10-يونيو-2024
المسيرات في إسرائيل 8 أشهر دون تأثير ملموس مقال ياسر مناع

إسرائيليون يتظاهرون في تل أبيب

 

عملية تحرير أربعة أسرى إسرائيليين من قلب قطاع غزة يوم السبت (8 حزيران/ يونيو)، تعكس مدى الصدمة التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي بعد أحداث 7 أكتوبر، وتسلّط الضوء على التحديات التي يواجهها المجتمع الفلسطيني في استيعاب فكرة أنّ "كل شيء وارد في هذه الحرب". وبالرغم من نجاح "إسرائيل" في تحقيق هذا الإنجاز التكتيكي، يظلُّ التساؤل قائمًا حول تأثير المسيرات المستمرة لعائلات الأسرى الإسرائيليين على مسار الحرب والقرارات السياسية والعسكرية.

المسيرات الإسرائيلية مستمرة منذ 8 أشهر، ورغم تزايد عدد المشاركين فيها، لم تنجح في تحقيق تأثير ملموس على القرارات السياسية والعسكرية، ولم تفلح في ممارسة ضغط فعّال على صنّاع القرار

يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على هذه المسيرات، التي تدخل شهرها الثامن دون تحقيق تأثير ملموس، واستعراض الأسباب التي تقف وراء عدم فعاليتها في تغيير المشهد السياسي والعسكري في "إسرائيل"، وكيف تعكس هذه المسيرات التوترات والتحديات الداخلية في ظل الحرب المستمرة.

منذ ثمانية أشهر، تنظّم عائلات الأسرى الإسرائيليين لدى حركة حماس في قطاع غزة، مسيرات بهدف الضغط على الحكومة الإسرائيلية لاتخاذ إجراءات فعّالة لتحرير أبنائهم. ومع ذلك، لم تُحدث هذه المسيرات تأثيرًا ملموسًا على القرارات السياسية والعسكرية في "إسرائيل"، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب تتعلق بالتركيبة الاجتماعية والسياسية للمجتمع الإسرائيلي.


شريحة محددة من المجتمع

أحد الأسباب الرئيسة لعدم تأثير هذه المسيرات هو أنها لا تمثّل الكل الإسرائيلي، بل شريحة محددة من المجتمع. غالبًا ما تكون هذه الشريحة من الطبقات الاجتماعية المتوسطة أو الفقيرة، وهي طبقات تفتقر إلى القدرة على ممارسة ضغط فعّال على صناع القرار. هذا الوضع يجعل من الصعب تحقيق التأثير المرجو، إذ أن الحكومة الإسرائيلية قد لا تشعر بضرورة الاستجابة لمطالب لهذه الشرائح تحت ذريعة المصالح الوطنية الأوسع.

تباين وجهات النظر

توجد أيضًا وجهات نظر متباينة داخل المجتمع الإسرائيلي تجاه قضية الأسرى والمفقودين. هناك من يرى أن القتال في غزة ومن يقاتل في غزة لاسترجاع الأسرى لا يقل أهمية عن تحرير الأسرى أنفسهم. بعض الإسرائيليين يعتبرون أن التنازل أو تقديم تنازلات لحماس يمكن أن يُشجّع على احتجاز المزيد من الأسرى في المستقبل، ما يجعل من الصعب على الحكومة اتخاذ خطوات قد تُفسّر على أنها ضعف أو تنازل.

تغيُّر أهداف المسيرات

من الجدير بالذكر أن الهدف الأساسي لهذه المسيرات هو الإفراج عن الأسرى وليس إنهاء الحرب على غزة. هناك إجماع داخل المجتمع الإسرائيلي على استمرار الحرب ضد غزة. ولكن مع مرور الوقت، رفعت المسيرات شعارات أخرى، بما في ذلك الدعوة إلى إسقاط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته.

هذا التطور أعاد المسيرات إلى مربع الصراع السياسي الداخلي بين اليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو والمعارضة، ما أضعف تأثير هذه التظاهرات وجعلها تبدو وكأنها امتداد للصراع السياسي الداخلي قبل الحرب.

التضحيات في الحروب

الحروب تتطلب تضحيات، و"إسرائيل" ترى نفسها في حالة حرب حقيقية تتطلّب أثمانًا وتضحيات لتحقيق الأهداف الوطنية والأمنية. في هذا السياق، يمكن أن تكون قضية الأسرى جزءًا من هذه التضحيات التي يجب تقديمها لتحقيق الأمن القومي. هذه الرؤية تجعل الحكومة أقلّ عرضة للضغوط الشعبية المتعلقة بمسألة الأسرى، حيث ترى أن الأولويات الأمنية والاستراتيجية تتفوق على الضغوط الاجتماعية.

الرهان الفلسطيني

من جهة أخرى، هناك تعويل فلسطيني على هذه المسيرات ومراهنة على أنها يمكن أن تكون عاملًا لوقف الحرب. ولكن هذا الرهان قد يكون غير واقعي، نظرًا للقدرة المحدودة لهذه المسيرات على التأثير في السياسات الإسرائيلية. على الرغم من حساسية قضية الأسرى في الذهن الجمعي الإسرائيلي، إلا أن السياق السياسي والعسكري يُعقِّد إمكانية تحقيق تغييرات كبيرة بناءً على هذه المسيرات فقط.

ختامًا، تعكس المسيرات المستمرة لعائلات الأسرى الإسرائيليين لدى حماس، والتي تدخل شهرها الثامن، تعقيدات الوضع السياسي والاجتماعي في "إسرائيل". هذه المسيرات، وعلى الرغم من تزايد عدد المشاركين فيها، لم تنجح في تحقيق تأثير ملموس على القرارات السياسية والعسكرية، ولم تشكّل ضغطًا فعّالًا على صناع القرار.

بالإضافة إلى ذلك، تباين وجهات النظر داخل المجتمع الإسرائيلي حول كيفية التعامل مع قضية الأسرى يعقّد من إمكانية تحقيق توافق حول هذه المسألة. في المقابل، يعوّل الفلسطينيون على هذه المسيرات كمحرك لوقف الحرب، لكن الواقع يشير إلى أن هذا الرهان قد يكون غير واقعي في ظل السياقات الحالية.