نشر المستشرق الإسرائيلي الشهير هليل كوهين، وثيقة تاريخية لمحضر أحد اجتماعات الوكالة اليهودية عام 1937، في نهاية الثورة الفلسطينية الكبرى التي اندلعت عام 1936، ورد فيها اعترافٌ على لسان دافيد بن غوريون بأن الفلسطينيين يدافعون عن أرضهم، مخالفًا الخطاب الصهيوني الرسمي العلني في تلك الفترة.
بن غوريون: نبذل قصارى جهودنا، طيلة الوقت من أجل تقزيم شخصية الإرهابيين العرب، ونطلق عليهم تسمية العصابات وإلى آخره، لكن بيننا وببين أنفسنا، بمقدورنا أن نتحلى بالصراحة والإقرار أن حرب الشعب العربي هي قتال دفاعًا عن وطنه
آنذاك، كان بن غوريون رئيسًا للوكالة اليهودية التي تعتبر حينها القيادة الصهيونية العليا، وقد جاء على لسانه في الوثيقة: "نبذل قصارى جهودنا، طيلة الوقت من أجل تقزيم شخصية الإرهابيين العرب، ونطلق عليهم تسمية العصابات وإلى آخره، لكن بيننا وببين أنفسنا، بمقدورنا أن نتحلى بالصراحة والإقرار أن حرب الشعب العربي هي قتال دفاعًا عن وطنه".
وتابع: "على الجبهة الأمنية نحن الذين نتعرض للهجوم ونحن المدافعون، لكن في الميدان السياسي نحن المهاجمون والعرب المدافعون. هم يتواجدون في البلاد والأراضي بملكتيهم، ونحن نتواجد في الشتات ونريد الهجرة إلى البلاد وشراء الأرض منهم".
ويطلق بن غوريون تسمية العرب على الشعب الفلسطيني انسجامًا مع المزاعم الصهيونية التي تنفي وجود شعب فلسطيني، وتطلق على الفلسطينيين مسمى "عرب إسرائيل".
وعلق المستشرق هليل كوهين على الوثيقة في حسابه على فيسبوك بالقول إن "أحد الاختلافات الهامة والمثيرة للاهتمام بين القيادة الصهيونية الإسرائيلية في الماضي والقيادة الحالية هو أن أناسًا مثل بن غوريون وشاريت وجابوتينسكي فهموا أن النضال الفلسطيني ليس صراع قتلة غير شرعيين ضد قوى النور، ولكنه صراع أناس يحاولون حماية وطنهم وأرضهم وثقافتهم ضد الغازي أجنبي".
وأوضح كوهين، أن القادة الصهاينة في الماضي اعترفوا أن المعتدي الحقيقي في هذه القصة هي الحركة الصهيونية، وأن العرب هم الضحية، مضيفًا أن هذا الاعتراف لم يمنعهم من العمل لإقامة "دولة إسرائيل" مع تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم، "لكنهم لم ينقلوا فهمهم للنضال الفلسطيني إلى عامة الإسرائيليين، وخلقوا ما يسميه صديقي إيتمار بين غفير الغباء الاستراتيجي".
أوضح كوهين، أن القادة الصهاينة في الماضي اعترفوا أن المعتدي الحقيقي في هذه القصة هي الحركة الصهيونية، وأن العرب هم الضحية
وفي حديث كوهين حول فهم الأب الروحي لليمين، المرشد الأعلى لمنظمة "الأرغون" فلاديمير جابوتينسكي، للنضال الفلسطيني، فإنه يقصد ما ورد في مقالته الشهيرة بعنوان "الجدار الحديدي"، المنشورة في العام 1922، التي أكد فيها أن كل شعبٍ سيقاتل المستوطن ما بقيت بارقة أمل تبشر بإمكانية الخلاص من خطر الاستيطان. وأضاف: "على هذا النحو يتصرف عرب إسرائيل، وعلى هذا النحو سيتصرفون ما داموا يعتقدون أنه بمقدورهم منع تحويل فلسطين إلى أرض إسرائيل".
وأكد أن الاستيطان اليهودي في فلسطين سيتطور تحت حماية قوة غير مرتبطة بالمواطنين الأصليين، ولن يكون بمقدورهم اختراق "الستار الحديدي" في البداية، وسيكون الانتداب البريطاني ثم تكون دولة اليهود. وتوقع جابوتينسكي أن يظهر بعد ذلك "المعتدلون" -وفق وصفه- في صفوف الفلسطينيين الذين سيتم التفاوض معهم لمنحهم بعض الامتيازات.
هذه المقالة تُعتبر الحجة الرئيسية لتبرير التطهير العرقي الدموي الذي مارسته منظمة "الأرغون" لتحويل فلسطين إلى "أرض إسرائيل".
يُذكر أن هليل كوهين (الذي نشر وثيقة بن غوريون) هو باحث وكاتب إسرائيلي متخصص في دراسة تاريخ الصهيونية وتاريخ العلاقات في فلسطين، وهو أستاذ مشارك في قسم الإسلام ودراسات الشرق الأوسط في الجامعة العبرية في القدس، ورئيس مركز كريك لدراسة الصهيونية ودولة إسرائيل في نفس الجامعة.