الانطباع الأول، الذي يتبادر إلى الذهن بمجرد رؤية الصورة الفوتوغرافية التي توثق اجتماع قائد جيش الاحتلال في الضفة الغربية مع قادة المستوطنين في شمال الضفة الغربية، أنها التقطت في استجواب برلماني، لكن الاستماع للتسجيل المسرب لتلك الجلسة يقدم صورة أوضح يجعل من غير المبالغ فيه الحديث عن "دولة المستوطنين".
قدم آفي بلوت شرحًا لقادة المستوطنين حول الواقع الأمني في الضفة الغربية، مبينًا أنه يقف على على أربعة أقدام، وهي: التفوق الاستخباري، والتنسيق الأمني، والسيطرة على غلاف مناطق التماس، وحرية العمل
في بداية حديثه، وفق ما ورد في التسريب الصوتي، يخاطب اللواء آفي بلوت، قائد جيش الاحتلال، قادة المستوطنين كاشفًا أمامهم معلومات لم تنشر في وسائل الإعلام من قبل: "أنا هنا لأن الوضع الأمني ليس جيدًا إلى درجة كافية، ولأن الوضع يتطلب إصلاحًا، تقريبًا منتصف العام الماضي كان بمقدورنا الإشارة إلى هذه التوجهات في لحظة انطلاقها. كل قيادة الجيش كانت على علم أننا نتجه لهذه الفترة، وكتيبة الضفة الغربية استعدت بشكل عاجل حتى نكون متأهبين، لكن الأمر الذي فاجئنا هو أن العمليات التي كنا نتوقع أن تنطلق من الضفة الغربية وتمتد من هناك لداخل الخط الأخضر، لكن لم نتوقع أنها ستبدأ من داخل الخط الأخضر".
على بعد أمتار من المنبر الذي يقف عليه اللواء آفي بلوت يجلس رئيس مجلس المستوطنات في شمال الضفة الغربية يوسي دغان، وضابط رفيع آخر. ويمضي بلوت بالقول: "عندما توليت منصبي الحالي، كانت تتواجد في الضفة الغربية 13 كتبية، اليوم عدد الكتائب التي أقودها في الضفة الغربية 24، أقول ذلك لكي تعرفوا حجم الجهود المبذول لوقف التصعيد. لقد أوقفنا التدريبات في الجيش ولهذا الأمر تداعياتٌ في غاية الخطورة، تتعلق الاستعدادات للأحداث مع سوريا أو لا لبنان أو أحداث أخرى".
وقدم آفي بلوت شرحًا لقادة المستوطنين حول الواقع الأمني في الضفة الغربية، مبينًا أنه يقف على على أربعة أقدام. أولاً: "التفوق الاستخباري. وفي هذه المستوى نملك قدرات تصل حد الخيال العلمي. كنت قائد كتبية في الجدار الواقي، كما قلت لكم المعلومات الاستخبارية التي كنا نملكها من العملاء والشاباك وعمليات الرصد التي ننفذها كانت قيمتها تتراوح بين %10 إلى 40%. اليوم نحن نملك تفوقًا استخباريًا، من نوع آخر".
أما القدم الثانية، بحسب بلوت، فهي التنسيق الأمني. بينما القدم الثالثة هي السيطرة على غلاف خطوط التماس والجدار الفاصل، معترفًا أن جيش الاحتلال خلال السنوات العشر الأخيرة أهمل هذه القدم، وهذا أتاح الوصول إلى قلب "تل أبيب" وتنفيذ عمليات.
وأوضح آفي بلوت، أن القدم الرابعة للعمل الأمني في الضفة الغربية فهي حرية العمل، مبينًا أن جيش الاحتلال منذ شهر شباط/فبراير الماضي بدأ يعمل في مناطق لم يكن يعمل بها منذ وقت طويل، مثل جنين والبلدة القديمة في نابلس، وقد كان هدف هذه العمليات توجيه ضربة استباقية لمنع تنفيذ عمليات في "تل أبيب"، وليس الرد على تنفيذ عمليات في "تل أبيب" كما حدث سابقًا.
