09-أكتوبر-2024
الطبيب عصام أبو عجوة

الطبيب عصام أبو عجوة يروي تفاصيل ما جرى معه في سديه تيمان

يستعرضُ الترا فلسطين في سلسلة المواد الحاليّة، تجربة الاعتقال في معسكر "سديه تيمان"، عبر شهادة أسير غزي، اعتقل من القطاع خلال العدوان المتواصل، وعاش فترة في معسكر الاعتقال "سديه تيمان"، الذي تحوّل إلى اسم بارز، نتيجة الفظائع المرتكبة فيه والموثقة في عشرات الشهادات من قبل الأسرى.

اعتقله جيش الاحتلال من غرفة العمليّات في المستشفى المعمداني، رشّ المحقق مبيدات حشرية على وجهه وفي فمه، بقي 14 يومًا دون ماء ولا طعام، ماذا تتوقعون أول عمل قام به الطبيب عصام أبو عجوة، بعد إطلاق سراحه؟

وفي هذه المادة، نحاول عرض صوت الأسير، عبر رواية التجربة الاعتقالية، وهي تجربة خاصة، تكشف عن تفاصيل محددة، دون تفاصيل أخرى عايشها الأسرى أيضًا طوال أشهر، من نقل أسرى غزة إلى "المحطة الأولى"، في رحلة عذاب طويلة.


الطبيب عصام أبو عجوة (63 عامًا) أخصّائيّ واستشاريّ جراحة متقاعد، يحمل الجنسيّة السويديّة، متزوّج ولديه 4 أبناء. توجّه في بداية الحرب على غزة، للتطوّع في المستشفى الأهليّ العربيّ (المعمدانيّ) في مدينة غزّة، واعتقل من داخل غرفة العمليّات في داخل المستشفى بتاريخ 17 كانون الأوّل/ديسمبر الماضي.

يقول في شهادته: أخذوني على مكان غير معروف فيه حفرة كبيرة، وحُقّق معي بشكل أوّليّ، ومكثت في المكان نفسه 17 ساعة، ومن ثمّ نقلت إلى معسكر "سديه تيمان" التابع للجيش الإسرائيليّ، وليس لإدارة مصلحة السجون.

هذا المعسكر عبارة عن "بركسات" وهو من أصعب السجون، وكانت تمارس علينا فيه أسوأ أنواع التعذيب إلى درجة أنّني لا أستطيع وصفه، رغم اعتقالي فيه لمدّة 137 يومًا.

كنّا طوال الوقت معصوبي الأعين ومقيّدي الأيدي والأرجل وجالسين على الأرض، وفي أوقات ننقل إلى التحقيق، وهو عبارة عن غرفة كبيرة، أرضيّتها مكوّنة من الحجارة الصخريّة. وزنزانة التحقيق في "سديه تيمان" عبارة عن غرفة مساحتها 3 في 2 متر، وفيها مكتب المحقّق وحمّام في الزاوية وكرسيّ صغير يصلح للأطفال ويستخدم للشبح، وكلبشات [أصفاد] معلّقة بالسقف للشبح.

اعتقلوني في الشتاء، وكانوا يرشّون المياه علينا، ومن ثمّ يُشعلون المراوح أو المكيّف البارد، وخلال التحقيق نشبح بطرق عدّة، وعلى مزاج المحقّق

الشبح، تكون فيه مقيّد الأطراف ومعلّقًا على أطراف أصابع قدميك ومعصوب العينين، وحتّى اليوم ما زلت لا أشعر بيديّ بشكل كامل، علمًا أنّني بدأت التحسّن، وأحتاج إلى فترة.

التحقيق كلّه معي كان عن الأسرى الإسرائيليّين، أين هم؟ من عالجت من بينهم؟ وكنت أردّ بأنّ هذا مستشفى خاصّ تابع للكنيسة، وليس لوزارة الصحّة، وأنا متطوِّع فيه.

خلال الاعتقال، كنّا نجوع، وخلال التحقيق في "سدّيه تيمان"، بقيت 14 يومًا دون ماء ولا طعام، ولا أعرف الليل من النهار.

خلال الاعتقال، أحد المحقّقين قال لي "لن تستطيع العودة إلى العمل في الجراحة"، وقد عمل على ذلك بشكل ممنهج، وبالفعل فقدت الإحساس بيدي، ولكن أنا تحدّيته ووعدته بأنّني لو فقدت كل شيء سوف أخرج من هنا؛ لأنّني لست مذنبًا، وأنا جرّاح واعتقلت من غرفة العمليّات.

ردّ عليّ المحقّق يومها بأنّني مقاتل "غير شرعيّ"، وبأنّني لم أخضع لتعليمات الجيش بالخروج من غزّة، لكونها منطقة عسكريّة، فقلت له كيف أخرج ولديّ جرحى ومرضى وإصابات، وكان النقاش عقيمًا حينها.

بعض المحقّقين استعمل المكنسة الّتي يمسحون فيها الحمّامات على وجهي، قائلًا أريد أنّ أفرشي أسنانك بها، وقد كسر أسناني الأماميّة فيها، وسقطتُ على الأرض.

