حملت بداية العام الدراسي الجديد في قطاع غزة، تعديات على الحريات الشخصية للطالبات وسط محاولات للتبرير من قبل وزارة التربية والتعليم في القطاع، رغم تحذيرات حقوقيين وانتقادات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ومنعت مديرة مدرسة بغزة طالبة في الصف الحادي عشر من دخول صفها، بسبب عدم ارتدائها الحجاب، بينما قالت إحدى المعلمات للطالبة "أنتِ تشكلين خطرًا على أمن الدولة"، وذلك في مدرسة "محفوظ النحناح" وهي مدرسة "أحمد شوقي" التي تغيّر اسمها وموقعها هذه السنة.
في غزة ألزمت معلمةٌ طالبة بنوع محدد من الحجاب وقالت لها معلمة أخرى إنها خطر على أمن الدولة
"ألترا صوت" تواصل مع طالبات يشتكين من التعرض لهن لمحاولة فرض ارتداء الحجاب بالمدرسة، حتى أن مديرة المدرسة المذكورة ايمان أبو سمرة أمضت الطالبات "المخالفات"، حسب توجهها، على "ورقة تعهد" تمنعهن من دخول المدرسة إلا بعد ارتداء الحجاب.
اقرأ/ي أيضا: توجيه 5 تهم لصحفية من غزة بسبب تحقيق صحفي
الطالبة دنيا عاشور، تقول إنها توجهت للدوام المدرسي في اليوم الأول، إلا أن فرحتها بعامها الجديد واستعدادها لخوض غماره بحماسة لم تكتمل، إذ وجدت أنها "ممنوعة" وأن عليها أن "تدبّر شالة وبندانة" كي تدخل فصلها، كما أنها مهددة بخصم درجاتها وعلامات النشاط لاحقًا بسبب هذه "المخالفة".
وتضيف عاشور لـ "ألترا صوت"، أن المعلمة طلبت منها الاتصال بعائلتها لإرسال حجاب لها، لكنها وجدت شالا مع إحدى زميلاتها ووضعته على رأسها، إلا أن معلمة منعتها من دخول الصف قائلة: "أنتِ ياا... مش مضيتي على تعهد؟ وممنوع تفوتي المدرسة بدون "شالة وبندانة". (البندانة قطعة قماشية تُلبس تحت الحجاب).
ووقعت مشادة كلامية في اليوم التالي بين والدة الطالبة من جهة، ومديرتها ومعلماتها اللواتي تمسكن بعدم انتظام دوامها دون التزامها بارتداء "الحجاب" داخل المدرسة، ما دفع والدتها لنقلها إلى مدرسة أخرى تكون مديرتها "أقلّ تشددًا"، وقد تم ذلك بالفعل حيث انتقلت لمدرسة "بشير الريّس"، حسب عاشور.
وفي المدرسة ذاتها أيضًا، اشتكت سارة شبير (طالبة في الصف الحادي عشر أيضًا) من التعرض لموقف مماثل، إذ تقول إن معلماتها فرضن عليها ارتداء الحجاب كشرط لدخول الفصل والاستماع للدرس، وقلن لها: "لو شافتك المديرة مش حيصير خير".
المديرة بدورها طلبت من الطالبة التوقيع على "تعهد" إلزامي يقضي بوجوب ارتداء الحجاب والالتزام بـ"النظام العام" داخل المدرسة، وعدد من الشروط التي قالت عنها المديرة إنها "شروط الدراسة بالمدرسة"، حسب قول سارة التي تحاول أيضا الانتقال من مدرستها بسبب ما حدث.
"ألترا صوت" حاول التقاء مديرة المدرسة المذكورة للحصول على تعقيب منها بهذا الخصوص، لكن محاولاتنا قوبلت بالرفض.
ولا تعتبر هذه "التعديات" جديدة على المدرسة ذاتها ومديرتها، ففي العام مُنعت الطالبة مرح نشوان (16 عاما) من دخول صفها لثلاثة أيام للسبب ذاته. ورفضت المديرة حينها منح والدة مرح كتابًا خطيًّا بالمنع وسببه حتى لا تتوجه بشكوى إلى التربية، وقالت لها: "هذه قوانين مدرستي التي حصلت على المركز الأول في الالتزام وأريدها أن تبقى كذلك".
كما علم "ألترا صوت" بمنع مدرسة الزهراء الثانوية للبنات شرق غزة، طالبة من التسجيل لديها بسبب عدم ارتدائها الحجاب.
وقالت مصادر، إن طالبة حضرت مع والدها قبل أيام لتسجيلها لكنها غادرت دون إتمام الإجراء، ولدى سؤال الأب عن السبب أجاب بأن إدارة المدرسة أبلغته بأنها لا تستقبل طالبات غير محجبات لديها.
