لم تجد سميحة الأشقر أمامها سوى بطانية لإعادة تدويرها وصناعة سترة شتوية منها لابنتها الوحيدة المريضة، في ظلّ منع الاحتلال الإسرائيلي إدخال الملابس الشتوية لقطاع غزة، الذي يتعرض لحرب دامية وحصار خانق للعام الثاني على التوالي.
ونزحت هذه المرأة الخمسينية بابنتها وفا، 19 عامًا، من شمال القطاع وتقيم معها في خيمة بمنطقة مواصي مدينة خانيونس جنوب القطاع، بعد رحلة نزوح قاسية من مكان إلى آخر، وتقول لـ "الترا فلسطين": "نزحنا من منازلنا بالشمال بالملابس التي تسترنا، ولم نكن نعلم أنّ الحرب ستطول كل هذه المدة، وسيأتي علينا الشتاء الثاني ونحن نازحين مشردين بالخيام".
تعتمد مبادرة "مشغل إبرة وخيط" على فريق غالبيته من المتطوعين، فيما يحصل البعض منهم على أجرٍ زهيد يساهم في إعالة أسرهم النازحة أيضًا في خيام المواصي
ويواجه أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع أزمة حادة في ملابس الشتوية، التي يمنع الاحتلال إدخالها، وقد خسروا ملابسهم ومقتنياتهم سواء في منازلهم التي نزحوا عنها في شمال القطاع ومناطق التوغلّ، أو تحت أنقاض منازلهم المدمرة، علاوة على التدمير الهائل الذي طاول مستودعات ومحال بيع الملابس.
أزمة ملابس شتوية
ووجدت هذه الأم الأرملة في مبادرة "إبرة وخيط" ما تبحث عنه لابنتها التي تعاني مرضًا وراثيًا، وتعتمد على إعادة تدوير البطانيات (الأغطية) وتحويلها إلى ملابس شتوية، بديلة عن الملابس البالية التي أذابتها ويلات الحرب وكثرة التنقل على أجساد النازحين.
وتقول سميحة إن الملابس الشتوية التي ترتديها وابنتها هي ذاتها التي خرجت بها من منزلها بالشمال، وقد اهترأت ولم تعد تقي من البرودة الشديدة في منطقة المواصي الساحلية خاصة خلال ساعات الليل، وتساءلت: "ماذا سنفعل إذا اشتدت البرودة والأمطار الشهر المقبل؟".
ولتدفئة ابنتها ومساعدتها على تحمل قرصات البرد، توجهت سميحة بها مع بطانية حصلت عليها الشتاء الماضي ضمن طرد من هيئة إغاثية دولية، لمشغل تديره المبادرة الثلاثينية نداء عيطة مع فريق من الرجال والنساء في خيمة بمنطقة مواصي خانيونس.
وبعد أخذ مقاسات وفاء، حوّل فريق المبادرة البطانية لسترة شتوية بخياطة يدوية، في ظلّ عدم توفر الكهرباء اللازمة لتشغيل ماكينة الخياطة الوحيدة لديهم.
إبرة وخيط
وتقول نداء لـ "الترا فلسطين"، وهي صاحبة هذه فكرة المشغل لتدوير البطانيات لملابس شتوية، إنها والفريق يعملون يدويًا، وهذا يتطلب جهدًا شاقًا ومضاعفًا، بسبب عدم توفر الكهرباء المقطوعة منذ بداية الحرب في تشرين الأول\أكتوبر من العام الماضي.
وبعد أخذ المقاسات وقصّ قماش البطانيات يدويًا، تلجأ نداء وفريقها إلى حياكتها على ماكينة خياطة وحيدة يعمل عليها خياط، وتدور بالطاقة الحركية التي تولّدها دراجة هوائية متصلة بحزام الماكينة، ويقوم شخص مهمته إدارة دواسات الدراجة لتوليد الطاقة بالدوران وتشغيل الماكينة.
وتكتسب هذه المبادرة أهميتها من الحالة البائسة التي يعيشها الغزيون، وغالبيتهم من النازحين في الخيام ومراكز الإيواء، ويأتي عليهم الشتاء الثاني في ظلّ حرب متصاعدة في عامها الثاني، ولا يمتلكون ملابس شتوية أو وسائل تدفئة.
وهذه المبادرة ليست التجربة الأولى لنداء، التي أشرفت على مبادرات أخرى سابقة سعت من خلالها إلى التخفيف من أعباء الحرب والنزوح عن المشردين في الخيام ومراكز الإيواء، وعن ذلك تقول: "الحرب أنهكتنا جميعًا، ولابد من التفكير في مبادرات وطرق خلاقة تعزز من صمود الناس وقدرتهم على البقاء".
وتعتمد مبادرة "مشغل إبرة وخيط" التي أطلقتها نداء في تموز\يوليو الماضي على فريق غالبيته من المتطوعين، فيما يحصل البعض منهم على أجرٍ زهيد يساهم في إعالة أسرهم النازحة أيضًا في خيام المواصي.
وتقول نداء إن المبادرة تراعي الأوضاع المعيشية البائسة للناس، وتكتفي بهامش ربح بسيط، رغم صعوبة توفير البطانيات وغلاء أسعارها، وتضيف أن الأسعار تنخفض أكثر بالنسبة لمن يوفرون البطانيات، وهناك مراعاة لحالات أوضاعها مأساوية يتم إنجاز مشغولاتهم مجانًا.
عراقيل إسرائيلية
ومنذ اجتياحها مدينة رفح واحتلال معبر رفح البريّ مع مصر، تفرض سلطات الاحتلال قيودًا مشددة على حركة دخول شاحنات المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية، بما فيها الملابس، ولا تسمح بدخول سوى أصناف محددة وقليلة من السلع أغلبها مواد غذائية، عبر معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد.
ولا تتوفر الملابس الشتوية في الأسواق، وسعيًا لتدفئة أجسادهم يلجأ غزيون لـ "بسطات البالة" وتتوفر بها كميات شحيحة من الملابس المستخدمة، وتقول نداء: "لهذا السبب فكرنا في مشغل إبرة وخيط، لأن هناك أزمة قماش أيضًا مع أزمة الملابس الشتوية الجاهزة، ومن هنا كانت فكرة إعادة تدوير البطانيات الحرارية وتحويلها لملابس شتوية".
ووفقًا لبيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، وهيئات محلية ودولية أخرى، فإن إدخال المساعدات الإنسانية للقطاع يواجه عراقيل كثيرة. وخلال الشهرين الماضيين (أيلول\سبتمبر وتشرين الأول\أكتوبر) انخفض حجم المساعدات الدولية إلى أدنى مستوى له منذ مطلع العام الجاري.