تشير معطيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني وسلطة النقد، إلى أن الاقتصاد الفلسطيني شهد خلال العام 2022 تعافيًا بشكل محدود، إلا أن النمو يتجه للتباطؤ في العام القادم 2023.
الاقتصاد الفلسطيني عانى من العديد من الأزمات المركبة، وفي مقدمتها، التوقف شبه التام للدعم الخارجي المقدم للسلطة الفلسطينية والمخصص لدعم الموازنة، واستمرار الاقتطاعات الإسرائيلية من العائدات الضريبية (المقاصة) على مدار العام
ويتفق مع ذلك أستاذ علم الاقتصاد في الجامعة العربية الأمريكية نصر عبد كريم، إذ يؤكد أن العام 2022 حصل فيه تعافٍ طفيف جدًا على الصعيد الاقتصادي، مقارنة مع فترة جائحة كورونا، ولكنه مقارنة مع العام السابق 2021 كان أقل نشاطًا، حيث كان التعافي أكبر بعد الخروج من الجائحة.
وجاء في التقرير الأخير الصادر عن سلطة النقد و الإحصاء الفلسطيني، أن الاقتصاد الفلسطيني سجل نموًا بنحو 3.6%، مقارنة مع نمو نسبته 7% خلال العام 2021.
وأوضح التقرير، أن الاقتصاد الفلسطيني عانى من العديد من الأزمات المركبة، وفي مقدمتها، التوقف شبه التام للدعم الخارجي المقدم للسلطة الفلسطينية والمخصص لدعم الموازنة، واستمرار الاقتطاعات الإسرائيلية من العائدات الضريبية (المقاصة) على مدار العام، إضافة إلى تداعيات الأزمة الأوكرانية-الروسية.
ويقول نصر عبد الكريم في حوار مع الترا فلسطين، إن هذا التعافي الطفيف قد يكون بسبب تداعيات عدة بعضها خارج إرادة السلطة، فالأرقام تشير إلى أن الاقتصاد الفلسطيني في عام 2022 كان يسير بشكل أفقي، بمعنى أنه لم يحصل إنجازات كبيرة، وكان في إطار حركة ضيقة. ويعزو ذلك إلى الأزمة المزمنة التي صاحبت الاقتصاد الفلسطيني منذ عدة سنوات وما زالت قائمة، وهي الأزمة المالية العامة للسلطة الفلسطينية.
ولكن التغيير الأهم الذي حصل على الاقتصاد الفلسطيني في عام 2022 -بحسب نصر عبد الكريم- هو استمرار دفع رواتب الحكومة لرواتب الموظفين العموميين منقوصة، أما المتغير الآخر فلا علاقة للسلطة فيه، وهو تداعيات الحرب الأوكرانية الروسية التي جلبت التضخم.
وأوضح، أن هذا التضخم تم السيطرة عليه في الكثير من الدول من خلال سياسات حكومية وسياسات نقدية، ولكن في فلسطين يبدو أنه لا يوجد لدينا خيارات كثيرة للسيطرة على هذا التضخم، وتم العمل على نطاق ضيق.
أكد نصر عبد الكريم أنه عام 2022 لم يكن عامًا خارقًا على الأداء الاقتصادي ولا يوجد فيه أي اختراقات أو إنجازات تسجلها الحكومة الفلسطينية
ووصف نصر عبد الكريم العام 2022 بأنه عام "خيبات الأمل الاقتصادية" للفلسطينيين، حيث كان هناك خيبة أمل تلقتها السلطة الفلسطينية من المجتمع الدولي من حيث عدم وصول المساعدات كما كان متوقع، وهناك خيبة أمل عند المواطنين من جهود الإصلاح لدى السلطة، وخيبة أمل بسبب استمرار صرف رواتب منقوصة، وخيبات أمل من عدم تحسن المستوى المعيشي بالرغم من ارتفاع الأسعار، وخيبات أمل تتعلق بعدم تحسن الخدمات الحكومية في والرعاية الصحية والحماية الاجتماعية، التي لم تأخذ الاهتمام الكافي، وخيبات أمل المزارعين الذين لم يتمكنوا من تسويق منتجاتهم الزراعية بسعر عادل وعلى رأسها زيت الزيتون.
وأكد عبد الكريم أنه عام 2022 لم يكن عامًا خارقًا على الأداء الاقتصادي ولا يوجد فيه أي اختراقات أو إنجازات تسجلها الحكومة الفلسطينية.
رواتب منقوصة
منذ نوفمبر/تشرين ثاني العام 2021، تواصل الحكومة الفلسطينية صرف رواتب منقوصة بنسبة 80% للموظفون العموميون. وتبرر الحكومة هذه السياسة بالاقتطاعات الإسرائيلية من أموال المقاصة، وتراجع المنح والمساعدات الخارجية.
