قال عضو مجلس النواب اللبناني، عبد الرحمن البزري، في حديث مع الترا فلسطين إنه من المقرر أن تجرى زيارة من مندوب فرنسي إلى لبنان خلال الأيّام القادمة لاحتواء مشهد التصعيد الذي يتفاقم إلى أعلى درجاته عقب استهدافات إسرائيلية مكثّفة طاولت الأراضي اللبنانية وارتقى على إثرها أكثر من 70 شهيدًا منذ 17 أيلول/ سبتمبر الجاري، عبر تفجير أنظمة اتصالات لا سلكية، أو عبر غارات جوّية.
عضو مجلس النواب اللبناني، عبد الرحمن البزري: المستوى الرسمي في لبنان لا يملك أدوات الرد المناسبة على الاعتداءات الإسرائيلية، لكن قوى المقاومة لديها خيارات يمكن أن تستخدمها
وكانت "إسرائيل" قد شنّت هجمات أمنية استهدفت أجهزة اتصالات التي يستخدمها عناصر حزب الله في لبنان، يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، وفي أعقاب ذلك، استهدفت الجمعة، منطقة الجاموس في الضاحية الجنوبية بالعاصمة بيروت، والتي تعتبر مركز الثقل لتواجد أفراد عناصر حزب الله، بعد غارات الطيران الحربي الإسرائيلي على بناية سكنية خلال اجتماع لقيادة "قوة الرضوان التابعة لحزب الله"، كان معقودًا في غرفة تحت الأرض.
وأشار البزري إلى "أن تفجير العدو الإسرائيلي أجهزة الاتصالات اللاسلكية في لبنان جاء بعيدًا عن أي حسابات مرتبطة بطبيعة من يحمل الجهاز، وأين كان يتواجد، وكم عدد الأفراد الموجودين حول حامل الجهاز وإن كان في منطقة مأهولة وسكنية أم لا، بمعنى أن "إسرائيل" مارست جريمة حرب وإبادة جماعية راح ضحيّتها أكثر من 40 شهيدًا، عدا عن تعمّد إيقاع إصابات وإعاقات دائمة بين المصابين".
وأوضح النائب اللبناني، أن الاستهداف الإسرائيلي الذي طاول منطقة مأهولة بالسكان، أدى لاستشهاد نحو 40 شهيدًا، وعشرات الإصابات والجرحى، وذلك كله للوصول إلى هدفٍ إسرائيلي معيّن، ما يعني أن السلوك الإسرائيلي غير مبرر، وتراه المؤسسات الرسمية اللبنانية في سياق الإدانة، وتعمل منذ بدء الاستهدافات الإسرائيلية خلال الأيام الماضية على البحث في القواسم المشتركة من أجل تحصين الجبهة الداخلية نظرًا إلى أن لبنان يمرّ بمرحلة خطيرة قائمة على مواجهة لبنان "للعدو الخارجي الإسرائيلي" ومن جانب آخر بسبب وجود خطر على البلاد من التفكك والانفراط الداخلي؛ نتيجة الأزمة السياسية الداخلية المستعصية.
هل الإدانة السياسيّة كافية للرد على العدوان؟
وعن سؤال الترا فلسطين إن كانت الإدانة السياسية كافية للرد على العدوان، أجاب البزري: "المستوى الرسمي في لبنان لا يملك أدوات الرد المناسبة لهذه الاعتداءات، لكن قوى المقاومة في لبنان لديها خيارات يمكن أن تستخدمها، خاصّة وأنها المقصود من هذه الاعتداءات بدرجة أولى، ولذا فالجميع الآن يترقب وينتظر الرد المناسب الذي ستتخذه المقاومة، ولا أحد يتوقع أن يكون الرد بين ليلة وضحاها، بل قد يأخذ وقته ومجاله أو قد يكون سريعًا (...) ولسنا مضطرين لإعطاء العدو الإسرائيلي أيّ معلومات إن كان هناك ردّ ومتى وكيف ولماذا، ولكننا نعتقد أن المقاومة سوف ترد".
وفي إجابته على شكل الجهود الدبلوماسية الرسمية، ردّ البزري: "إن كنا نقدم الشكاوى القانونية والدولية، فإننا لا نعوّل على المؤسسات الدولية التي من المفترض أن تحمي حقوق الإنسان، وتضمن السلم العالمي، وتجربتنا معهم سابقة في الصراعات الإسرائيلية وتحديدًا مع الفلسطينيين، حين كان المؤسسات الدولية منحازة لإسرائيل، ولا تملك القوة ولا القدرة ولا العزيمة الكافية لضمان تثبيت وقف إطلاق النار وإلزام إسرائيل به".