من جهتها، أفادت وزارة التربية والتعليم بغزة بأنه لا يوجد ما يلزم الطالبات غير المحجبات بارتداء الحجاب داخل المدرسة، كون الحجاب ليس جزءًا من الزي المدرسي المتعارف عليه للمرحلة الثانوية تحديدًا وهو "الطقم الجينز والجلباب الكحلي".
وزارة التعليم في غزة ترى في ارتداء الحجاب حفاظًا على "الصنف العام والمنظر الاجتماعي" والطالبات غير المحجبات يرينه تعديًا على حريتهن
وقال معتصم الميناوي المتحدث باسم الوزارة في غزة: "باختصار وبشكل عام فإننا نحاول الحفاظ قدر المستطاع على الصنف العام والمنظر الاجتماعي المناسب للجميع بدون اختلاف"، مضيفًا، "مثلًا يتم مراجعة الطالب الذي يتعدى الصنف العام بـتسحيل بنطاله أو بقصة شعر غير مناسبة، وبالمقابل موضوع الطالبات أيضًا".
وأكد الميناوي لـ "ألترا صوت"، أنه لا يوجد بوزارة التربية والتعليم لوائح وزارية أو قوانين حول ارتداء الحجاب داخل المدرسة بشكل إلزامي، مضيفًا، أن الوزارة تحترم حرية الطالبات اللواتي يعتنقن الديانة المسيحية بعدم ارتدائه، "لكن الذي يحصل هو محاولة فرض النظام والمحافظة على الصنف العام"، وفق قوله.
وأضاف، "نحن لا نتدخل بأمور الحريات ولكل طالب الحرية بما يرتدي طالما لا يخالف النظام العام والأخلاق العامة، إلا أن هناك فرقًا بين التفنن بعدم ارتداء الحجاب أو عدم ارتدائه بشكل طبيعي كما لا يجوز أن تأتي طالبة مدرسية وقد تفننت بتزيين نفسها وتسريحة شعرها وارتداء طقمها بشكل غير مناسب"، حسب تعبيره.
ويدعي الميناوي أن ما حدث لا يعود لقيود على نوع الملابس وفرضها من ناحية شرعية، بل "من ناحية المظهر المقبول ضمن النظام المدرسي"، مضيفًا، "لو تقدمت الطالبات بشكوى للوزارة وثبت أن الحجاب فُرض عليهن مع التزامهن بالنظام والمنظر المقبول فسيتم مراجعة المديرة بهذا الشأن".
اقرأ/ي أيضا: جامعة بيرزيت مغلقة بقرار طلابي وسط اتهامات متبادلة
وترفض الطالبتان ما وصفه الميناوي بـ"التفنن في عدم ارتداء الحجاب"، وتؤكدن ارتداءهن "ملابس فضفاضة وعدم تسريح شعرهن إلا بما يضمن المظهر اللائق لهن"، كما تبررن عدم تقديم شكاوى للتربية بقناعتهن بعدم جدوى ذلك، وثقتهن بأن التربية ستنحاز للمديرة التي ستؤكد قيامهن "بممارسات غير لائقة"، حسب اعتقادهن.
وينتقد مدير البحث الميداني في مركز الميزان لحقوق الإنسان سمير زقوت ممارسات المديرة، ويعلق في حديث لـ "ألترا صوت" قائلًا: "تاريخيًا، فان الحجاب ليس جزءًا من الزي المدرسي وما يجري هو فرض لأمر واقع ومحاولة من قبل البعض لفرض وجهة نظرهم على المجتمع الفلسطيني".
وأضاف زقوت، "المدرسة مؤسسة عامة وليست لأهواء شخصية وتوجّه واحد، حيث تجاوزت هذه المديرة بتصرفها وقدمت خدمة لأيدولوجيتها وتوجّه من هم أعلى منها، وهي بذلك تُبدي الولاء وتقدم خدمات للوزارة تحت عباءة التصرف الفردي والنظام العام".
ورأى أنه يتوجب على الوزارة إيجاد سياسات علنية حول هذه القضية، بعيدًا عن "التصريحات الفارغة"، ومحاسبة كل المسؤولين عن هذه "التجاوزات".
واعتبر زقوت أن رفض مدرسة الزهراء تسجيل طالبة بسبب عدم ارتدائها الحجاب انتهاكًا خطيرًا لحق التعليم الذي يعتبر حقًا أصيلًا للإنسان، وفي ذلك انتهاك لقوانين حقوق الإنسان وحتى القانون الفلسطيني المحلي، الذي يجب الوقوف عنده واحترام رغبة كل فرد بارتداء ما يناسبه، وفق قوله.
اقرأ/ي أيضا: "بفلوسك" فقط.. احصل على ماجستير الطب في مصر
اقرأ/ي أيضا: انتخابات فلسطين.. الإقصاء الديمقراطي