12-سبتمبر-2024
المعلم محمد الخضري صاحب مبادرة مستمرون بالعلم والتعليم يشكو من شح الورق والقرطاسية وارتفاع أسعار المتوفر منها بالأسواق-أحلام حماد-

المعلم محمد الخضري صاحب مبادرة مستمرون بالعلم والتعليم يشكو من شح الورق والقرطاسية وارتفاع أسعار المتوفر منها بالأسواق-أحلام حماد-

"لا شيء متوفّر ونعاني من نواقص في كل شيء، حتى بالورق"، تقول طبيبة الطوارئ ياسمين سويدان، بينما كانت تجلس في قسم الاستقبال والطوارئ بمجمع ناصر الطبي في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، وأمامها قصاصات من ورق مستعمل تستغل أجزاءً منها لكتابة الملاحظات والوصفات الطبية.

وبينما كانت سويدان محاطة بالكثير من المراجعين في قسم الاستقبال والطوارئ، وتكتب لأحدهم وصفة طبية على الجهة البيضاء من ورقة مستخدمة، قالت لـ"الترا فلسطين": "كما ترين.. نعاني من أزمات في كل شيء بدءًا من الورق وحتى الأدوية والأجهزة الطبية والوقود".

يمنع الاحتلال توريد قائمة طويلة تضم آلاف أصناف السلع والبضائع ومن بينها الورق والقرطاسية

ويوظّف الاحتلال الإسرائيلي الورق مرورًا بالماء والغذاء وحتى الوقود والأدوية، وغيرها من مقومات الحياةـ كـ"أدوات حرب" في حرب الإبادة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، منذ اندلاعها في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

أزمة ورق

ياسمين طبيبة نازحة من مدينة رفح إلى مدينة خانيونس، وعادت لمجمع ناصر الطبي مع استئناف العمل به، عشيّة الاجتياح البريّ الإسرائيلي لمدينة رفح في 6 أيّار/مايو الماضي، وتقول إن عدم توفر الورق خاصة للوصفات الخارجية، إضافة إلى عدم توفر أوراق رسمية للتحاليل، وأوراق الدخول، يُمثّل أزمة شديدة وعقبة أمام عمل الأطباء والطواقم الصحيّة في المجمع.

وللتغلب على هذه الأزمة تضطر سويدان وزملاؤها في المجمّع إلى استخدام ورق الدفاتر الدراسية، أو ما يتوفر من أوراق مستخدمة كورق تخطيط القلب، من أجل تسيير العمل اليوميّ، وتقول: "ربما ينظر البعض إلى الورق كقضية صغيرة، لكن عدم توفره في المرافق الصحيّة والمستشفيات يمثّل أزمة شديدة بالنسبة لأطباء الطوارئ، الذين يتعاملون بشكل يومي مع مئات أو ربما آلاف المرضى، ويحتاجون إلى توفّر الورق بأنواعه لتأدية المهام الطبيّة اليوميّة". 

 الطبيبة ياسمين سويدان تعمل في ظروف معقدة بمجمع ناصر الطبي جراء أزمات مركبة أبرزها شح الورق-أحلام حماد-الترا فلسطين.jpg
الطبيبة ياسمين سويدان تعمل في ظروف معقدة بمجمع ناصر الطبي جرّاء أزمات مركبة أبرزها شحّ الورق  (أحلام حماد/ الترا فلسطين)

ومن أزمة الورق حتى نفاد الوقود، يترنّح مجمع ناصر الطبيّ الأكبر في جنوب القطاع، وتتخوف إدارته من انهياره في أيّ لحظة، الأمر الذي من شأنه أن يَعصف بحياة أكثر من مليون و200 ألف فلسطيني من السكان والنازحين.

وكانت قوات الاحتلال اقتحمت مجمع ناصر واحتلته لنحو أسبوعين وعاثت فيه فسادًا وخرابًا إبان اجتياحها لمدينة خانيونس مطلع كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، في سياق عمليّة عسكريّة بريّة استمرت لأربعة أشهر، غير أن إدارة المجمّع نجحت بجهود مضنية في إعادة تشغيله من جديد.

 تكتب الطبيبة ياسمين سويدان وصفات علاجية على أوراق مستخدمة جراء أزمة شح الورق بمجمع ناصر الطبي-أحلام حماد-الترا فلسطين.jpg
تكتب الطبيبة ياسمين سويدان وصفات علاجية على أوراق مستخدمة جرّاء أزمة شحّ الورق بمجمع ناصر الطبي (أحلام حماد/ الترا فلسطين)

ضغوط ومخاطر

ويقول مدير المجمع الطبي عاطف الحوت لـ "الترا فلسطين" إن الطواقم الطبية تعمل وسط ضغوط شديدة وفي ظلّ ظروف معقدة، ويواجه المجمع معوقات حادة تعصف به وتهدد بانهيار خدماته الطبية، تبدأ من أزمة صغيرة مثل عدم توفر الورق الخاص بالمعاملات الطبية اليومية، مرورًا بالأدوية والمستلهكات الطبية، وصولاً إلى أزمة شح الوقود، ويتهم الحوت المنظمات الدولية بأنها تنتهج "سياسة التقطير" في إمداد المجمع بالوقود اللازم لتشغيله، بحيث لا تكفي الكمية التي تقدمها سوى ليومين أو ثلاثة، ثم تبرز الأزمة من جديد.

