22-ديسمبر-2018

بعد محاولاتٍ استمرت سنوات، صادق الكنيست الإسرائيلي بالقراءة التمهيدية على ما يسمى "قانون إبعاد عائلات منفذي العمليات"؛ الذي قدمه عضو الكنيست، المستوطن موتي يوغيف، من حزب "البيت اليهودي" الذي يتزعمه نفتالي بينيت.

يمنح القانون، القائد العسكري الإسرائيلي صلاحيات إبعاد عائلات الأشخاص الذين نفذوا أو حاولوا تنفيذ عمليات ضد الاحتلال، وترحيلهم لمناطق أخرى داخل الضفة الغربية، خلال أسبوع من العملية أو المحاولة. صادق الكنيست على القرار بعد موافقة المجلس الوزاري واللجنة الوزارية للتشريع، وبعد موافقة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على القانون، وهو الذي كان قد رفضه في الفترة الماضية لاعتبارات كثيرة، أبرزها رفض إدارة الرئيس باراك أوباما له، وقد تخلل التصويت مشادات حادة بين أعضاء القائمة المشتركة، وأعضاء الكنيست من اليمين، تم على إثرها إبعاد عدد من الأعضاء العرب خارج الكنيست.

تمرير قانون إبعاد منفذي العمليات يعني أن قوى اليمين الديني القومي في الكنيست تفرض مواقفها الأيدولوجية على السلطتين القضائية والتنفيذية

تمرير القانون لدى الحكومة وعرضه على الكنيست؛ رغم معارضة الجهات القضائية والأمنية والعسكرية، يشكل تحولاً عميقًا النظام السياسي الإسرائيلي، إذ تعمل قوى اليمين الديني القومي في الكنيست على فرض مواقفها الأيدلوجية على السلطتين القضائية والتنفيذية مستغلة أغلبيتها في الكنيست.

اقرأ/ي أيضًا: بيت العنكبوت يتهاوى في الضفة الغربية

يرفض المستشار القضائي للحكومة أفيحاي مندلبليت القانون؛ لمخالفته للقانون الدولي والإسرائيلي معًا، كما كانت المحكمة العليا الإسرائيلية قد رفضته بإجماع قضاتها التسعة عام 2002؛ لانتهاكه القانون الدولي، كونه يشكل عقوبة جماعية تمس المدنيين الآمنين الذين يخضعون لسلطة الاحتلال التي من مسؤوليتها توفير الأمن لهم وليس فرض العقوبات الجماعية عليهم. وأكد العديد من القانونيين والسياسيين اليساريين أن القانون يعرض القادة الإسرائيليين المدنيين والعسكريين للجلب إلى محاكم الجرائم الدولية، لقيامهم بتهجير سكان المناطق الخاضعة للاحتلال، وهو ما يعتبره القانون الدولي جريمة حرب.

رفض الجهات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية للقانون، ينفي فرضية أن تطبيقه سيعيد الردع الذي تآكل وتراجع، إذ رفض رئيس جهاز المخابرات العامة "الشاباك" نداف ارغمان، القانون، واعتبر تمريره بالأمر الخطير الذي سيلحق الضرر بالأمن للإسرائيليين، وأن جهاز "الشاباك" لن يكن بمقدوره تنفيذه أو متابعته. كما أن الجيش الإسرائيلي يرى أن أضرار القانون على إسرائيل أكثر من فوائده، وذلك من خلال معارضته من قبل رئيس الأركان غادي ايزنكوت، الذي وصف القرار بالسياسي وليس الأمني.

الجهات الأمنية والعسكرية لا ترى في "قانون إبعاد عائلات منفذي العمليات" جدوى أمنية، أو عاملاً رادعًا للمقاومة

يكشف رفض القانون من الجهات القضائية والأمنية، أن الصهيونية الدينية المتمثلة بـ"البيت اليهودي" وأغلبية "الليكود"، يريدون فرض أجندتهم الدينية المرتبطة بفهم توراتي مسيحاني، أن هذه البلاد هي أرض الميعاد، ولا حق لغير اليهود فيها، وقد أصبح تحكم اليهود لوحدهم فيها فريضة ولا دور لـ"الأغيار" -غير اليهود- فيها، خاصة بعد تمرير قانون القومية اليهودية؛ الذي اعتبر فلسطين وطن ما أسماه "الشعب اليهودي فقط في الوطن والشتات"، وغير اليهود عليهم الرحيل أو القبول بحكم اليهود في حياتهم، بما فيها مكان السكن. يعمل هؤلاء أيضًا على تطبيق الشريعة اليهودية وإلغاء القوانين الدولية على الأراضي الفلسطينية، من خلال صلاحيات القائد العسكري كمنطقة محتلة. وهذا القانون جزءٌ من عملية ضمٍ فعليٍ استجابة لمصلحة اليهود، كما جاء في "قانون القومية" الذي وضع المؤسسات القضائية الإسرائيلية هدفًا للتغيير والتفكيك، وتم البدء في إحداث تغييرات عميقة في مبنى وقوانين ودور المحكمة العليا، وتدمير ما تبقى من الليبرالية والديمقراطية الغربية واستبدالها بقوانين يهودية جديدة، وتعيين قضاةٍ مستوطنينَ جددٍ للمحكمة العليا، وقد بدأ ذلك يأتي بنتائج من خلال إصدار قرارات تتنافى مع القانون الدولي خدمة للمشروع الاستيطاني اليهودي.

لطالما أن "البيت اليهودي" عراب القانون، وهو يؤمن بما يسمى "أرض إسرائيل الكبرى" وفي مقدمتها الضفة الغربية، وفي ظل الرفض القضائي والأمني، يبقى الهدف هو استغلال الأكثرية الدينية اليمينية في الكنيست لقوننة عمليات التهجير والإحلال والتهويد.

كما أن تطبيق القانون يشكل امتدادًا لعمليات الطرد والتهجير التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في القرن الماضي، إذ سيتم استغلال صيغة "حاولوا تنفيذ عمليات" الواسعة التفسير، لتهجير ما تبقى من العائلات التي لا زالت تسكن في مناطق "C"، خاصة تلك التي لا زالت مرابطة في بيوتها الواقعة بين المستوطنات؛ وقد شكلت شوكة في حلقها، رغم ما تعرضت له هذه الأسر من عمليات بطش وإغراءات مالية لإجبارها على الرحيل، وقد منع بقاء هذه الأسر من ربط المستوطنات معًا لتشكل كتل استيطانية كبرى.

يجسد قانون إبعاد العائلات جوهر المشروع الصهيوني الذي دخل مرحلة متقدمة من فرض القيم اليهودية وإلغاء ما تبقى من قوانين، واستكمال تهويد الضفة وتهجير مواطنيها الفلسطينيين، وإخراج قطاغ غزة من المشهد. وسواء تم إقرار القانون بالقراءات الثلاثة أم لم يتم، بسبب قلق الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على أن تنفيذ القانون سيفجر الأمور في الضفة بشكل خطير، إلا أن إصرار اليمين والحكومة على تمريره وزاريًا وعرضه على الكنيست، يؤكد أن إسرائيل لا تأبه لتهديدات السلطة المتكررة، وأن العدوانية الإسرائيلية مبنية على فرضية أن السلطة ليست في وارد التصعيد، لتتحول المنطقة لبرميل بارود قد ينفجر في أي لحظة في ظل تراجع لدور وصلاحيات السلطة.


اقرأ/ي أيضًا:

وتنقلب الطاولة في الضفة

درع سلواد

أنا هنا حتى لو كنت ميتًا