أنجبت الأم العشرينية لينا رائد حمد توأمًا، وعانت من أجل توفير الحليب لهما، قبل أن تهتدي إلى خيمة طبية تحمل اسم "أنتم أهلنا"، للطبيبة لبنى عبد العزيز العزايزة في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، حيث تلقت تثقيفًا صحيًا، وتمارين إرشادية للاعتماد على الرضاعة الطبيعية.
تتعامل الخيمة الطبية "أنتم أهلنا" يوميًا مع زهاء 20 حالة بشكل مباشر، وتقول الطبيبة لبنى العزايزة إنها تحرص على تخصيص يومين أسبوعيًا لتنظيم زيارات ميدانية للخيام ومراكز الإيواء للوصول إلى مرضى ومسنين وحالات ليس بمقدورها الحركة
في خيمة بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، التي تؤوي حاليًا نحو مليون نسمة غالبيتهم من النازحين، تقيم لينا مع أسرتها النازحة من بلدة بيت حانون في شمال القطاع. واجهت لينا حمد، مثل آلاف النساء الحوامل خلال الحرب، معاناة في الوصول إلى الرعاية والمتابعة الصحية، والتغذية السليمة، وتقول لـ "الترا فلسطين": "حتى بعد الميلاد نعاني عدم توفر الطعام، والحليب، ومن الاكتظاظ الشديد في المستشفيات والمراكز الطبية".
ووجدت لينا حمد في الخيمة الطبية "أنتم أهلنا"، وهي مبادرة مجانية للطبيبة لبنى العزايزة؛ المختصة بالمواليد والرضاعة الطبيعية، ما يخفف أعبائِها كامرأة أنجبت حديثًا، وتحتاج الرعاية الطبية لها ولطفليها التوأم، حيث حليب الأطفال مرتفع السعر في الأسواق، ولا تقوى على توفيره غالبية الأسر التي أرهقتها الحرب الدائرة في القطاع، وتقترب من إتمام عام كامل في 7 تشرين الأول/أكتوبر.
علاج وتثقيف
وبفضل الورشات التثقيفية التي تعقدها الطبيبة لبنى العزايزة داخل خيمة "أنتم أهلنا" أو من خلال تجوالها وفريقها من المتطوعين على الخيام ومراكز الإيواء في مدينة دير البلح، تمكنت من تخفيف استهلاك حليب الأطفال، وزيادة الاعتماد على الرضاعة الطبيعية.
ومثل لينا، كان لفرح الرواغ، النازحة مع أسرتها من مدينة غزة لمدينة دير البلح، تجربة نجاح أخرى مع مولودها، وتقول لـ "الترا فلسطين"، إن الخدمات الإرشادية والطبية التي تلقتها في الخيمة الطبية "أنتم أهلنا" ساعدتها كثيرًا مع طفلها الرضيع، ليس فقط على صعيد الاعتماد أكثر على الرضاعة الطبيعية وتخفيف استهلاك الحليب الصناعي، وإنما أيضًا في ما تعرض له من أمراض نتيجة الحياة البائسة في الخيام.
جالت فرح الرواغ مع طفلها على عدة مستشفيات ميدانية ومراكز صحية، وعانت من أجل تخفيف آلام ناجمة عن حياة التشرد والنزوح المتكرر والإقامة في خيام تفتقر لمقومات الحياة الأساسية، قبل أن تستدل على الخيمة الطبية، حيث وجدت "رعاية طبية أفضل وعلاجًا مجانيًا"، كما تقول.
وتتعامل الخيمة الطبية "أنتم أهلنا" يوميًا مع زهاء 20 حالة بشكل مباشر، فضلًا عن حالات أخرى ميدانية، وتقول الطبيبة لبنى العزايزة لـ "الترا فلسطين"، إنها تحرص على تخصيص يومين أسبوعيًا لتنظيم زيارات ميدانية للخيام ومراكز الإيواء للوصول إلى مرضى ومسنين وحالات ليس بمقدورها الحركة والوصول إلى الخيمة الطبية من أجل الحصول على الرعاية الطبية والعلاج.
ولا تعتمد لبنى العزايزة، وهي مدربة صحية معتمدة، على الأدوية فقط، فهي تمنح مساحة واسعة للورشات التثقيفية، حرصًا منها على "زيادة وعي المرأة بصحتها الجسدية والنفسية، وكيفية تعامل المرأة الحامل أو المرضعة مع جنينها ورضيعها، للحفاظ على صحتهما معًا، خاصة في ظل الواقع المتردي الذي فرضته الحرب الضارية والحصار الخانق".
أنتم أهلنا
والطبيبة لبنى العزايزة متزوجة وأم لثلاثة أطفال، وعلى مدار سنوات امتزجت خبرتها العلمية بتجربتها كأم، وتوظف هذه الخبرة الكبيرة من أجل التخفيف عن كاهل الأمهات، ليس فقط النازحات، وإنما الأمهات كلهن، اللواتي تنظر إليهن هذه الطبية كشريحة أشد احتياجًا وأكثر تأثرًا بتداعيات الحرب.
