عندما يقرر أي جهاز مخابرات اختراق تنظيمٍ معين أو مجتمعًا ما، يجرى عملية تشريح للوسط المستهدف، وبناءً على ذلك قد يختار تجنيد شخص ما من الوسط المستهدف، أو تنفيذ عملية اختراقٍ بإدخال جاسوسٍ إلى أعماقه، بعد بناء قصة تغطيةٍ ملائمةٍ له، وهذه الطريقة تستغرق وقتًا طويلًا وجهدًا مضنيًا.
جهاز المخابرات الإسرائيلية "الشاباك"، وفقًا لشهاداتٍ عديدةٍ واعترافات بعض قادته، استخدم الأسلوبين للسيطرة على التنظيمات اليهودية الإرهابية، وضمن تلك المساعي غابت الخطوط الحمراء الأخلاقية، لدرجةٍ وصل بهم حد إنجــــاب أطفالٍ من أجل التمويه على آبائهم الجواسيس.
جواسيس "الشاباك" أنجبوا أطفالاً من يهوديات تزوجوهن للتمويه على عملهم في اختراق محيطهن
الأسلوب الأول للاختراق، يعتمد فيه "الشاباك" على إجبار أحد كوادر أو قيادات التنظيمات اليهودية للتحول إلى جاسوس عبر الابتزاز الجنسي، وقد تحدث عنه ذات مرة كارمي غيلون، وهو رئيس "الشاباك" ما بين العامين 1995 و1996، حيث قال: "تم إغراء أحد قادة المستوطنين بخيانة زوجته مع عاملة جنس، وبعد تصويره، خُيّر بين نشر شريط الفيديو أو التعاون مع الشاباك، وهذا الأسلوب لا يستغرق وقتًا طويلاً مثل أسلوب إدخال شخصٍ من الخارج للمجتمع أو التنظيم المستهدف".
اقرأ/ي أيضًا: بالجنس والابتزاز.. "الشاباك" يخترق حتى المستوطنين
خلال الانتفاضة الأولى تصاعدت هجمات الفصائل المسلحة ردًا على الهجمات الإرهابية اليهودية، وجولات الاعتداءات التي كان يشارك فيها العشرات من مستوطني "كريات أربع" ضد أهالي الخليل. آنذاك، قرر جهاز "الشاباك"، ضبط إيقاع التنظيمات الإرهابية اليهودية باختراقها في الصميم، ومن أجل استخدامها متى أراد، ولهذه الغاية بدأ مشروع الاختراق بإدخال جواسيسه إلى التنظيمات الإرهابية اليهودية التي كانت بؤرتها في تلك المرحلة مستوطنة "كريات أربع".
فيلم "زوجات الشاباك" للمخرجة باز شفارتز الذي بثه التلفزيون الإسرائيلي، اقتفى أثر جواسيس "الشاباك" الذين اخترقوا التنظيمات اليهودية الإرهابية في "كريات أربع". وهذه التنظيمات تتميز بأنها مجتمعٌ مغلقٌ متزمتٌ دينيًا يتزوج فيها الشبان في سن مبكرة، ولذلك كان من شروط نجاح اندماج أي قادم جديد هو الزواج والإنجاب حتى تختفى علامات الاستفهام.
على مدار سنواتٍ قبل بث الفيلم، كانت هناك قضية واحدة تدولها الإعلام العبري حول قيام أحد جواسيس "الشاباك" بالإيقاع بابنة أحد قادة مستوطني "كريات أربع" والزواج منها، من أجل التجسس على نشطاء الإرهاب اليهودي الذين يجتمعون في منزل والدها. ولكن الفيلم أظهر أن تلك الحالة لم تكن استثناءً، بل جزءًا من ظاهرة أوسع نطاقًا، أكدت أن "الشاباك" لم يقم وزنًا لأية قيمة إنسانية في إطار سعيه لإحكام قبضته على تلك التنظيمات.
فيلم "زوجات الشاباك" يدخل عالم جواسيس "الشاباك" من نافذة ريكي إيال، وهي متطرفة كانت صيدًا سهلاً للجاسوس الذي تقمص شخصية الشاب اليهودي الذي رجع للدين وقرر العيش في "كريات أربع"، فتزوجها وأنجب منها، ثم بعد ثلاث سنوات اكتشفت أنه جاسوس جاء للإيقاع بأقاربها.
جواسيس "الشاباك" شاركوا في هجمات إرهابية نفذها مستوطنون للتمويه على اختراقهم لهذه التنظيمات
ريكي التي أنجب منها "الجاسوس" تسعة أبناءٍ، قالت لمُعدّة الفيلم أنها واحدة من بين عدد من الضحايا اللواتي استخدم "الشاباك" أرحامهن كقصصٍ للتغطية على جواسيسه، "لقد جرى استخدام رحمي، إنها أفضل قصة تغطية في العالم، لقد استخدموني كقصة تغطية حية أنجبت أطفالاً ليكونوا غطاء لأبيهم" كما قالت.
تروي ريكي كيف حاول "الشاباك" إقناعها بعد أن اكتشفت أمر زوجها الجاسوس بمواصلة الصمت، وكانت التعليمات لضمان عدم فضح حقيقة زوجها هي التظاهر أنهم فقراء، فكانت تبحث عن الطعام لأطفالها من بقايا طعام الجنود ومن القمامة، ولكن بعد الكشف عن حقيقة زوجها تركها تعيل 9 أطفال وحدها وانسحب من المستوطنة دون أن يتعرف عليها، وهي النهاية التي تكررت في حالات مشابهة.
تسفي كتسوبر، رئيس مجلس مستوطنة "كريات أربع" في تلك الفترة، أكد أن زوج ريكي -الجاسوس- وزملاءه الذين لعبوا نفس الدور، لم يكونوا مجرد جواسيس عملوا لإحباط الهجمات التي كان ينفذها المستوطنون، وإنما كانوا في كثير من الأحيان هم من يمارس التحريض ودفع المستوطنين والمشاركة في تنفيذ تلك الجرائم، بل أن شهادة ريكي تكشف أن زوجها كان ضالعًا في تنفيذ عملياتٍ ضد الفلسطينيين، وأن "الشاباك" كان يعتقله للتمويه على حقيقته.
اقرأ/ي أيضًا:
عاهرات الصهيونية من أجل احتلال القدس