بدأت عائلاتٌ بالنزوح من شاطئ البحر على امتداد وسط قطاع غزة وجنوبه، هربًا من أمواج البحر التي أغرقت الخيام في هذه المناطق، بعدما كانت هذه العائلات قد نزحت إلى الشاطئ هربًا من الغارات الإسرائيلية، بينما بقيت آلاف العائلات الأخرى على الشاطئ لا تجد مكانًا آخر للذهاب إليه.
على مدار أشهر عمل النازحون إلى الشواطئ قبالة المنطقة الوسطى والمواصي وخانيونس وأجزاء من شاطئ رفح على إنشاء عوائق رملية وسواتر ترابية لحماية خيامهم، لكنها لم تعد تصمد مع قوة الأمواج المتزايدة
يحدث ذلك حتى قبل دخول فصل الشتاء، الذي سيكون الشتاء الثاني وسط حرب الإبادة الجماعية التي تواصل "إسرائيل" شنَّها منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، قبل 403 أيام.
يقول محسن العوايشة، وهو نازحٌ من شمال قطاع غزة إلى النصيرات، إن مياه الأمواج دخلت مراتٍ عديدةٍ خيمتهم، ما دفعه إلى حفر عائق رملي أمام الخيمة لإعاقة الأمواج، "إلا أن أمواجًا كبيرة تجاوزت العائق وغمرت الخيمة تمامًا، وشعر الأطفال بالماء يسحبهم، فحملتُ أبنائي، وخرجنا فورًا باتجاه الشرق بعيدًا عن البحر".
ويضيف العوايشة، وهو أبٌ لعائلة مكونة من 8 أشخاص، أن مياه البحر دخلت لجوف أطفاله وهم نيام، وسبَّبت لهم مشكلة في التنفس، فضلًا عن لحظات الرعب التي عاشوها في الظلام، وأجسادهم التي ظلت ترتجف طوال الليل خوفًا وبردًا.
وتابع: "ما عِشتُهُ عاشه كل جيراني، الأمواج وصلت لكافة مناطق الشاطئ، والجميع غرقوا وهم نيام، وكنا عاجزين عن فعل أي شيء، فالبقاء يعني أننا سنعيش هذه الظروف كل ليلة، طيلة أشهر الشتاء، وفي المقابل لا مكان آخر نغادر إليه".
ويرى العوايشة أن أبرز ما يدفع أهالي شمال قطاع غزة للتمسك بمنازلهم وتفضيل الموت على النزوح، أنهم "يعيشون فيها بكرامتهم، والكرامة أغلى من أي شيء، وهي تستحق أن تتحمل لأجلها القصف، والجوع، والتنكيل، فذلك خيرٌ من أن تنزح لتعيش بجحيم النزوح وذل التشتت" حسب وصفه.
وعلى مدار أشهر عمل النازحون إلى الشواطئ قبالة المنطقة الوسطى والمواصي وخانيونس وأجزاء من شاطئ رفح على إنشاء عوائق رملية وسواتر ترابية لحماية خيامهم، لكنها لم تعد تصمد مع قوة الأمواج المتزايدة، واشتداد الرياح، ما أدى لتجاوز الأمواج لها ووصولها للخيام.
ويقول رجب العطار، النازح على شاطئ البحر غرب قرية الزوايدة وسط القطاع، إن غرق الخيمة بات جزءًا من المعاناة اليومية لعائلته، فخلال الأسابيع الأخيرة، ازداد هيجان البحر، وأدى ذلك لتقدم الأمواج بقوة تجاه الخيام، و"عدة مرات ينهار الجزء الغربي ونحن داخلها، عندما ترتطم به الأمواج، فتصلنا المياه وتبللنا وتغرق مقتنيات الخيمة".
وأضاف رجب العطار: "كل ما نملك من أغطية وفراش وملابس تبلل تمامًا، وأثناء نشرنا لأغطيتنا على الكراسي لتجفK أتت أمواجٌ وأسقطتها وأغرقتها، لك أن تتخيل أن هذا ما نعيشه يوميًا".
وبيّن العطار، أن الأجواء شديدة البرودة عندما تجتمع مع معاناة إغراق الأمواج للخيام، "فإنها تدمر صحة الإنسان، وتذيقه معاناة قاسية، ولا يوجد عذاب أصعب على الأب من أن يرى أطفاله يرتجفون بردًا".
وتسبَّبت موجات الغرق المتواصلة لخيام النازحين بتلف العديد من المقتنيات والأغذية داخل الخيام، ما أدى لزيادة معاناة النازحين، وحرمانهم من متطلبات حياتية أساسية.
ويقول النازح محمود سمعان، إن خيمته غرقت منذ أسبوع، بعد أن كان متأكدًا أن المياه لن تصل لها، نظرًا لصناعته سلسلتين من العوائق الرملية أمام خيمته، لكن رغم الإجراءات الاحترازية التي قام بها لحماية الخيمة، فإن الأمواج وصلت للخيمة وأغرقتها.
وأضاف محمود سمعان: "أغرقت مياه البحر الخيمة وما بداخلها من فراش وأغطية، وأيضًا غرق الطحين الذي نملكه، وتلف بالكامل، ومع إغلاق المعابر لا يتوفر طحين بالسوق، وحتى لو توفر فإننا لا نملك المال لشرائه".
وتابع: "منذ 6 أيام لم نتمكن من الحصول على الخبز، وغذاؤنا هو ما تبقى عندنا من معلبات البازلاء والتونة، نأكلها مباشرة كوجبة واحد فقط في اليوم، وما نعيشه هو مجاعة بكل ما تعني الكلمة من معنى".
وأوضح سمعان، أن غرق الخيمة أدى أيضًا لتلف أدوية والدته المريضة، ما فاقم وضعها الصحي الصَّعب أساسًا بفعل ظروف النزوح والبرد، والترحال، وسوء التغذية، واصفًا ما يحدث بأنه "قتل بطيء لنا".
وتعيش مخيمات النزوح على شاطئ البحر حالة من التهميش من المؤسسات الإغاثية العاملة في القطاع، كما يقول النازحون فيها، ويؤكدون أنهم طالبوا مرارًا بتوفير الخيام، أو استئجار المؤسسات لقطع أراضي يضعون عليها خيامهم بعيدًا عن الشاطئ، ولكن لم تتم الاستجابة لأي من طلباتهم.
تعيش مخيمات النزوح على شاطئ البحر حالة من التهميش من المؤسسات الإغاثية العاملة في القطاع، كما يقول النازحون فيها
ومع اقتراب فصل الشتاء، أطلق المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة نداء استغاثة إنساني عاجل لإنقاذ مليوني نازح في القطاع، في ظل ظروف النزوح غير الآدمية.
وحمل المكتب الإعلامي، الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأميركية كامل المسؤولية عن الظروف الكارثية التي يعيشها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. وناشد الدول العربية والإسلامية ومجلس التعاون الخليجي لإدخال المساعدات والخيام لـ2 مليون نازح.
كما طالب المجتمع الدولي وكل المنظمات الدولية والأممية والمؤسسات العالمية ذات العلاقة بالخروج عن صمتها وتقديم الإغاثة الفورية والعاجلة للنازحين، الذين هم بأمس الحاجة إلى مأوى مناسب، يقيهم من برد الشتاء وحرارة الصيف، وقبل ذلك الضغط على الاحتلال لوقف جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة.