17-أكتوبر-2015

مواجهات قرب رام الله (Getty)

اثنان وأربعون شهيدًا من بينهم سبعة أطفال، إعدامات ميدانية، اعتقالات عشوائية لأطفال وقاصرين وقاصرات. إصابة المئات بالرصاص الحي. حالات اختناق بسبب الغازات السامة. هدم بيوت فوق رؤوس أهلها. حصار على الحصار. مواجهات دامية شارفت على أسبوعها الثالث. ولم يتكلّف أي من رجال السلطة الفلسطينية عناء التصريح أو دعم شعبهم المقاوم.

محمود عباس مع المقاومة لكن "سلميًّا"، ومع مواجهة التصعيد الإسرائيلي لكن "بالصبر والحكمة"!

يخرج محمود عبّاس، بعد أسبوعين من المواجهة الدامية مع الاحتلال، ليطلب من شعب فلسطين "الصبر والحكمة". الشعب الذي ذاق جميع ألوان العذاب لأكثر من ستين عامًا، وصمد وصبر على كافة أشكال الظلم، الشعب المحتل والمنتهك على مدار السّاعة في عمله ومدرسته وجامعته وأرضه وأماكن عبادته؛ يأتي رئيس السلطة ليطلب ببساطة منه أن يتحلى بـ"الصبر والحكمة" في مواجهة الاحتلال الّذي لم ينفع معه شيء منذ 1948، والّذي لم يجد شعب فلسطين سبيلًا، غير الحجر والسكين ليجابه دباباته ورشّاشاته. 

إذن، محمود عباس مع المقاومة لكن "سلميًّا". هو مع مواجهة التصعيد الإسرائيلي لكن "بالصبر والحكمة"! "الصبر" تخيّلوا أن يطلب رئيس السلطة الفلسطينية من أبناء فلسطين مزيدًا من الصبر. أرض منتهكة، حقوق مسلوبة، ذل ليلي ونهاري، مساس بمقدسات دينية، مجازر من وقت لآخر، اعتقالات تعسفية، حقارة على مدار الساعة، ذل ومهانة لا آخر لهما. ومع هذا يتجرّأ أبو مازن ويطلب من شعبه مزيدًا من "الصبر". 

الأنكى من ذلك أنه لا يريد أية مواجهات "عنيفة". وكأنّه لا يكفي الشعب الفلسطيني، المحاضرات التنظيرية الّتي يرفعها "طوباويّو" هذا العالم، الذين رأوا في السكين دمًا وعنفًا كثيرًا لا يليق بالقضية، لا يكفي الشعب الفلسطيني كل هؤلاء الحالمين الواهمين بأن العالم سيتعاطف مع الشعب الفلسطيني ويدعم مقاومته، فقط إذا لزم مكانه ولم يثأر لكل الدماء التي أسالها ويسيلها الصهاينة. على اعتبار أن هذا العالم قد أنصف يومًا ما هذا الشعب وهذه القضية.  كان لا بدّ لمحمود عباس أن يأتي بخلطة الصبر والسلوان و"الفري هاغز"ليزيد من سخط الفلسطينيين تجاه هذا الرجل وتجاه سلطته وتجاه هذا العالم أجمع.

يَعد أبو مازن العالم بأنّه "سيهدّئ الوضع"، ألا يعلم أرباب السلطة في فلسطين وفي كل مكان في العالم، بأنّ مقاومة الشعوب ليست قرارًا بيد السلطويين؟ فحينما انتفض الفلسطينيون، لم يطلبوا الإذن من عبّاس ولا من سلطته. فبأيّ حقّ يسند زمام الأمور إلى شخصه الكريم. فعلًا في هذا الجزء من العالم المقيت، لا بدّ من الانقلاب على السلطات جميعها. السلطات الّتي عاشت وتتغذّى على كرامة وراحة شعوبها.

ذل ومهانة لا آخر لهما، وأبو مازن يطلب من شعبه مزيدًا من "الصبر"

فليذهب أبو مازن إلى حوار الطّاولات وليخطب في أرباب السلطة أمثاله ويترك الحجر للبشر في فلسطين، وليرحمنا من خطابات الذّل والخنوع الّتي ورثها عن جيرانه من السلطويين الذين باعوا الأرض وباعوا القضية وعندما قرّروا التسلّح وجّهوا سلاحهم إلى بلد عربي آخر. تركوا فلسطين ونسوها واشتروا أرباب السلطة فيها. لم يعد ينتظر الفلسطيني المقاوم منّا شيئًا، فجميعنا تخلّينا عنهم. لم يجدوا منّا إلّا الكلام والخطابات.

لماذا يستكثر العالم على الفلسطينيين الانتفاض؟ لماذا يستكثر أبناء فلسطين على شركائهم في الوطن الانتفاض؟ ما المطلوب؟ أن يبقى الشعب راضخًا ذليلًا إزاء حقارة الاحتلال. ليت أتباع غاندي يخبروننا كيف تحصّل الحقوق وكيف تقاوم بالسلميّة؟ كيف تجابه عدوًا احتل أرضك، وصادر رزقك ويقتل ويتعسّف كيف تجابهه بالسياسة؟ باللطف؟ نقول لهم "بليز.. رجاءً لا تقتلونا.. لا تذلّوا أمهاتنا.. إذا بتريدوا لا تدنّسوا مقدساتنا"..؟ قالها مهند الحلبي "الشعب سينتفض بل ينتفض" وكرّت السّبحة من ورائه وأيقظ شعلة الثورة النائمة.

ينظّر المنظّرون ويتفذلك المتفذلكون. لكنّ الحجارة كثيرة وفلسطين ولّادة. والمقاومة لا تكون إلّا هكذا كما أرادها الفلسطيني الّذي لم يجد إلا الحجر والسكّين. ليس مقبولًا من عبّاس ولا من سواه أن يعلّم الشعب الفلسطيني كيف تكون المقاومة.

اقرأ/ي أيضًا للكاتبة:

نون النّسوة في المقاومة الفلسطينية

اللاجئون السوريون في البازار اللبناني