الترا فلسطين | فريق التحرير
على مدار السنوات الـعشرين الماضية، واصل اليهود المتدينون في القدس عادة البصق على رجال الدين المسيحيين في البلدة القديمة وتوجيه الشتائم لهم. كان ذلك دائمًا يحدث في ظل تجاهل تام من سلطات الاحتلال، بحسب ما يؤكده رجال دين ووسائل إعلام إسرائيلية، غير أن هذا السلوك تطور مؤخرًا ليُصبح عادة دائمة يقوم بها حتى الجنود النظاميون، وتمنع سلطات الاحتلال الحديث حوله.
رجال الدين المسيحيين في القدس وصلوا إلى نتيجة بأن شرطة الاحتلال لا تفعل ما يكفي للقضاء على هذه الظاهرة، وهو ما يؤكده بحث أجراه موقع "واللا" بهذا الخصوص
موقع "واللا" العبري، في صيف عام 2016، نشر تقريرًا أورد فيه نقلاً عن الأب نوريل، مدير المدرسة الخاصة في الحي الأرمني، أنهم يتعرضون لهذه الاعتداءات يوميًا بمجرد خروجهم من حدود الدير وأثناء تجوالهم في القدس، خاصة في البلدة القديمة، حيث طلبة المدارس الدينية اليهودية أو اليهود المتدينون بمجرد رؤيتهم شخصًا يرتدي ملابس الرهبنة، يسارعون إلى البصق عليه وعلى الأرض.
وأضاف الأب نوريل: "مرات كثيرة توجهنا إلى الشرطة، أحيانًا يعتقلونهم وأحيانًا الشرطة لا تهتم، وغالبًا الشرطة تقول إنها لم تراهم"، منوهًا أن العقوبة على البصقة في الغالب هي المنع من دخول البلدة القديمة في القدس لمدة شهر.
أحد الشهود الذين تحدث لهم موقع "واللا" كان آرثر سوبريان، وقد أكد أن يهوديًا بصق على ستة أو سبعة أشخاص مسيحيين، أحدهم كاهن مسن، ولم يكتف بالبصق على الثياب، بل أيضًا على الوجوه، وعلى يمين الكهنة ويسارهم.
ونتيجة لهذه الاعتداءات وأداء شرطة الاحتلال تجاهها، فإن رجال الدين المسيحيين في القدس وصلوا إلى نتيجة بأن شرطة الاحتلال لا تفعل ما يكفي للقضاء على هذه الظاهرة، وهو ما يؤكده بحث أجراه موقع "واللا"، توصل فيه إلى أن الغالبية العظمى من الاعتقالات التي تنفذها الشرطة بهذا الخصوص، تنتهي بأوامر منع من دخول البلدة القديمة دون تقديم لوائح اتهام، وحتى عندما يصل الملف إلى المحكمة ينتهي بدون إدانة أو يتم إلغاء لائحة الاتهام.
أحد من تحدث إليهم موقع "واللا" في تقريره، كان مستوطنًا شابًا تخرج من مدرسة دينية يهودية، ويعيش في حارة الشرف (هجر الاحتلال أهلها وأسكن المستوطنين مكانهم وأسماها الحي اليهودي) في البلدة القديمة. قال "الطالب" اليهودي عن الظاهرة: "إنهم (الكهنة) معادون حقيقيون للسامية، يجب أن يُطردوا من إسرائيل، فهم يدنسون الأرض المقدسة، وليس لديهم ما يفعلونه هنا. يسوع هو اختراع مثير للاشمئزاز، ولهذا لا عجب أنهم بصقوا عليهم أو بالقرب منهم، لإزالة النجاسة".
من جانبها، الإذاعة العامة الإسرائيلية، اختارت قبل أيام عنوان "لماذا يبصق اليهود على المسيحيين؟" لبرنامجها "ثقافة" الأسبوعي، واستضافت الباحثة الإسرائيلية يساكا هاراني، وهي من منظمي مؤتمر "لماذا يبصق اليهود على غير اليهود" الذي ألغته ضغوط من بلدية الاحتلال في القدس. وفي حديثها للإذاعة، أوضحت يساكا هاراني، أن تقليد بصق اليهود على المسيحيين يعود في جذوره إلى القرون الوسطى، وكان مبرره آنذاك الانتقام من "الاضطهاد الذي مارسه المسيحيون -خاصة رجال الكنيسة- ضد اليهود في أوروبا، وهو سلوك يرتكبه الأطفال والشبان والرجال والنساء من "الحريديم" وكذلك من التيار الديني القومي الاستيطاني.
