18-يونيو-2024
محمد الكفارنة أجبره الاحتلال على النزوح وحيداً من شمال القطاع لجنوبه ولم يعد يفكر بامتحانات التوجيهي-أحلام حماد-الترا فلسطين

محمد الكفارنة أجبره الاحتلال على النزوح وحيداً من شمال القطاع لجنوبه ولم يعد يفكر بامتحانات التوجيهي | الترا فلسطين

تأجل حلم الطالب محمود الحويحي بالتفوق في امتحانات الثانوية العامة "التوجيهي"، والالتحاق بكلية الطب البشري من أجل تحقيق حلمه وحلم أسرته بأن يصبح طبيبًا.

انطلق الموسم الدراسي في قطاع غزة في أيلول/سبتمبر من العام الماضي، واجتهد الحويحي في المواظبة على دوامه المدرسي في مدرسة حكومية ببلدة بيت حانون شمال القطاع، ومراجعة دروسه أولًا بأول من أجل الحصول على معدل مرتفع يؤهله لدراسة الطب.

بالنسبة للطالب الحويحي فإن إقامته في صف دراسيّ تجعله دائم الحزن على العام الدراسي الذي ضاع هباءً

كل ذلك لم يدم طويلًا، وانهارت أحلامه مع اندلاع العدوان الإسرائيلي على القطاع عقب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

أحلام منهارة

وهربًا من جحيم العدوان الإسرائيلي على بلدة بيت حانون الواقعة على السياج في أقصى القطاع، أجبر الحويحي مع أسرته المكونة من 15 فردًا، على النزوح المتكرر، ويقول لـ"الترا فلسطين": "نزحنا مع بداية الحرب من بيت حانون إلى حي الرمال في مدينة غزة، ومنه إلى مدينة دير البلح في وسط القطاع، ومنها إلى مدينة رفح ونقيم حاليًا في مدرسة بمدينة خانيونس".

ولجأت أسرة الحويحي إلى هذه المدرسة عقب النزوح الكبير من مدينة رفح على وقع العملية العسكريّة الإسرائيلية البريّة التي بدأها جيش الاحتلال في 7 أيّار/مايو الماضي.

وتقيم أسرته في صف دراسي، وبالنسبة للطالب الحويحي فإن إقامته في هذا الصف تجعله دائم الحزن على العام الدراسي الذي ضاع هباءً، وبسبب استمرار الحرب لن تُعقد امتحانات التوجيهي، وقد تأجّل حلمه بدراسة الطب.

محمود الحويحي طالب توجيهي ضيعت الحرب موسمه الدراسي وينزح مع اسرته في مدرسة بخانيونس-أحلام حماد-الترا فلسطين
محمود الحويحي طالب توجيهي ضيّعت الحرب موسمه الدراسي، وينزح مع أسرته في مدرسة بخانيونس | الترا فلسطين

ويقول هذا الطالب المتفوق: "كلما نظرت إلى المقاعد الدراسية أتذكر أنني لن أتقدم لامتحانات التوجيهي المقررة هذا الشهر أسوة بزملائي في الضفة الغربية والقدس".

"كنت أخطط لدراسة الطب في مصر"، يتذكر الحويحي أحلامه قبيل انطلاق العام الدراسي، ويقول: "كنت مجتهدًا وحضرت للسنة منذ ما قبل انطلاقها، وأتابع بعض الدروس عبر اليوتيوب، وملتزم بدروس خصوصية في الرياضيات والفيزياء واللغة الإنجليزية، وفجأة انهار كل شيء مع اندلاع هذه الحرب المستمرة منذ 8 شهور ولا نعلم متى ستنتهي".

شهر واحد فقط سبق اندلاع الحرب، تقدم خلاله الحويحي لامتحانات شهريّة لقياس قدرات الطلبة، وحصل فيها بحسب وصفه على "درجات عالية ومشجعة"، وصمت للحظات وجال ببصره في أرجاء المدرسة، ثم قال بصوت منخفض وحزين: "الله يعوضنا خير".

محامية مع وقف التنفيذ

وبحسب وزارة التربية والتعليم في رام الله، فإن زهاء 50 ألف طالب وطالبة سيتقدمون في 22 من شهر حزيران/يونيو الجاري لامتحانات الثانوية العامة، في الضفة الغربية ومدينة القدس المحتلة والخارج، فيما سيُحرم منها ما يقارب 40 ألف طالب من قطاع غزة بسبب الحرب الإسرائيلية المستمرة.

وظلّ الوصول إلى الثانوية العامة والتفوق في امتحانات التوجيهي حلمًا يراود الطالبة هند نعيم من المرحلة الابتدائية، وتقول لـ"الترا فلسطين": "الحرب حطمت أحلامنا".

الطالب محمد الكفارنة  افترق عن أسرته، 7 أفراد، بعدما أجبرته قوات الاحتلال على النزوح بمفرده من شمال القطاع إلى جنوبه

وفي اليوم الثاني للحرب، نزحت هند مع أسرتها المكونة من 12 فردًا، من منزلها في بلدة بيت حانون إلى مخيم جباليا، ومنه إلى مخيم النصيرات في وسط القطاع، ثم إلى مدينة رفح قبل مغادرتها مع بدء العدوان البريّ والنزوح في مدرسة بمدينة خانيونس.

