الترا فلسطين | فريق التحرير
أكدت ثلاثة مصادر خاصة من قطاع غزة لـ الترا فلسطين فشل السيناريوهات التي طرحها جيش الاحتلال الإسرائيلي، لإدارة شؤون الحياة المدنية في المناطق الشمالية من القطاع تحديدًا. خصوصًا خطط تكليف عشائر وعائلات معروفة لدى المخابرات الإسرائيلية، بإدارة حياة الناس لفترة انتقالية أو غير محددة، بهدف تقويض حكم حركة حماس بعد الحرب.
عبّر بنيامين نتنياهو عن خطّته لليوم التالي للحرب في غزة حين قال نهاية العام الماضي، إنّه "يجب أن تحكم غزة؛ إدارة محلية، لا فتح ستان ولا حماس ستان"
وكانت قناة "كان" الإسرائيلية قد كشفت في الثاني من كانون ثان/ يناير الماضي، عن خطة للجيش الإسرائيلي تتضمّن تقسيم قطاع غزة إلى مناطق تحكمها العشائر، وتتولى مسؤولية توزيع المساعدات الإنسانية، فيما يتولى جيش الاحتلال متابعة الملف الأمني.
ومنذ مطلع العام الجاري، بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي فعليًا بفتح قنوات اتصال مع شخصيات عشائرية في محافظات غزة، ولكن الطرح الإسرائيلي تلاشى مع مرور الأيام ولم يحقق نجاحًا أو تطبيقًا عمليًا واسعًا على الأرض، رغم عرضه سابقًا على الكابينت الإسرائيلي وأخذه على محمل الجد والتنفيذ بعد تصريحات متكررة طرحها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وكررها لاحقًا وزير الجيش يؤآف غالانت.
ووفق مصدر فصائلي من شمال غزة (فضّل عدم ذكر اسمه) فإن الاحتلال طرح خطة لإدارة مدن شمال القطاع عبر تقسيمها لأحياء سكنية، وفي كل حي يوجد ممثل عائلي يعتبر "مقبولًا" لدى عامة الناس والمنطقة، مهمّته التواصل مع الجهات الإغاثية والمؤسسات الدولية التي ستعمل على إيصال المساعدات له من أجل توزيعها على الناس، بعيدًا عن أي تدخل أو نشاطٍ من جهات محسوبة على سلطة قطاع غزة التي تديرها حركة حماس.
القناة 12 ذكرت في 21 شباط/ فبراير أن "إسرائيل" ستسلّم إدارة حي الزيتون إلى جهة محلية في قطاع غزة بعد انتهاء العملية العسكرية
وتابع المصدر: "على سبيل المثال مدينة بيت لاهيا، مقسّمة لـ 14 حي سكني، سيتم تقسيم كل حي لثلاثة أحياء، وفي كل حي يكون هناك ممثل يعمل على توزيع المساعدات الغذائية والخيام والمياه على السكّان، ولكن هذا المقترح لقي رفضًا مبدئيًا من معظم العائلات كي لا يكون غطاءً لمرحلة جديدة يخطط لها الاحتلال، وحتى لا تعتبر العائلات جزءًا من مرحلة انتقالية يتم فيها هندسة إدارة مدنية للقطاع مرتبطة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي".
وكشف المصدر عن مقترحٍ آخر طرحه الاحتلال، بأن تستلم عائلات كبيرة ذات نفوذ في محافظتي غزة وشمال غزة، زمام الحكم المدني بالكامل بدعم جيش الاحتلال وحمايته، ولاقى الطرح موافقة إحدى العائلات، ما دفع حركة حماس لاتخاذ موقف حاسمٍ تجاه الأمر.
وقال القيادي في الحركة أسامة حمدان خلال مؤتمر صحفي في الثالث والعشرين من شباط/ فبراير الشهر الماضي، إن محاولات نتنياهو في الاتصال ببعض العشائر والعائلات في قطاع غزة بهدف تشكيل إدارات جزئية لمرحلة ما بعد الحرب، قد فشلت.
بدوره كشف مصدر أمنيّ في وزارة الداخلية بقطاع غزة، لـ "الترا فلسطين" عن تهديدات وصلت للعائلات التي تتجاوب مع الاتصالات الإسرائيلية بأن التعامل معهم سيكون وفق "الحل العسكري".
