26-يناير-2020

ثلاثة شهور كاملة انقضت على قرار محكمة الصلح في رام الله تحويل المادة 39 من قانون الجرائم الإلكترونية إلى المحكمة الدستورية للنظر في دستوريتها. هذه المادة التي استندت لها محكمة الصلح في قرارها حجب 59 موقعًا إلكترونيًا وصفحات على موقع "فيسبوك"، بينها وسائل إعلام أحدها موقع الترا فلسطين.

3 شهور مرت دون أن تصدر المحكمة الدستورية موقفها بشأن الحجب دون مبررات قانونية

كان الترا فلسطين قد توجه إلى محكمة الصلح عبر الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان ونقابة الصحافيين طالبًا إلغاء قرارها بالحجب في اليوم التالي لصدوره. عند تحويل المادة إلى المحكمة الدستورية، توقع محاميا الهيئة المستقلة أ. أحمد نصرة والنقابة أ. علاء فريجات أن لا تنتظر المحكمة أكثر من أسبوعين للاجتماع واتخاذ قرارها.

اقرأ/ي أيضًا: الدستورية وسيناريوهات فك سحر الحجب الإلكتروني

ثلاثة شهور مرّت، والمحكمة لا تحرك ساكنًا، كأنها لا تعلم أنها هي المعنية بالنظر في المادة. ولم نعلم أن نقابة الصحافيين أو المؤسسات الحقوقية من المجتمع المدني قد تحرّكت للضغط على المحكمة (بشكل مباشر أو غير مباشر) ليس لاتخاذ القرار الذي يجب أن يكون، بل على الأقل للاجتماع والنظر في الملف. بل إن هذه الجهات كلها لم تنزل إلى الشارع في أي احتجاجات للتأكيد أن الموضوع سيبقى حيًا حتى حسمه، كأن ردها الصاخب فور تسريب قرار محكمة الصلح كان رفع عتب، لا أكثر. 

خلال هذه الشهور الثلاثة، حجبت السلطة جزءًا من الرواية الإعلامية الفلسطينية في كثيرٍ من المواضيع الساخنة المتعلقة بالصراع مع الاحتلال. فعلت ذلك في وقتٍ تجتهد فيه مواقع التواصل وأبرزها فيسبوك ثم تويتر بل وساوند كلاود مؤخرًا أيضًا في التضييق على الإعلام الفلسطيني، وهي (مواقع التواصل) تفعل ذلك بالتنسيق مع حكومة الاحتلال، وفق ما كشفت عنه وسائل إعلام عبرية.

حجبت السلطة جزءًا من الرواية الإعلامية الفلسطينية في كثيرٍ من المواضيع الساخنة المتعلقة بالصراع مع الاحتلال

حجبت السلطة، الإعلام وهي تُقبل على مرحلة تحتاجه فيها مع اشتداد المواجهة مع الاحتلال والإدارة الأمريكية، على الأقل المواجهة التي تتحدث عنها السلطة ذاتها. هذه المواضيع نذكر بعضها هنا وليس كلها:

- العدوان على قطاع غزة في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2019 وارتقاء 34 شهيدًا بينهم ثمانية أطفال وثلاث سيدات.

- الاحتلال يُقرر حظر تلفزيون فلسطين في مدينة القدس.

- الحملة الإسرائيلية على قيادات ونشطاء في الجبهة الشعبية، واقتحام مدينتي رام الله والبيرة ومناطق أ.

-  الكشف عن جرائم تعذيب مروعة في سجون الاحتلال بحق أسرى بينهم نساء وأطفال.

- "إسرائيل" تبدأ التمهيد لضم الأغوار وفرض السيادة الكاملة عليها وعلى المستوطنات المقامة في الضفة.

- استشهاد الأسير سامي أبو دياك في سجون الاحتلال.

- المحكمة الجنائية الدولية تُقر بوجود أساس قانوني للتحقيق في انتهاكات إسرائيلية لحقوق الإنسان.

- تطوراتٌ جديدةٌ في موضوع "صفقة القرن" ونية الإدارة الأمريكية إعلان تفاصيل خطة التسوية السلمية التي يُجمع الكل الفلسطيني على رفضها.

بعد تسريب القرار والذهاب إلى القضاء لإلغائه، اجتمع حقوقيون مع أمين سر منظمة التحرير صائب عريقات بعد الكشف عن القرار، فقال إن "ما حدث خطأ ويمكن إصلاحه". لكن لم تفعل المنظمة ولا الرئاسة شيئًا من أجل الإصلاح، كما لم تحرك الأحزاب ساكنًا حيال هذه القضية. تعامل الجميع مع الضجة التي فجرها القرار بسياسة التجاهل كما في حالاتٍ كثيرة سابقًا، توافقت الأحزاب مع السلطة والقضاء على السياسة ذاتها، وبالفعل مرَّت عاصفة الانتقادات والاحتجاجات، وبقي قرار الحجب قائمًا.

توافق الجميع على قمع الإعلام في الوقت الذي توافقوا فيه على إجراء الانتخابات. أرادوا "ترتيب البيت الداخلي" كما يقولون من خلال "عملية ديمقراطية" تتمثل في الانتخابات، في الوقت الذي توافقوا فيه على انتهاك أحد أهم أسس الديمقراطية من خلال قمع حرية الإعلام والتعبير.

أثبتت هذه الأزمة أنَّ لا أحد في فلسطين يُريد إعلامًا حرًا، وأن لا أحد مستعدٌ أن يدفع ثمنًا أو يخوض صراعًا مع السلطة من أجل حماية حرية التعبير والصحافة. هنا، في هذا البلد نناضل من أجل التحرر من الاحتلال، بينما لا نستطيع منع تمزيق حرياتنا من الداخل. في الواقع، نحن نكذب على أنفسنا. نستبدل الاحتلال بالقمع والديكتاتورية، والأسوأ أن لا بوادر لنهاية الاحتلال، بينما كل المؤشرات تؤكد أننا نغرق في القمع أكثر.


اقرأ/ي أيضًا: 

حجب الصحافة.. السلطة تراهن على النسيان

كم يخجلني حجبكم للمواقع الصحافية؟

شاشة بشعة في رام الله