئ أو الإنقاذ، أو التواصل مع أقاربهم، أو حتّى الوصول إلى مصادر المعلومات الموثوقة القليلة المتبقّية، لا سيّما بعد إغلاق محطّات البثّ واستهداف الصحافة المحلّيّة منذ بداية العدوان الإسرائيليّ على القطاع.

ويعرض التقرير في طيّاته تفاصيل دقيقة حول الأضرار الّتي لحقت بأبراج الاتّصالات والبنية التحتيّة للألياف البصريّة المسؤولة عن توفير خدمة الإنترنت، والّتي قدّرت بحوالي تسعين مليون دولار حتّى شهر آذار/مارس المنصرم، بما يشير إلى أنّ نسبة الأبراج والبنية التحتيّة الفعّالة حاليًّا لا تتجاوز 30%.

ويقترح التقرير سيناريوهين للتعامل مع الوضع الحاليّ: أوّلهما، يركّز على الاستجابة الفوريّة للاحتياجات العاجلة، وتوفير خدمات الإنترنت عالية السرعة لمراكز الإيواء والمستشفيات والمنظّمات الإغاثيّة من خلال حلول مؤقّتة على المدى القريب والمتوسّط، حتّى يبدأ في إعادة إعمار البنية التحتيّة القائمة تحت الأرض.

وبحسب المركز يتناول السيناريو الثاني، إعادة إعمار طويلة الأجل تعتمد على استثمارات كبيرة في تكنولوجيا الجيلين الرابع والخامس، بدعم من المجتمع الدوليّ والقطاع الخاصّ.

ومنذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية، تَعمَّد الاحتلال قطع الاتصالات وشبكة الإنترنت لأكثر من 13 مرة عن كامل أرجاء القطاع أو محافظات منه، كان آخرها في 19 تشرين الأول/أكتوبر 2024، خلال العدوان العسكري المستمر على شمال القطاع.

وتزداد أهمية الإنترنت في حياة الغزيين، كونه الوسيلة الوحيدة التي تشكل نافذتهم واتصالهم بالعالم الخارجي، لا سيما بعد الإغلاق التام لمعبر بيت حانون منذ بداية الحرب، واحتلال الجانب الفلسطيني من معبر رفح وإغلاقه في 7 أيار/مايو الماضي. 

وقد حذّرت منظمات حقوقية محلية ودولية، من إبقاء القطاع دون اتصال مع العالم الخارجي، معتبرةً أن قطع الاتصالات وخدمة الإنترنت عن القطاع يُخالف المعاهدات الدولية، وميثاق حقوق الإنسان على وجه التحديد، الذي يحظر قطع الاتصال بين الناس، بما فيها خدمة الإنترنت.

وفي التقرير الصادر عن مفوضيّة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، في 23 حزيران/يونيو 2022، حذرت من آثار حجب الإنترنت المأساوية على أرض الواقع، بما يمسّ حياة الناس وحقوق الإنسان، داعيةً الدول الأعضاء إلى عدم حجب الإنترنت.

وقد أقرّت الأمم المتحدة في 2016 الحق في الوصول إلى الإنترنت كحقِ من حقوق الإنسان، وليس شكلًا من أشكال الرفاهية الثانوية. 

وفي العام ذاته، أصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرارًا أدان فيه التدابير الرامية إلى المنع المتعمد أو عرقلة نشر المعلومات والوصول إليها على شبكات الإنترنت، معتبرًا ذلك انتهاكًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان.

وإلى جانب صرخات الفلسطينيين ومطالباتهم بحقهم في الحياة بكرامة وإنسانية، تظل المطالبات بحقوقهم الاتصالية همسة في أذن المجتمع الدولي الصماء، التي تُفضي بمزيد من الانتهاكات الإسرائيلية.

وحاول "الترا فلسطين"، الحصول على تعقيب من مجموعة الاتصالات الفلسطينية في غزة، حول عملها خلال الحرب وإصلاح خطوط الإنترنت والاتصالات، ولكنه لم يحصل على أي تعقيب.