تهديدات وصلت العائلات التي تتجاوب مع الاتصالات الإسرائيلية بأن التعامل معهم سيكون وفق "الحل العسكري"
وتابع بالقول: "يوجد في قطاع غزة ما يقارب 22 ألف عنصر أمنٍ يتبعون للحكومة في غزة، ولو فرضنا أن 4 آلاف عنصر منهم قد استشهدوا في أقصى حدّ، فإن ما لا يقل عن 17 ألف عنصر جاهزون لضبط الأمن في اليوم التالي لوقف العدوان، بالإضافة إلى استعداد أجهزة الأمن التابعة للتنظيمات الوطنية لالمشاركة في ضبط الأمن حيث أن أعدادهم بالآلاف وبدأوا يعملون في بعض المناطق منذ الآن، وبالتالي إغلاق الباب على من يفكر بأن يتعاون مع الاحتلال".
ووفق المصدر الأمني الذي أشار إلى أن معلوماتهم الاستخبارية الأمنية تفيد بأن عائلة واحدة فقط وافقت على الطرح الإسرائيلي، ورفضت عائلة أخرى الطرح، فيما طلبت عائلة ثالثة ضمانات لعملها. مضيفًا أنّ "العائلة التي وافقت ينشط نفوذها في مناطق جنوب غرب مدينة غزة قرب مواقع تمركز جيش الاحتلال الإسرائيلي عند حاجز نتساريم، ما يجعل تواصلهم وعملهم سهلًا ومباشرًا مع ضبّاط المخابرات الإسرائيلية".
عائلة واحدة فقط ينشط نفوذها جنوب غرب غزة، وافقت على الطرح الإسرائيلي، فيما طلبت عائلة أخرى "ضمانات"
اللافت بحسب المصدر، هو أن العائلات التي تتعاطى مع الطلب الإسرائيلي، تتعامل بمنطق "الثأر" مع حركة حماس على خلفية أحداث الحسم العسكري التي جرت عام 2007 حيث أنها تعتمد في سلوكها على أشخاص اعتقلوا على قضايا جنائية، وخرجوا من سجون الأمن الداخلي في غزة بفعل الحرب، وهم ذاتهم من يعملون على سرقة المساعدات عند دخولها مناطق شمال القطاع.
وأكد المصدر الأمني أنهم يملكون تفاصيل كافية عن الأشخاص الذين أجروا اتصالات مع ضباط في المخابرات الإسرائيلية، وأنهم يرصدون عملهم ونشاطهم الذي أدى في مرحلة معينة إلى انتشار الفوضى والتخريب، واستهداف المقاومين والعناصر الشرطية خلال تأمين المساعدات الواصلة إلى شمال القطاع.
ووفق مصدر فصائلي تحدّث لـ "الترا فلسطين" من شمال قطاع غزة فإن الاستقرار بدأ يعود للأسواق نوعًا ما، بعد أن نشط عمل الجهات الأمنية في جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، وانخفضت أسعار بعض السلع التي كان يحتكرها التجّار إلى أسعار أقل، حيث تراجع سعر كيلوغرام الطحين من 120 شيقلًا إلى 50، بعد تحذير الجهات الشرطية في الشمال بأن أي احتكار أو استغلال للناس سيواجه بالعقاب.
عشائر غزة ترفض الطرح الإسرائيلي
بدوره، قال "أبو سلمان" أحد كبار وجهاء العشائر في قطاع غزة، لـ الترا فلسطين إن العشائر في القطاع جميعها ترفض أي مقترح إسرائيلي لإدارة القطاع، وأن من بادر وتعاطى مع المقترحات الإسرائيلية لا يمثّل إلّا نفسه، وأن الاحتلال يسعى لخلق البلبلة والفتنة داخل المجتمع الفلسطيني في غزة، بعد تكبّده خسائر من المقاومة على الأرض.
أحد كبار شخصيات عشائر غزة: من بادر وتعاطى مع المقترحات الإسرائيلية لا يمثّل إلّا نفسه
وتابع بالقول: "نتحدى أن يعلن الاحتلال عن اسم عائلة أو أشخاص أو وجهاء معينين على استعداد لأن يتعاملوا بصفتهم ممثلين عن السكّان في شمال القطاع، لأن ذلك مرفوض بالنسبة لنا، وإن لزم الأمر حينها، فسنصدر بيانًا بحق العائلات أو الأشخاص الذين يتعاملون مع الاحتلال".
وأكد أبو سلمان أن موقف العشائر واضح من إدارة قطاع غزة، بأن تكون حكومة فلسطينية منتخبة، أو جهة توافقية يرضى عنها الشعب وترضى عنها الفصائل الفلسطينية، وما دون ذلك لن يعتبر أمرًا قابلًا للتنفيذ، ولن يتم التعامل معه.