تقليد بصق اليهود على المسيحيين يعود في جذوره إلى القرون الوسطى، وكان مبرره آنذاك الانتقام من "الاضطهاد الذي مارسه المسيحيون -خاصة رجال الكنيسة- ضد اليهود في أوروبا
وأكدت يساكا هراني، أن شرطة الاحتلال تملك كاميرات أمنية في كل أرجاء القدس، وبإمكانها كشف هوية المعتدين، كما أنها تملك وثائق مصورة لتلك الاعتداءات ولكنها لا تفصح عنها. واستعرضت هراني شهادة أدلى بها طالب دكتوراة مسيحي أقترب منه مستوطن مسلح في القدس الشرقية وبصق في وجهه بعد أن تأكد أنه مسيحي.
أوهاد خيمو، مراسل القناة 12، قال في تقرير حول هذه الظاهرة إنها تقليدٌ لدى اليهود نشأ في "الشتات"، ويهدف إلى "إبعاد النجاسة المسيحية" وفق ادعائهم. كما شرح الظاهرة أيضًا، يوسي إليتوف، رئيس تحرير صحيفة "المشباح" اليهودية التابعة للحريديم عن دوافع هذا السلوك قائلاً إنه "باسم الكنيسة، تم ذبح عشرات الملايين من اليهود واعتقالهم، لذلك كان الرد اليهودي منذ بداية بالبصق والمضي قدمًا".
الأب عيران، رئيس مكتب البطريركية الأرمنية في القدس، قال لـ"يديعوت أحرونوت" إن حكومة اليمين المتطرف التي يقودها بنيامين نتنياهو هي السبب في زيادة حوادث البصق عليهم، حتى أن الحُجّاج يسألونهم عن هذا السلوك، مبينًا أنهم أرسلوا فيديوهات توثق هذه الاعتداءات إلى وزارة الخارجية الاسرائيلية.
ووجه رجال دين مسيحيين رسالة إلى رئيس بلدية الاحتلال في القدس موشيه ليون، احتجوا فيها على تصاعد هذه الاعتداءات، وأنها أفعال جماعية وليست فردية، بل إن نائب رئيس البلدية أرييه كينغ ضالعٌ فيها، فقد ردد ومعه عشرات النشطاء اليهود "أيها التبشيري، عُد إلى بيتك"، مخاطبين سياحًا مسيحيين في البلدة القديمة بداية شهر حزيران/يونيو الحالي.
ونقلت صحيفة "معاريف" عن مدير عام وزارة السياحة يوسي فتال قوله، إن أرييه كينغ يشجّع على "إهانة" السائحين المسيحيين الذين يزورون القدس، وحتى البصق في وجوههم. وأوضحت، أن مجموعات يهودية نظمت مؤخرًا احتجاجًا ضد السياح المسيحيين الذين وصلوا القدس وحاولوا تأدية طقوس دينية في البلدة القديمة. وادعت المجموعات اليهودية التي أفشلت الفعالية أنها فعلت ذلك بحجة أنها "عبادة للأوثان، وتدنيس وتآمر على شرف إسرائيل".
أرييه كينغ هذا، حرّض علنًا ضد الديانة المسيحية خلال أعياد الميلاد أواخر عام 2022، فنشر تغريدة انتقد فيها نَصْبَ شجرة الميلاد في القدس، معتبرًا أنه "يمس بمشاعر اليهود الذين يسكنون في القدس ومن يزورها من اليهود في عيد الأنوار (..) وأن نصبها عارٌ سيرافقه شخصيًا بصفته نائب رئيس البلدية". وقال: "هذا الشيء القبيح الذي في الصور (شجرة الميلاد) لا يوضع في حي مسيحي ولا في مؤسسة مسيحية خاصة، بل تم وضعه في منطقة حضرية فوق قمة جبل المشارف، بحيث يمكن رؤية هذا القبح من كل ركن من أركان المدينة تقريبًا".
ومثله فعلت أوريت ستروك، عضو الائتلاف الحكومي عن حزب "القوة اليهودية" الذي يتزعمه الوزير ايتمار بن غفير، فقالت: "يتوجب فقط إبراز الأعياد اليهودية، لأن إسرائيل دولة يهودية، ولا يجوز ربطها بأي أمر آخر".
ومما يُثبت أن هذا السلوك ليس فرديًا، وليس محصورًا "بالحريديم"، أن صحيفة "هآرتس" نقلت عن سفير البطريركية الأرمنية في القدس الأب كوريون بغدسريان قوله، إن جنودًا من لواء "غفعاتي" بصقوا على البطريرك والصليب في البلدة القديمة بالقدس، وشرطة الاحتلال اعتقلت اثنين منهم، لكنها أطلقت سراح أحدهما بعدما زعم أنه بصق على الأرض وليس على الكهنة، في حين أن الجندي الآخر سيخضع "لإجراءات تأديبية" وفقًا لجيش الاحتلال.