وافتتحت الطبيبة لبنى العزايزة خيمتها الطبية بمبادرة ذاتية بعنوان "أنتم أهلنا"، في ساحة منزلها الذي تعرض إلى دمار كبير، وبدافع من حرصها "للتخفيف عن كاهل المستشفيات والمرافق الصحية التي تعاني ضغوطًا هائلة"، جراء حالة الطوارئ الدائمة على مدار الساعة نتيجة قوافل الشهداء والجرحى، وكذلك المرضى.
واستصلحت لبنى العزايزة غرفة لا تزال قائمة في منزلها المدمر، وتقيم بها مع أسرتها، وتقول إن الدمار طاول أيضًا عيادتها الطبية الخاصة داخل المنزل، ورغم ما لحق بها من خسائر، إلا أنها تشعر بأنها "تتحمل مسؤولية مهنية وأخلاقية ووطنية تجاه مجتمعها"، ولا بد أن يكون لها "بصمة" في تخفيف آلام كل محتاج للخدمة والرعاية الطبية.
وعلى نحو لافت حققت الخيمة الطبية انتشارًا واسعًا على مستوى مدينة دير البلح، وتقول لبنى العزايزة إن ما شجع على هذا الانتشار أن ثلاثة مخيمات للنازحين تقع في محيط المنزل، وعلى مقربة من الخيمة، "فضلًا عن الاهتمام الكبير الذي نوليه للمراجعين من رجال ونساء، وساهم في أن يقصد الخيمة مرضى من أرجاء المدينة".
أهداف ومعوقات
تقدم الخيمة الطبية "أنتم أهلنا" رعاية طبية شاملة ومجانية، وتشعر الطبيبة لبنى العزايزة بفخر كبير لما حققته من نجاح على صعيد الورشات التثقيفية للرضاعة الطبيعية، التي ساعدت أمهات كثر على تخفيف استهلاك الحليب الصناعي والاعتماد أكثر على الرضاعة الطبيعية التي تساعد على المناعة.
وتدعم لبنى العزايزة الاعتماد على الرضاعة الطبيعية في وقت الحروب وغلاء الأسعار كما هو واقع الحال في قطاع غزة حاليًا، لحماية الطفل من الأمراض، "ولأن حليب الأم يشكل مناعة للطفل من الوضع البيئي السيء، وهو أيضًا مضاد حيوي قوي جدًا، ويعالج الحبوب والتهابات الجلد لدى الأطفال الرضع والمواليد".
ويتطوع في الخيمة الطبية "أنتم أهلنا" ممرضتان وممرض، بخدمات تخصصية للأمهات والحوامل، غير أن الطبيبة لبنى العزايزة تصف الخيمة الآن بأنها "مستشفى مصغر"، وقد اتسعت دائرة الخدمات الطبية التي تقدمها للمرضى والمراجعين، لتشمل خدمات تمريضية وغيار على الجروح، وخدمات طبية أولية.
وتقول لبنى العزايزة إن الخدمات التي تقدمها مبادرة الخيمة الطبية "تخفف الضغط على مستشفى شهداء الأقصى الحكومي الوحيد في المنطقة الوسطى وكذلك باقي المرافق الصحية والمستشفيات الميدانية، وفي الوقت نفسه تسهل من وصول الناس للخدمات الطبية الأولية".
يتطوع في الخيمة الطبية "أنتم أهلنا" ممرضتان وممرض، بخدمات تخصصية للأمهات والحوامل، غير أن الطبيبة لبنى العزايزة تصف الخيمة الآن بأنها "مستشفى مصغر"، وقد اتسعت دائرة الخدمات الطبية التي تقدمها لتشمل خدمات تمريضية
وتلقت الخيمة الطبية "أنتم أهلنا"، دعمًا بسيطًا لتوفير الأدوية للمرضى والمحتاجين، وتقول لبنى العزايزة إن الحاجة إلى هذه الخيمة تزداد، ويتطلب ذلك من الجهات الداعمة توفير احتياجات أساسية كجهاز تصوير "الترا ساوند" للحوامل، وجهاز تبخيرة، وطاقة شمسية لتوليد الكهرباء، وأدوات خدمات تمريضية ومستهلكات.
وأضافت، أنها تتعامل مع حالات وتقدم لها الرعاية الأولية، وتضطر لتحويلها إلى مستشفى شهداء الأقصى، لعدم توفر الإمكانيات داخل الخيمة للمتابعة معها.
وتعرض القطاع الصحي في غزة لاستهداف إسرائيلي ممنهج منذ اندلاع الحرب، تسبب في خروج 34 مستشفى و80 مركزًا صحيًا عن الخدمة، بحسب توثيق المكتب الإعلامي الحكومي.