وساطات في محاولة لمنع التصعيد
ومنذ التصعيد الإسرائيلي عقب أحداث تفجير أجهزة الاتصالات في يومي 17 - 18 أيلول/ سبتمبر الجاري، ارتفع مستوى التدخلات الدولية بهدف احتواء المشهد ومنع التصعيد، حيث أعلنت قبرص استعدادها للوساطة بين "إسرائيل" ولبنان ودعت الأطراف إلى ضبط النفس، أما الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون فقد هاتف رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، وقال إنه لا أحد لديه مصلحة في التصعيد، ثم خلال مكالمة هاتفية بين ماكرون ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حذّر ماكرون - نتنياهو بأن "إسرائيل" تجرّ المنطقة للتصعيد.
ويقول البزري إن من المقرر أن تكون هناك زيارة من مندوب فرنسي إلى لبنان خلال الأيّام القادمة من أجل احتواء التصعيد. لكنه استدرك قائلًا: "فرنسا لا تملك عضلات، ولا قدرات ولا التأثير اللازم لكي توقف الحرب، رغم أنها دولة مؤثرة ولها تقدير، لكن دورها وحده لا يكفي، كما هو حال الدول الأوروبية الأخرى، حيث أن اللاعب الدولي الرئيس في المشهد الحالي هو الولايات المتحدة الأميركية، والتي تنحاز للعدو الإسرائيلي وفق سياساتها الخارجية".
وتابع: "تمرّ أمريكا الآن في مرحلة انتقال السلطة السياسي التي ستحدث عقب انتهاء الانتخابات خلال الشهرين القادمين، وستصل المرحلة إلى خمسة أشهر عند انتهاء مراحل تسلّم الرئاسة، لذا فإن القرار السياسي طوال المرحلة القادمة معطّل في أمريكا، ومن طرف آخر فإن اللاعبين الإقليميين لا يربطون قرارهم بإدارة قد تذهب وتأتي إدارة مختلفة، والجميع يراهن على طبيعة دور الإدارة القادمة، ما يعني عدم وجود حلٍ في الأفق القريب".
هل للخلافات الداخلية السياسية والطائفية في لبنان أثر على مسار التصعيد؟
وما إن كان للخلافات الداخلية السياسية والطائفية في لبنان أثر على مسار التصعيد، أوضح البزري أن بلاده كانت قبل الحرب تعيش أزمة سياسية داخلية مستعصية، وفي أعقاب الحرب تعقّدت أوراق الأزمة الداخلية. غير أن القوى السياسية في لبنان سواء كانت تؤيد انخراط حزب الله في جبهة الإسناد أو لا، "فإننا مع أي طرف يقاتل العدو الإسرائيلي، وإن تجرّأ العدو وقرر الهجوم على لبنان، فإن اللبنانيين سيكونون ضمن المقاومة في الدفاع عن لبنان، وإن حاولت إسرائيل احتلال أراضٍ في جنوب لبنان، فإن عناصر وقوى أخرى في لبنان ستقف إلى جانب المقاومة للدفاع عن أرضها".
وتستعد حكومة تصريف الأعمال اللبنانية للتعامل مع السيناريوهات المحتملة حال نشوب تصعيد غير منضبط أو محدود، ما يفتح الباب حول إمكانيات لبنان في التعامل مع الكوارث والأزمات.
ويقول البزري بصفته عضو اللجنة الصحّية في البرلمان اللبناني إن الأيام الأخيرة شكّلت امتحانًا صعبًا تجاوزته لبنان بفضل القطاع الصحي الذي كان منظّمًا، واستفاد من التدريبات التي أجراها طوال الفترة السابقة، لكن الأمور قد تزداد صعوبة على القطاع الطبي حال تطورت المواجهة إلى قصف وتبادل غارات في المناطق المدنية، لأن القطاعات الصحية والأخرى في لبنان غير ملائمة لهذه المواجهات نتيجة أزمات سياسية عصفت في البلاد طوال السنوات الماضية.
وأمام تعقيدات المشهد، اعتبر البزري أن لبنان يحاول الاعتماد الآن على تكامل الجبهة الداخلية، تزامنًا مع الجهود الدبلوماسية "غير الكافية" وفق تعبيره. حيث يقول: "لن يكون لبنان الرسمي والسياسي والشعبي معرقلًا لأي جهود سياسية ودبلوماسية حقيقة تصبّ في خانة الفلسطينيين واللبنانيين بالتزامن مع جبهة الإسناد التي يخوضها حزب الله، ولكننا لا نراهن على الفرص الدبلوماسية التي أثبتت التجارب السابقة محدوديّتها".