واتسمت الجلسة بين قادة المستوطنين وقائد جيش الاحتلال بأنها "مشحونة بالتوتر" بحسب كارميل دنغور، مراسلة "قناة كان" في الضفة الغربية التي سربت أجزاء من الاجتماع، مبينة أن قادة المستوطنون أعربوا عن غضبهم من "تعليمات إطلاق النار"، واتهموا الجنود بأنهم يخشون إطلاق النار على الفلسطينيين.
اتسمت الجلسة بين قادة المستوطنين وقائد جيش الاحتلال بأنها "مشحونة بالتوتر"، وقادة المستوطنون أعربوا عن غضبهم من "تعليمات إطلاق النار"، واتهموا الجنود بأنهم يخشون إطلاق النار على الفلسطينيين
ورفض آفي بلوت اتهامات المستوطنين، معتبرًا أن قتل أكثر من 100 فلسطيني منذ بداية العام يشير أن الجنود لديهم الثقة بالنفس لإطلاق النار بسلاحهم، "فهناك شروطٌ بعد توفرها يكون واجبًا على الجندي إطلاق النار".
استجواب المستوطنين لقائد جيش الاحتلال يعيدنا إلى مقال كتبه العقيد احتياط دورون مينيرت، الرئيس السابق لإدارة تخطيط عمليات هيئة الأركان العامة، الذي ينشط حاليًا في منظمات حقوق الإنسان. يقول مينيرت: "حكومة إسرائيل ليس لديها استراتيجية في مناطق الضفة الغربية، وعلى هذا الفراغ يسيطر أسياد المكان، أي خليط بين المستوطنين وجهات عسكرية. الجملة التي جاءت على لسان قائد الجيش الإسرائيلي في شمال الضفة الغربية اللواء روعي تسفييغ لجنوده: الاستيطان والجيش أمر واحد، هذا الوضع يقدم تُصورًا لطبيعة الوضع بأنهم ينفذون استراتيجية تهدف إلى سلب الأرض الفلسطينية".
وخلال شهر تشرين أول/أكتوبر، اعترف ضباطٌ في الجيش لمراسلين عسكريين أن الاعتداءات التي الضباط أسر لمراسلين عسكريين أن الاعتداءات الجماعية التي ينفذها المستوطنون تشتت جهود الجيش، بسبب انشغاله في تأمينها، وبالتالي يؤدي لنقطة ضعف يستغلها الفلسطينيون في تنفيذ عمليات. ولم تنقض أيامٌ على هذا التحذير، حتى اعتدى مستوطنون على ضابط رفيع بالقرب من نابلس، دون أن يتم توجيه أي لائحة اتهام بحق المعتدين، بل إن رئيس أركان الجيش اكتفى بوصف الاعتداء بالقول إنه "أمر غير مسبوق".
في الفترة ذاتها، ستشاهد مرة أخرى كيف تميل الكفة لصالح المستوطنين، عندما لجأ جهاز "الشاباك" إلى طلب العون من الحاخام الأكبر لتيار الصهيونية الدينية الاستيطاني دروكمان في منزله لإقناع قادة المستوطنين بأن تنفيذ الهجمات الانتقامية ضد الفلسطينيين من شأنه تشتيت جهود الجيش والمخابرات الرامية لإحباط العمليات التي قد ينفذها الفلسطينيون.
وبداية الأسبوع الحالي، ألقى الإرهابي باروخ مرزل محاضرات لجنود الاحتلال في الخليل. وباروخ مرزل كان السكرتير الشخصي للحاخام مئير كهانا مؤسس حركة "كاخ" المصنفة بأنها تنظيم إرهابي في عدد من دول العالم بعد تنفيذها مذبحة جامعة الخليل في عقد الثمانيات. ونقلت صحيفة "هآرتس" عن أحد الجنود قوله إن المحاضرة كانت "رؤى أيديولوجية"، بينما قال جندي آخر: "في الماضي كان من الممكن الاعتراض على محاضرات الحاخامات، واليوم الغالبية متدينون وأي محاولة للاعتراض أصعب بكثير. ومن يدعو هؤلاء المحاضرين هم من كبار الضباط في اللواء والكتيبة".