خلال التحقيق، مارسوا ضدي أسلوب تعذيب نفسي، وأحد المحققين هدّدني بإرسال طائرة لقصف أولادي

وهناك أسلوب نفسيّ مورس عليّ، إذ هدّد محقّق بإرسال طائرة لقصف أولادي، وبأنّه يعرف أين هم وماذا يفعلون الآن، وكان يتحدّث المحقّق مع ضابط آخر يبلغه عبر الهاتف بأنّ ابني فادي في المكان الفلانيّ، ويطلب منه الذهاب إلى قصفه، وهذا أسلوب نفسيّ واستفزازيّ، وكنت أردّ عليها بأنّني طبيب جراحة، ولا يوجد لديّ أيّ انتماء سياسيّ.

أحد المحقّقين أحضر مبيدات حشريّة ورش على وجهي، وفي داخل فمي، كما وصلت الأمر إلى البصق داخل فمي.

نقلت بعدها إلى سجن النقب، وأمضيت فيه أكثر من 70 يومًا، بالتالي مجموع أيّام اعتقالي 213 يومًا.

في سجن النقب تختلف الأمور تمامًا، لكنّ الفرق بأن تكون في خيم بدون قيود وعصبة على العين، ولكن من الممنوع علينا الخروج من الخيمة، كما يوجد حمّام واحد يخدم 150 أسيرًا، ولم يكن هناك أيّ مراعاة للأسرى المرضى.

في سجن النقب، كانت سلطات السجون تأخذ منّا الفرشة والغطاء، الساعة 5 صباحًا، ونبقى دون غطاء في ظلّ فصل الشتاء طوال اليوم، وفقط ترتدي بيجامة واحدة بدون ملابس داخليّة، والأغلب كانوا دون حذاء، وكان البرد قارسًا.

في أيّام المطر، كانوا يرمون الفراش في الخارج، وتتعرّض للبلّل من المطر، ومن ثمّ يعيدونها إلينا

هناك الكثير من الأسرى أصيبوا بالجرب داخل السجن، فلا يوجد نظافة، والحمّام مسموح فقط لمدّة دقيقة واحدة، ودقيقة أخرى للغيار، ولا يوجد موادّ تنظيف، مع مياه باردة جدًّا، وكان الكثير من الأسرى يتجنّب الاستحمام من برد المياه.

ولا يوجد كهرباء، والسجن معتم بدون إنارة، والمياه فقط تفتح للشرب ساعة واحدة في اليوم، تحديدًا من الساعة 4-5 مساء.

ومع ذلك، كنّا نهرّب زجاجات مياه للخيم نأخذها من الحرّاس، ولكن في كلّ يوم يفتّش بوحدة مدرّعة وبالكلاب بشكل كامل للخيمة، وتصادر منّا ضمن التفتيش.

خلال الاعتقال في النقب، تشاجرت مع أحد السجّانين يدعى "أشرف"، بسبب وجود أسير لدينا كان قد أجرى عمليّة، ولديه انسداد في الأمعاء، وكان معرّضًا للموت.

أنا كطبيب أخذته إلى السجّان، وقلت له إنّه سيموت، فقال لي أعده إلى الزنزانة، ولكن رفضت ذلك، فهدّدني السجّان بالأخذ للعزل الانفراديّ، ورددت عليه بأنّه لا توجد مشكلة لأنّي اعتدت ذلك، المهمّ أن ينقل الأسير للعلاج، فردّ عليّ بأنّه سيحضر ممرّضًا، ورفضت ذلك، مؤكّدًا أنّه يحتاج إلى طبيب جرّاح للتدخّل بشكل فوريّ.

رفضوا معالجة أسير كان معرّضًا للموت، بعد أن أجرى عمليّة طبية، وحصل عنده انسداد في الأمعاء

بعد جدال طويل معي، ردّ عليّ بعناد بأنّه لن يحضر أيّ طبيب ولا ممرض للأسير، وسوف يعاقبني بالنقل إلى الزنازين، وأنا كنت معتادًا على العزل الانفراديّ.

عاد السجّان أشرف بعد نصف ساعة، وقام بالنداء عليّ بالاسم، وقلت له "بدّك يا أشرف تأخذني على الزنازين؟". وضعوا عصبة على عينيّ وربطت، ووضعوني في سيّارة، دون أن أعرف إلى أين سيتم نقلي، فوجدت نفسي في نفحة مع عدّة أسرى، بعدها نقلنا إلى "بركسات".

وفي الساعة 4 فجرًا أخذونا في حافلات، وكنت أظنّ بأنّنا ننقل إلى سجون أخرى، ولكن وصلنا إلى حدود غزّة عند الساعة الخامسة والنصف، وكان هناك موقع عسكريّ يدعى خطّ 86 مع دير البلح.

عندها، فكّوا القيود، وكنّا نظنّ بأنّنا في منطقة سوف نعدم فيها، فلم يبلغونا بشيء، ولكن بعدها قالوا لنا اذهبوا بشكل مستقيم إلى البركس المقابل، وحين وصلنا المنطقة وجدنا راعي أغنام فلسطينيًّا، وسألناه أين نحن، وعلمنا بأنّنا في دير البلح.

خضعت لعلاج وفحوصات كاملة، ولكن منذ اليوم الأوّل، وبعد عدّة ساعات من الإفراج عنّي، وفي اليوم نفسه عدت إلى غرفة العمليّات في مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح، وأجريت عمليّة جراحيّة؛ لأنّني أقسمت أمام المحقّق بأنّني لن أنكسر وسوف أعود إلى الجراحة.