وهذه الأزمة، تعتبر أبرز التحديات الاقتصادية للحكومة الفلسطينية مع العام الجديد 2023.
ويبلغ إجمالي قيمة الأجور الشهرية التي تدفعها الحكومة 950 مليون شيكل شهريًا، موزعة على الموظفين العموميين والمتقاعدين، وأشباه الرواتب (مخصصات الأسرى، والمخصصات الاجتماعية وغيرها).
ويبلغ إجمالي عدد المستفيدين من الأجور في السوق الفلسطينية قرابة 245 ألف فرد، بين موظف ومتقاعد أو ممن يتقاضون المخصصات الشهرية من الحكومة.
البطالة
لا يزال معدل البطالة في فلسطين مرتفعًا، ويعود الارتفاع في معدل البطالة إلى الارتفاع الكبير في معدلات البطالة في قطاع غزة، حيث أن ما يقارب من نصف المشاركين في القوى العاملة 45% هم عاطلون عن العمل في قطاع غزة، مقارنة مع حوالي 14% نسبة البطالة في الضفة الغربية.
تفاخر رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية أن البطالة في الضفة انخفضت في عهد حكومته من 19، إلى 12.6%. لكن الصحفي والمحلل الاقتصادي محمد خبيصة بين أن السبب الرئيسي في ذلك هو دخول عمالة فلسطينية أكبر لداخل الخط الأخضر
قبل أيام، تفاخر رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية أن البطالة في الضفة انخفضت في عهد حكومته من 19% إلى 12.6%. لكن الصحفي والمحلل الاقتصادي محمد خبيصة بين أن السبب الرئيسي في ذلك هو دخول عمالة فلسطينية أكبر لداخل الخط الأخضر، وليس بفضل الحكومة.
العمل داخل الخط الأخضر
تجاوز إجمالي العمالة الفلسطينية داخل الخط الأخضر وفي المستوطنات 220 ألف عامل، بحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وهو أعلى رقم مسجل في تاريخ العمالة الفلسطينية في الداخل.
وبفضل هذه العمالة وارتفاع دخلها في الورشات الإسرائيلية ولدى المشغلين الإسرائيليين، بقيت بعض الحيوية والسيولة النقدية في السوق المحلية، بالرغم من دفع رواتب منقوصة لموظفي السلطة.
ويبلغ متوسط أجور العمال الفلسطينيين داخل الخط الأخضر شهريًا 1.5 مليار شيكل.
وفي مقابل ارتفاع العمالة الفلسطينية في الداخل، تعاني السوق المحلية اليوم من نقص في العمالة الفنية التي عبرت للداخل، بسبب فرق الأجور مقارنة مع الضفة الغربية.
في مقابل ارتفاع العمالة الفلسطينية في الداخل، تعاني السوق المحلية اليوم من نقص في العمالة الفنية التي عبرت للداخل، بسبب فرق الأجور مقارنة مع الضفة الغربية.
ارتفاع الأسعار
ما إن بدأ الاقتصاد العالمي والمحلي بالانتعاش بعد جائحة كورونا، وما رافقها من ارتفاع في الأسعار لعدة أسباب أهمها ارتفاع تكاليف الشحن، حتى اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية، التي أدت إلى التضخم، وارتفاع في أسعار السلع الأساسية.
ومن أبرز السلع التي شهدت ارتفاعًا متواصلاً خلال العام 2022، زيت الذرة والطحين والأرز والسكر والقمح.
وإلى جانب هذه السلع الأساسية، ارتفعت أسعار الأعلاف، التي انعكست على ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن ومنتجات الألبان، كما ارتفعت أسعار البلاستيك والحديد والاسمنت والأسمدة وغيرها، والتي تدخل في صناعات عدة أدت إلى ارتفاع أسعارها.
المنح الخارجية
قبل سنوات كان الدعم الخارجي يشكل 25% من إجمالي موازنة الحكومة الفلسطينية، لكنه تراجع في العامين الماضي والجاري لأقل من 8%.
وتظهر البيانات الرسمية أن إجمالي الدعم الخارجي للميزانية العامة بلغ 220 مليون دولار في الشهور العشرة الأولى من العام الجاري، في حين أن متوسط الدعم السنوي للحكومة الفلسطينية كان قبل عام 2015 يبلغ مليار دولار أمريكي.
ويعود السبب في تراجع الدعم خلال السنوات الأخيرة إلى توقف الدعم الأمريكي في عهد الرئيس دونالد ترامب، الذي كان بمتوسط 150 مليون دولار سنويًا، وتوقف معظم الدعم العربي لفلسطين بمتوسط 300 مليون دولار سنويًا، وتراجع في حجم الدعم الأوروبي.