من الاستثمار في أدوات وتكنولوجيا الطاقة البديلة، إلى معمل للحفر على الحديد والخشب بتقنيّات حديثة، هكذا تحوّلت تجربة مجموعة الأخوة الهندسية للطاقة البديلة، بعد 11 عامًا من تأسيسها في الضفة الغربية، لتكون مثالًا على ضعف جدوى الاستثمار في الطاقة المتجددة في فلسطين، رغم أنّ مشاريع كهذه، يمكن أن تكون ذات جدوى كبيرة وفقًا لخبراء، بسبب توفّر الشمس طوال أيام السنة تقريبًا، لولا معيقات أخرى تحول دون تطوّر المشاريع في هذا المجال.
محمد إسماعيل، مالك مجموعة الأخوة يعزو تحوّل اتجاه مجموعته، بعد سنوات من تأسيسها عام 2006، إلى عزوف المواطنين عن استخدام الطاقة البديلة ومعداتها على اعتبار أنّها "غير مجدية" لهم، على حدّ قوله، ومن أسباب ذلك أنّ استرداد ثمن النظام كان يتحقق خلال 3 سنوات، أما اليوم فهو يحتاج لـ 7 سنوات.
شركات عاملة في مجال الطاقة البديلة حوّلت تخصصها، وأخرى تشتكي العزوف عن طلب خدماتها بسبب معيقات إسرائيلية وفلسطينية
لكنّ هذا السبب ليس الوحيد لإضعاف الاستثمار في هذا المجال، وفق خالد جبارين مدير شركة "نوركو" لتكنولوجيا الطاقة، فهو يرى أنّ الثقة بالمنتج الفلسطيني في مجال الطاقة البديلة لم تتكون بعد لدى المستهلك، غير أن شركته استطاعت المنافسة على صعيد السوق الإسرائيلي وأخذ حصة فيه، كما استطاعت التخلص من التبعية للشركات الإسرائيلية في مجال استيراد بعض المواد والمعدات منها، حيث تُصنّع هذه المواد ذاتيًا داخل الشركة.
اقرأ/ي أيضًا: مليونيرية يقودون عصابات الشيكات البنكية
ويشير جبارين إلى أن شركته" نوركو" نافست الشركة الإسرائيلية في عطاء مدينة روابي للسخانات الشمسية، إلا أنّ العطاء ذهب لصالح الشركة الإسرائيلية. فيما أكدت شركات أخرى متخصصة في إنتاج الطاقة ترفض الكشف عن هويتها - كون مشاريعها قيد التنفيذ - أنّها عانت مشاكل عدة في مجال التراخيص وإجراءات الشركة الناقلة، وترى إجحافًا في القوانين.
ونجحت شركات في إنجاز مشاريعها قبل الحصول على تراخيص لها من سلطة الطاقة، وهو ما يعتبره هؤلاء دليلًا على تعقيدات إجراءات السلطة وبطئها. هذه المعلومة يؤكدها المهندس أيمن إسماعيل مدير عام المركز الفلسطيني لأبحاث الطاقة والبيئة في سلطة الطاقة، لكنّه يعلل ذلك بالقول إنّه لا يمكن للسلطة أن ترخّص المشروع قبل الاطلاع على مواصفات الخلايا والمعدات المستخدمة وغيرها، والتأكد من المواصفات التي يجب الالتزام بها.
ويشير المهندس إسماعيل إلى قرار مجلس الوزارء الفلسطيني جعل سعر الشراء للكيلو الواط \الساعة من الشركات المنتجة للطاقة الكهربائية 90٪ من السعر الإسرائيلي، معتبرًا ذلك دليلًا على وضع السلطة تسهيلات في هذا المجال، وموضحًا أنّ هذه التسعيرة وضعت بناءً على دراسة تكلفة الكيلو الواط والجدوى الاقتصادية، وهو سعر مجد اقتصاديًا.
ويضيف أنّ الفرق في السعر إذا زاد عن ذلك سيدفعه المواطن، مبينًا أن المشروع يستعيد رأسماله خلال 7 سنوات، والعقد مع الشركة الوطنية الناقلة مدته 20 سنة، أي أنه سيجني أرباحه خلال الـ13 سنة المتبقية.
وسبق أن أقرّت هيئة تشجيع الاستثمار قرارًا أعفى مشاريع الطاقة من ضريبة الدخل كليًا أول 7 سنوات من عمر المشروع، إضافة لإعفاءات بنسب أخرى خلال السنوات القادمة من المشروع. كما تُعامل مشاريع الطاقة المتجددة معاملة المشاريع المتوسطة والصغيرة في القروض البنكية، بحيث يدفع صاحب هذا النوع من المشاريع 10٪ فقط من ضريبة الدخل.
