11-يوليو-2024
مزار التفليسي في مقبرة التوانسة

مزار الولي الشيخ علي أبو الكاس التفليس، وأصبح له موسم خاص للزيارة من كل عام يسمى خميس أبو الكاس

لم تسلم المقابر في غزة من العدوان الإسرائيلي، فإلى جانب المباني ومساكن المدنيين ومدارس الإيواء وخيم النزوح والمستشفيات، استهدف القصف الإسرائيلي حتى الأموات في جوف الأرض. وتكشف ذلك، مع نهاية عدوان الاحتلال على حي الشجاعية، إذ برز اعتداء الاحتلال على مقبرة التوانسة في حي الشجاعية؛ أو كما تعرف بمقبرة التوانسي، ما أعاد تذكر مقبرة التوانسة في غزة، وسبب التسمية، وعلاقة تونس بها.

وقد كان أثير الجدل حول مقبرة التوانسة قبل شهر من الحرب الإسرائيلية على غزة، خلال أيلول/سبتمبر 2023 بعد قرارِ بنقل المقبرة من حكومة غزة وبناء مجمع مدارس مكانها، الأمر الذي أثار غضب الأهالي في المنطقة خاصةً ذوي المتوفين والمدفونين فيها، إذ تبلغ مساحة هذه المقبرة 27 دونمًا، ويوجد فيها عدد كبير بالمئات من رفات الشهداء والموتى. وقد أجريت عملية النقل بالفعل للقبور جميعها بعد جدال واسع حول إمكانية تطبيق الأمر وصحته من الناحية الدينية والتاريخية والاجتماعية.

ضم عددًا كبيرًا من أضرحة الشهداء وأولياء الله الصالحين، ومن هذه القبور مزار الولي الشيخ علي أبو الكاس التفليسي

مقبرة التوانسة.. الموقع 

تقع مقبرة التوانسة في الجزء الشرقي من حي الشجاعية، وتغطي المقبرة مساحة واسعة تصل لـ27 دونمًا، وذلك بعد أن أتى البناء العشوائي عليها، واقتطع منها أجزاء لشق الشوارع. وتضم عددًا كبيرًا من أضرحة الشهداء والأولياء، ومن هذه القبور مزار الولي الشيخ علي أبو الكاس التفليسي، والذي يعود إلى القرن الثاني عشر الهجري، حيث دفن في ذلك الحي عام 1212 هجريًا في 15 رمضان، وأصبح أهالي الحي يقدمون لزيارته في موسم خاص للزيارة من كل عام يسمى موسم أبو الكاس أو خميس أبو الكاس ويكون في شهر نيسان/ أبريل. ولا يُعدّ مزار أبو الكاس الوحيد في غزة الذي له موسم، بل هناك العديد من الأضرحة التي كانت تقصد للزيارة، فمنها ضريح أبو عبيد، والخليفة، والتايه، والجعبري، والسيد والخليفة، وكانت الزيارات لهذه الأضرحة والقبور بمواسم تسمى الخمسان، إذ يكون كل منها في يوم خميس من آذار حتى نهاية نيسان، ونسبةً لتلك الزيارات وغيرها من الأعياد أطلق على نيسان في فلسطين شهر الخمسان. وترجح بعض الآراء أن المقبرة أقيمت بالفعل قبل ذلك بكثير، بعد الفترة الأيوبية، إذ توجد في المقبرة العديد من أضرحة المجاهدين والشهداء الذين استشهدوا إبان الحروب الصليبية.

كما كان يجري دفن عدد كبير من الأهالي في مقبرة التوانسة، ومن عرب البادية، وعدد لا بأس به من العلماء ورجال الدين من أبناء القرنين الثامن والتاسع الهجريين. وضعت على أضرحتهم شارة السراج لتدلل على مكانتهم الدينية والعلمية.
 