وتسمح سلطات الاحتلال على نطاق ضيق وبكميات محدودة بدخول أصناف من السلع والمواد الغذائية، في حين تمنع توريد قائمة طويلة تضم آلاف أصناف السلع والبضائع ومن بينها الورق والقرطاسية، بحسب تاجر فضّل عدم الكشف عن هويته لـ "الترا فلسطين".

ويقول التاجر، المختص باستيراد الورق والقرطاسية من الصين، إن الحركة التجارية توقفت تمامًا في هذا الجانب عقب اندلاع الحرب، وما هو متوفر في أسواق القطاع ومكتباته ومخازن الوزارات والهيئات الرسميّة والأهليّة كميات شحيحة جدًا، وإما استنفذت أو تعرضت للحرق والتدمير جرّاء عمليات القصف والتدمير.

 يقول المعلم محمد الخضري إن اولياء امور الطلبة الملتحقين بمبادرته ليس بمقدورهم توفير الورق والقرطاسية-أحلام حماد-الترا فلسطين.jpg
يقول المعلم محمد الخضري إن أولياء أمور الطلبة الملتحقين بمبادرته ليس بمقدورهم توفير الورق والقرطاسية (أحلام حماد/ الترا فلسطين)

تعليم بلا ورق

توشك السنة الدراسيّة الجديدة أن تبدأ من دون أفق لنهاية قريبة للحرب، حيث الكثير من مدارس القطاع وجامعاته تعرّضت للتدمير، وبهذا يحاول مبادرون إطلاق مبادرات فردية وجماعية مجانيّة لاستئناف جزئيّ للمسيرة التعليمية، غير أن جهودهم تصطدم بأزمات كثيرة ومركبة، من أهمها عدم توفر الورق والدفاتر والقرطاسية وأدوات أخرى مرتبطة بالعملية التعليميّة.

ويشكو مبادرون من ارتفاع هائل على أسعار الكميّات القليلة من هذه المواد والأدوات المتوفرة في الأسواق، وعدم قدرتهم على توفيرها للطلبة الملتحقين بالمبادرات، ويقول المعلّم المبادر محمد الخضري لـ "الترا فلسطين" إنه أطلق قبل بضعة شهور مبادرة "مستمرون بالعلم والتعليم" في مدينة دير البلح وسط القطاع، وهذه المبادرة تواجه معوقات كثيرة، أبرزها وأهمها عدم توفّر الورق والدفاتر والقرطاسية التي تشكّل أحد عمدة المسيرة التعليمية.

 تواجه مبادرة المعلم محمد الخضري عقبات كثيرة أبرزها عدم توفر الورق والقرطاسية جراء الحصار وارتفاع الاسعار-أحلام حماد-الترا فلسطين
 تواجه مبادرة المعلم محمد الخضري عقبات كثيرة أبرزها عدم توفر الورق والقرطاسية جرّاء الحصار وارتفاع الأسعار | أحلام حماد | الترا فلسطين
 يضطر المعلم محمد الخضري إلى إشراك عدة طلاب في قرطاسية واحدة من دفاتر وكتب وأقلام بسبب الحرب والحصار-أحلام حماد-الترا فلسطين.jpg
يضطر المعلم محمد الخضري إلى إشراك عدة طلاب في قرطاسية واحدة من دفاتر وكتب وأقلام بسبب الحرب والحصار (أحلام حماد/ الترا فلسطين)

وتعمّدت قوات الاحتلال الإسرائيلي مع اندلاع الحرب انتهاج سياسة تدمير البنية التحتية التعليمية، وبحسب الخضري فقد طاول التدمير رياض الأطفال والمدارس والمعاهد والجامعات، وكذلك مخازن القرطاسيّة والورق والكتب التابعة للحكومة والخاصة وتلك التابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

وهذه السياسة التدميرية عمّقت من الأزمة وتعرقل أيّ مبادرة من أجل استئناف التعليم ولو بشكل جزئيّ، حيث تصطدم أيّ محاولة أو مبادرة بعدم توفر القرطاسيّة وبالارتفاع الهائل على أسعار الكميات القليلة الموجودة بالأسواق، ويضرب الخضري مثلًا بورق مقاس (A4) الذي ارتفع سعره من 15 شيكلًا إلى 120 شيكل، وكذلك الدفاتر بمقاساتها وأحجامها المختلفة، إذ ارتفعت أسعارها إلى 4 أو 5 أضعاف السعر الطبيعي قبل اندلاع الحرب.

هذه الأسعار وفق تأكيد الخضري لا تتناسب مع الأوضاع الاقتصادية لغالبية الغزيين، وجلّهم من النازحين الذين عصفت بهم الحرب وقد خسروا أعمالهم ومصادر رزقهم، وليس بمقدورهم توفير الدفاتر والقرطاسيّة لأبنائهم من أجل الانتظام بمبادرات تعليمية.