يوجد في الضفة 13 مشروعًا تنتج الطاقة بالفعل، و10 مشاريع طور التنفيذ، واستمرار الاستثمار في هذا المجال سيقلل الاعتماد على إسرائيل بنسبة 50%
يذكر أنّ مشاريع الاستثمار في الطاقة المتجددة والمسجّلة لدى سلطة الطاقة بلغت 13 مشروعًا تنتج طاقة لأكثر من 30 ميجا واط منتشرة في مناطق متعددة بالضفة الغربية، وقد تم ربط ثلاثة مشاريع منها بشكل فعلي مع شبكات توزيع الكهرباء، فيما تبقى 10 مشاريع طور التنفيذ، هذا عدا عن المشاريع التي تُنفذ من خلال البلديات والمجالس المحلية.
ويرى حسن أبو لبدة، رئيس اتحاد صناعات الطاقة المتجددة، في حديثه لـ "الترا فلسطين" أنّ مشاريع الطاقة البديلة في فلسطين من شأنها أن تقلل الاعتماد على إسرائيل بنسبة 50% في مجال الطاقة، خاصة أن هذه المشاريع مجدية اقتصاديًا في فلسطين، مضيفًا أن التطور في هذا القطاع جيّد في هذه المرحلة على الرغم من كثرة العقبات والمعيقات.
وعندما طلبنا توضيحًا أوفى لطبيعة هذه العقبات، أجاب أبو لبده بأن جزءًا منها متعلق بالتشريعات والقوانين والأنظمة، وجزء آخر بالسياسات، مضيفًا أن هيئة تشجيع الاستثمار أصدرت مجموعة من الحوافز في الاتجاه الصحيح، لكنّها لم تتمكن من توفير كفالة سيادية لكل مستثمر تمكنه من استراداد حقوقه المالية من السلطة حينما يبدأ بشتغيل النظام وضخ الكهرباء بالشبكة، وبيعها للسلطة. وحمّل أبو لبده مسؤولية ذلك لوزارة المالية التي قال إنها لا تمنح هذه الكفالة للمستثمرين، على الرغم من أن هذا النظام يُعمل به في كل أنحاء العالم.
وبحسب أبو لبده، فإن هناك تحيزًا واضحًا من قبل السلطة لصالح شركات توزيع الكهرباء، يتعلق بإجراءات الترخيص والرسوم التي تتقاضاها من شركات الكهرباء أو من المقاصة التي تحدث بين شركات الكهرباء والمستثمر في حال كانت لصالح الاستثمار الخاص، مشيرًا إلى أن أي مستهلك يستخدم الطاقة الشمسية، فإن الفائض عن حاجته الشهرية من الكهرباء تُخصم منها نسبة 25% لصالح شركة الكهرباء، بالإضافة للرسوم.
اتهامات للسلطة الفلسطينية بالتحيّز لصالح شركات توزيع الكهرباء في إجراءات الترخيص والرسوم التي تتقاضاها
وكمثال آخر، فإنّ أيّ مستهلك يضع الطاقة الشمسية في مكان آخر غير سطح منزله أو مصنعه، سيجد أنّ شركات توزيع الكهرباء تتقاضى ما نسبته 10% من مجموع الإنتاج كرسوم، بموجب القوانين والتشريعات.
ويوضح أبو لبده، أنّ هناك مقاومة شديدة من قبل شركات توزيع الكهرباء لفكرة استثمار الطاقة الشمسية، لأنّ كل شخص سيتحوّل للطاقة الشمسية سيستغني عن خدمات هذه الشركات. ويُضاف إلى كل ذلك، معيقات مصدرها الإجراءات الإسرائيلية التي تتحكم بكل كيلو واط ومنعها الاستثمار في المناطق المسماة "ج"، ومنعها لمشاريع الطاقة المتجددة ذات الإنتاجية العالية، لضمان الاعتماد عليها والتبعية لها في مجال الكهرباء.
وحول التوقعات لمستقبل الاستثمار في الطاقة البديلة، يرى أبو لبده أن الكرة هُنا في ملعب السلطة الفلسطينية، وتطوّر هذا القطاع مرتبط بالتسهيلات التي تقدّمها من حيث النوع والجدية، مؤكدًا أن العامين القادمين سيشهدان تطورًا في هذا المجال خاصة بعد تقييم المشاريع القائمة بنجاح.
اقرأ/ي أيضًا:
الضفة: محلات إلكترونية تسرق زبائنها