قصة مقبرة التوانسة وسبب التسمية

تعتبر مقبرة التوانسة في غزة إحدى المعالم التاريخية والدينية الهامة في المدينة. هذه المقبرة ليست مجرد مكان لدفن الموتى، بل تحمل في طياتها قصة تاريخية وثقافية تعود إلى قرون مضت. تسميتها بمقبرة التوانسة ترتبط بجذور تاريخية وثقافية، وفيها روايتان؛ إحداها ترجع التسمية إلى وصول المهاجرين من تونس إلى غزة واستقرارهم في المنطقة. وقد كان ذلك على الأرجح في القرن الثامن عشر الهجري، إبان الحقبة العثمانية، حيث كان التوانسة جزءًا من القوات العثمانية التي شاركت في الدفاع عن المنطقة. كما كانت قد قدمت مجموعة من العائلات التونسية إلى فلسطين واستقرارها في غزة. حيث كانت هذه العائلات جزءًا من حركة الهجرة التي شملت العديد من الدول العربية والإسلامية إلى بلاد الشام، بما في ذلك فلسطين. وأثناء مشاركتهم في الحروب التي أتت على غزة، كانت هذه المقبرة تضم مدافن الشهداء التوانسة ومن هنا حصلت التسمية. 

أما الرأي الآخر؛ وهو أن تسمية مقبرة التوانسة أو مقبرة التونسي محرفة عن مقبرة التفليسي، وهو الولي الشيخ علي أبو الكاس التفليسي، القادم من تبليسي (تفليس) في جورجيا، والذي دفن في هذه المقبرة بعد وفاته ليصبح ضريحه مزارًا وله موسم وخميس كما أوردنا.

قد تكون؛ وفقًا لبعض الآراء، تسمية مقبرة التوانسة أو مقبرة التونسي محرفة عن مقبرة التفليسي

 

أهمية مقبرة التوانسة في حي الشجاعية

كان لمقبرة التوانسة، أدوار هامة في تاريخ وثقافة غزة. فهي تعتبر شاهدًا على تاريخ طويل وعريق من زمن الحروب الصليبية، وما بعدها من هجرات وتفاعلات ثقافية واجتماعية مع جميع الشعوب العربية، كما تعتبر المقبرة مكانًا له أهميته التاريخية والدينية والروحية، حيث كانت تقام فيه العديد من الزيارات والطقوس الدينية من قبل أهالي المنطقة.
 

الأهمية التراثية والتاريخية

تضم مقبرة التوانسة قبورًا قديمة لها تاريخ طويل، وتحمل شواهد تعود إلى قرونِ مضت. هذه الشواهد تمثل تاريخًا طويلًا من الموت والحياة في غزة، كما تحتوي المقبرة على قبور عدد من الشخصيات البارزة في تاريخ غزة، منهم رجال دين وقادة وعلماء.

 

الاحتلال يجرف مقبرة التوانسة في حي الشجاعية وينبش القبور

قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي في كانون الأول/ديسمبر 2023، أي بعد قرابة الشهرين من بدء الحرب على غزة بتدمير أجزاء من المقبرة التونسية، وقد وضحت صور الأقمار الصناعية الملتقطة للمنطقة إقامة موقع عسكري مؤقت، ووجود مركبات مدرعة وإنشاء تحصينات ترابية في المقبرة، وجرف للقبور.

أدى تدمير المقبرة إلى فقدان الكثير من الشواهد القديمة والقبور التاريخية. هذه الشواهد كانت تحمل نقوشًا وأسماء تعود إلى قرونِ مضت، وتعكس آثارًا محتملة لوجود تونسي في غزة، وتأكيد التفاعل الثقافي بين الشعبين. كما يشكل تدمير مقبرة التوانسة صدمة كبيرة لأهالي غزة، وخاصة للعائلات التي دفنت أفرادها في هذه المقبرة. المقبرة ليست فقط مكانًا للدفن، بل هي مكان يرتبط بالذاكرة الجماعية والتاريخ المشترك.