وتتذكر هند اللحظة التي تركت فيها منزلها في بيت حانون، وقد وَدعت شنطتها المدرسية ومكتبها على أمل العودة القريبة واستكمال دراستها، غير أن أحلامها وآمالها انهارت مع استمرار الحرب، وضياع الموسم الدراسي، وتقول: "كما دمرت الحرب منازلنا وممتلكاتنا دمرت كذلك أحلامنا وأمنياتنا".

اختارت هند الدراسة بالفرع الأدبي في الثانوية العامة، وحلمها أن تتفوق وتلتحق بكلية الحقوق من أجل أن تصبح محامية مثل شقيقها وخالها، وقد اختارت هذا الطريق من أجل الدفاع عن قضية شعبها وحقوق المظلومين.

حكايات مؤلمة

في حكاية مشابهة لقريبته هند، نزح خيري نعيم 5 مرات منذ مغادرته لأول مرة منزله في بلدة بيت حانون في شمال القطاع حتى استقر به الحال حاليًا في مدرسة بمدينة خانيونس، ويقول لـ"الترا فلسطين": "أسرتي 8 أفراد، ولم يعد لدينا أيّ منزل نعود إليه، والسنة الدراسية ضاعت، وحلمي بدراسة الطب ضاع، والحرب قد دمرت حياتنا كلها".

يقول خيري الذي اختار الفرع العلمي بالثانوية العامة من أجل تحقيق حلم أسرته بأن يصبح طبيبًا: "كلما تذكرت أن الامتحانات ستبدأ، ولن تعقد في غزة، أشعر بغضب وحزن شديدين، بأي حق تضيع سنة من أعمارنا؟".

الحرب الاسرائيلية حطمت حلم الطالب خيري نعيم بدارسة الطب البشري-أحلام حماد-الترا فلسطين
الحرب الاسرائيلية حطمت حلم الطالب خيري نعيم بدارسة الطب البشري | الترا فلسطين 

وللطالب محمد الكفارنة حكاية ألم ومعاناة مركبة مع الحرب، وقد افترق عن أسرته المكونة من 7 أفراد، بعدما أجبرته قوات الاحتلال الإسرائيلي على النزوح بمفرده من شمال القطاع إلى جنوبه، ويقول لـ"الترا فلسطين": "خضت رحلة نزوح صعبة من الشمال إلى النصيرات ثم إلى دير البلح ثم إلى رفح ،وها أنا الآن في خانيونس، وأهلي في شمال القطاع وتمضي أيام طويلة لا أعلم عنهم شيئًا بسبب صعوبة الاتصالات والإنترنت".

محمد طالب ثانوية عامة كان يحلم بأن يصبح معلمًا للرياضيات، لكن امتحانات الثانوية لا تشغل باله حاليًا بقدر قلقه الكبير على أسرته في الشمال، ويصف أوضاعهم المعيشية هناك بأنها "مأساوية".

يقيم الطالب محمد الكفارنة وحيدا في مدرسة بخان يونس ويشعر بالقلق الدائم على اسرته في شمال القطاع-أحلام حماد-الترا فلسطين
يقيم الطالب محمد الكفارنة وحيدًا في مدرسة بخانيونس ويشعر بالقلق الدائم على أسرته في شمال القطاع | الترا فلسطين

يقول محمد: "عندما اندلعت الحرب، ونزحنا من بيتنا في بيت حانون، حملت شنطتي المدرسية معي، كي لا أنقطع عن الدراسة، لكن مع مرور الأيام أدركت أنها حرب صعبة وطويلة، حتى أننا اضطررنا إلى حرق الكتب والدفاتر من أجل طهي الطعام على النار، في ظل أزمة انقطاع غاز الطهي".

استهداف التعليم

يقول مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة لـ"الترا فلسطين": "إنها المرة الأولى التي لن يتمكّن فيها طلبة التوجيهي من التقدم للامتحانات، التي تعتبر مرحلة مهمة في حياتهم تؤهلهم لدخول الجامعة، وتحديد هويتهم المستقبلية".

وتشير التقديرات إلى أن 40 ألف طالب وطالبة في القطاع من أصل 90 ألف طالب وطالبة على مستوى فلسطين لن يتقدموا لامتحانات الثانوية العامة بسبب هذه الحرب، ويحمّل الثوابتة الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأميركية المسؤولية عن كل الجرائم التي ارتكبت على مدار شهورها الثمانية، ووسط عجز وفشل للمجتمع الدولي لإيقاف هذه الحرب.

قتل الاحتلال نحو  10,000 شهيد من طلبة الجامعات والمدارس

ووفقًا لتوثيق المكتب الإعلامي الحكومي فقد دمر الاحتلال خلال هذه الحرب  109 مدارس وجامعات بشكل كليّ، و316 مدرسة وجامعة دمرها الاحتلال بشكل جزئي، فضلًا عن قتله مئات طلبة الثانوية العامة، سواء كان بقصف المنازل فوق رؤوسهم أو استهدافهم في خيام النازحين أو قتلهم في الشوارع ضمن جرائم حرب الإبادة الجماعية، وهؤلاء ضمن 10,000 شهيد من طلبة الجامعات والمدارس. 

ويرى الثوابتة أن حرب الإبادة الجماعية التي يشنها جيش الاحتلال ضيّعت العام الدراسي على طلبة المدارس والجامعات في ظل استمرارها وقصف المدارس والجامعات، ودمرت مستقبل الطلبة بشكل يظهر ويبين مدى وحشية الاحتلال وممارساته واستهدافه الممنهج للتعليم الفلسطيني.